الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

الإلحاد و الإيمان و الإسلام "الرد على موضوع : تفكيك الإيمان"


تفكيك الإيمان, للعضو: لاديني بالفطرة

  • اقتباس:

    مقدمة .

    هناك رؤية لى تلح بإستمرار و تثبت دائما منطقيتها وعقلانيتها فى كل مناحى الحياة ..رؤية تطرح أن أفكارنا ليست وليدة عملية ذهنية محضة بواسطة العقل ..بل العقل هو وسيلة لتقبل وتمنطق الأفكار التى نريدها والتى نحتاجها .

    أى أننا تحت إلحاح رغباتنا وإحتياجاتنا وحالتنا النفسية نسوق العقل للخوض فى غمار أفكار محددة محاولا أن يمنطقها ويجعل لها قبول وحضور .

    نحن أيضا لا نفكر فى أمور ليس لها أى مردود نفسى وإحتياجى داخلنا ..أمور لا تشكل أى تأثير إيجابى اوسلبى فى داخلنا ..فمثلا لا يهمنا إنفجار نجم فى مجرتنا أو مجرة بعيدة عنا ولن نخوض فى البحث عن سبب هذا ..ولن يزعجنا هذا الأمر لنجعل العقل يخوض فى البحث عن سبب إنهيار النجم ..ولكن فى المقابل سيزعجنا بشدة سقوط حجر من أعلى بناية فوق رؤوسنا وسنبحث هنا إن كان سقوطه عمدا أو سهوا .

    وبالمثل يكون خوضنا غمار البحث عن فكرة الإله يسير فى هذا المنحى ..فلو لم توجد حالة نفسية قلقة ومضطربة , ما شغلنا ذهننا فى محاولة إيجاد فكرة تبث الطمأنينة للنفس الملتاعة ..لو لم يكن هناك خوف وقلق وحالة نفسية غير مستقرة ما فكرنا لحظة واحدة فى قضية السببية والبعرة والبعير .

    الإيمان هو عبارة عن تطويع العقل للوصول لأفكار تعطى حالة نفسية مستقرة ..الإيمان هو حل العقل البدئى للوصول لحالة من الإستقرار النفسى .
    المؤمنون يمارسون قضية التبرير لمعتقداتهم الهشة بأسر العقل وتطويعه ليقدم بعض الأفكار تساق فى الحفاظ على توزان وإستقرار حالة نفسية يراد لها أن تظل هكذا .

الرد: وهذا ما تقوم به أنت بالضبط ، فالمقدمة التي سقتها في بداية الموضوع عامة ، وتنطبق على المؤمن كما تنطبق على الملحد الذي يبحث عن طريق العقل والعلم عن تبريرات لمعتقده ورغبات الانفلات لديه. ونفس الشيء مطوّقاً العقل ومقيدا له بل منافياً لأهم قوانينه : قانون البعرة والبعير ..

وأنت قلت : أننا سوف نبحث عن سبب سقوط الحجر من أعلى البناية ، أي بناء على قانون البعرة والبعير ، وقانون البعرة والبعير هو اساس العلم ، لانك قلت أنك سوف تبحث عن سبب انفجار النجم ، مشيرا بهذه الكلمة إلى المعرفة ومختزلاً لها بكلمة : سبب ، أي : بعرة ، فالنجم بعرة والسبب بعير ، وعدتها مرة اخرى مع الحجر ، وهكذا ستقول : السبب ، السبب ، في كل مرة ، وفي نفس الوقت الذي تسخر منه على قانون البعرة والبعير عندما يتعلّق الأمر بالإيمان ، وكأنك الآن تسخر من عقلك ، ومن عقل البشرية جمعاء الذي نظر في الظواهر ( البعرات ) وبحث في الاسباب ( البعران ) .

العقل الذي تتحدث عنه يا سيدي هو البعرة والبعير ، شئت هذا أم أبيت . ووصفك لقانون السببية متهكما بهذه العبارة البدوية لا يعني شيئاً ، ويبقى القانون أول قوانين العلم ومفتاح العلم كله ، ألم يقولوا : أن العلم والفلسفة هو جواب لسؤال : لماذا ؟ اليست " لماذا " تبحث عن السبب ؟ فهل من يسخر من هذا القانون يستحق أن يوصف بأنه علمي وعقلاني ؟ تماماً مثل من يسخر من قانون الجاذبية ؟ او لا يعترف بقانون الطفو ؟ ويسميه قانون السفينة والبحر ؟

وهذه السخرية من قانون السببية تكررت كثيرا على السنة الملاحدة ، بنفس الوقت الذي يتبجحون فيه بالعقل ، ويمجدون العلم في نفس الوقت الذي يقولون فيه أن الكون عشوائي . ماذا عسى المرء ان يقول عندما يرى التناقض حادا إلى هذه الدرجة ؟

كثرة الإدعاء بالعقل والعلم لا تعني صحة الإنتساب إليه.

اقتباس: إذن فرغباتنا وإحتاجاتنا النفسية العميقة هى التى تسوق العقل لوضع أفكار تلبى هذا الحاجات لتتحول الأفكار إلى عقيدة نجد فيها مرجعينا النفسية لنجتر منها عند الإحتياج .

الرد: لماذا لم يخترق عقلك هذه المنطقة ( منطقة الإحتياجات النفسية ) ما دمت تقرّ بوجودها ؟ بحيث تعرفها وتحددها وتتحكم بها أو تزيلها ، حتى لا يبقى مجال لدينٍ أن يوجد ، فيكون الحل من الجذر والأعماق ، وأنتم أهل العلم والعقلانية .

وهل الحاجات النفسية العميقة والمؤثرة لهذه الدرجة ، شيء تافه ولا يستحق الوقوف عنده ؟ ألم تنتج هذه الحاجات الداء العضال الذي تعانون منه وهو الدين ؟ ألا تستحق أن تدرس وتعالج ؟ بدلاً من المرور العابر وكأنها شيء تافه ، مع أنك أنت تقول أنها هي الاساس ، فالعقل السليم يعالج المشكلة من الجذر ، أليس هذا هو الأسلوب العلمي ؟


اقتباس: يمارس العقل دور البحث عن وسائل منطقية ولو حتى كانت واهية لتثبيت الحالة النفسية التى نستأنسها ..

لا يمارس العقل المهمة المنوط بها بشكل تقليدى وساذج بل يمارس تقنيات ذهنية معقدة ومركبة هدفها النهائى هو ترسيخ الحالة السيكولوجية التى نبتغيها وهو ما سنشير إليه لاحقا .

من خلال تأملاتى فى المنظومة الدينية وأطروحاتها وجدت أن تضاريس النفسية المؤمنة شديدة الوضوح ..وأن كل ما تطرحه وتفكرفيه بل وما تناور به هو من أجل غاية واحدة ومحددة وهو الوصول لحالة من الإستقرار النفسى المنشود ..بالطبع لا يهمنى هنا إن كان هذا الإستقرار النفسى وهما أو خيالا ..ولكن كل ما يهمنى هو أن الإيمان ليس أكثر من حالة نفسية ومزاجية خاصة يبحث الإنسان الوصول إليها ليصل إلى تصوره الخاص عن الإستقرار والتوازن النفسى .

الرد: أنت الآن عزلت الإيمان عن الحياة وجعلته حالة خاصة ، وهذا غير واقعي ولا علمي ، لأنك أنت عبارة عن مؤمن ، فأنت مؤمن بعدم وجود إله مع أنك لم تتأكد ، ومؤمن بمحبة اصدقائك لك وأنت لم تتأكد عقلانياً من ذلك ، وهذا يدل على جهل بالحياة وبذاتك نفسها ، فعلمياُ لا تستطيع أن تثبت أنك غير مؤمن ، وأنك عقلاني بحت ، وتمشي على الاثباتات المادية فقط ، أنت تأكل بالإيمان وتشرب بالايمان وتنام بالايمان وتعامل صاحب البقالة بالايمان ، وتقود السيارة بالايمان وهكذا ، نحن وأنت وكل الناس . فإخراج الايمان عن الحياة وجعله حالة خاصة بفئة من الناس يدل على عدم معرفة لواقع الناس والحياة ،

والنفسية الملحدة أكثر وضوحاً وانكشافاً ، لأن الإيمان دائماً يبقى شيئاً غامضاً ، أما الإلحاد فهو مادي ، والمادي واضح ـ فاللغات البشرية توضح المعنويات بالماديات لأن الماديات سهلة وواضحة ، فعندما تقول : تعارضت وجهات النظر ، اللغة استعملت المادة لتوضّح أشياء معنوية ، وكلمة تعارض من العرض ، والوجهة أي الإتجاه ، والنظر أي البصر ، وكلها مادية .

والملحد سطحي في غاياته وأفكاره ، فغاياته معروفة وهي المتعة المنفلتة ، وأفكاره قائمة على نقد الدين فقط ، فلم نجد إلى الآن ملحداً يعرض الفكر الإلحادي نفسه ، لأنه فكر سطحي وساذج ، ويفكّر فيما يبصر ويسمع ويذوق ويلمس ، ضارباً عرض الحائط بكل شيء ليس أمام عينيه أو يديه أو رجليه ، مع أنه لا يعرف شيئاً عنها ، ويريد أن يعيش اللحظة بجهلها ومتعتها التي تفضي إلى الندم المرّ ، ولا يحب أن يفكر ويتأمل ، وينغمس في الاثارة حتى لا يفكّر في مصيره ومصير الحياة ومصدر الحياة ، وهل هو على خطأ أو صواب في مسيرته ..

والملحد لا يعرض افكاره لأنها أقل من ان تقدّم للناس ، فهي لا تحمل ايجابية ولا جمالا ولا تريح النفس ولا تصمد للعقل ، مكتفيا بالغارة تلو الغارة على الاديان ، فقوته ونشوته على الدين ، أي هو منتفع من الدين ، يشبه الفيروس المتطفل على الخلية الحية ، فهو يأخذ ولا يقدّم ، ينتقد ولا يقدّم البديل ، ونقاط نهشه للدين متكررة ومملة أيضاً ، وأنا أجزم أن الكثير من الملاحدة ملوا من الفكر الالحادي بسبب التكرار والضيق وعدم الجمال..

فلا يوجد فن الحادي ولا ادب الحادي وأفكار الملحد معروفة ومتكررة وقليلة ، وهذا ما سيحدث بعد اجيال للملحدين الماديين ، سيبحثون عن حلول ترضي ولو بعض الجوانب من الحاجات النفسية التي قلت انت عنها ، والتي لا يقدّم الإلحاد لها سوى الجفاف والجدب . وهناك إشارات على بداية هذا الامر ، تتمثل في وجهة العدميين للتامل ، والمذهب الإنساني وعبدة الشيطان .   

اقتباس: وبالرغم أن العقل لا يقدم مبررات الإيمان إلا أنه يحاول أن يتحرك فى دوائر تهدف الوصول إلى عتبات الحالة السيكولوجية المبتغاة .

الرد: كذلك الإلحاد يتقدّم منطلقاً بأطوال عن المنطق والعقل والعلم . ليصل لنفس الغاية التي يريد أن يصل اليها الإيمان ، والتي قلت عنها أنها حالة استقرار ، فهما كفرسيّ رهان ، وكلاهما مؤمن ، الأول يؤمن بوجود إله ، ويؤمن بالفصل بين الخير والشر ، ويؤمن بأن الأخلاق هي اساس التعامل مع هذا الاله ، وأن الحساب والعقاب سيكون على الاخلاق ، ويؤمن بوجود حياة اخرى ، والجواد الآخر يؤمن بعدم وجود إله ، ولا يؤمن بالفاصل بين الخير والشر ، ولا تحكمه الأخلاق بل هو يحكمها ويخضعها للمصلحة والأنانية ، ولا توجد للأخلاق عنده عاقبة ، سواء كانت حسنة أو سيئة ، ومبدؤه إفعل ما شئت ..

( وما عرفنا أحداً وصف بالحكمة ومبدؤه إفعل ما شئت ، اليس كذلك ؟ )، فلا خير ولا شر ولا اخلاق ولا حساب ، لأنه يؤمن بحياة واحدة ، وهذه الحياة لم ير احداً حوكم فيها وعوقب لأنه اساء الأخلاق .

وهو نفسه ( الملحد ) يعجبه أن يُعَامَل بالأخلاق ، والأخلاق نيّات في داخل الإنسان ، ولا يستطيع القانون المدني ان يعاقب عليها ، بينما الجنايات والجنح والتعاملات المالية تحكمها قوانين وشرائع ، إذاً من يحكم الأخلاق ؟ اليست بحاجة لمن يحكمها ؟ وهل يستطيع البشر أن يحكم الأخلاق ، بينما أنت وأنا نرى انها مهمة ؟ إذاً لا بد أن يوجد من هو مسؤول عن الأخلاق ، وهذا منطقي : إنه الله هو المسؤول عن الأخلاق .التي هي اهم شيء في حياة الإنسان ، وهي مدار الادب والفن كله .

والأخلاق شيء ثمين ، ولا بد أن يكون له مالك .

كلاهما مؤمن ، ويبحث عن طريق العقل والعلم والمشاعر عما يؤيد اختياره ، ويعطيه الامان على حسن وصحة اختياره في الرهان . وكلاهما لا يملك أدلة كاملة على الفوز ، وإن كان كلاهما يدّعيان ذلك ، خط النهاية هو ما سيثبت الإختيار الصحيح ، ويثبت من هو الجواد الفائز ، ومن صاحب الجواد الخاسر . ( قل هل اخبركم بالاخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ) . والحسبة من العقل . ومن يقفز على قوانين العقل ستكون حسبته خاطئة بلا شك . واول قوانين العقل هو قانون البعرة والبعير .

اقتباس: سنجد فى أطروحاتى القادمة أن هناك طرق غير تقليدية يمارسها العقل لمحاولة تثبيت الإيمان الذى لا يوجد ما يثبته سوى المناورة والإلتفاف بغية بث الأمان فى ذهنية تأمل فى أن تتعلق بقشة تطفو بها على أفكار واهية هشة لا يكون لها وجود سوى رغبة إنسان بائس معرفيا فى التمسك والتشبث بها .

الرد: هل يوجد إنسان غير بائس معرفياً ؟ هل أنت منهم ؟ اذاً خبّرنا عن اسرار الحياة .. غير أحافير القرود المفبركة .. ما سر الكون ؟ من أو ما أوجد الكون قبل أن توجد الحياة ؟ وهذا سؤال آخر ، خبّرنا ما الوعي ، وما الجاذبية ؟ وما اصغر شيء في الكون ؟ وما نهاية الكون ؟ وما هو الإنسان ؟ وما الغاية من وجوده ؟ طبعاً لا تملك إجابات ، ومن لا يملك إجابات عن أسئلة لا تتجاوز السطرين ، اليس بائساً معرفياً ؟ 

***:  اقتباس المناورة .
المؤمن يجد إرتياحية خاصة فى اللجوء لمنظومته الدينية كونها تشكل له درجة من الأمان والإحتياج النفسى لعبور كل الظلم والقسوة والجهل فى الحياة .

الرد: لا تجبني عن الاسئلة السابقة ، لأنك لا ولن تستطيع أن تجيب عنها ، فقط أجب عن سر الإرتياحية في الايمان ؟ وهل تستطيع أن تصنع مثلها ؟ بفكرك الالحادي الجاف صيفاً وشتاءً ؟

وكذلك الملحد يشعر بالارتياح لمنظومته الإلحادية المادية ويريد أن يكثّر من الملحدين حتى يتشجّع هو نفسه كما صرّح أحد دعاة الإلحاد بذلك، حتى لا يشعر بالوحدة التي تثير مخاوفه . لا فرق فالجميع مؤمن والحميع يمارس النشاط الدعوي ، مع العلم أن الملحدين يمارسون الدعوة أكثر من المؤمنين إذا حسبناها بالنسبة العددية ، اليس كذلك ؟

ولو كانت المسألة مسألة إلتجاء لمنظومة ، لاشتهر الملحدون بالإرتياح كما اشتهر المؤمنون بإله . الملحدون لم يشتهروا إلا بالأمراض النفسية والانتحار ، مع أنهم منظومة ضخمة من الماديين العالميين ، وهم بشكل عام في بيئات أغنى واقوى ، ورغم ذلك لم يشتهروا بالارتياح ، اذاً عقلك لم يستطع أن يفسّر سر ارتياح المؤمنين بالايمان . ليحاول مرة اخرى في موضوعاتك القادمة ، وأنا أخبرك من الآن أنك لن تستطيع الإجابة عن هذا السؤال ، إلا عندما ترجع لذاتك الإنسانية وليست المادية .


اقتباس: وكما ذكرنا سابقا أن النفس المحتاجة لهكذا وضعية تسوق العقل لوضع ترتيبات ذهنية تكرس حالة الإستسلام والإستكانة للفكرة ..ولكن العقل قد يواجه إشكاليات فى بلع وهضم كل الحمولة المحملة بالسذاجة والخرافة .
هنا العقل يقوم بتأثير من النفس التى تهتز ثوابتها بإبتكار وسائل دفاعية تجعل الأفكار تبقى على حالها ..ومن هذه الإبداعات حيلة المناورة .

المؤمن يتحصن بمعتقداته وخرافاته وغيبياته فى حالات كثيرة أمام تهميش وتحقيرمعتقدات وخرافات الأخرين ..فهو هنا يخلق حالة منطقية وعقلانية مؤقتة يواجه يها أطروحات الأخر الغيبية والخرافية ليخرج منها بقناعة فساد فكر الأخرين إذن تكون أفكارى وخرافاتى مقبولة .

الرد: وهذا ما يحدث بشكل أعمق وأدق عند الفكر المادي الإلحادي ، كما قلتُ أنه يعيش على نهش الدين وليس كمن يقول : ها أنا ذا . فكلامك السابق ينطبق عليك أكثر من إنطباقه على المؤمنين الذين ينهشون الديانات الأخرى ، فالملحد يعيش على نهش الأديان كلها ، ويخفي نفسه تحت اشلاء وقطع الديانات التي غنم بها ، فهو يمارس هذه الفكرة بالكامل ، بينما رجال الديانات يعرضون ما عندهم أكثر من نهشهم للديانات الأخرى ، اليس هذا واقعياً ؟  

فخطاب أي ملحد سيبدأ وينتهي بانتقاد الأديان بعد أن يجمعها في سلة واحدة ، مما جعل هذا الخطاب ممجوجاً ومملاً . وخطاباتك القادمة ستكون عن الأديان وليس عن الإلحاد ، لأن اللاشيء لا يمكن عرضه . فكلما كثرت الديانات وأتباعها وجد الملحد مادة دسمة للعمل ، فهو لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسالون .

اقتباس: هذا الأمر تتلمسه بسهولة فى إمتلاك الكثير من المؤمنين معلومات ما سواء أكانت متماسكة أو سطحية عن معتقدات الأخر, ليخرج فى النهاية أن الجميع فاسد فكريا وعقائديا إذن فمعتقدى يكون صالحا .

الرد: وهذا بالضبط هو عمود إيمان الملحد . فهو يجمع معلومات عن الديانات أكثرها سطحي وشخصي ، ويحكم عليها بالخطا ، إذاً أنا صواب ، وكلما كثرت الديانات الخطأ كلما اصبح الإلحاد أكثر صحة .اليس هذا هو الواقع ؟

اقتباس: لا أنكر أن نقد بعض المؤمنين للمنظومات الدينية الأخرى تستند فى كثير من الأحيان على نقد منطقى واعى ..وقد يصل فى مرحلة عند بعض المتقدمين ثقافيا إلى نقد علمى جيد يرتكز على علوم مثل الميثولوجيا والأنثربولوجى والتاريخ ,,ولكن المأساة الملهاة تكمن فى أنه لايمد النظرة المنطقية والعقلانية والعلمية على منظومته الدينية

الرد: وهذا ما يحدث فعلاً للمثقف الملحد ، فهو لا يمد نظرته العلمية والمنطقية على الإلحاد . ولو فعل ذلك لاكتشف وبسهولة أن الصعود على اكتاف الغير لا يعني ارتفاعاً حقيقياً . فالأخلاق والمنطق تثبت أن الإلحاد في الدرك الاسفل من الإنسانية ، فهو لا يرى جدوى لحياة الإنسان ، والكون عبث ، والأخلاق رقع وقطع من بقايا الأديان ، والشهوة والمنفعة هي العمل والامل ، أليس هذا إنحطاطا بالانسان الذي كما يراه الملحد قرداً متطوراً شهوانياُ ؟ 

فالمشاعر والجمال كلها لا قيمة لها ، والحب خرافة ، والإنسانية حيلة ، والمستقبل مبهم ، ولا يوجد خير ولا شر ، أردأ الأديان لا تحمل مثل تلك الأفكار ، وأردأ الأديان على الاقل تحترم وتعظّم الأخلاق والفضائل أو جوانب منها على الأقل ، أي أن اردأ الأديان لا تصل إلى هذا الدّرك والمستنقع النفعي الشهواني الراسمالي . أردأ الأديان ارفع من ارقى الإلحاد . هذا على مستوى الفكر وليس على مستوى الاشخاص . 

فالناس مختلفون أيا كانت انتماءاتهم ، فنحن هنا نناقش افكاراً فقط ولا شأن لنا بكاتبها . فهو محترم باعتبار انسانيته . أما الأفكار فهي مدار النقاش وهي الدافع للكتابة وليس الشخصنة ، فنحن لا نتعارف أصلاً حتى يكون بيننا مشاحنات .

اقتباس: ..إنه يستخدم العلم والمنطق لنقد معتقد الأخر حتى يولد حالة نفسية بأن الجميع قد فسدوا , ويبقى إيمانه هو الصالح الذى لا تشوبه شائبة .

نستطيع أن نذكر العشرات من الحجج التى يتناولها أصحاب
الأديان لبعضهم البعض ..فترى المسلم يسخر من العبادات الوثنية كعبادة البقر عند الهندوس ,وتقديس الصور والأيقونات عند المسيحيين ,ويكون نقده صحيحا ولكنه ينسى أو يتناسى ,أنه يقدس الحجر الأسود ,ويقبله .
المسيحى
ينتقد الإسلام هو الأخر فى أنه يسرد قصة العجل الطائر فى الفضاء والذى يعرف بالبراق ويبين المنتقدين إستحالة وجود أى كائن يستطيع أن يسبح فى هذا الفضاء اللانهائى ..وتكون وجهة نظرهم صحيحة ولكنهم نسوا أو تناسوا أيصا أن النبي إيليا كان يصعد إلى السماء عن طريق سلالم والملائكة تصعد أمامه .

مثال
أخر نراه بشكل متداول فى المنتديات وخصوصا منتدانا ,وهى التى يخوض فيها المؤمنون بالنقد والتشكيك لنظرية التطور , فتجد حرص كل زميل مؤمن أن يخوض فى هذا الأمر ..بالطبع ليس هنا مجالنا فى الدفاع عن نظرية التطور التى تؤكد نفسها بألاف الأدلة والبراهين ...ولكن ماذا يعنى نقد نظرية التطور والسخرية منها ..معناها الوحيد أنها تعطى للمؤمن راحة فى قبوله نظرية الخلق الطينية الأسطورية المهترأة .

الرد: فكرك هذا يسخر من خرافات كعجل طائر ، وينسى أنه يعتمد على خرافة تثير الضحك ، وهي خرافة القرد الذي تطوّر إلى إنسان ، ليس هذا فحسب ، بل كل الحيوانات ليست هي الحيوانات ، فالكلب ليس كلباً ، ربما قملة ، والنمر ليس نمراً ، ربما جرادة ، أليست تصلح أن تصفّ مع ما تضحك عليه من خرافات ؟ فهي ليست خرافة واحدة بل آلاف الخرافات بعدد الأنواع الحية ، بدل آلاف الأدلة ..

وتعجب لأنهم يسخرون من فكرة التطوّر وهي بالنسبة للخرافات التي وجدتموها على الأديان ، هي خرافات جزئية ومفردة ، أما نظريتكم فهي تقدّم الحياة كلها على شكل خرافة ! ولكن ضحككم على الخرافات يتوقف عند هذه الخرافة ، التي تضحك أكثر لو لم يوجد التقديس . فهي نظرية مهترأة تضربها الأسئلة مع كل اتجاه ، ولا تملك جواباً لها . واذا كان لكل دين خرافة ، فالتطور خرافة ديانة الإلحاد . فما الفرق بينكم وبينهم ؟ لا فرق إلا الإتجاه .


اقتباس: المؤمن إذا كان يمتلك درجة ما من الثقافة العلمية فهو يخوض فى الحلقات المفقودة فى التطور, والتى لم يعثر على أحفوريات لها أو يعتمد على بعض الأطروحات عن الخلق الذكى ...ولكن هو لا يحاول أن يكمل نفس المنظور العقلى العلمى فى تمديده على نظرية الخلق الطينية .
هو يستخدم العقل لمحاولة تسخيف فكرة التطور لتعطى له حالة من الإرتياح لقبول نظرية الخلق الأسطورية .

لم يسأل أى دينى نفسه ..هل معنى أن يكون دين الأخر خاطئا ومشوها ويعج بالخرافة والغيبات ..هل يجعل معتقدى وخرافاتى وغيبياتى صحيحة بالضرورة .؟
لم يسأل أى مؤمن نفسه ..هل لو كانت نظرية التطور خاطئة وعبثية ..هل بالضرورة تكون نظرية الخلق الطينية صحيحة .؟

الرد: ولا ملحد سأل نفسه مثل هذا السؤال ، هل بالضرورة إذا كانت نظرية الخلق الطيني خاطئة ، هل اعتقادي بعدم وجود إله صحيح 100% ؟


اقتباس: فى الحقيقة لن يسأل أى مؤمن  نفسه هذا السؤال المنطقى !!..

الرد : ولا ملحد ايضاً ، فكل ما تقوله عن المؤمن قله عن الملحد المختار الذي يبحث عن أدلة ليل نهار . فهو اختار الالحاد قبل ان يثبت نظرية داروين ، ولم ينتظر حتى تتحول على علم لكي يلحد . ويسميها نظرية داروين وليس علم داروين ، إذاً هو مؤمن بعدم . والآخر مؤمن بوجود . وكلاهما مؤمن .

اقتباس: لسبب بسيط .
أن
أليات العقل تم إستخدامها لغرض وهدف محدد ,وهو الوصول إلى عتبات حالة إيمانية محددة وتسكين النفس المضطربة داخل أسوارها ..هنا يناور العقل فى الطعن والتشكيك فى معتقدات الأخرين ليصل إلى نتيجة يأملها فى أن الجميع فاسد ,ويبقى معتقدى هو الصحيح فى هذا العالم ..

الرد: فهمك لتيقّن المؤمنين بإيمانهم بناء على فساد أديان الآخرين ليس دقيقاً ، فهناك أديان في بيئات جغرافية منعزلة ، لا تعرف شيئاً عن الهندوس ولا المسيحية ولا أي دين ، ومع ذلك لا تستطيع أن تقول أن إيمانهم كان مضطرباً ، وأنهم يناورون ، مثل سكان أمريكا الأصليين ، وسكان استراليا ، بل وسكان الجزر المنعزلة الذين لهم معتقد واحد ، فهذه فكرة غير دقيقة . ولا تنطبق على الجميع .

صحيح هو يقفز على منطقية فكرة أنه إذا كان الكل فاسد فليس بالضرورة أن تكون غيبياتى وخرافاتى هى الصحيحة ..فليس هذا بغريب على أليات عقل تم تحفيزه لقبول نقد حمولة الأخرين الغيبية والخرافية ..وتخديره فى الوقت ذاته بقبول حمولة مشابهة لخرافات وغيبيات ساكنة فى الداخل .

إن عملية نقد الأديان من

إن عملية نقد الأديان من أصحاب الأديان أى النقد الدينى الدينى , ماهى إلا مناورة عقلية يحاول بها الذهن إيجاد حالة من الإرتيحاية للحالة الإيمانية السائدة والمأمولة .

وما رايك في عملية نقد المؤمنين للفكر الإلحادي ؟

*** الديك لا يبيض .!!

تحضرنى فزروة كثيرا ما كانت تلقى علينا ونحن

تحضرنى فزروة كثيرا ما كانت تلقى علينا ونحن صغار ..تقول الفزورة لنفترض إن لدينا  ديكا في منزلنا، وإن هذا الديك باض بيضة ذات يوم على سطح جيراننا ،فهل  البيضة ستكون من نصيبنا أم من نصيب جيراننا .
بدأت مجموعة من الأطفال بطرح رؤية بأن البيضة من حق أصحاب
بدأت مجموعة من الأطفال بطرح رؤية بأن البيضة من حق أصحاب الديك بحكم إمتلاكهم له ..وهناك طائفة أخرى من الأطفال ذهبت بأن البيضة من حق الجيران كونهم إستقبلوا فى أملاكهم الوافد الجديد ..ثم يخرج طفل يقلب بذكائه الطاولة على الجميع عندما يعلن بأن الديك لا يبيض .

قد تكون

قد تكون هذه الفزورة فيها من البساطة والطرافة ما تكفى ..ولكننا لو تأملناها بعمق نجد أننا نمارسها فى حياتنا بشكل يدعوك للتوقف والدهشة ..أو قل هى التى بواسطتها يتم تمرير الفكرة الإلهية والدينية .!!

عندما يتجادل

عندما يتجادل المؤمن عن إستغرابه وإندهاشه من طرح الملحد عن عدم وجود إله لهذا الكون ..هنا يقفز المؤمن بسؤاله الضخم : ومن خلق الكون إذن ؟من خلق الكون هو قصة الديك الذى يبيض ..فكما تنازع الأطفال عن من له حق إقتناء البيضة ونسوا أن الديك لا يبيض ..يمارس المؤمن نفس القضية فهو يخوض معك فى قصص كثيرة ومحاولات دؤوبة لإثبات أن معتقده صحيح وأنه من لدن إله قدير معتمدا على أنه إدعى قبلها أن هذا الإله هو خالق الكون اى هو الديك الذى باض .

من

من هنا تصبح فرضية خلق الكون هى الباب الملكى لمرور فكرة الله وتلك القائمة الطويلة العريضة من الخرافات والغيبيات مع كم لا بأس به من القصص والاساطير القديمة .

خلق الكون يتماثل مع حجة الديك الذى باض

خلق الكون يتماثل مع حجة الديك الذى باض ..فالكل مشغول فى أحقية البيضة الناتجة عن الديك هل هى من حقنا نحن أصحاب الديك أم من حق جيراننا الذين إستضافوا عملية التبييض .!!
عندما يخوضون
عندما يخوضون فى قضاياهم الدينية ويطرحون أفكار شتى لدرجة أنهم يؤسسون معاهد وكليات لشرح وتفسير القصص الخرافية هم بالضرورة ينسون أو يتناسون بأن الديك لا يبيض .
هم يتجاوزون منطقية وعلمية الخلق تلك ليؤسسوا على أثر تجاهلها
هم يتجاوزون منطقية وعلمية الخلق تلك ليؤسسوا على أثر تجاهلها بناء كامل من المعتقدات والإفتراضات والغيبيات يتوه الأنسان فيها ويخوض غمار معارك وهمية وينسى الفكرة الاصلية بأن الديك لا يبيض .

هنا

هنا العقل الدينى يمارس نوع أخر من المناورة وهى تمرير قضية محددة بإعتبارها حتمية لا تقبل النقاش ليستطيع فى ظلال هذه الفكرة أن يصمد أمام كل الأفكار المنطقية التى تخوض فى إلهه ودينه .

عندما يحتدم النقاش على حجج

عندما يحتدم النقاش على حجج منطقية مثل.. هل الله إكتمل بعد الخلق ام انه كان كاملا قبلها ..يصبح مثل هكذا جدال هى ممارسة كربونية لنفس المحاولات الذهنية التى مارسها الأطفال حول من أحق بالبيضة نحن أم جيراننا .

أنت الآن جاوبت عن موضوع ضخم بقصة أطفال !! هل هذا ما تقدمه العقلية العلمية ؟؟ نعم : من أوجد الكون ؟ أو ما أوجد الكون ؟ ( كما يحلو لكم)  وكيف عرفت أنه ديك لا يبيض ؟ أي كيف عرفت أن الكون لا ينخلق ؟ فالإلتفاف على الاسئلة الكبيرة وتهميشها والسخرية منها لا يعني أنك تجاوزتها وأجبت عنها ، فالمحامي الذي يقول للمدعي : أن قضيتك تافهة ولا تستحق الاهتمام ، لا يعني هذا ان ترفع الجلسة ، أنتهت الحكاية على ديك لا يبيض ؟ اكتشفها طفل ذكي ؟ 

ومن قال لك أن المؤمن ينبهر ويتهوّل من الملحد ؟ إنه يرى فكره في أقل مستويات الإنسانية ، فالكبير لا ينبهر من فكر الطفل الصغير ، والملحد يشابه تفكيره تفكير الطفل ، فالطفل يرفض ولا يقدم اطروحات بديلة ، والطفل حسي ومادي ، والطفل لا يفكر في المستقبل ، والغاية عنده تبرر الوسيلة ، والطفل يحتاج من يقف معه ، والطفل يعيش اللحظة ، ويحب اللهو والاستمتاع ، ولا تعنيه العواطف والمشاعر كثيراً ، إلا عندما يلحقه ضرر ، يتّخذ من الآداب والأخلاق وسيلة ليحصل على ما يريد ، فهو يتودد لوالده ليعطيه هدية ، ويصرخ في وجه أخيه إذا أراد أن يجرّب لعبته ، أي أنه أناني وبخيل ، قالوا في الامثال : (أبخل من طفل) ، ويتمتع بأخلاق السوق الإلحادية ، كيف ينبهر المؤمن ممن هذه حاله ؟ إنه يرحمه ولا ينبهر منه . بسبب تجرّده من إحساسه واعتماده على العقل المجرّد الذي انتقده أشهر الفلاسفة الألمان امانويل كانت .

وصفات الطفل هذه لا تعني أنها هي غريزة الطفل ، بقدر ما تعني أنه يمر في مرحلة نمو إنساني ، وأول ما تعرف عليه هو عالم المادة ، ثم يتجاوزه عندما يكبر إلى عالم المعنويات ، وهذا ما لم يفعله الملحد ، بل بقي اسيراً للمادة ، أي طفولة متاخرة .


علينا أولا ان لا نتوه عن السؤال الأصلى وهو هل هناك عملية الخلق أم لا؟!! ..هل الديك يبيض أم لا .
عندما
عندما يستطع أحد ان يثبت أن الديك يبيض ..سنكون عندها على إستعداد للجدال هل هذه البيضة إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو إلى نوع أخر من البيض فى هذا السوبرماركت  الهائل عبر الزمان .

أرى بأن التمويه عن قضية بأن

أرى بأن التمويه عن قضية بأن الديك  يبيض للدخول بعد ذلك فى متاهات عقلية وحوارات جدلية عقيمة  يكون هذا الأمر مناورة يمارسها العقل الإيمانى لتمرير الإيمان ..أى تنشغل فى عشرات القضايا الإيمانية وتنسى القضية الأولى التى هى لب الموضوع ..هل الكون يحتاج لخالق ..هل هناك خلق فعلا ..وهل الديك يبيض ؟

وهل تثبت العكس ؟ أن الكون لا يحتاج لخالق ؟ وتنفي قانون السببية ؟ هذا سؤال لك ، وسؤالك السابق لهم . ومن العدالة توزيع الأسئلة بالتساوي ، أن توجّه الأسئلة لأحد ولا توجّه الأسئلة له ، فهذا إعلان للنتيجة مقدّماً ، واختيار لها قبل ان تفرض نفسها ، وجّه أسئلتك للفكر الالحادي إذا كنت منصفاً ، سواء بسواء ، كل سؤال وزّعه بالتساوي ( نسختين ) ، إحداهما للفكر الايماني ، والأخرى للفكر الإلحادي ، عندها ستفيد القرّاء ، وتطوّر العقل العربي . أما الإنحياز فهو يعني الدعاية ليس الا ، والناس ملّت من الدعايات .

*** التمويه ..الإله النزيه .

مازلت فكرة الديك الذى يبيض تلقى بظلالها على الفكر الإيمانى فى كل إطلالته

مازلت فكرة الديك الذى يبيض تلقى بظلالها على الفكر الإيمانى فى كل إطلالته ..
فعندما
فعندما نتأمل العقلية الإيمانية تجدها تخرج من فرضيات كبيرة لتجعلك تخوض فى فرضيات متناسلة من الفرضية الأم , فتغرق رغما عنك فيها ولا يتبادرفى ذهنك الفرضيات الأكبر التى تم إلقاءها عنوة .

عندما تطرح فكرة أن هناك

عندما تطرح فكرة أن هناك إله وخلق الكون فنحن أمام الديك الذى يبيض كما طرحت فى تأملى السابق ..

والموضوع نفسه يجري ولكن بالعكس عند الملحدين ، فهم يبدأون من فرضية ديك لا يبيض لم يثبتوها . وعلى اساسها تبنى فرضيات جديدة لنقض الايمان ، مع أن هذا الديك الإلحادي فعلاً لا يبيض ، فلا يستطيع أن يقدّم بدائلاً لسد الفراغات ولا فنا ولا ادبا ولا جمالا ولا احساسا ولا أخلاقا ولا اطمئناناً، فهو مثل الفيروس الذي يتغذى على المادة الحية ليحولها إلى عدم . وشعاره المرفوع دائماً : كلمة "علم" تحتها كلمة "لا أدري" و "المستقبل سياتي بالمعرفة " ، يعني إيماناُ بالغيب على الطريقة الإلحادية . يقدّم لأتباعه الأمنيات ، كما يقدّم الدين لأتباعه الأمنيات . أليسوا سواء بسواء ؟ 

بمعنى أننا نطلب إثبات أن الكون والوجود مخلوقين أولا ..وبعدها نتطرق لفكرة من خلقهم .؟
دعنا فى هذه الفكرة نطرح جدلا وجود خالق للكون وهو الإله ..ودعنا نتناقش فى كل القصص التى يغرق المؤمنون أنفسهم فيها فتتوه الأسئلة الكبيرة الأولى .

لم لا تطرح فكرة عدم وجود خالق ؟ أرأيت أنك تعيش على الدين ؟ وإلا فلماذا تقدّم فكرة غيرك ولا تقدّم فكرتك ؟ ألستم تختفون وراء الدين ؟ الأجدى بالملحد أن يطرح فكره هو ، فهو ألزم من فكر لا يتبناه ، أليس هذا منطقياً يا أصحاب المنطق ؟

ألست ترفض الدين ؟ إذاً فلماذا تنطلق من فرضيته ولا تنطلق من فرضيتك التي تؤمن بها ؟


إسمحوا لى أن أذكر لكم حالة فكرية ذاتية ستفيد فى موضوعنا هذا ..

المرء

المرء لا يولد ملحدا بل لابد أن يعبر نفق اللادينية أولا ..فمن حجم التناقض والسذاجة والسخافة والخرافة التى تذخر بها  الاديان والتى تحسد على حجم ما تحتويه من هراء وقصص طفولية يجد المرء ذاته فى مواجهة لا تكلفه مجهودا ذهنيا فى كشف عوراتها شريطة أن يخلعها رداء المقدس التى ترتديه .

هذا غير صحيح ، فالمرء يولد ملحداً بالنسبة لعقله ، أي يولد بعقل ملحد وشعور باحث عن الإيمان ، وهذه تضاف للتشابه بين الطفل والملحد ، فعقل الطفل لا يحمل ديناً ويبذل من حوله مجهوداً لتلقينه الدين ، لكنه يبدأ بطرح الاسئلة الكبيرة ، وأولها : كيف ولدت ؟ ويلاحق أمه وأباه بالأسئلة ( المحرجة احيانا) عن الحياة ومصيرها ، ومن أين جئنا ، وهذه بداية تحرّك شعوره لمعرفة إجابة الاسئلة الكبيرة التي لا ولن يجيب عليها إلا الإيمان الحقيقي وليس الزائف ، فضلاً عن فلسفة مبنية على سوق تجاري .


ولكن تبقى هناك صعوبة ما فى خلع المقدس عن فكرة الإله بحكم الميديا الهائلة التى تتلفع بها ..فلم يكن أمامى سوى أن أبدع فكرة الإله النزيه لاجدها تتوافق إلى حد كبير مع فكر الألوهيين .

الإله النزيه فكرة راودتنى

الإله النزيه فكرة راودتنى لأحل إشكاليات ضخمة طرحها الفكر الدينى ذاته ..فأنا أمام إله لديه من القوة والعظمة بشكل لا نهائى بحيث يتضاءل أمامه أى مكان فى الوجود ويؤول للصفر ..وبالمثل الإنسان لا يشكل وجوده حسب فكرة الإله  أى شئ يذكر ..فلا يساوى ذرة غبار بل قيمة تؤول للصفر أيضا .

هذا غير صحيح ، فالفكر الإلحادي المادي يجعل قيمة الإنسان صفراً ، لأنه لا يوجد جدوى حقيقية لوجوده ، مقابل المادة التي يثبت الملحد أن لها جدوى ، من المفتاح إلى السيارة ، ومن الإبرة إلى الطائرة .


من السخف هنا أن نتصور كائن عظيم بهذا الشكل مهتم بقصة أننى غير مؤمن به أو أكذب على أبى أو أشتهى نهد ومؤخرة جارة حسناء لنا .
يكون هذا الإله تافها ..أو بمعنى أدق ..أن الإنسان أسقط على الفكرة ذاتيته وغروره ونرجسيته
يكون هذا الإله تافها ..أو بمعنى أدق ..أن الإنسان أسقط على الفكرة ذاتيته وغروره ونرجسيته .

أنت قلت أنه إله كبير ومسيطر على كل الاشياء ، وهذه اشياء ، فإذا قلت عن مدير انه مسيطر على كل شيء في المكتب ، فهل تصفه بالتفاهة عندما يحاسبك على إتلاف بعض الأدوات ؟ أو إهدار الوقت ؟ وأنت قلت عنه أنه مسيطر على كل شيء ؟ لماذا عندما سألك عن هذه الأدوات التي ضاعت اصبح تافهاً ؟ هذا تناقض !! ولو لم يفعل هذه الاشياء لما قلت عنه أنه مسيطر على كل شيء . 

واستهانتك بالأمور الأخلاقية التي ذكرت صوراً منها ، كاشتهائك لمؤخرة جارتك أو الكذب ، هذه أولاً تكشف مدى احتقار الفكر المادي للأخلاق والإنسان ، فأنت تراها اشياء تافهة ، ولا يشاركك كل الناس بأن الكذب شيء تافه ، بل هو من اسوأ صفات الإنسان ، العاقل يعلم أنه ليس هناك شيء تافه ، وأنتم في عالم المادية لا تحتقرون الاشياء الصغيرة ، ولا حتى الملاليم من جيوب الفقراء .

وفكرة أن أي شخص يملك العالم والمادة والقوة يجب أن تلهيه هذه الأشياء عن الأمور الصغيرة ، هذه الفكرة لا تأتي إلا عند شخص مادي ، كأن يقول : هذا فلان لديه ملايين وعنده عمارات وبنوك ، فكيف يدقق على خادم سرق بعض المؤونة من المطبخ ؟ هنا تنطبق الفكرة على الشخص المادي . لأن المادي يحسب المادة بالمادة ، أما المعنويات فلا قيمة لها عنده ، الله يحاسب السارق لأنه لا ينقص من أملاكه ، بل يحاسبه أخلاقياً ،

الإنسان الذي يفكر بالأخلاق والمعنويات لا تتبادر إلى ذهنه مثل هذه الفكرة ، حتى لو لم يكن مؤمنا ، لأنه يحترم المعنويات جنباً إلى جنب مع الماديات ، فهو يريد من الله أن يدقق في المعنويات مثلما تريدون ان يدقق في الماديات ، أرأيت أن فكركم ومن وراءكم من الغرب مادي بحت ؟

وهي نفس فكرة أن الله خلق العالم وأدار له ظهره ، مستهينا بشأن هذا العالم ، لأن عنده ما يشغله . وفكرة إدارة الظهر نشأت وتكرست في الغرب ، من ارسطو إلى أينشتاين ، وفي نفس الوقت تقولون أن الله غير عادل لأن طفلاً مات من المجاعة في مجاهل أفريقيا ، وآخر مات في زلزال ، فها أنتم تريدونه أن يهتم بالأمور الصغيرة ، ما دامت مادية ونفعية ، وأكثر من هذا ، فحتى جسم الإنسان لم يعجبكم وترون فيه نقصاً وخللاً لم يكتمل . هكذا العقل المادي لا يفكر إلا في إطار النفع والمادة ، فهو يرى الأمور نظرة نصفيّة ،


الإله الذى تصورته وقتها هو إله نزيه لا يهتم ولا يعبأ بالإنسان ..فليس بالتافه حتى يرصد كل خطواتنا وأفكارنا العشوائية ..وهو لا يعانى أيضا من الحب والعشق لنا ليصنع منتجع سياحى لانهائى من أجل هذا البشر البائس ..كما أنه ليس ساديا ولا منتقما حتى يثأر من هذا الإنسان الضعيف بإذاقته ملايين صنوف العذاب على يد زبانيته وإلى مالانهاية من الزمن .

لكنك تريد منه أن يوفّر كل المطالب المادية للبشر ، لا تريده أن ينقص القمح في الحقول ولا أن يجفف الآبار ولا يخلق أطفالاً مشوهين ، فأنت تريده أن يهتم بالبشر ولا يهتم بهم في نفس الوقت !! ولا تريده أن يكلف البشر بأي عبء حتى لو كان أخلاقياً ، وليتك ذكرت لو هذه لإلهك النزيه ، ثم كيف يكون إلهاً نزيهاً وهو لا يهتم بالأخلاق ؟ هل يستحق هذه الصفة ؟ الن يتهمه المظلومون والمتمسكون بالاخلاق بانه مقصر معهم ؟ في نفس الوقت الذي يكرم فيه الماديين ؟ وبالتالي تريد أن ينعم الجميع بالشهوات بدون رادع أخلاقي ولا قيمي ، وبالتالي سوف يتصارعون ويكون البقاء للاقوى ، وقوي اليوم ربما يكون ضعيف الغد ، لا تريد أن تكون الأخلاق حاجزاً يقف في وجه المطامع ، وهذا الإله النزيه يعطي فقط ويتلقى الإهانات والنكران وعليه أن يرضى ويتحمل لأن شأن البشر تافه ولأنه نزيه ، بينما كرامة البشر تانف عن الإهانات ، فهو إذاً أذلّ من البشر ، إلهك النزيه لا يستحق كلمة : تعالى ، بل : تنازل ، وهو إله نزيل وليس نزيه ..

ومع أن شأنهم تافه تريده أن يهتم بإسباغ النعم علينا بدون نقص ولو جزئي ، اليس هذا تناقض ؟ هل مثل هذا الطلب يكون طلباً أخلاقياً ؟ كيف تطلب من هذا الإله النزيه أن يحتمل ما لا تحتمله أخلاق البشر ؟ هل تطلب من الحكومة أو الوطن أن يعطي فقط ولا يأخذ منك شيئاً حتى تسميها حكومة نزيهة وتعترف بها ؟ هل تستطيع أنت أن تنفق على أحد وتتولى شؤونه وهو يسخر بك وينكر معروفك ويقول لك : عليك أن تتحمل حتى أسميك ولياً نزيهاً ؟؟

وهل يعجبك أن يموت الجلاد والضحية بدون أن ينال الجلاد عقابه ، والضحية عزاء ؟ إذا كان هذا يعجبك فهذا دليل على أن الظلم شرعة عند الماديين . لأنك لم تفكر في هذا الجانب : من سينصف المظلومين ومن يجازي الظالمين ؟ وهذا مأخذ على الفكر المادي ، ومن سيشكر الإنسان الذي ضحى بنفسه من أجل غيره ولم تضعوه في حسبانكم ؟ أرأيت كيف هو التفكير المادي غير أخلاقي ؟ لماذا نحن شغلنا هذا الجانب وأنتم شغلكم الجانب المادي ؟ هذا هو الفرق بين الماديين والمعنويين .. فالمادي نصفي النظرة والمعنوي كلي النظرة ، لأن المعنويات مرتبطة بالماديات ، فالمعنوي يهتم بالمادة لأنها ضرورة ، ولكنه يهتم بالمعنويات لأنها أهم ، والإنسان يتكون من ماديات ومعنويات .


الإله النزيه هو أكبر من ذلك ..هو كما نقول نحن المصريين هو منفض دماغه من كل شئ تافه وأمور عبثية ..هو مثل ملك عظيم لا يشغل ذهنه بجحر للنمل فى أطراف مملكته المترامية .

إذا من سيهتم بهذا الجحر ؟ ومن سيدافع عن الحقيقة ؟ وهل الناس يدافعون عن الأخلاق حتى يتّكل عليهم هذا الإله ؟ وإله لا يدافع عن الحقيقة ، إله غير أخلاقي ، لا نتشرّف بعبادته . وكيف نهتم بالفضائل ونفتخر بها وإلهنا لا يهتم بها ؟ وإذا ظلم تلميذ في الابتدائي تلميذا اخر ، على المدرس أو الناظر أن يترفّع عن هذه التوافه ، حتى يكون نزيهاً في نظرك . 

رايك بمن يصف الامور والاشياء بأنها عظيمة او تافهة ؟ أتحداك أن تثبت تفاهة شيء . والعلم شاهد معي ، اليست العقد النفسية ترجعونها أنتم إلى مواقف (تافهة) حصلت في سن مبكرة ؟ إذاً فعلم النفس التحليلي يهتم بالتفاهات وفرويد تافه !! هل هذه وجهة نظرك فيه ؟ والتربية تهتم بالتفاهات ، بل والقانون يهتم بالتفاهات !! لأن لك أن تدعي على أحد ولو كان على علبة بيبسي كولا ، وعلى القاضي ان ينظر في القضية .

كانوا يقولون عن البعوض انه تافه ، وهو الذي ينقل الامراض الخطيرة ، وعلى حسابك فالبكتيريا شيء تافه ، والذي يكذب على والديه ويستمرئ الكذب سوف يكذب ويغش ويخون طيلة حياته ، ومعظم النار من مستصغر الشرر ، وهذه من بديهيات العلم الحديث والتربية الحديثة ، وما موقف الآخرين مني إذا وصفت الاشياء بأنها تافهة ، ثم تتبين تباعاً أنها ليست كذلك ؟ الكون كله متماسك ويؤثر بعضه ببعض ، كما تقول نظرية الفوضى التي لا بد أنك تؤمن بها . وهم يقولون أن الكون عبثي في نفس الوقت الذي يقولون أنه لا شيء تافه . حتى رفّة جناح الفراشة تؤثر في تكوين الإعصار .


فكرتى عن الإله النزيه فى قصة الخلق هو أننى تصورته فنانا يرسم لوحاته وينحت تماثيله ولا يطالبها أن تعبده ..بل هو يستمتع بعمليات الخلق والتكوين شأنه شأن الفنان الذى يستمتع بإنتاج يده .

وهل الفنان يرضى أن تهان لوحاته ؟ وتكون موضع سخرية ؟ تخيل فناناً يشاهد لوحته قد حوّلت إلى صينية طعام أو منفضة للسجائر ، لن يهمّه ذلك طبعاً ، لأنه فنان ، على حسب هذا التفكير الغير واقعي .


هكذا تصورت الإله فى اخر عهدى معه كفكرة ..وأعتقد أنها أفضل كثيرا من فكرة المؤمنين الساذجة والتى تسقط غرورالإنسان وجهله ونرجسيته على الفكرة .

التحليل السابق يثبت العكس ، أن إله المؤمنين أفضل من إلهك غير النزيه . والذي سقط منطقياً . وهذا – على فكرة – هو إله اللادينيين ، فهذه الفكرة ليست فكرتك . ولم أجد فكرة قلتها وليست موجودة في الغرب ، حتى كلمة : إله فنان ، فأنت نقلتها من غيرك حرفياً ، وتقول عنها أنها أفكارك .


إذن ..
من قال أن بفرض وجوده فهو مراقب للبشر ويمسك دفاتره يسجل كل همسة ولمسة للإنسان ؟
من قال أن بفرض وجوده فهو مراقب للبشر ويمسك دفاتره يسجل كل همسة ولمسة للإنسان ؟ومن قال أنه يرتب ويقدر كل كل المصائب والنعم التى تحل بالبشر ؟ومن قال أنه يعد مضيفة خمس نجوم أزلية للذين يرضى عنهم .؟ومن قال أنه يعد سلخانة أزلية ليمارس قساوته وساديته على غير المؤمنين به ؟

كلامك مجتزأ ، فحذفت نصفه لأنك لم تذكر لمن أعد الجنة ولمن أعد السلخانة ، سيكون الكلام المحذوف هو الأخلاق واللا أخلاق ، مما يثبت عدم رغبتك في الاخلاق ، وتريد تهميشها ،


حسب فكرة الإله نفسها ..فمن الممكن جدا عقليا ومنطقيا أنه إله غير مراقب ..
ومن الممكن أيضا أنه غير معنى بضيافة أحد
ومن الممكن أيضا أنه غير معنى بضيافة أحد ..
ومن الممكن أيضا أنه لايضع نفسه فى وضعية المنتقم والسادى أمام كائن ضئيل كالإنسان
ومن الممكن أيضا أنه لايضع نفسه فى وضعية المنتقم والسادى أمام كائن ضئيل كالإنسان .

هذا ليس من الممكن ، لأنه إله ناقص ، والبشر أفضل منه ، لأنهم يحسون بمعاناة الفقراء والمحتاجين والمظلومين وهو لا يحس ، مع أنه قوي وقادر ومشغول بالرسم وتأمل ذاته ، بنرجسية كريهة . فكيف الناقص يخلق اكمل منه منطقياً ؟ إذا الفكرة غير ممكنة فلسفياً .


هى إذن عقلية إيمانية تتناسل الخرافة وتموه على الخرافة الإساسية بخرافات ثانوية ..فينزلق المؤمن فى مستنقع الخرافات والقصص الثانوية ويغرق فيها ولا يتبادر لذهنه سؤالى البسيط  لماذا لا يكون إلها نزيها وغير مهتم .

سبق الرد على هذا ..


العقل الدينى لإدراكه هشاشة المنظومة العقلية والمنطقية يخلق قنابل دخان تتوه فيه الأسئلة الكبيرة ويقفز على السطح الإسئلة الثانوية مخلقا حالة من الضبابية تجعل الفكر يكون أسير الفرضيات المتناسلة ليثار الجدل حول الحرام والحلال والمباح وغير المباح ..والمتعة والالم ..والثواب والعقاب .

في ردي على الفكر الغربي الذي تتبناه اثبت هشاشة عظام فيه لا تستطيع ان ترد عليها بالمنطق ، واثبت انها بنية متناقضة ، هشة كشبكة العنكبوت ، وليست اقوى من البنية الايمانية ، بل لضعفها تختبئ ولا تكشف نفسها بالكامل لكثرة المفاصل الضعيفة فيها ، ولا تملك اساسا تقف عليه ، سوى الدعاوى العريضة بالعقل والمنطق ، وها هو العقل يحطمها ، ولن تستطيع ان ترد (منطقيا) بلا عواطف أو خروج من الموضوع على كلامي ، وفي أي نقطة ، فكرةً فكرة . ليس لانه تافه كما تحب أن تقول ، بل لأنه منطقي .


العقلية الدينية تعتمد على وجود ديوك كثيرة تبيض .
*** المقدس و التغييب .

تناولنا فيما سبق كيف تحاول العقلية

تناولنا فيما سبق كيف تحاول العقلية الإيمانية تمرير أفكار ضخمة من سم إبرة ..العقل الدينى ليس أمامه سوى ممارسة المناورة والتمويه للتغلب على إشكاليات ضخمة تنهار وتتداعى عند أول محك منطقي .

هذا الكلام ينطبق بالكامل على دعاوى الماديين الملحدين ( رمتني بدائها وانسلّت ) . والعقل الباحث يستطيع أن يرجع كل تهم المادية الحاقدة عليها ، لأن نقاط الضعف والعيوب لدى كل ايديولوجية ، بل وكل فرد ، هي النقاط الحاضرة في ذهنه ، فعندما يريد أن يتعيّب احداً ، فسوف يتعيّبه بعيوبه هو وهو لا يدري ، بسبب ان عيوب الشخص هي العيوب فقط بالنسبة إليه . وهو يريد ان يتعيب لدوافع نفسية ، فبالتالي يكشف عيوبه من حيث لا يدري ، ترفّق ايها الصديق فأنت لا تقف على بنية محكمة كما تتصور، حتى ولو كانت قواعدها في الغرب الذي تقدّسه . 



من الممارسات التى يحرص العقل الدينى على تكريسها هو تقديم الإحترام والتبجيل للمقدس ..أى تنصيب شئ ما وإحاطته بهالات من الإحترام والتوقير والتبجيل .

سنجد أن هناك مكان مقدس .. وحجر وتمثال مقدس ... وأيقونات مقدسة وعتبات مقدسة

سنجد أن هناك مكان مقدس .. وحجر وتمثال مقدس ... وأيقونات مقدسة وعتبات مقدسة ..
صحيح
صحيح أننا سنكون أمام رموز مقدسة تزداد إتساعا وتنوعا فى معتقدات وتقل بدرجة ما فى بعض المعتقدات الأخرى ..ولكننا لن نجد دين أو معتقد يفتقر ويفتقد للمقدس .



الاسلام الحقيقي – إذا استبعدت الاجتهادات البشرية – ليس فيه مقدس الا الله فقط ، ولا حتى الانبياء لأنهم بشر ، وانت واصحابك تنتقدون التقديس وانتم واقعون فيه ، وتحسون انه لا يكون إلا من نصيب الاديان فقط ، وهذا نقص في التدقيق العقلي ، فعلينا ان نفهم كلمة تقديس ونبحث عنها في الاديان والمذاهب الفكرية ايضاً ، لأنها شعور انساني من الممكن ان ينزرع تجاه أي شيء ، سواء كان في اطار ديني أو غير ديني ..


فكّر في الرموز والايقونات الموجودة عند من ينتسبون الى الفكر الليبرالي الغربي ، اليست تتزيّن مقالاتهم برموز من الصور لشخصيات مقدّسة لديهم ، وحتى كفار العرب لامهم القرآن بأنهم يقدّسون آباءهم وأسلافهم ، كما تفعلون أنتم بتقديس أسلافكم الملاحدة ، وشك صورهم منتظمة كما تشكّ التعاويذ ، بل لشدة التقديس أن تجد الشخص ينسب لنفسه أفكار من يقدّسهم ، ولا يأتي ولا بفكرة واحدة من عنده ..

وهذا اشد تقديساً من تقديس المؤمنين الذي ربما يقتصر على اشياء محددة ، ولا يكون كلامهم هو كلام من يقدسونهم ، بينما أنت كل كلامك الذي كتبته منقول بروحه وحرفيته احياناً ، أليس هذا منتهى التقديس ؟ ويمكن إعادة كل أفكارك لمصادرها الغربية ، بمجهود بحثي بسيط . أليس من يتبنى غيره تبنيا كاملا يسمى مقدسا كاملا ؟

وبالطبع لن نجد أى تغييرات فيزيائية تطرأ على المكان أو الحجر أو التمثال لتجعله مختلفا عن مثيله ..بل تضاف صفة المقدس هنا عنوة بغية أهداف ومرامى محددة الهدف والمقصد .

بالطبع فكرة وجود

بالطبع فكرة وجود المقدس لها أهمية خاصة لقدرة الإنسان على تحمل الأفكار الميتافزيقية ..فالإنسان لا يستطيع أن يتقبل أى شئ غير مادى ليس له وجود ..

هذا غير صحيح ، وحتى نفسك لا ينطبق عليك هذا الكلام ، فالإنسان يتقبل الأمل وهو غير موجود ، والإنسان يتقبّل ويريد ويطالب بالأخلاق وهي ليست اشياء مادية ، ويرسم صورة لصديقه المثالي ويبحث عنها ، بل حتى الأفكار ليس لها وجود مادي ، والطمأنينة التي يبحث عنها كل إنسان ليس لها وجود مادي ، والمحبة والرضا ليس لها وجود مادي ، فربما يعطيك من لا يحبم من المادة أكثر مما يعطيك من يحبك ، وأنا وأنت وكل انسان نبحث عن من يحبنا ونحبه ، اكثر ممن يعطينا ونحن لا نحبه ولا يحبنا ، إذا نحن نبحث عن شيء غير مادي ، إذاً هي مقدمة خاطئة .

شئ لا يستطيع أن يتلمسه بحواسه ويجد له وجود على أرض الواقع .
من الصعوبة بمكان بل من المستحيل أن يقبل وجود أشياء تفتقر للوجود والمعاينة ويطلق عليها أنها لا مادية الوجود
من الصعوبة بمكان بل من المستحيل أن يقبل وجود أشياء تفتقر للوجود والمعاينة ويطلق عليها أنها لا مادية الوجود .

هذا في النطاق البشري ، وغالبية الناس تغلب عليهم المادية ، بل إن كلمة عامّي إذا أردنا تعريفها ببساطة ، فهي : مادي ، التي ترادفها كلمة سوقيّ ، المأخوذة من السوق التجاري ، ففكرك يريد أن يجعل الناس ماديين وعوام وسوقيين ، تلاحظ أن التقديسات المادية الدينية تنتشر بين العوام من المتدينين ، مما يدل على أن المادية التي تريد أن ننبهر منها صفة عامية سوقية .

وخلطك الغث بالسمين من الدين الواحد مع خلط الاديان مع بعضها وإصدار حكم واحد عليها ، يدل على احتقار مبطّن للعقل والعلم ، وهذه من صفات العوام ايضاً . فالاسلام الصحيح يقدّم احتراماً ولا يقدّم تقديساً ، فالكعبة بيت الله ، واقدم مكان عبد الله فيه ، فالمقدس عند المسلم الحق هو الله ، والله لا نعرف له وجودا ماديا تعرفه عقولنا ، بل هو تقديس للتجريد ، (ليس كمثله شيء) ، والاماكن التي يقدسها المسلم الحق ، فقط لأن الله قدّسها ، فالتقديس هو لله أولاً ، وليست هي مقدّسة بذاتها كما تفعل الوثنية أو الفكر المادي الوثني الحديث ، الذي يقدس المادة كصنم اكبر .

مع ملاحظة أن المسلم يعتقد انها لا تنفع ولا تضر بذاتها ، فالحجر الاسود يقبله المسلم وهو يعلم انه حجر لا يضر ولا ينفع . أما المبالغات في تقديس الاضرحة او الاشخاص سواء كانوا احياء او اموات ، ودعاؤهم وطلب المساعدة منهم ، فهذا دخيل على الاسلام ، وهو من تبنّي العقول العامية المرتبطة بالمادة ، وهذا لايعني أن كل من ينتمي إلى دين أنه بريء من المادية ، وهنا تميّز ملة ابراهيم الحنيفية ، لكونها تجريدية ..

ولك ان تستعرض كل الديانات في كل العالم ، ستجدها مرتبطة بشيء مادي موجود تعرفه الحواس ، أي أنها من نتاج البشر ، وهذا دليل على صحة ملة ابراهيم وأنها من الله ، ولو كانت من البشر لما كانت تجريدية ، لأنها الملة الوحيدة التجريدية ، فاحترام المسلمين لمكة والبيت الحرام يتمثل بطلب الامن فيها وتحريم الصيد وقطع اشجارها ، وهذا من مطالب المدنية في كل مدينة ، هذا طلب احترام وليس تقديساً . 

والقرآن سماه البلد الحرام ولم يسميه البلد المقدس ، والحرم إسمه يدل على أنه مكان تحريم ، وله حرمة ، وكلمة احترام مأخوذة من الحرمة ، والحرمة تعني المنع ، القران لم يطلب ان يتمسحوا ويتبركوا ، بل تطهير المكان ( وطهرا بيتي للطائفين والعاكفين ) ، وكل هذه المطالب من اجل النظافة ، والتطهير هو النظافة ، وهذه مطالب مدنية يطالب بها أي رئيس بلدية في مدينة متقدمة مدنياً .


يكون المكان والحجر المقدس هو خلق وجود للاوجود له ..هو صيغة تواصل مع الأفكار اللاورائية ..المقدس هو إعطاء إنطباع بوجود أثار للأفكار الميتافزيقية والخرافة ..المقدس يكون تجسيد مادى لأفكار عصية على الفهم والتحقق .


أنت كبرت موضوع الحجر الاسود لدرجة لا يحتملها ، ولا آية في القران تحدثت عن هذا الحجر ، ولا طالبت بتعظيمه ولا ذكرت عنه انه يضر او ينفع او انه مرتبط بفكرة لا معقولة ، وكل ما في الامر ان الصحابة شاهدوا النبي يقبل الحجر فقبلوه من باب السنة ، إن ثبت ما ورد في هذا المجال ..

بل حتى ان الاسلام ينهى عن الحلف بهذه الاشياء التي تقول انها مقدسة ، او بالنبي نفسه ، وبداية انحراف الناس عن الدين القويم هو عندما تقدّس الأشياء المادية من احجار أو اشجار أو اماكن أو أشخاص موتى أو أحياء . وحتى انت تنتقد ما تراه مادياً في الدين ، بينما تدعو الناس الى فكر مادي خالص . فتلومهم لتقديسهم حجراً وأنت تدعوهم لتقديس كل الاحجار ،


من أبدع فكرة المقدس لم يكن يرمى فقط إلى محاولة تجسيد للامادى وتقريبه للذهن البشرى الذى لا يقبل الموجود إلا محسوسا أو يمكن معاينته .

فكرة المقدس لا تبتدع ، بل هي موجودة ولا يكاد يخلو إنسان من التقديس ، وإن إدعى أنه ملحد خالص ، فقط الفارق في نوع التقديس ، فالمؤمن الحق يقدس الله ، على غير وجود مادي يدركه بحواسه ، أي بتجريد ، إذاً فهو لا يقدس شيئاً على الأرض ، لا من جماد ولا إنسان ، وبالتالي هو الحر الوحيد في تفكيره ، على عكس ما تتصور ، أما البقية فهم غير سالمين من التقديس الذي تحذّر منه ، لأنه يشل العقل ..

فتقديسهم مرتبط بما يدركه العقل البشري من ماديات ، فكم من الناس في الغرب يقدسون بيتهوفن أو بيكاسو أو داروين أو شكسبير أو نيتشه أو فرويد إلخ ، وغيرهم آلاف . ويزورون اضرحتهم كمزارات ، تماماً مثل المزارات الدينية ، ويتفرجون على ادواتهم باحترام وتقديس ، ويعلقون صورهم ، ويتقيدون بالكلام بمجرد ان ينسب إليهم ، وتباع اتفه القطع من آثارهم بملايين الدولارات ، ويسخطون لو انتقدهم احد ، حتى ولو كان محقاً ، ويرد عليه بكلمة : من أنت حتى ترد على داوكينز أو ساجان ؟ مع تكشيرة وثنيّة !

أليس هذا تقديس وثني تمارسونه وأنتم لا تعلمون ؟ وكم من العرب عندنا يقدسون هؤلاء بدعوى الثقافة والتمدن ، ويحاولون أن يبينوا انهم يفهمون لوحة بيكاسو الزرقاء ، بل حتى إمتد التقديس إلى رجل الشارع الغربي ، الذي ربما يكون اقل ثقافة من الذي يقدّسه ،  


الذهنية الإيمانية إستغلت وجود أشياء مادية وأطفت عليها الإحترام والتبجيل والتوقير لتمرير هدف أخر غير فعل التواصل بين الإنسان والخرافة ., فيصبح سريان القداسة فى ذهنية ووجدان الإنسان داعيا لقبول كم محترم ولا بأس به من الخرافة والغيبيات .

ولتوضيح النقطة الأخيرة نقول ..إن تسليم

ولتوضيح النقطة الأخيرة نقول ..إن تسليم وإنبطاح الإنسان بتسليمه بأن هذا الحجر مقدس وهذا المكان مقدس بالرغم أنه لا يراه فى داخله ليس مختلفا عن أى حجر أومكان أخر هو تسليم مبدئى لمفاتيح العقل الناقد ..هو تخديره أو قل هو إطلاق رصاصة الرحمة عليه .!!

وهذا ما يحدث تماماً عندما تجد نفسك أمام البيت الابيض فجأة . نفس ما يحصل عند المتدينيين عندما يرون البيت الحرام ، ألن تشعر بمهابة وجلال ؟ مع أنه مبنى عادي احترق فغيروا لونه إلى اللون الابيض ، لا بد أنها مرت عليك نوبات الخشوع والقدسية أمام رمز من الرموز الغربية الإلحادية .


ثم يتم التماهى فى ممارسة الطقوس للمقدس ويتحول الإنسان كفاعل ميكانيكى مبرمج على أداء حركات معينة بدون أن تستوقفه أو يفكر فيها ,,وهنا تكون البرمجة قد تمت على أكمل وجه ..فقمة الإنسحاق للعقل عندما يقدم الإنسان على أداء فعل مادى وحركى وهو معزول بعقله وتفكيره عنه .. فيصبح الطريق ممهدا بعد ذلك لتمرير حمولات لا بأس بها من الخرافة والغيبيات ..ثم تدور الدوائر .

قلنا ان التقديس حاصل عندكم اكثر ، ومع ذلك ليس بهذه الخطورة التي ضخمها عقلك ، لان العقل له مناحي كثيرة ، فإذا شُلّ عن نقاش أو تخطئة داروين مثلاً ، فلن يُشلّ عن الجوانب الاخرى في الحياة ، فلا نستطيع أن نقول ان عقل ذاك الملحد مشلول بالكامل لأنه يقدّس داروين ، ربما عمل عقله ليدافع عن داروين ، فصار تقديسه حافزاً لعقله ، فقد يبدع في مجالات أخرى لا علاقة لها بداروين ، والحضارة بنيت في رحاب الاديان ، ولا تنكر ذلك ..

وأكثر الاعمال ابداعية في النحت والعمارة والرسم ، بل والطب والتحنيط ، وجدت في المعابد ، أي في الأماكن التي بموجب تفكيرك يجب ان ينحسر العقل فيها ، وتاريخ الحضارة يثبت أن الابداع خرج من هذه الاماكن ، وآثارهم الدينية هي الشاهد الوحيد على الحضارات الدارسة من لوحات ومعبد وابنية واضرحة ابدع فيها العقل البشري رغم وجود التقديس، أي أنها اقوى مستوى عقلي ، بدليل انه باقي على مرور الزمن من جودة الصنعة والاتقان العقلي ..

وسؤال آخر : لو استعرضنا شريحة من المقدسين لشيء واحد ، الن نجد فروقاً عقلية بينهم ؟ مع أنهم متساوون في التقديس ؟ إذاً فالفكرة ضعيفة . ولا تحتمل كل ما حمّلتموه من شلل للعقل البشري ، والعلوم والمخطوطات الباقية من الحضارات السابقة قامت حول الاديان ، شارحة ومعلمة اياها وموسعة لها لتشمل الحياة ، ما الذي حوّل العرب من امة أميّة بدوية إلى أمة تفيض المتاحف والمكتبات بمخطوطاتها التي ما زال منها ما لم يدرس وينشر بمئات الالوف ؟ وتمتلئ اللغات الاوروبية بمفردات لغتهم ؟

كذلك الحضارة الفرعونية والهندية السنسكريتية ، حتى الحضارة الغربية نفسها قامت في رحاب الدين ، ونظرة إلى لوحات عصر النهضة ، تجد لوحات دافنشي ورافاييلو ومايكل انجلو ، إلخ .. أغلبها رسومات حول الدين وجداريات في الكنائس ، فكيف إذاً تستقيم هذه الفكرة ؟ والتقديس على رغم خطئه كان ولا زال دافعاً قوياً للعقل والابداع البشري ، لأن الإبداع من الشعور ، والتقديس حرّك الشعور كغيره من محركات الشعور ، مثل الحاجة والخطر والاستشراف الذي يدفع اليه الاغتناء والرفاهية ..

وأهم محركات الشعور هو البحث عن الحقيقة ، لأنه هو الوحيد الذي يكسر أطواق التقديس في شتى الصور ، لأن المقدّس لا يعلم أنه يقدّس ، وعندما يبحث عن الحقيقة فإنه يسقط الكثير من الثوابت الخاطئة لديه ، ثم يكتشف انه كان يقدسها .

*** فزاعة الموت .

الموت هو قلق الإنسان الأكبر ..هو همه وألمه الجوهرى

الموت هو قلق الإنسان الأكبر ..هو همه وألمه الجوهرى ..
 
تتحطم على صخرة الموت كل الحياة والأمال والأحلام والحب للحياة والوجود
 تتحطم على صخرة الموت كل الحياة والأمال والأحلام والحب للحياة والوجود.
الموت هو الصفعة القاسية التى توجه لعقولنا وذواتنا وقلوبنا المحبة والمسالمة
الموت هو الصفعة القاسية التى توجه لعقولنا وذواتنا وقلوبنا المحبة والمسالمة  .

الإنسان أحب الحياة والوجود بحكم وجوده وتواجده ..بينما الموت هو مضاد الوجود  ..هو اللاقيمة ..هو العدم

الإنسان أحب الحياة والوجود بحكم وجوده وتواجده ..بينما الموت هو مضاد الوجود  ..هو اللاقيمة ..هو العدم .

من

من خلال فوبيا الموت التى سيطرت على وجدان الإنسان سواء القديم والحديث ,تولدت فكرة الألهة لعبور عالم الموت والولوج إلى عالم الحياة مرة أخرى .

فى

فى إعتقادى أن فكرة الأله جاءت لتفى هذه الرغبة فى الأساس , وليس كما يتم ترويجه فى أن فكرة الإله جاءت لتعطى إجابات للغز الحياة والوجود أو تحصن الإنسان من قسوة الطبيعة .

ودليلى على زعمى هذا ..إننا لو طرحنا

ودليلى على زعمى هذا ..إننا لو طرحنا على أى مؤمن فكرة أنه لا توجد حياة بعد الموت سواء جنه أو جحيم ..ثم تركناه يتفاعل مع هذه الفكرة , فسنجد أن الذى يربطه بفكرة الإيمان والإله والدين هى هذه الإشكالية .

إفرض أنه لا يوجد موت ، هل تتوقع ان الناس سيكونون بلا اديان ، وسيكونون ملاحدة مثلك ؟ الطفل والمراهق مقبلان على الحياة كما تقول ، ولا يتصوران الموت ، ومع ذلك يسألان اسئلة كبيرة ، ولم يشغل بالهما الموت ، والإنسان وهو حي لا يعرف الموت ، بل ان الإنسان لا يحس انه سوف يموت ، لهذا يذكّر الناس بعضهم البعض بالموت ، مع أنه حقيقة مفروغ منها ، ويضعون التحذيرات على الأماكن الخطرة والحواجز ليمنعوا الناس من التعرض للموت ..

ولو كان هذا الموضوع هو شاغل بال الناس لما احتاجوا للتحذيرات ومنعهم بالقوة عن تعريض انفسهم لخطر الموت ، وبإمكانك أن تسأل أدنى ولد أو فتاة في مقتبل الشباب : لماذا أنت متمسّك بالدين ؟ لن يكون جوابه خوفاً من الموت ، لو كان الإنسان يخاف من الموت حقيقة كما تصورت ، لما قامت الحروب ، والحرب مقبرة لمن يدخلها ويشترك فيها ..

ومع ذلك لا يكف البشر عن الحروب وإثارتها ، بل والتهور ، وتعاطي المخدرات ، والمغامرات الخطرة ، بل والانتحار نفسه ، فالموت لم يزعهم عن اسباب الموت ، فكيف يجعلهم يعبدون الهة يتقيدون بأنظمتها ، وهم لم يتقيدوا بأنظمة المرور التي تحميهم من الموت ؟ ينبغي إعادة النظر في فكرة ان الموت هو الدافع للدين .


فأنتم تارة تقولون الخوف من الموت ، وأخرى تقولون ان الخوف من الظواهر الطبيعية هو السبب في وجود الإيمان ، السبب الحقيقي للدين هو السبب الحقيقي للإلحاد ، وهو جهل الإنسان . فالانسان وجد نفسه سميعا بصيرا مفكرا لا يدري ما الحكاية ، ولم يطلب منه شيء ، ولا يدري لماذا هو موجود ، قال ابو ماضي الملحد : (جئت لا اعلم من اين ولكني اتيت . . ولقد ابصرت قدامي طريقا فمشيت .. وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت ، لم جئت ؟ كيف جئت ؟ لست ادري) ، وقس بن ساعدة الايادي كان يخطب في عكاظ:

وهذه الخطبة تثبت تفكر الانسان وبحثه عن الحقيقة التي يقول منها: "ايها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر

ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟! أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا، يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه إن لله دينا هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، وإنكم لتأتون من الأمر منكرا.

إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا."

هذه أمثلة على حيرة الإنسان وهواجسه والتأملات التي تدور في داخل الإنسان ليل نهار, وغيرها كثير, ولا يسلم منها حتى المؤمن, وما شكوك الإنسان وتقلبه من مذهب إلى مذهب كما حصل لك ولي ولغيرنا إلا دليل على أهمية هذا الموضوع, فليس الخوف من الموت هو الذي جعلك ملحدا, ولا هو الذي جعلني مؤمنا, بل هو البحث عن الحقيقة إذا استثنينا المنتفعين. 

وعدم تأكد المؤمن الذي يرفع شعار الايمان هو نفس جهل الملحد الذي يرفع شعار العلم, فالعلم عاجز عن ان يجيب الملحد عن الاسئلة الكبيرة ولا أمل له ان يجيبه, ليس احتقارا للعلم بل لأنه لا يملك ولا يمكن ان يملك أدنى خيط معرفة بخصوصها, فما بقي للملحد إلا إيمانه بعدم وجود إله معتمدا على انتقاده لبعض الممارسات الخاطئة في الدين وليس على الفكرة الجوهرية التي هي أكثر منطقية من فكرة الإلحاد, 

وفكرة وجود خطأ في الدين يعني صحة في الإلحاد, وهي فكرة خاطئة كما قلت أنت. إذاً فكرة الإلحاد  تعتمد على الجهل  مباشرة ولا تعتمد على العلم كما تدعون وكما هو معتاد بعكس دعواكم تكون الحقيقة ، فالإلحاد معتمد على الجهل وليس على العلم  ، وهذا كلام منطقي وليس عاطفي ، ودحضه بالمنطق وليس بالعاطفة الإلحادية , نعم ، الإلحاد مبني على : لا أدري ، أي : أجهل ، أي على الجهل ، وهو مؤسس على الجهل . وحسبك سوءاً ببنيان فكري يؤسس على الجهل .

 وردّهم على كل شيء خارج نطاق المادة هو كلمة : لم يثبت علميا ومختبريا ، أي مجهول, ولا تعني معدوم , فهناك اشياء لم تثبت مختبريا ثبتت فيما بعد, وعدم العلم بوجود الشيء لا يكفي لإثبات عدمه منطقيا.


فالملحد يؤسس فكره إذاً على الجهل ومعلقا آماله على العلم منتظرا الشهر تلو الشهر أن يأتي بخبر ، لكنه لا يجد إلا نوعا جديدا من الهاتف النقال أو صبغة شعر جديدة , والعلم معذور لأنه مرتبط بالمادة فقط وحُمِّل مالا يحتمل,والعلم اصغر من المادة حتى, فهو تلميذ عند المادة والحياة, يدرس خواصها ويقلدها ويستفيد من معطياتها, و الاصغر لا يدرك الاكبر ، لهذا يستحيل عليه أن يعرف منتهى أو نهاية الكون, فهو علم للإنسان وليس علم للعلم, فالدافع إليه المنفعة وليس المعرفة, إذاً هو صغير أمام الكون وليس مؤهلا للإجابة الكاملة في عالم المادة نفسه وهو مجاله فضلا عن أن يجيب عن الماهيات والغايات.

 وجد الإنسان عنده عقل يميز قيمة الأشياء والصحيح والخاطئ منها بدافع غريزي ، ثم مرر السؤال على وجوده ، فقال : ما قيمة وجودي أنا ، ما دمت عرفت قيمة وجود الأشياء من حولي ؟ ومتى اكون صائباً ومتى أكون مخطئاً في مسيرة حياتي ، ومن اين أتيت ؟ وإلى اين أنا ذاهب ؟ ولماذا تأتي الأجيال ثم تزول وتأتي بعدها أجيال أخرى ؟ ما هدف الحياة وما غايتها وأنا أعرف ان لكل شيء غاية وهدف؟ ما قيمة الفضائل والأخلاق ولماذا أنا أعظمها ولا وجود مادي لها ، بل وتحمل الضرر لي أحيانا,

لماذا أنا أحب الخير واكره الشر؟ ( أي بعبارة أخرى : الاسئلة التي تكمّل المنطق ، فعرفنا أن كل شيء له سبب ، وبالتالي نسأل : ما سبب كل شيء ؟ ، أي ان المنطق ناقص ويحتاج إلى تكميل ، فقانون السببية وقانون الغائية وقانون القيمة وهكذا ، كل شيء له قيمة ، إذاً فما قيمتي ؟  وكل شيء له غاية ، إذاً ما غايتي ؟ وهذا المنطق هو الذي يُجريه على كل الاشياء ، فما باله لا يجري عليه هو ؟ إذا فسريان وتطبيق المنطق ناقص ، ولا يستطيع العقل ولا العلم أن يكمّل هذا النقص) .

ماهو الخير وما هو الشر وما يحددها لي؟ هكذا هي الاسئلة الشعورية إذا احترمها الانسان قادته إلى اطمئنان هذا الشعور الثائر, فلو ذهب انسان يمشي في مدينة لا يعرفها وشوارع لم يطرقها من قبل ، فسوف يشعر بالقلق ، مع أنه لم يأتيه اذى ، فهو يقود سيارته حسب تعليمات المرور ، وهناك المحلات والباعة ومعه النقود ، ومع ذلك يشعر بالقلق ، لأنه يمشي بلا غاية ، فهو لا يستطيع ان يحدد غايته ، فهو خائف من المجهول ، وهو لا يعرف الطريق إليها . كذلك هي مسيرة الإنسان في حياة دون هدى ، مكتفيا بالحواس فقط ، وهذا ما يعنيه الفكر المادي باختصار : الاكتفاء بالحواس وتفاعلها مع العقل .

الدافع للإيمان هو طلب الأمن في الحياة ، ودور الموت هو محفز للإيمان ، واقوى مؤثر في حياة الإنسان هو الأمن وليس الموت ، فقد تترك كل اللذات إذا فُقِد الأمن ، حتى الجائع لا يشتهي الطعام ولا يستطيع النوم إذا فقد الأمن ، هذه الحاجة تتحكم في كل حاجات الإنسان ، ومنطقياً حاجة الامن هي التي دفعت للبحث عن الدين من باب البحث عن الحقيقة ، أي عن الأمن ، فلا أمن على زيف . مخاوف الإنسان كثيرة وليست مجرد الموت ، 

فلذلك لحظات الطفولة هي الأكثر سعادة لأنها أكثر أمناً بسبب قلة المعلومات عن الاخطار ، لهذا بشر الله المؤمنين بقوله ( أولئك لهم الأمن ..) . والأمن بحسب موضوعه ، فهناك أمن من الموت ، وأمن من المرض ، وامن من الفقر ، وأمن على الكرامة ، وأمن فكري ، وأمن إجتماعي ، إلخ وحسب الموضوع . وهذا يدل على أنه ليس الموت هو المحرك الأول ، بل هناك من يضحي بالأمن من الموت مقابل الأمن على الشرف ، وهذا كثير عند العرب وغيرهم ، 

أي أنه يعرّض نفسه للموت ولا يعرّض نفسه للإهانة ( غير أن الفتى يلاقي المنايا .. كالحات ولا يلاقي الهوانا) كما قال المتنبي ، ونهاية حياة المتنبي مثال يؤكد ما قلته . فالمتنبي ضحى بحياته لأجل شرف الكلمة ، عندما استطاع ان يفر من المعركة غير المتكافئة ، ذكره احد الاعداء ببيته المشهور : (الخيل والليل والبيداء تعرفني .. والسيف والرمح والقرطاس والقلم ) فسخر من هروبه ، فقال المتنبي : قتلتني يا هذا . ورجع إلى المعركة فقُتِل .

فالخوف من الموت يردع صاحب الدين ليوفي حقوق دينه الذي اختاره قبل ان يفكر بالموت ، فليس الإنسان آمنا وليست عنده مشكلة إلا الموت ! وكيف يطمئن عندما يخترع ديناً مع أنه هو الذي اخترع هذا الدين ؟ مثلما الموت محفّز للملحد بأن يتهالك على متع الحياة ، والابتعاد عن المخاطر واغتنام اللحظات وأن يعيش اللحظة بمتعتها ، ومحفّز للإنسان أن يستثمر ويجمع ثروة لأولاده ، فالموت يعني الرحيل ، فكل شخص قبل ان يرحل عليه ان يجهّز ما يرى أهمية تجهيزه 

، وإن كان يؤمن بالآخرة فسوف يجهز لها ، وإن كان يؤمن بالدنيا فقط يجهّز لأولاده ويغتنم الفرص لاستغلالها بالمتع ، فسوف يكون كلامك صحيحا لو كان الإنسان يعاني فقط من الموت ، فالتقدم بالعمر لا يعني حتما زيادة في التدين عند المؤمنين مع أنه قرب من الموت ، في حين نجد أن فئة الشباب المتدين اكثر حماساً ، ولو كان الكلام صحيح لكان الإحساس بالموت يملأ دور العبادة بالعجزة وكبار السن والمصابين بأمراض خطيرة ، بل نجد العكس ، من الصعب تغيير اسلوب كبار السن ، حتى لو قال لهم رجال الدين ان اسلوبهم خطا دينياً ، فهم أصعب تقبلاً من قبول الاوامر الدينية الجديدة عليهم ، في حين يتقبلها الشباب البعيدين عن الموت بحماس شديد ، فاين دور الموت ؟  

كيف يطمئن الإنسان مع انه ليس لديه ادلة قطعية عقلية؟ فإيمانه يجعله يطمئن, رغم انه لم يتأكد عقليا مئة بالمئة, بعد ان عرف أنه لا يمكن التأكد من أي شيء عقليا في هذه الحياة مئة بالمئة.

كيف يتخيلون وجود حياة ثانية وهم لم يحافظوا على هذه الحياة المحافظة الكاملة ؟ وانتم كماديين ملحدين تحبون التمسك بالحياة ولكنكم مثلهم تفعلون اشياء تقصّر أعماركم! بطريق مباشر أو غير مباشر, إذاً هل حبكم للحياة حقيقي؟ أم أنكم تفرضونه على انفسكم بموجب افكاركم ؟ 

والإحصاءات تشير إلى أن أكثر نسب الإنتحار هي بين الملحدين الذين اجبروا انفسهم على حب الحياة ، وتذوق كل متعة قدر الامكان ، وكل الناس غير معجبين بالحياة ولو خيّروا بين أن يوجدوا في هذه الحياة او لا يوجدوا لاختاروا الا يوجدوا اصلاً , فحب الحياة هذا إعتساف وليس حقيقي ، فقياسا على هذه الحياة التعيسة التي يعيشها البشر, الذين يفرحون بالنوم الذي هو مفارقة للوعي بالحياة وبالسكر وبالمخدرات, كيف يقفز على ذهنهم حياة أخرى؟ إما نعيم او جحيم, فيعرضون انفسهم بالتالي لخطر الجحيم الذي هو اشد من خطر الموت واقسى من عذابهم الذي يعيشونه في الدنيا , وليس هناك ضمانات أكيدة لدخول المنتجع السياحي الذي وصفته .

ولماذا لم يجعلوا دينهم مريحاً لأتباعهم ، فلا اوامر ولا تعبد ولا التزام بقيم ، وبعد الموت هناك المنتجع السياحي بانتظار الجميع ، هذا ما تقتضيه فكرتك .

يكون كلامك مستقيما لو انهم تخيلوا نعيما فقط بلا وجود للجحيم والعقاب, فيكونوا قد اجتمعوا واتفقوا على اقتراح حياة أفضل بعد الموت فيها نعيم للجميع, لكنهم لم يفعلوا ذلك, والديانات السماوية لم تقدم  صكوك غفران جاهزة عليها ضمانات, إذا ً ليس الموت هو الدافع لوجود الدين, إنما هو وازع تحذيري للاقتراب من الحياة الثانية, فترى المؤمن يخاف مما بعد الموت اكثر من الخوف من الموت نفسه ، ولو كان الموت هو الدافع لوجدت القرآن مثلا يخوف من الموت, ولكنك لا تجد فيه آية واحدة تخوف من الموت بل يخوف مما بعد الموت, فالمؤمن بين الخوف والرجاء, ولكن الموضوع من فكرته لجعل الآخرة رجاء فقط بلا خوف ، فالإنسان يحب الخير لنفسه .


فبدون حياة بعد الموت لن يتعبد الإنسان ,ولن ينفق دقيقة واحدة من وقته فى الصلوات ..بل سيعيش الحياة .


هذا الكلام غير صحيح فهناك اديان لا تركز على حياة ما بعد الموت وتقدم تعليمات لصلاح الإنسان في هذه الحياة واتباعها بمئات الملايين كالبوذية والكونفوشية وغيرها, مما يثبت \ان كلامك تعميمي, ويثبت شيئا آخر وهو حاجة الإنسان للدين حتى يسير سيرا سليما في الحياة, ويثبت كلامي بانه ليس الموت هو من اخترع الدين, ومثل هذه الديانات التي لا تهتم باالحياة ال\ىخرة تسقط هذه الفكرة من أساسها, فأتباع هذه الديانات يتعبدون وهم لا يرجون حياة بعد الموت, حتى فكرة التناسخ الهندوسية تعيد الغنسان إلى الحياة نفسها ولاتنقله إلى الفردوس,والفردوس فيها دنيوي مثلما تخيل الشيوعيين فردوسا أرضية,


وفكرة البعث نفسها لا تراود ذهن الإنسان, وكأنه ليس هناك موت بل انتقال فقط,مما يثبت أن فكرة البعث إلهية,فكيف يرضى الإنسان أن يوعد بفردوس بعد آلاف أو ملايين السنين؟ فهذا ليس وعدا مغريا,و فحياة الغنسان كلها حوالي مئة سنة وسيبقى آلاف السنين في القبر, هذه الفكرة لا يتحملها العقل البشري وليس له مصلحة من اختراعها,وانظر إلى من يذهبون ليدفنوا شخصا عزيزا عليهم تجدهم يتمنون أن يكون دخوله للجنة الآن, 


بيت أبي تمام في رثاء أحد الابطال: تردى ثياب الموت حمرا **** فما دجى لها الليل إلا وهي من سندس خضر,هذه أمنيته أن يُقتل في النهار ويدخل الجنة في المساء, هكذا أمنيات الإنسان أن العزيز عليه يدخل الجنة مباشرة وهذا ما تقوله فكرته, لكن الإسلام لكن لا يقول هكذا لأنه ليس من البشر فالقرآن يقول أن البعث لن يكون إلا بعد فناء كل ما في هذه الحياة, وبالتالي سوف يكون هناك من ينتظر ملايين السنين من أجدادنا.

عالم المادة يصحح نفسه فإذا خالفت قوانين المادة ستظهر لك النتائج مباشرة وتكون هي الحكم, لكن إذا خالفت قوانين المعنوي وقلت لمظلوم أنه ظالم فمن سيكون الحكم؟
فالدنيا حكم المادة والآخرة حكم المعنوي.

 والناس عارضوا الأنبياء بهذه الفكرة الغريبة{من يحيي العظام وهي رميم} ولو كانوا قد اقترحوا حياة آخرة فردوسية لكانت مباشرة بعد الموت وليس بعد مئات الألوف من السنين.

 فالحياة الآخرة إذاً لم يخترعها الإنسان, بل لا  يستطيع خيال الإنسان ان يخترع حياة آخرة فعقله مربوط بهذه الحياة ولا يعرف سواها فكيف يتخيل حياة اخرى؟
الديانات السماوية لأنها قديمة هي التي أشاعت هذه الفكرة ومعها فكرة التجريد للإله وأنه ليس كمثله شيء مما تعرفون.


المنظومة الدينية تتكأ على قضية الموت لبناء كل هيكلها الخرافى ..هى تضغط على أكثر الأعصاب ملتهبة فى الجسد الإنسانى ..تضغط على فوبيا الموت ..وتغزل فى المقابل الحلم البديل ..حلم  الإنسان فى الوجود أن يكون خالدا ..هذا الحلم لن يختلف أى إنسان عليه ..!!!
ولكن المؤمن يرى الحلم حقيقة ويعيش على
ولكن المؤمن يرى الحلم حقيقة ويعيش على رجاءه ..أما الملحد فيراه حلم وفنتازيا فيفضل أن يعيش الواقع كما هو بدون أى إضافات خرافية أوسرابية .

وهل المؤمن خارج عن الواقع ؟ إنه يعيش الواقع كما يعيش الملحد الواقع ، له أمل والملحد ليس له أمل ، هذا كل ما في الأمر ، بيد أن أمل المؤمن يدعم أخلاقه ليحسّن الواقع ، والملحد ليس له أمل اصلاً حتى يحسّن الأخلاق . كلاهما سيعيش الواقع ثم سيموت ، والذي يموت على أمل خير من الذي يواجه الموت بلا أمل ..

ليس هناك ميزة حقيقية للإلحاد يا سيدي ، التمتع بالحياة ؟ المؤمن يتمتع كذلك . (ليس الذي يبكي بلا امل ، مثل الذي يبكي على امل) ، ومن ناحية نفسية : يريد الشعور الإنساني دائما ان يبقى هناك امل ، فهو لا يحب اغلاق باب الامل ، وكلما اغلق باب الامل زاد الالم ، إذاً فكرة الدار الآخرة منسجمة مع الشعور الإنساني ، وقطع الأمل غير منسجم مع الشعور الإنساني ، الذي يرضيه الأمل حتى لو كان بعيدا ، فتجد المريض تتعلق عيناه بالطبيب ليعطيه أملاً حتى لو كان بعيداً ، كي يواصل الحياة ، إذاً الإيمان شأن طبيعي ، والإلحاد معاكس للطبيعة البشرية .


العقل الإيمانى يبنى على حجر زاوية وحيد وهو الوعد بعالم أخر وحياة أخرى ...وبدون هذا الحجر فأنا أعتقد أن البناء الإيمانى يتفكك وينهار دون أن يلمسه أحد .

هناك ديانات لا توجد بها حياة اخرى ، أو وعد بجنة أو نار ، ولم تتفكك اركانها واحجار زواياها كما تفضلت .


لذلك هناك إلحاح شديد على التذكير بالموت فى الثقافات الدينية لخلق ثقافة الخوف من الموت ويتم فى نفس الوقت تقديم وعد بالحياة مرة أخرى ليدغدغ مشاعر الإنسان المتلهف والمتشبث بالحياة والبقاء

لا يوجد في القرآن تخويف من الموت بحد ذاته ، بل التخويف مما بعد الموت .

من هنا ..نجد أن الإيمان يتكأ على أحلام ورغبات إنسانية غير واعية تتماهى فى الخوف والرغبة ..

هذا خاطئ ، الإيمان لا يتكأ على الأحلام والرغبات الإنسانية فقط ، بل يتكأ على المنطق والإحساس وعلى الأخلاق والفطرة وعلى الوعد والمقارنة بالافكار البشرية والديانات الخاطئة ، الإيمان يتكأ على كل شيء حقيقي في الكون .



أحلام لا تجد لها أى دلالات فى الواقع , فلم نشاهد أمواتا قاموا من أحضان الموت ..ولا جاءنا ميت ليسرد علينا طبيعة حياته بعد الموت .

إذاً عليك أن تتوقف في هذه المسألة - منطقياً - حتى يأتي هذا الميت ليخبرك بعدم وجود حياة أخرى أو حساب . وحينها ألن تكون متأكداً أكثر ؟ ألسنا نحتاج عند النفي أن نثبت النفي ؟ هذا هو المنطق .


المؤمنون يدركون جيدا أنه لا دليل واحد يثبت زعمهم بعالم وحياة بعد الموت ..ولكنهم لا يريدون أن يقتنعوا بالبديل ألا وهو أن الموت ينتهى بالإنسان ولا وجود لحياة أخرى ..ليس هذا كرفض عقلى وإنما رفض نفسى لعبثية الحياة ..رفض لرغبات وأشواق تتم تحطيمها ..رفض لأحلام يتم كسرها على صخرة الواقع .

حتى كلامك ليس قائماً على أي دليل يثبته ، وما دامت الحياة عبثية ، فلماذا الإنسان يلح هذا الإلحاح على أنها غير عبثيّة ؟ ولماذا يحلم وهو مادة ؟ من المنطقي أن تقتصر أحلامه على المادة كما هي أحلامكم بالثروة ، بناء على أن الإنسان مادة ، لماذا خرجت المادة عن قوانينها ؟ ولماذا العبثي يريد أن يكون غير عبثي ؟ أنت تحلم بعالم دنيوي أخضر يسوده النظام والسلام ، فلماذا تحلم هذا الحلم ، وأنت تؤمن بعبثية الحياة والكون ؟ 

لماذا لا تقبل الحياة كما هي ؟ عابثة وفوضوية وبدون هدف ؟ لماذا تريد أن يكون للناس هدف ؟ لماذا تكره الخارجين عن القانون ؟ اليست الحياة عبث ؟ اليس ما قاموا به عبث ؟ إذاً هم لم يحلموا أحلاما وردية ، والمجرمون سايروا افكارك ، وقبلوا بواقع الحياة كما هو عندك كفوضوية وعبثية ، فلماذا تلومهم ؟ 

جب أن تقول أن هؤلاء المسجونين هم الأولى بالحرية ، لأنهم هم الوحيدون الذين فهموا الحياة ولم يحلموا احلاما غير واقعية ، أنت بطلبك للكوكب الاخضر تشبه المؤمنين الطوباويين ، الذين لم يفهموا واقع الحياة كما هو . إذاً من اطاع هذه الافكار لا نجد منهم غلا الفوضويين والمخربين والعابثين . وهذه الرقية الفلسفية هي خير ما يعزي به المجرمون بعضهم بعضاً ، لا إله يعاقبنا ولا يوجد نظام حتى نكون قد خرقناه اصلاً ، ونحن الوحيدون الواقعيون على هذه الارض . سيشكرك المجرمون على هذه المبررات الثمينة .


المنهج الإيمانى يتلاعب على هذا الحلم والغرور والجهل الإنسانى لتمرير جبال من الخرافة والغيبيات ..ومن هنا لا نندهش عندما تجد إنسان محترم يردد بكل حماس قصة العجل الطائر فى السماء أو الجن الذى يتبول فى أذنه أو المرأة التى تلد بدون جماع .
هنا تتكون ممرات وسراديب لتمرير كل تلال الخرافات والأساطير بعدما تمرغ العقل فى أحضان الفكرة التى ستمنحه الحياة بعد الموت
هنا تتكون ممرات وسراديب لتمرير كل تلال الخرافات والأساطير بعدما تمرغ العقل فى أحضان الفكرة التى ستمنحه الحياة بعد الموت .

هذا العقل الذي تمتدحه ، ألا يتصور وجود أحد قادر على إيجاد الكون ؟ هل يتصور ذلك ام لا ؟ إن كان لا يتصور فهو عقل غير منطقي ، لأن هذا العقل يتصور ان لكل موجود موجد ، وهذا ما تعيشه في حياتك اليومية ، إذا كان يستطيع أن يتصور وجحود من يستطيع أن يخلق الكون، مثل من تصور أن أحدا صنع السيارة ولم تصنع نفسها ، سيتصور معه قدرة تفوق الآخرين ..

فمن استطاع أن يجعل العحل يمشي ، يستطيع أن يجعله يطير ، خصوصاً وأن له مخلوقات تطير ، وتعيش بنفس الفيسيولوجية التي يعيش بها العجل الذي يمشي ، كلها تتنفس وتشرب الماء وتأكل ، لن يستغرب هذا العقل أن يتصور كل هذه التصورات ، فمثلك مثل من اعتاد على وجود السيارة ولم ير طائرة في حياته ، فيقول لا يمكن أن تأتي سيارة وتطير !! مع أنه ببعض التعديلات التي تجرى على السيارة من الممكن أن تتحول إلى طائرة ، ولها عجلات مثل الطائرة وتعمل بالوقود ، ولها مقاعد .. إلخ ..

وأنتم تسايرون الخيال العلمي بقصصه على ابعد حد ، ولا تستطيعون أن تتصوروا أن من اوجد البشر قادر على أن يجعل إمرأة تحبل بدون زواج ، هذا ضيق افق ، وتقوقع على الواقع ، وتمحور عليه ، وكأنه هو الحقيقة الوحيدة فقط ، وبناء عليه ن فواقع الناس قبل 200 عام كان هو الحقيقة ..

وكان ضيق الافق لا يتحمل أي فكرة مختلفة عن الواقع ، وهذا ما تعاني منه العقلية الإلحادية : الإختناق في زجاجة الواقع ، وهذا يتناسب دائماً مع ضيق الافق المتزمت عقلياً ، والذي يرى دائماً أنه ليس بالإمكان أكثر مما كان ، وهؤلاء موجودون واصبح لهم ايديولوجية تجمع كل ضيقي الافق ، (جمعية ضيقي الافق وعبدة الواقع في العالم) وليست هذه الجمعية مقتصرة على الملحدين فقط ، بل حتى تشمل ضيقي الافق من اتباع الأديان ، بجامع ضيق الافق المنحصر في المادة ، وإهمال الشعور الإنساني ، ونحن نرى الماديين يتشابهون سواء الملحدين أو أتباع الأديان الماديين ، ولك أن تتأكد بنفسك من أوجه الشبه بينهم .   


الإيمان يتفكك وينهار عندما يدرك الإنسان أنه لن يسافر إلى عالم أخر على بعد مليارات السنين الضوئية ليعيش فى عالم أخر يمنحه الحياة والبقاء .


وكيف يدرك الإنسان ذلك ؟ اجبني فلسفياً أو علمياً أو منطقياً ؟ كيف تدرك شيئاُ لم تره ؟ ألستم تؤمنون بالحواس ؟ إذاً فكيف أدركتم هذا الأمر وخالفتم العلمية المادية التي تدعونها ؟ المعرفة عندكم مبنية على الإدراك الحسي المادي، فكيف تمت عملية إدراكك هذه بدون علم ؟ الآن أنت ظني ولست علمي ، وهذا ليس إدراك ولكنه ظن ، لنكن دقيقين وعلميين في الألفاظ .


لو لم يكن هناك موت لما إخترعنا الألهة !!!..ولو أدركنا أننا نعيش حياة واحدة فلن ننفق دقيقة واحدة فى عبادات !!!..وسيصبح الإيمان هو بمثابة الأحلام الخرافية والسرابية .

هذا ليس صحيح ولا دقيق !! ليس الموت هو الدافع الوحيد للإيمان ، بل هو الأخلاق . وبدافع حاجة الأمن بسعة الكلمة ، والأمن لا يتم إلا عن طريق الأخلاق . والدين قام على أساس الأخلاق ، وبدون الأخلاق يشعر الإنسان بعدم الأمن وعدم الفهم .



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق