الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

الإلحاد و الدين و الأخلاق و الطبيعة وتأثيرها على الشاعر "الرد على موضوع : الطبيعة تنحت الأديان والأخلاق ، للعضو : لاديني بالفطرة"




اقتباس
فى دراستنا للأديان والمعتقدات نجد أننا أمام الكثير من الظروف المادية التى تحكمت وشكلت التكوين الدينى .


اذا ما الذي كون الروح الماديّة ، ما دامت الطبيعة مشغولة في تكوين الاديان ؟


اقتباس
فقد عرضت سابقا رؤية أن الدين والمعتقد ماهو إلا وسيلة لتحكم وسيطرة وتأطير لسيادة طبقة إجتماعية محددة لها مصالحها وأجندتها الخاصة ..


وهل هذا لا ينطبق على الفكر المادي الذي تحاول طبقة الراسماليين السيطرة وبسط النفوذ على العالم ؟


اقتباس
وما الدين إلا كتشريع وتمرير رؤية وأيدلوجية طبقة إجتماعية أرادت أن تضمن لها السيادة والهيمنة .


نفس الكلام ينطبق على الطبقة المادية ، وليس الكلام عن استغلال الدين شاملاً ، بسبب وجود من لا يستغل الدين ، أما الفكر المادي فكل من فيه يستغل ، وإلا ما كان مادياً .


اقتباس
إذن المعتقد هو تعبير عن شكل العلاقات الإنتاجية والخريطة الطبقية والإجتماعية السائدة فى ظرف زمانى ومكانى محدد


كلام تريده ، ولكنه غير دقيق لأنه لا ينطبق على كل الحالات . هو مجرد تبرير ، وكل يصنع تبريراته .


اقتباس
ليس من الصعوبة بمكان أن نجد أن الأديان المختلفة عبرالتاريخ أصاغت وأطرت لصالح وضع إجتماعى محدد أرادت له أن يسود


لا ، هذا ما أُريد من الاديان من قبل الماديين الذين دخلوا الاديان لإستغلالها حتى نكون دقيقين أكثر . دليلاً على ذلك هو ازدياد رقعة المستغلين والمنتفعين بتقدّم الزمن . لو كان الدين أراد أن يستغل ، لكان الاستغلال أكثر في البداية ويتناقص مع تقدم الزمن . لماذا الجيل الأول والثاني يشتهرون بالطهر في الأديان وهم الذين يتحملون الأذى غالباً ؟ كل دين حقيقي يبدأ طاهراً ، وخاليا من الخرافات والأطماع ، ثم تبدأ بالدخول فيه شيئاً فشيئاً ، وتكثر وتتعاظم مع مرور الزمن ، ويتشقق الدين إلى فرق كلها تحاول الاستغلال تبعاً لظروف البيئة .


وسؤال آخر : لماذا الأديان قليلة العدد ؟ وتمر آلاف السنين حتى يظهر دين جديد ؟ دامت أنها فكرة إقتصادية مجدية ؟ السبب هو أن الدين سد الفراغ الداخلي بوجود إله ، وبعد ذلك لا يستطيعون أن يتقبلوا دينا اخر يحمل نفس الفكرة ، فهذا الفراغ انتقل إلى منكري الاديان ، فهم الذين مع الزمن سوف يحتاجون إلى ديانات وايديولوجيات تملأ هذا الفراغ ..

لهذا نرى في الغرب في كل حين تظهر صرعة روحانية جديدة ، لا نجد مثل هذه الصرعات في الشرق المتدين ، لأنهم نحّوا فكرة الإله في الغرب ، فالبيئة الملحدة هي بيئة الأديان الجديدة ، وهذه نظرة مستقبلية ، من أجل سد هذا الفراغ ، وفرصة للطامعين . مثل الرائيلية وعبدة الشيطان والعدمية الذين ابتعدوا عن العقلانية التي اشتهر بها الغرب . 


اقتباس
...ولنا مثال المجتمع العبودى كنموذج لتأطير لعلاقات يراد لها أن تكون تمثل فى رؤيتها ملامح وتطلعات أسياده .

لا يجب أن ننكر بأن بعض الأديان جاءت كثورة راغبة فى التغيير وطارحة فى الوقت ذاته تطلعات طبقية جديدة ذات مشروع سياسى جديد تريد لها وجود فعلى وحقيقى على الساحة ولاغية فى الوقت ذاته لأشكال طبقية وإجتماعية أخرى .

كما طرحنا فى أفكار سابقة كون المعتقد أو الدين هو هوية إجتماعية للجماعة البشرية بحسب مفهوم عصرها ..


هذا تعميم ، فنعم هناك وجه اجتماعي ، لكنه ليس هو الوجه الوحيد ، فالدين ليس كيانا اجتماعيا فقط . وكل هذه الملاحظات على الدين ، يراد صبّها في إطار إنكار الدين ، مع أن هذا القالب لا يكفي لاثبات انها خطأ ، فكون الحق يأخذ وجهة نظر اجتماعية ويكونله أتباع ، لا يعني بالضرورة ان يكون دين باطل ، وإزالته لصور فكرية او اجتماعية واحلال غيرها محلها ..

لا يعني منطقيا أن يكون من فعل ذلك راغبا في السيطرة ، فهذا وقوف على المظاهر ومحاولة إخراج منها أدلّة على النيّات لا تحتملها ، وربما تحتمل عكس ما تريد ، مثل من يرى مجموعة من الناس تجري وراء شخص ، يستطيع من رآهم أن يقول أنهم يلاحقون سارقاً ، ويستطيع آخر أن يقول : أنهم عصابة يلاحقون بريئاً ، كلا النظرتين سطحيتان ، 

ومن هو في صف الرجل سيختار التفسير الثاني ، بينما من في صف الجماعة سيختار الوصف الاول . هذه هي طريقة التفكير بسيناريو الظواهر ، فاي شخص يريد ان يصلح البيئة التي هو فيها ، هل تقول عنه انه يريد سلطة قطعاً ؟


بعبارة موجزة : إذا قلنا عن الأانبياء والمصلحين أنهم ثوار لأج لالسلطة بسبب اعتراضهم على انماط اجتماعية في زمانهم ، غذاً سينطبق هذا الكلام على ماركس وفرويد وعليكم أنتم اصحاب الفكر المادي الجديد ، فينبغي للمفكر الملحد ألا يعتمد على صياغة السيناريوهات الظواهرية ، لأنها لا تقدم ولا تؤخر ولا تكفي دليلاً على شيء . ونحن لا نستعمل هذه الطريقة مع قدرتنا على صنع سيناريوهات كاملة لكل حركاتكم المادية ، من منطلقاتها إلى غاياتها .

وسبب لجوء الإنسان لمثل هذه السيناريوهات هو افتقاره للأدلة القطعية ، وإعتماده على ذاكرة العوام التي تعرف صور وأنماط للخداع والغش مرّت بها بدافع معتاد وهو المادة والسيطرة . فالناس لا تعرف من المصلحين النزيهين قدر ما تعرف عن المخادعين والمنتهزين . فهذا الاسلوب عزفٌ على ذاكرة العوام ، ليس له وزن عند صاحب العقل العلمي . وينصب هذا الكلام في سياق العوام لأنه يحمل التعميم ، فكثرة المدعين الكذابين لا تعني عدم امكانية وجود مدعي صادق . 


اقتباس
فكما أن الهوية فى عصرنا ترتكز على سمات محددة تعطى الولاء والإنتماء إلى جماعة بشرية محددة ...هكذا كان الدين فى المجتمعات القديمة يمثل الدستور والبرلمان ويكون الإله والطقوس هو الملمح الأساسى للبنية الإجتماعية والتى تجعلها تتمايز وتختلف عن الجماعات الأخرى .


إذا لم تسلموا من الإنتماء والتبعية ، فالهوية كما قلت ترتكز على سمات محددة تعطي الولاء والانتماء إلى جماعة بشرية محددة ، إذاً الولاء والإنتماء قائم ، سواء كان لدين او لجماعة بشرية . ومن لم يعبد الله عبد غيره .


اقتباس
فلا نندهش عندما نجد أن الشرائع الدينية تعاقب بشدة الخارج عن الدين بإعتباره خارجا عن الجماعة البشرية ومنشقا عنها مما يعتبر خطرا يحيق بالمجموع ويشكل خصما من الجماعة وإضافة لجماعة أخرى ..ومن هنا جاءت القسوة على المرتد عن الجماعة الدينية .
إذن المعتقد والإله ما هما  إلا هوية وعلم وراية تجعل للجماعة إنسانية محددة شكلها وتمايزها عن الأخرين .


هذا خلط بين روح الجماعة التي صاغها الاتباع وبين روح الدين المجرد الذي يقول : لكم دينكم ولي دين . وإن كانت أكثر الجماعات لا تقر بهذا . يجب ان يكون النقاش مع مصدر الدين وليس مع فهم اتباع الدين .


اقتباس
بالطبع هناك أسباب كثيرة أخرى لتشكل الدين وتعلن عن وجوده ..فيكون تواجده هو شئ طبيعى وليس نبتا شيطانيا ..فهو تعبير حقيقى عن درجة التطور المعرفى والإجتماعى والسياسى للجماعات الإنسانية القديمة .


فى بحثى هنا لن أخوض فى هذه الأمور


أهو فعلاً بحثك أم هو نقلك ؟


اقتباس
..بل سأتطرق لفكرة أن الطبيعة بشكلها المادى البحت نحتت وشكلت وصاغت الشكل الأساسى للمعتقد والأخلاق .!!


قادتنى رؤيتى تلك من خلال مفهوم أن المادة تؤثر فى الوعى ..بل أن الوعى هو نتاج الصور المادية الموجودة مستقلة عن وعينا .


هذا ليس بحقيقة أن المادة تؤثر في الوعي ، وتحتاج هذه الفكرة الخاطئة إلى إثبات ودليل .. طبعاً بعد إثبات وجود الوعي وماديّته .


اقتباس
أتذكر فى مراحل الدراسة الإعدادية والثانوية عندما كنا ندرس نصوص الشعر العربى القديم ونجد بعد نهاية النص المطروح دراسة مستفيضة حول معانى الكلمات والصور الفنية فيه ..من ضمن هذه الدراسات كان فكرة أثر البيئة فى النص ..ليظهر لنا بوضوح الصور المادية التى كان يعيشها الشاعر وإستخدامه لمفردات من الطبيعة الموجودة فى صياغة شعره وصوره الجمالية .


هل هذا هو الدليل على تاثير المادة في الوعي ؟ ما الذي يمنع من أن تقول أن المادة هي من مواضيع الوعي ؟ ومن هنا كانت العلاقة بين الوعي والمادة ؟ فالوعي ليس يعي فقط المادة ، بل يعي المشاعر والعواطف . الإنسان لديه نوعان من الوعي : وعي عقلي ، ووعي شعوري ، ممتزجان مع بعضهما ، والوعي الشعوري هو اساس الوعي العقلي ومحركه وموجهه ، والذاكرة تعمل بناء على هذا الاساس ، لو لم تكن موجودات بيئة الشاعر ذات علاقة وجدانية به لما ذكرها دون غيرها ، أتراه لا يعرف من المادة إلا ما ذكر في قصيدته ؟ 

الحقيقة هي أن الشاعر هو من طبع شعوره على بعض موجودات البيئة لعلاقتها بشعوره وليس العكس ، فلولا الحب الذي تثيره هذه الاماكن لم يذكر الشاعر وبالتفصيل تلك الاطلال والدمن :

أمن أم اوفى دمنة لم تكلّمِ *** بحومانة الدراج فالمتثلم

فشعور الشاعر الواقف على الاطلال هو الذي ارتبط بالمكان وليس المكان هو الذي ارتبط بالشاعر ووجدانه ، وهذه الفكرة يشرحها الشاعر مجنون ليلى حين قال : (أطوف بالديار ديار ليلى ، اقبل ذا الجدار وذا الجدارا ، وما حب الديار شغفن قلبي ، ولكن حب من سكن الديارا) . فهذا الشاعر يثبت أن الوعي هو من ارتبط بالمادة وليس العكس .


اقتباس
من هنا سنجد أن الطبيعة بكل مفرداتها تصيغ وتصنع وتشكل الصور والملمح الرئيسى للأساطير والقصص الدينية والتى سأعرضها فى مداخلات لاحقة .


حتى المنظومة الأخلاقية والسلوكية والتى تأتى كتعبير عن شكل إجتماعى وسياسى محدد يراد له أن يسود ..فلن يخلو أيضا من تأثير الطبيعة الواضح  فى تكوين الملامح الأساسية والنمط السلوكى السائد .


من هنا سأبدأ فى البحث عن تأثير الطبيعة بملامحها المادية الواضحة فى تشكيل ونحت الأساطير الدينية والمنظومات السلوكية والأخلاقية أيضا .


أنت الآن قرنت الأخلاق بالدين ، ورفضت الدين ، أتراك تبقي على قرينه أم ترفضه معه ؟


اقتباس
أبدأ من هذه المداخلة برصد مشاهد مختلفة ترمى فى رؤية أن الطبيعة المادية تلقى بظلال كثيفة على الإنسان بل تنحت وتشكل الشخصية الإنسانية والحضارية للمجتمعات .


*** 1- الصحراء تفرض كلمتها .


فى محاولة رصدنا لتأثير الطبيعة المادية على تشكيل ملامح شخصية وتركيبة الإنسان النفسية والمزاجية لن نجد أسهل من مثال أرض الرمال وتأثيرها على إنسانها بحيث نستطيع القول أنها نحتته وشكلته بصورة متقنة .


قبل الدخول فى هذه الرؤية ..هالنى سؤال محدد أجد أن الكثير منا لم يتطرقوا إليه .!!
لماذا عاش الإنسان فى الصحراء .؟
هل الحياة الصحراوية بجفافها وقسوة حرارتها وفقرها المدقع لكل تنوع للحياة  داعية ومغرية للإنسان أن يعيش فيها .؟!!
هل يوجد أى إنسان طبيعى أو غير طبيعى يترك طبيعة ثرية بعطائها من ماء وزرع ومناخ جميل وصور طبيعية رائعة لينصرف عنها ويوجه عينيه إلى طبيعة جرداء قاسية تفتقر إلى كل مقومات الحياة السهلة بل تعطى الجفاف والقسوة والإهمال .
لايوجد إنسان طبيعى فى وضع الإختيار سيرفض العيش فى الوديان ويهملها ويتجه نحو طبيعة قاسية فقيرة جدباء .


أصل من هذه النقطة إلى إستنتاجى الخاص بى والذى أجد أنه يحمل الكثير من المنطقية فى أن إنسان الصحراء الأول لم يكن راغبا فى العيش بأرض الرمال برغبته وإرادته بل رغما عنه .
نعم ..من المؤكد أنه أجبر على الإقامة فى الصحراء من قبل الجماعة البشرية التى ينتمى إليها كنوع من العقاب والنفى .


لماذا لا ينتقل هذا المعاقب المنفي إلى بيئة خصبة اخرى غير بيئته التي نفته ؟ وهل ترى سكان الحزام الصحراوي الذي يدور حول العالم يسكنه كل المطاريد ؟ هذه الفكرة مثيرة للعجب والضحك . يا عزيزي ، الصحراء مسكن الرعاة ،وهي مكان واسع ومفتوح لهم ، وغير مسيّج . والصحراء بيئة من البيئات حباها الله نعمها المتميزة كالجمل والنخيل ، وفترات خصب وربيع مفتوح لآلاف الكيلومترات ، فالذي يملك ألف راس من الماشية ، اتريده يرعاها في أراضي الناس المملوكة في الاماكن الخصبة ؟ الصحراء سعة ومتنفس ومجال امتداد . 

بل اسلوب العيش في الصحراء ، بسكون ليلها وطيب نسماتها ونظافتها الفطرية ، سحرت الكثيرين من المستشرقين الذين كانوا يعيشون في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ، ولم ينظروا إليها كنظرتك لها ، بل بعضهم عاش بقية حياته في الصحراء مع البدو ، مثل كارل شوان الألماني ، ومثل المستشرقة النيوزلندية مارغريت نيلسون اليت تزوجت بدوياً وسمّت كتابها بذلك ، فما لا يعجبك قد يعجب غيرك ..

والعجيب أن اكثر ما امتدحوا به البدو هو سيطرة الاخلاق على حياتهم ، بعكس أهاليهم الأوروبيين الذين تسيطر المادة على أخلاقهم كما ذكروا هم .


اقتباس
فى العصور القديمة كان الخارجون عن الجماعات البشرية والمنبوذون والمتمردون بل قل الثوار أيضا حتى لا نشوه الصورة كثيرا ..هؤلاء كانت الصحراء هى المنفى والسجن الذى ألقوا فيه كنوع من العقاب والعزل .


ليس شرطاً ، فالجبال أفضل مكان للحماية بالنسبة للمنبوذين من الصحراء .


اقتباس
ومازلنا نجد هذا الأمر فاعلا فى عصرنا الحديث ..ففى مصر مثلا نجد أن هناك فئة يطلق عليها المطاريد ..وهم الأفراد الملاحقون من قبل الدولة على جرائمهم فيجدوا فى الصحراء الشاسعة بكهوفها مأوى لهم بعيدا عن عيون الرصد والقانون


هل كل سكان الصحارى في مصر مطاريد بقبائلهم المشهورة ؟ 


اقتباس
من هنا أستطيع الجزم بأن الوافدون الأوائل فى عمر البشرية كانوا منبوذون أو متمردون أو مجرمون أو ثوار .
ولتأكيد هذه وجهة النظر بشكل تاريخى سنجد أن الجزيرة العربية إحتضنت المذاهب والأفكارالدينية المنبوذة فى عصرها كفرق المسيحية الأبيونية والغنوصية .


في كل بلد توجد اقلية دينية أو اكثر لا تتفق مع الأغلبية ، وليس الامر خاصا بالجزيرة العربية ، واكثر ما توجد الطوائف المتعددة في البلاد الخصيبة ، مثل الهند ولبنان وتركيا . الجزيرة العربية هي الاقل دائماً في التعددية الطائفية . قديما وحديثا . 


اقتباس
إذن نحن أمام الجماعات البشرية الأولى التى سكنت أرض الرمال قصرا وليست عشقا ..نحن أمام جماعات إتسمت بالشذوذ والتمرد والعصيان سواء أكان تمردها وعقوقها على حق أو باطل .
نستطيع من هذه البدايات الأولى والمناخ العام الذى يستدعى الطرد والنفى أن نتحسس نفسية الزوار الأوائل وندرك بشكل لا يقبل الشك أنهم لم يكن فى حالة لإختيار لعمليات النفى والإستئصال من جذورهم .


لو كان الامر صحيحا لكانت الجزيرة العربية منفىً للحكومات العثمانية ، بل حتى الحكومة الإنجليزية ، فلماذا لم ينفوا أحمد عرابي وجماعته إلى جزيرة سرنديب ؟ لماذا نفوه هناك ولم ينفوه إلى الجزيرة العربية الصحراوية الاقرب ؟ أترى هذا النفي والطرد كان في أزمنة قديمة ثم توقف فجأة ؟ مع أن الصحراء هي ذاتها لم تتغير ؟ وبدراسة موضوعية للهجرات البشرية ، ستجد الهجرة من الجزيرة العربية إلى منطقة الهلال الخصيب وشمال أفريقيا على شكل موجات بشرية متلاحقة ..

الاسماء القبلية في الهلال الخصيب وشمال أفريقيا تثبت ذلك ، لأن بقايا القبائل موجودة في الجزيرة العربية ، وهجرة بني هلال المشهورة إن صحت تثبت ذلك ، وقراءة سريعة في الجغرافيا البشرية تثبت لك عكس ما رايت .

يقول الناس عن صحراء نجد أنها تلد ولا تغذو ، مما يثبت الهجرة التي لم تتوقف إلا بعد اكتشاف النفط في الجزيرة العربية ، والموضوع تابع لموضوع هجرة الريف إلى المدينة العالمي ، والأمر هو عكس ما رأيت ، الصحراء منذ وجِدَت تصدّر ولا تستقبل من البشر .


ثم من قال لك أن الجزيرة العربية كلها صحراء؟ ماذا عن عمان واليمن وعسير؟ والواحات المنتشرة في الأحساء والقصيم والأفلاج .


وهذه النظرة العنصرية التأصيلية المشينة لسكان الجزيرة العربية بأنهم ذو اصول إجرامية ومطاريد لا تليق بباحث يدعي الموضوعية ، الابتعاد عن العنصرية أفضل للبحث .


بريطانيا كانت منفى للرومان كما أثبت التاريخ , مع أننا لا نحب مثلك أن نقول عن الشعب الإنجليزي أنه من اصول مطاريد, لأن المطرود ربما يعود على وطنه وليس كل السكان من بقايا المطاريد, فكانت بريطانيا فيها سكان مع أنهم ينفون إليها من الامبراطورية الرومانية , وهذه العادة في النفي أن يكون إلى جزيرة حتى يصعب عليه الرجوع في إطار رقابة بحرية على مكان النفي..

كان الأجدى بعقلك ان يقودك على أن الجزر هي مكان النفي, فالإنجليز فكروا بطريقة افضل من تفكيرك, عندما نفوا العرابيين إلى جزيرة سيلان, لأنه ببساطة إذا نفيت أحد في الصحراء يستطيع الرجوع دون علمك لكن إذا نفيته على جزيرة لن يستطيع الرجوع إلا عن طريق سفينة فمراقبة السفن أسهل من مراقبة الصحراء والسفن ممكن تفتيشها والصحراء لا يمكن تفتيشها.

اقتباس
نحن هنا أمام نفسية تبدو فى حالة غضب وكراهية من سكان الوديان الذين طردوهم من العيش السهل إلى عالم لا ينتج إلى الجفاف والقسوة .
هل يحدونا الشك فى أن أحقاد كثيرة تولدت عن عمليات الإبعاد والتهجير القسرى لتمارس فعلها نحو شخصية تزداد كراهية فى أعماقها نحو سكان الوديان وتنحت قسوة داخلية .

تزداد الأمور سؤا عندما تصبغ الطبيعة القاسية برموزها الشحيحة المزيد من التدمير على سيكولوجية إنسان أرض الرمال لتزيده قسوة وعنف نجد هنا ما يبرره .


فأن تعيش فى أرض تعاند الحياة ليس بالشئ السهل ..أن تملا عيونك بلون واحد من ألوان الحياة ليس بالشئ السار أبدا .

أرض تكابد فيها للحصول على أساسيات الحياة لن تسمح لك بأن تفكر وتتأمل وتقيم حضارة لأنك بالكاد مهموم فى الحصول على بديهيات الحياة من مأكل ومشرب .
أنت تصنع الموسيقى والرسم والفن عندما تكون شبعانا وتأمن لقمة عيشك ..فيكون عندك فسحة من الوقت لأن تتأمل وتلاغى الطبيعة التى كانت مترفقة بك .
من هنا نستطيع أن نفهم لماذا أرض الرمال لم تنتج حضارات يعتد بها بينما قامت الحضارة فى أراضى من الخصب والثراء .


الحضارات السومرية و الآشوريه والبابليه والنبطية والحميريه وغيرها من الحضارات بداخل الجزيرة العربية وعلى أطرافها يرجع الباحثون أصول هذه الحضارات إلى الجزيرة العربية كما يشير ديورانت في قصة الحضارة ، وخصوصا الحضارة السومرية لشدة قربها من الجزيرة العربية ..

إذاً هي مهد أقدم الحضارات ومنبعها التي تسبق الحضارة المصرية القديمة ، والباحثين في الحضارات القديمة يشيرون بأصابعهم إلى الجزيرة العربية بأن في داخلها سر بداية الحضارة البشرية مستعينين بآراء الجيولوجيين حول الماضي الخصيب للجزيرة العربية .


اقتباس
أريد أن أتطرق لقضية ثراء الطبيعة وألوانها كمكون أساسى من تكوين الشخصية الإنسانية .
نحن نقول ببساطة أننا نريد أن نتنزه أو نرتاد مصيف أو ماشابه ..مامعنى هذا الأمر ؟
معناه أننا نريد أن نملأ عيوننا بأماكن غير معتادة ..بألوان وخطوط من الطبيعة جديدة ومبتهجة ..بأشكال وأنماط مختلفة ومتنوعة وثرية ..أن ننطلق خارج المألوف والمعتاد .


وهكذا يمكننا أن ندرك الفرق بين الحياة فى أرض الرمال والوديان ..أرض الوديان حافلة ومتجددة وثرية بكل ماهو مبهج ومتجدد ومتنوع ..فالزرع له ألوانه الثرية ..له حركته الدائمة التى تنطق بالحياة ..الماء لا يكون مقصورا على كونه مكون أساسى للحياة بل بحركته وتدفقه ما يعنى أن هناك حياة تمتلأ بالحركة والتجدد والتدفق .


أما الحياة فى أرض الرمال فحدث ولاحرج ..فأنت أمام مساحة لونية واحدة لا تعطيك أى درجة من التنوع ..حياة لا تتحرك أمامك ..ثابتة ...ساكنة تمتلأ بكل ماهو جاف ورتيب وممل .
لن يخرج من هذه الحياة القاسية من يستطيع الرسم بالألوان كما رسم المصريين القدماء على جدران معابدهم ..لأن إنسان الصحراء للأسف لا يعرف ماهى الألوان حتى يصيغ تصوراته ..لا يعرف ما هى الخطوط حتى يرسمها ...إنه يعرف لون واحد هو الأصفر ومساحة لونية واحدة .


مصر صحراء قاحلة أيضا ولا يوجد فيها إلا نهر النيل ،والجزيره العربية صحراء لكن يوجد فيها عيون ووديان وواحات خصيبة وجبال عالية ممطرة طول أكثر أشهر العام ، ومصر قليلة الأمطار ، و لا يوجد فيها أماكن جميله سوى ماجاور النيل ولا جبال عالية يعتدل فيها المناخ ومياه وأجواء معتدلة مثل اليمن وعمان ( الجبل الأخضر ) و الأمطار يوميا أكثر أشهر السنة ومليئة بالخضرة والمناخ المعتدل ،أما مصر فهي صحراء باستثناء شريط وادي النيل الأخضر الذي لا يمثل إلا 5 بالمئه من مساحة مصر ،ومصر ليست مثل الهند أو الصين أو أوروبا أو ايران ، والباقي أراضي جرداء ، فهل تراها كانت منفى ؟


فلو خرج الإسلام من مصر ، ماذا سوف تقول عنه ؟


اقتباس
بينما الأخر القاطن فى الوديان فهو يسبح فى عالم من الألوان والخطوط الثرية المتدفقة المتجددة .


لماذا مُصرٌ على الوديان ؟ هل لأن مصر وادي ؟ ، لماذا لم تقول – ساكني المروج الخضراء ، وهم ينظرون إلى السحاب تحتهم ، والضباب الكثيف على البحار - ، والزهور والفواكه تنمو طبيعياً حولهم ، والخضرة على امتداد بصرهم


 هل فقط الوديان هي الأماكن الجميلة ؟

اقتباس
من الصعب الحياة فى طبيعة تجعلك تعيش فى عالم واحد من اللون الواحد بكل ظلاله ..لابد أن تصيبك بالجفاف والبلادة .
لقد وجد مبدعى التعذيب والقهر الإنسانى أن أسهل طريقة لقهر الإنسان وعقابه أن يعيش فى مكان يفتقر إلى أى تنوع لونى كما يتم أسر الإنسان فى زنزانة محددة اللون والشكل ..بل يكون قمة القهر أن يتم الأسر فى زنزانة جدرانها وسقفها وأرضها من لون واحد .!!


هذا الأمر إذا لم يكن يصيب المرء بأن يفقده عقله  فهو كفيل أن يغمره بالإكتئاب ..المصيبة عندما يتوقف الوعى على مشهد محدد .


من هنا نستطيع أن نتلمس التضاريس والملامح الرئيسية لنفسية وذهنية إنسان الصحراء من خلال هذا العرض والذى قد يتبقى بعض الرتوش نستكملها فى رؤى أخرى .


كلامك غير صحيح فالطبيعة لها جمالها في أي مكان ، وأي تضاريس وأي مناخ ،وهذا مايفسر السياحة من مكان لآخر ، فيأتي سائح من مكان آخر ليزور بلدك وتخرج من بلدك لتزور بلده ،  فالمسأله نسبية ،ولو كان الأمر كما تقول لتركزت السياحة في مكان واحد في العالم ،فكل مكان له ميزاته وأوقاته المناسبة ، فالمناطق المرتفعة لها جمالها ، والسواحل لها جمالها ، والصحراء لها جمالها ..

فلا توجد أرضاً غير جميلة مثلما لا توجد امرأة غير جميلة ، ويعرف جمالها من استوطنها ، لهذا كل أهل أرض يحبون أرضهم ويعرفون تنوعها الذي قد لا يشاهده الزائر غير المتأني ، وكل شئ ننظر اليه من بعيد نجد أنه متشابه ، واذا اقتربت منه نجد الاختلاف والتنوع ..

وتستطيع ان تقول أن هدوء الصحراء وصفاء نجومها ونسيمها العليل يفتح الخيال حيث الامتداد والانشراح ، وتحولها إلى مروج خضراء ترف فيها الزهور وقت الربيع صورة من صور التنوّع ، والحرية التي تقدمها الصحراء تطلق العنان للتفكير والخيال ، ولهذا يجد سكان الصحراء صعوبة في التأقلم مع حياة المدينة ويحنون في أشعارهم إلى جمال الطبيعة الصحراوية التي افتقدوه على ضفاف الوديان والسواحل .


فتستطيع ان تقول ذلك


والحرية التي يعيشها البدوي تفتح المجال للحريات ورفض القيود والسيطرة


فأنت تستطيع أن تأول تأثير المكان كما تريد


اقتباس
النيل والأخلاق .

من كتاب الموتى - فصل دخول قاعة الصدق .


"سلام عليك أيها الإله العظيم رب الصدق، لقد اتيت اليك يا الهي وجيء بي الى هنا حتى أرى جمالك

انظر، لقد أتيت اليك
اني أحضر العدالة اليك، وأقصي الخطيئة عنك
اني لم أرتكب ضد الناس أي خطيئة
اني لم آت سوءا في مكان الحق
واني لم أعرف أي خطيئة
اني لم أرتكب أي شيء خبيث
و اني لم أفعل ما يمقته الإله
و اني لم ابلغ ضد خادم شرا الى سيده
اني لم اترك أحدا يتضور جوعا
ولم أتسبب في بكاء أي انسان
اني لم أرتكب القتل
ولم آمر بالقتل
اني لم أسبب تعسا لأي انسان
اني لم انقض طعاما في المعبد
ولم أنقض قربان الآلهة
اني لم لم اغتصب طعامال من قربان الموتى
اني لم ارتكب الزنا
اني لم أرتكب خطيئة تدنس نفسي داخل حرم اله البلد الطاهر
اني لم أخسر مكيال الحبوب
اني لم أنقص مقياس الأرض
اني لم أثقل وزن الموازين
اني لم أحول لسان كفتي الميزان
اني لم أغتصب لبنا من فم طفل
اني لم أطرد الماشية من مرعاها
اني لم أنصب الشباك لطيور الآلهة
اني لم أتصيد السمك من بحيراتهم
اني لم أمنع المياه في أوقاتها
اني لم أضع سدا للمياه الجارية
اني لم أطفيء النار في وقت نفعها
اني لم أستول على قطعان هبات المعبد
اني لم أتدخل مع الإله في دخله"

لو لم أكن أوردت أن النص السابق من كتاب الموتى الذى يعود تاريخه إلى عدة ألاف من السنين لكان إختلط الأمرعلينا وتصورنا أننا أمام تشريعات وسنن معاصرة .

بالفعل المرء يندهش من رقى التشريع المصرى القديم مقارنة بالتشريعات الإبراهيمية البدوية ..ولكن دهشتنا تزول عندما نتلمس تضاريس حضارة قديمة تضافرت جهود الطبيعة فى أن تهبها إرياحية لتفكر وتبدع وتنتج .

هذا ما نراه فى طبيعة مصر والتى وصفها المؤرخ جمال حمدان بعبقرية المكان ..فالمكان والجغرافيا والمناخ والنيل خلقوا الإنسان ونحتوا فى جسد الحضارة .


وكما ذكرت فى المقدمة بدروس النصوص الأدبية التى كانت تبحث فى أثر البيئة على نفسية الشاعر وكلماته ومفرداته اللغوية والفنية ..نرى أن النصوص المصرية جاءت من رحم الطبيعة ..ولولا تلك الطبيعة ما كانت هذه الإبداعات .


فلننظر إلى مقولة  "إنى لم أمنع المياه في أوقاتها...اني لم أضع سدا للمياه الجارية " لو تأملناها لوقفنا إحتراما لهذا الإنسان الحضارى الذى إمتلك مفردات حضارية تتوه وتضل طريقها عن إنسان معاصر ..لا يحفل بهكذا نواميس .


هذا الكلام جميل يتحدث عن أخلاق بسيطة وأغلبها ينصب في اطار موضوع المصلحة العامة ، طبعا هذا ليس أعلى مستوى أخلاقي وإن كان أخلاقاً ، فاحترام تنظيمات المياه يشبه احترام تنظيمات المرور ..

وبين دفّتي شبه الجزيرة العربية سُطِرت أعلى مستويات احترام الفضيلة حيث تفدى الفضيلة بالدم هناك ، وهذا مالا يوجد في البيئات الحضارية إلا نادراً ، فالعهد والجار والضيف والعرض تفدى بالمال و بالدم أحياناً ، وقصائد الجاهليين ومن بعدهم تكشف عن مستوى تقديس الفضيلة إذا عُرِفت ، فقصائد عنترة تقدم مستوى أخلاقي أكبر من هذا المستوى ، بل حتى قصائد الصعاليك ، اقرأ في لامية الشنفرى لترى مستوى فداء الفضيلة كيف يكون .


وهذا لا يعني أن أخلاقهم متكامله ، لكن نتكلم عن مستوى احترام الخُلق إذا عُرِف ، وبنفس المستوى من التضحية احترموا الدين لما عرفوه ، فلما عرفوا الإسلام فدوه بالمال والنفس ، وهذا مالا نجده في أماكن أخرى .


في الحضارات الأخلاق المدنية يستطيع أن يقوم بها الجميع ، إذا فهي تنظيمات مصلحيه وليست أخلاقيه ، لأن الأخلاق بطبعها لا يستطيع ان يقوم بها الجميع


اقتباس
ولكن يهمنى كيف تم إبداع مثل هكذا رؤية وأنماط أخلاقية وسلوكية ..الذى خلق هذا النص هو العلاقة الجدلية بين الإنسان والنهر ..للنهر قانونه المادى وطريقه الذى يسلكه ..إستطاع المصرى القديم أن ينسجم مع هذا القانون ويتوائم ويتلائم معه ليشكل مع النهر وحدة إنسجام .
هنا النهر فرض رؤية على الإنسان فإنصاع الإنسان لمتطلباته وأدرك أن منع المياه الجارية هو إعتداء على حركة النهر الذى يمنح عطاءه للجميع ..فيكون النهر شريان حياة للجميع .

إن وجود النهر بحركته وشق الأرض لينشر الخير والنماء شكل الأساطير المصرية القديمة والتى نهلت من النهر أفكارها الأسطورية كما سنرى لاحقا ..ولكنى أقتصر فى هذه المداخلة على أثر الطبيعة المتمثلة فى المكان الجغرافى والنهر والمناخ فى نحت منظومة أخلاقية جاء جمالها وسموها من عطاء المكان ..لتشكل الطبيعة عندما تترفق حضارة وأخلاق يقف المرء مشدودا من رقيها ..


على هذا يفترض ان يكون أصحاب الأماكن الجميلة أكثر حضارة من مصر ، وأكثر أخلاقاً من المصريين ، والشام أجمل من مصر ، وجنوب السودان أجمل من مصر أيضاً ، وأثيوبيا وجنوب افريقيا أيضا ، وهكذا ندور العالم ، فموجب نظريتك يجب أن يكونوا أكثر حضارة وأخلاقاً من مصر ، فمصر ليست أجمل مكان في العالم ، ورغم ذلك أقدم الحضارات وأجملها موجوده في مناطق الشرق الأوسط الصحراوية وشبة الصحراوية بما فيها مصر الصحراوية ..

و في عمق الصحراء في وسط الجزيرة العربيه كُشف عن حضارات مدن قديمة لأكثر من 3000 و 4000 سنه ، وآثار مدائن صالح والبتراء وبصرى في أماكن صحراويه وغيرها الكثير من الحضارات خصوصاً في شمال غرب الجزيرة مما يثبت بطلان نظرية تأثير المكان في بناء الحضارة ، لأنه توجد أماكن أكثر خصوبة وجمال طبيعة لكنها تفتقر للحضارات القديمة التي تكثر في الشرق الأوسط الشبه صحراوية والذي بنفس الوقت هو موطن للديانات الإبراهيمية وماقبل الإبراهيمية ، فهل التأثير للدين أم للمكان ؟


فهناك رابط بين الديانات الإبراهيمية والحضارات القديمة ، وهو رابط مكاني لا علاقة له بخصوبة وجمال الطبيعة لأن الشرق الأوسط عموما هي منطقة صحراوية وتعاني من أزمات المياه


اقتباس
قايين وهابيل .


أسطورة وقصة قايين وقابيل , أو قابيل وهابيل حسب السرد الإسلامى مدركة لكل أصحاب الأديان الإبراهيمية كونها تسجل أول حادثة قتل فى التاريخ ,ولكن القصة لا تتوقف عن عملية الإخبار والإعلام عن قصة الجريمة الأولى حسب الإعلام الإبراهيمى .


فهى تتجاوز القتل لتلقى برؤية التضحية والقربان المقبول من الله ..ليصبح القربان الحيوانى هو المعتمد تقديمه للإله الذى يعشق مثل هكذا قرابين ويتنسم الرضا عندما تداعب أنفه رائحتها المشوية أو المحروقة .


نأتى لقصتنا حسب السرد التوراتى والتى تكون بالضرورة معتمدة إسلاميا ومتطابقة مسيحيا ..يقول النص : هابيل الراعي قدم  قربانه لربه من أغنامه " قرباناً للرب".(تكوين 4/3).
أما قايين فقد قدم قربانه "من ثمار الأرض". فهو فلاح، مزارع.
ويتقبل الرب ذبيحة هابيل، ويرفض القربان الزراعي.
فتدب الغيرة والحسد في نفس قايين فيقتل أخاه " قايين قام على هابيل أخيه وقتله".تكوين 4/8.


لن أخوض فى فكرة الإله والقربان فهى من السهولة أن نفندها على مستوى تعبيرها عن فكر إنسانى قديم إرتأى فى تقديم القرابين والذبائح وسيلة لرضى إلهه وشراء سكوته ورضاه .
بالطبع لن يهمنا أن نتناول فكرة ونشوء فكرة القربان وتطورها ..لأن مايعنينى فى هذه الجزئية هو أثر الطبيعة المادية فى تشكيل الأسطورة .


مبدع القصة متأثر بحالته البدوية ..هو من خلال قصته يطفى طموح وأمال مجتمع بدوى أمام المجتمع الزراعى .
مسطر القصة جعل القربان الحيوانى مفضل لدى الإله لأنه نتاج مجتمع بدوى أراد أن يكون المشروع الإلهى فى هذا المنحى ...بينما القربان الناتج عن الأرض هو عمل مرفوض لأن المشروع الحضارى الزراعى فى حالة مواجهة أمام تكوينات البدو الهامشية .


فى المجتمع المصرى القديم , قدم المصريون القدماء ما أنتجته الأرض كقربان للإلهة ..وكانت هذه القرابين مقبولة من ألهتهم كونها هى نتاج مجتمع زراعى جسد جهده فى قربان جاء من نبت الأرض الذى عانى الكثير فى تهذيبها ورعايتها لتجود ببعض ثمارها ليأكل منها ويمنح جزءا منها للمعابد .


نوعية القربان تفرضها شكل الطبيعة الحاضنة ..فلن يضحى البدو بنباتات هم لا يزرعوها ..لذا لن يجعلوا الفلاح فى أفضلية عن الراعى .. فيتم تسخيف القرابين الزراعية ويجعلوا الإله يتنسم الرضا فى الذبائح المشوية بينما يصرف النظر عن نباتات جاءت من الأرض بعد جهد وعناء لترويض الأرض .


من هنا نجد أن الطبيعة الحاضنة للمجتمعات تشكل وتنحت الملامح الرئيسية لأساطيرها وتقدم الإطار العام التى تحدد ملامحها لتصاغ قصص لا تخرج عن تأثير واضح لأصابع البيئة والطبيعة التى وهبت صانع الأسطورة أن يرسمها فى حدود ما أتيحت له من معطيات .


القران لم يحدد نوع القربان الذي تُقبِل ، وعلل القرآن سبب عدم القبول بعدم التقوى وليس لأنه رعوي أو زراعي حسبما تفكر ، ولا نجد في القرآن ذماً للزراعة والمزارعين ، بل تُذْكر الزراعة في القرآن باسم جنه ، وهي نفس الكلمة التي وعد الله بها عبادة وبشرهم بها ، ولو كان يكره الزراعة لما سمى الزراعة بنفس اسم الجنة ، والقران ذكر قصة بين مزارعين اثنين في سورة الكهف .

 في التوراة قابيل قدم اسوأ ماعنده وهابيل أحسن ماعنده وهذا فرق يكفي بحد ذاته للقبول من عدمه ، لو قدم قابيل أفضل ماعنده حتى لو كان مزارعاً لتقبل منه ، فقابيل بخيل ، وهذا ذنبه ، ليس لأنه مزارع .


 وأرجو أن لا يعني هذا عندك أن كل مزارع بخيل على طريقة تأويلك .


وكيف سمحت لنفسك بالكذب وانت تعلم أن القران تكلم عن قصتهما بالطريقة غير التي فسرت ، ولم يحدد راعي أو مزارع ، بل حدد التقوى ، فالتوراة لا تفسر القران ، وهي كتاب محرّف مكتوب بأقلام يهودية عبر القرون ، فتحريف التوراة واضح ، وليس كل مافي التوراة أو الإنجيل ينسحب على القرآن برابطة الإبراهيمية الفضفاضة .


وشكرا لك .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق