السبت، 23 سبتمبر 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 14



(الدقيقة : 14) يتحدث الدكتور عن قوانين أو مبادئ مندل في الوراثة، القانون الأول يسمى مبدأ الإنفصال، بمعنى أن الخلايا التناسلية عند الجنسين يكون فيها انقسام تنصيفي، بحيث يكون هناك عامل واحد (أليل واحد) لكل صفة من صفات الكائن الحي والتي يتحكم بها في الأصل عاملين (أليلين). والقانون الثاني يسمى التوزيع الحر، بحيث أن كل عامل لصفة من الصفات حين يتم إنفصالها، يتم ذلك بشكل حر ومستقل عن انعزال عوامل الصفات الأخرى. وهذا القانون يذكر الدكتور انه صحيح الى حد ما وليس بشكل مطلق، لأنه لاحقا اكتشف عالم الوراثة توماس هنتمورجن مبدأ الإرتباط، والذي يفيد بأن هناك صفات وراثية مرتبطة بصفات أخرى وليست منعزلة بشكل تام، وهي تلك الصفات التي تكون محمولة على كروموسومات الجنس. والقانون الثالث لمندل وهو وجود الصفات السائدة والصفات المتنحية.

الرد : أين قوانين مندل في نبات الرز مثلا؟ فكل حبة جاءت نتيجة تلقيح، وهذا منطبق في عالم النباتات، فأين هي الصفات والطفرات بينما الرز يشبه بعضه تماما؟ وليس فقط الرز، بل أي نبات آخر، لماذا الصفات تختلف فقط في الإنسان وحيوانات الانسان؟ حتى الحيوانات البرية والطيور البرية لا تختلف صفاتها عن بعضها.

وبالنسبة للقانون الأول في أن الصفة يحددها عاملان، فالذكورة والانوثة يتحكم بها عامل واحد فقط وهو Y أو X ، وكلاهما من الذكر، وهذا مخالف لقانون مندل الأول، وها هو القانون الثاني لمندل تم تدميره على يد هنتمورجن، فصفات كثيرة تصاحب صفة جنس النوع، وهي علامات الأنوثة أو الذكورة، اذن ليست الصفات منفصلة عن بعضها. أيضا لاحظ ارتباط لون البشرة بلون الشعر، ولون الشعر بلون العينين، فالأبيض الشديد البياض يصاحبه غالبا الشعر الأشقر، لكن البشرة السوداء لا يصاحبها شعر أشقر. لاحظ مثلا متلازمة داون، هي لا تأتي صفة واحدة، بل مجموعة صفات، كالقصر وعرض الوجه والعيون، لذلك تتشابه اشكال المصابين بها، اذن قانون مندل الثاني ثبت خطؤه، والقانون الثالث بخصوص الصفات السائدة والمتنحية ثبت خطؤه أيضا، بدليل وجود الصفات المزجية التي تنتج اللون الخلاسي بين الابيض والاسود، وهي الأكثر، وليس يولد الانسان من هذا الزواج إما أبيضا أو أسودا كأحد والديه إلا نادرا. أما في عالم الألوان فلا نجد أي اختلاف أصلا، فالغربان كلها سود مهما تزاوجت. ولو كان هناك وجود لتأثير الصفات السائدة والمتنحية لكان أثرها موجود على نوع الجنس الذكر والأنثى، وساد احدهما على الآخر، ولكننا لا نجد ذلك في الواقع.

(الدقيقة : 16 الثانية : 46) يذكر الدكتور أن مندل كان لديه حدس في أن الشكل الخارجي للكائن الحي ليس ترجمة أمينة وكاملة للمخطط الجيني أو للعوامل الوراثية التي يحملها الكائن الحي، فعامل القصر قد يوجد في الكائن الطويل، ولم تظهر على الكائن صفة القصر مع أنها موجودة في جيناته.

الرد : ماذا يعني وجود جينات لا تعمل في الكائن الحي ولا حتى تمتزج مع غيرها؟ هذا من أجل أن يسهُل تفسير لماذا يكون هناك ابن قصير لوالدين طويلين مثلا. الحقيقة ان الحياة ليست علما، هم يحاولون أن يجعلوها علما ماديا ميكانيكيا. في الاغنام وتربيتها مثلا، طفل تموت امه فيكون لديه نقص في التغذية، فيتحول الى خروف قزم، لماذا؟ هذا من التكيف، ولا دخل للجينات بهذا، مع أن القطيع كله ليس فيه اقزام، فلا أمه ولا أبوه ولا أجداده كذلك، وهذا بناء على ملاحظة شخصية. اذن هذا من الشعور وليس له علاقة بالميكانيكا، لأنه كائن حي يخاف ويفرح.

عملية التوالد هذه لا بد ان لها من يرعاها وينظمها ويوازنها، وليست بالصدف وليست عملية ميكانيكية تتم عن طريق تلاقي الاليلات كما يحبون ان يجعلوها، بدليل : لماذا نسبة الذكور والاناث متناسبة دائما؟ أليست الامور مدارة بالصدف العمياء؟ حتى في الحيوانات نجد الاناث اكثر بقليل، وكذلك الانسان. ونسبة العباقرة والمتخلفين العقليين نسبهم ثابتة. من صنع هذا الانحناء الطبيعي؟ هل صنعته العشوائية والصدف العمياء؟ لماذا لا يكون في بلد اكثر من فيه متخلفين، وبلد آخر اكثر من فيه عباقرة؟ هذا ما تفعله العشوائية في العادة. ولماذا كل بلد فيه مصحات للمتخلفين العقليين؟ وفيه أذكياء ونابهين؟ وهؤلاء قلة وهؤلاء قلة، والاكثر هم الوسط. والوسط أيضا فيه تفاوت.

لماذا نسبة الامراض التي يسمونها وراثية دائما قليلة ومحدودة؟ مع أنها موجودة في الجينات؟ وعملية انقسام البييضة الملقحة عملية عشوائية كما يقولون، هل هذه النسب والتناسبات جاءت من خبط عشواء؟ في كل بلد تجد نسبة قليلة من المصابين بمتلازمة داون، وكلهم لهم نفس الصفات في كل العالم، كذلك التخلف العقلي من الولادة، نفس النسبة موجودة في كل العالم وبنفس درجة التخلف، ليس فقط متلازمة داون، بل هناك تشابه في القدرات، لماذا نسبتهم ثابتة عبر العالم وليست في بلد أكثر من بلد آخر؟ و في كل بلد مشافي لهؤلاء.

أيضا التعويض، فمولود او اكثر من مولود معاق في عائلة، تجد مولودا آخر في نفس العائلة كأنه يعوّض ما نقص من العقل والمهارة في المعاقين. اذن المسألة تـُدار وليست بالصدف العمياء، لو كانت المسألة جينات متحكمة لكانت صدفا عمياء، والصدف العمياء نتائجها متفاوتة ومتباينة، هذا مما يبطل فكرة الوراثة وميكانيكيتها. وحتى تجاربهم نفسها تضعف دور الجينات، مثل تجربة هول في نزع الجين المسؤول عن تفكيك اللاكتوز في البكتريا، فجاء جين آخر وقام بالمهمة، ودعنا من تفسيره التطوري، والتجربة الاخرى التي أخذ فيها جين للفأر ووضع في ذباب الفاكهة وعمل عمله.

هذه التناسبات والنسب من إرادة الله ليذكّر الناس بنعمه التي انعم عليهم بها، فهو الذي وازن بين المفترسات وطرائدها، وجعل الطرائد يزداد عددها بينما الصيادات عددها محدود، مع أن كل شيء موجود، فلا أحد يقول انها صدف عمياء، شبعنا من هذا الكلام الذي يغطي العقول ويغشي الأبصار، لنا عقول ولا نستطيع ان نصدق أن كل هذه التوازنات والنظام جاءت من الصدف العمياء والعشوائية، ما هذه العشوائية المقدسة؟ لماذا لا تتكاثر الصيادات مثل تكاثر الطرائد؟ ما الذي يمنعها؟ لها نفس الجهاز الجنسي الموجود لدى النوعين، فلماذا لا تلد اللبوءة مثل ما تلد الغزالة مثلا بنفس العدد؟ ولماذا لا تلد الثعلبة كما تلد الأرنب بنفس العدد؟ أليسوا هم الأقوى والبقاء للأقوى؟ أين توازنكم الطبيعي الذي ينتصر للأقوى؟ (أو الأفضل كما يصرون بناء على القوة)، بناء على القوة وإلا فماذا؟ لديك نوعين من الحيوانات البرية، أيهما الافضل بنظرك؟ انه الاقوى. بدليل ان هذا يصطاد هذا ويقضي عليه، اذن هو الافضل. الثعلب أقوى من الأرنب، لماذا لم ينتصر القانون للثعلب ويكثر عددها حتى تكون سيدة بدلا من كونها نادرة؟ فهي الاقوى والاجدر وهي التي لديها مخالب وهي الأقل اعداء، قال تعالى (ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والارض) وهذا الكلام صحيح، لو استجاب الله لطرحهم عن البقاء للأقوى لأصبح كل سكان الارض أسود بعد ان قضوا على كل صور الحياة، ثم يموتون هم لأنهم لا يجدون ما يأكلون، او يأكلوا بعضهم، اذن نظرية التطور تحمل طرحا عدميا، وهكذا تموت هذه النظرية الرأسمالية، فهي مبنية على اساس رأسمالي ، اسقاط الرأسمالية على الطبيعة، وليس على أساس طبيعي. الصراع والابقى والاقوى والافضل هذا كله ينطبق على عالم البشر، لكن واقع الطبيعة بعيد كل البعد عن هذا الخيال المريض المشبع بروح السيطرة والقهر والصراع. فهّمونا بالعقل رجاء، أم ان العقل اصبح موضة قديمة؟

إن ارادة الله هي التي صنعت التوازن. لو كان كل الناس عقلياتهم عالية لقالوا ان هذا شيء عادي وتحصيل حاصل، بينما كل ما نتمتع به ونعيش فيه هو نعمة من الله. قال تعالى (إنا كل شيء خلقناه بقدر) ويقول (هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء) وها هم ذا يجعلون 98% من الدي ان أي عبارة عن زبالة و "جنك" ، ثم يقولون مرة أخرى ان الجينات هي التي تتحكم في صفات الانسان المادية والمعنوية، حتى المهارة في القراءة اوجدوا لها جينا. أين ادعاءات العلمويين في انهم سيحسّنون الحياة ونوعيتها ويقللون الامراض؟ كل الامراض الباطنية كالقولون وارتفاع الضغط والسكر والشقيقة والسرطان وغيرها، ما الذي عالجوه منها او استطاعوا ان يقضوا عليه؟ السرطان الذي كانوا يبشّرون قبل عشرات السنين انه سيكون مرضا من الماضي، الحقيقة أنهم لا يعرفون الحياة، فكيف يتحكمون فيما لا يعرفونه؟  

ثم هل هذا الاعتقاد هو ما دعا للقول بأن فقط 2% من الدي إن أي هو الفعال في جسم الانسان، بينما 98% عبارة عن زبالة أو كما يسمونه في الانجليزية "Junk" ؟

(الدقيقة : 23 الثانية 55) يذكر الدكتور عن داوكينز وغيره من التطوريين المتحمسين أنهم يأسفون لطبعات كتاب اصل الانواع لداروين - من الثانية وما تلاها – حيث ختمها داروين بعبارة (هذه النفخة التي نفخها الخالق) ، ويقول داوكينز عن هذه العبارة أن داروين قدمها كرشوة من اجل الحساسيات الدينية، ويتسائل الدكتور : "من ضربه على يده ليفعل هذا؟ لماذا لا تكون هذه هي قناعة الرجل؟ فأنت يا داوكينز ونحن نعلِّم ان داروين كان رجلا صادقا ونزيها الى حد بعيد، فلم لا تكون قناعة؟" ولذلك هو يحذفها دائما ويكتبها في الهامش كي لا يتهم بالتزوير.

الرد : داوكينز قال أنها رشوة، وهو أعرف به منّا، ولداروين مواقف كثيرة من مثل هذه الرشاوى النفاقية، لكن حقيقة داروين أنه ملحد مثل داوكينز. لكن لما زاد الإلحاد وانتشر في عصر داوكينز صرّح بها ولامَ بها من لو كان في زمنه لرشى مثله. إنها مسألة تكتيك وحبة حبة ..

(الدقيقة : 25 الثانية : 10) يذكر الدكتور ان الشيوعيين تبنوا بحماس وإيمان كبير نظرية التطور لداروين، كذلك النازيون في المانيا هتلر تبنوا نظرية التطور، وأن الشيوعيين عارضوا وراثة مندل من موقف نظرية التطور، اذ ان داروين قال بالنظرية المزجية ومندل ضد النظرية المزجية، ولأن داروين قال بنظرية التكوين الشمولي والمندلية ضدها، وتبنى داروين في آخر حياته اللاماركية والمندلية ترفضها ايضا. بمعنى أن مندل أكد أن الصفات المكتسبة لا يمكن أن تورَّث، لذلك كرهوا المندلية. ولذلك هم متمسكون بفكرة ان الصفات المكتسبة تورّث.

الرد : لماذا يقول الدكتور الشيوعيين؟ لماذا لا يقول الملاحدة السوفييت؟ لأن الشيوعية نظرية في الاقتصاد لا شأن لها بأصل الخلقة. هل يريد الدكتور تنحية الملاحدة عن تهمة الارتماء على النظرية؟ الدكتور أثبت أنهم كانوا يكرهون المندلية لأنها تعارض الداروينية و هم ملاحدة, إذن الصورة واضحة وهي أن التطور مدعوم من ملاحدة العالم، أي أنه داخل في أيديولوجية وليس بحثا علميا نزيها. الدكتور لا يسمي الأوروبيين بالرأسماليين, ولو سألناه لابتسم وقال أن الرأسمالية نظرية بالاقتصاد و لا علاقة لها بهذا البحث العلمي! وقوله أن الشيوعيين يتبنون الداروينية لأجل فكرة توريث الصفات المكتسبة, فهذه الفكرة لاماركية وليست داروينية, وداروين تابع للامارك بها, فلو كانت هذه الفكرة هي همهم لكانوا لاماركيين وليسوا داروينيين. لكن الأوضح أنهم ملاحدة ويهمهم ما يؤصل لإلحادهم وخير ما يقدم ذلك التأصيل هو الداروينية.

(الدقيقة : 47 الثانية : 20) يذكر الدكتور ابحاث عالم النبات الهولندي هوجو ديفريس على نبات زهرة الربيع الليلية، وأنه بعد التجارب ثبت لديه صحة قوانين مندل الوراثية، ولكنه لاحظ وجود صفات جديدة، مثل اوراق كبيرة، سيقان طويلة، ألوان مختلفة، وهذه الصفات ظهرت وتستمر ولم تتوقف، وهذا ما جعله يستنتج مفهوم الطفرة الذي يعاكس مفهوم داروين بالتدرج عبر ملايين السنين، ثم يلخص الدكتور استنتاجات ديفريس بأن هناك مكونات شاملة Pangenes هي المسؤولة عن التغيرات التي تطرأ على الكائن الحي وليست البيئة، فأي اختلافات مشاهدة بين الانواع فالأمر هنا لا يُعزى إلى البيئة، بل للمكونات الشاملة، وهنا قطع للاماركية. ويمكن من خلال الطفرة أن تنتج انواع جديدة من الكائنات، دون أن تمر بالمسار الطويل للانتخاب الطبيعي، وأن القدرة على التطفر كامنة في الكائن، وليس في البيئة، فدور البيئة مجرد شرط وليس أساسيا، ويذكر الدكتور نوعين من الطفرات : الطفرات التلقائية التي تحدث فجأة بدون أي مستحث خارجي يجعلها تحدث، والطفرات المستحثة وهي التي يكون للبيئة الخارجية دور في إحداثها، مثل الطفرات الناشئة من الإشعاعات أو التعاطي الفجائي مع حرارة مرتفعة جدا، أو السموم والمواد الكيميائية، أوالفيروسات. ويواصل الدكتور استنتاجات ديفريس فيقول ان الاختلافات الخارجية في الصفات والشكل لا علاقة لها بالطفرة بشكل دائم، بل متأثرة بالنمط الجيني. ولكن يفسّر الإختلاف بوجود طفرة فقط في حالة وجود جينات اصيلة لصفة معينة عند الاب والام، ولكن تظهر صفة مختلفة عنهما في الابن، فمثلا أب عيونه زرقاء وجيناته أصيلة في ذلك، وكذلك الأم زرقاء العيون وجيناتها اصيلة في ذلك، ثم يولد لهم طفل بعيون عسلية، فهذا الاختلاف يفسّر بالطفرة.

الرد : لماذا الاستخفاف بعقول الناس؟ الناس تزرع منذ الاف السنين، وزراعتهم اكبر واوسع من مختبر ديفريس، ولم يشاهدوا الوانا مختلفة لنفس النوع ظهرت هكذا فجأة! كل ما في الأمر هناك مساحة لتمدد النبات أو تقلصه تبعا للظروف، نسميها تكيفا، كأن يتقزم أو يتضخم، أو تتضخم اوراقه وسيقانه تبعا لقلة الضوء، وهذا ما حصل لديفريس كما يقول. أما أن تتغير ألوان الزهرة تغيرا كاملا، فهذا غير قابل للتصديق، تخيّل شجرة ورد فجأة تصبح ألوانها كحلية غامقة مثلا من اصل زهري. هذه تشبه خرافة الزنبقة السوداء. ولماذا اقتصر على هذه الزهرة ولم يجرب في غيرها حتى ينفع البشر بعلمه وليس لإثبات التطور ثم يقف؟

كان داروين أحكم عندما قال بالتدرج عبر ملايين السنين، لأن ملايين السنين ظلام تستطيع ان تخبئ بها ما تشاء، لكن ديفريس وقع، فجأة تخرج طفرة مختلفة تماما وتحمل ميزات جديدة و رائعة، اذن اعطونا نماذج سريعة، لأن الطفرة سريعة، المستشفيات في العالم كل يوم هناك مئات الالوف من المواليد، ولم نسمع عن طفرة، وهذه تجربة أوسع من تجربة ديفريس في مختبره، اذن الواقع لا يشهد لفكرة ديفريس، تبقى مجرد تفسيرات لا يؤيدها الواقع. العالم تزرع كل يوم، وحيواناتهم تتناسل كل يوم عبر العالم، والعالم اصبح الآن قرية صغيرة، اين هي الطفرات الديفريسية الرائعة؟ سواء على مستوى النبات او الحيوان او الانسان؟ الطفرة الحسنة لا تظهر الا في مختبر ديفريس، لكنها لا تظهر في الواقع وملايين الهكتارات المزروعة من الاف السنين. هل هذه طفرة أم عنقاء؟ كل البشر يجرون تجارب نيابة عني، والتطوريون يجرون تجاربهم، والواقع معي وليس معهم، ويشهد لي ولا يشهد لهم، اذا كانت نتائج دفريس اخرجت نباتا مختلفا من عدة زرعات لنفس النبات، فالبشر من الاف السنين وهم يزرعون القمح والشعير والارز والموز، ولم يجدوا الا ان الشعير والارز ارز، ولم يشاهدوا مثل هذه الطفرات الديفريسية.

ان تطول سيقان النبات وتكبر اوراقه، فهذا مشاهد تبعا للخدمة او السماد او الضوء، وهذا شيء معروف لدى كل المزارعين، لكن أن تتغير الوانه، فهنا قف. إلا أن يكون من فصيلة مختلفة او تهجين، أما نفس النوع ينتج طفرة ويتغير بالكامل، فهذا ما لا يثبته الواقع العالمي، ماذا يعني ان تقع طفرة ديفريس في حديقة ديفريس بينما لا تقع في حقول العالم؟ مع انه يفعل مثلهم ويزاوج نفس النوع، وهذا ما يفعله كل الفلاحين في العالم.

اما بخصوص الطفرات التلقائية، ومثالها ان الولد يولد بعينين بنيتين مع ان والداه اصيلان بصفة زرقة العيون، فأين ذهب تاثير الصفات المتنحية الموروثة من اجدادهم؟ وهي كثير، وأيضا أليس 98% من الدي ان أي جنك و زبالة؟ ربما ان هذا اللون جاء من الزبالة، فلماذا يعتبر طفرة مع أن لدينا كل هذه الارصدة من تراكم الوراثات والجنكات والزبالات؟ العيون العسلية ليست طفرة، لأنها موجودة أساسا في البشر. الطفرة هي ان تقدم جديدا افضل من الموجود، وهذا هو المقصود منها في تحميلها للتطور، لا أن تقدم موجودا آخر. اذن هذا الرصيد الضخم من الوراثات ضد فكرة وجود طفرة. عليهم ان يختاروا احداها، إما أن ينفوا وجود تراكم وراثات، أو أن يختاروا الطفرات فقط، اذ لا يمكن الجمع بينهما، وإلا فهذا تناقض مع النفس. كل انسان لديه رصيد من الوراثات كالجبل الهائل، ثم اذا طلعت في نسله صفة ليست فيه ولا في امه قالوا تطفَّر! لا بد من نفي هذا الجبل حتى يسوغ التبرير بالطفرة. بعبارة اخرى : لا بد ان تنفى الوراثة حتى تثبت الطفرة، وإلا فهو من الوراثة وليس طفرة.

اما الطفرات المستحثة فالواقع خير شاهد، نتيجتها مشوهون ومعاقون، ولم تظهر طفرة حسنة واحدة بموجب احصائيات الولادة ومنظمات الصحة العالمية.

لقد تجاوزت فكرة الطفرة نقاطا كثيرة في الوراثة، فتم تجاوز فكرة التطور التدهوري او النكوص، فقد يكون تغير لون العين من الازرق للبني تدهورا وليس طفرة، فكيف صار ميزة؟ مع ان العيون الزرقاء يقولون انها طفرة حسنة، والان العيون البنية طفرة ايضا! مسكينة العيون السوداء بقيت لوحدها ولا تسمى طفرة.. وفكرة الطفرة تجاوزت فكرة الصفات المتنحية الموروثة من الأجداد، وتجاوزت فكرة الجينات المعطلة الجنك، كل هذا تم تجاوزه لكي تسمى طفرة، مع انها لم تأتي بجديد، كِرْمال عيون التطور والالحاد. هذا قفز على العلم لأجل غاية.  

لا حاجة لنا بصفات زهور لم يرها إلا ديفريس حتى نعرف هل هناك طفرات جديدة ومفيدة وسريعة أو لا, لأن عندنا مختبر كبير وهو ستة مليارات من البشر, أين هي الطفرات الغريبة والعجيبة والمفيدة التي اكتشفها في زهوره لنرى مثلها في البشر؟ لم يتعرض البشر لأنواع من الأشعة مثلما تعرضوا له في العصر الحديث, ولم تحدث أي طفرة جديدة ومفيدة على مستوى مستشفيات العالم.

تجربة ديفريس تدل على نقص في تجربة مندل, فمندل يقول إذا كانت الصفتان أصيلتان فالنتيجة حتمية وهي أن يكون الأبناء من نفس الصفة, وجاء دفريز ليقول إذا خرجت صفة أخرى عن حتمية مندل فهي طفرة. اذن قانون مندل ليس حتميا، وعلى مستوى الإنسان لم نجد هذه الطفرات العجيبة, بل ولا حتى طفرة واحدة مفيدة سوى الأمراض والعيوب, إذن كلا التجربتين غير دقيقتين لأن لهما ما ينفيهما, فكلام مندل ينفيه ديفريس, وكلام ديفريس ينفيه الواقع, إذن لا يمكن الجمع بينهما. كلاهما خاطئ.

التطوريون يتخبطون فقبلوا كل هذه النظريات المتناقضة, فمرّة لاماركيين (البيئة تؤثر في الجينات), ومرة ديفريسيين (طفرانيين), ومرة داروينيين (ملايين السنين), وهذا يكشف أنهم أناس لا يريدون صنع نظرية مقنعة, بل صنع نظرية تقاوم السقوط قدر الامكان.

تعقيب : بما أن الوراثة كما يقولون هي عملية خلط للجينات, لماذا كل المواليد تكون أجسامهم متناسبة؟ فلا نرى أحدا أخذ فكا كبيرا من أبيه وباقي الوجه صغير من أمه؟ أو أخذ الطول في اليدين والرجلين لكن الظهر قصير؟ أو بعض جسمه أسمر وبعضه أبيض؟ أو آذانه ضخمة لكن بنيته صغيرة؟ ربما أنه أثناء التلقيح تحصل عملية مواءمة بين الخلايا الجنسية للأم والأب, مثلما تحدث مواءمة بين الخيل والحمار ليخرج البغل.

فكرة الصفات السائدة والمنحاة غير علمية, فما الذي يجعل جينا يسود في أوروبا لكنه نفسه يتنحى في أفريقيا؟ لو كان سائدا أو متنحيا عند كل البشر لأمكن أن تكون الفكرة علمية, لكننا نجد أن الابناء الذين آباءهم وأمهاتهم أحدهما ابيض والآخر اسود ، نجد الابناء يأتون متوسطين أو يأخذون من أحد الوالدين أو كلاهما معا. وإذا كانت الاختلافات مرصودة على بازلاء مندل أو زهرة دفريز ، فيا ترى أين هي الاختلافات الناتجة من طفرات في نباتات الزراعة كالقمح والأرز والتي تزرع بآلاف الهكتارات وكلها تشبه بعضها؟ مع وجود بعض الاختلافات البسيطة لمن يدقق, لكنها لم تُخرِج أنواعا مختلفة عن النوع أو حتى غريبة عنه, مما يعني أن قابلية التنوع نسبية بين الكائنات الحية. فالأرز اكثر جينات واكثر عددا، فيفترض ان يكون اكثر تنوعا. سواء بسبب طفرة او غيره.

التنوع بين البشر ليس مثل التنوع بين القمح, التنوع بين البشر مفيد لهم لكن التنوع بين القمح غير مفيد, إذن هناك إرادة إلهية وليست صدف عمياء, مع أن كلاهما له جينات. التزاوج بين نبات الطماطم مثلا في كل مرة تخرج الثمار تشبه بعضها, لكن زاوج بين بشر لا تخرج المواليد مثل بعضها, لماذا؟ مع أن كلاهما يعمل بالجينات وكلاهما يمران بنفس الظروف.

(انتهت الحلقة)

تعقيب : يبدو أن سبب إنقسام البكتريا السريع جدا، هو لأجل سرعة تحليل الكائن الميت أو المكان المتعفن فيه كجرح وغيره، اذ ان هذه هي وظيفة البكتريا فيما يبدو، العجيب أن خلية بكتريا واحدة تتضاعف في يوم واحد إلى 5 آلاف مليار مليار خلية. وخلية واحدة صغيرة جدا لا تكفي للتطهير والتنظيف، لا حجما ولا سرعة، وكذلك لا يمكن اسناد هذه الوظيفة لكائن اكبر منها حجما بسبب ان هناك أماكن دقيقة جدا لا تصل إليها إلا كائنات بأحجام مجهرية كالبكتريا، وهنا نرى شاهدا ومثالا ودليلا على ان الغريزة في الكائن الحي موجهة لأداء وظيفته.

الاغنام والغزلان وغيرها من ذوات القطيع، إناثها مستعدة للتخلي عن صغيرها لأجل ألا تبتعد عن القطيع، إذن وظيفة القطيع اقوى من غريزة الأمومة، فهي لديها رغبة وحاجة لان تكون ضمن القطيع، فلو حجزت واحدة من الغنم اخذتها من قطيع لأصبحت في حالة قلق واضطراب، واذا احضرت اخرى لها خف القلق، وهكذا، واذا بقي هناك في حظيرة القطيع اقل كلما زاد الخوف وزادت الرغبة في الانضمام إلى القطيع الاكبر. فأول واحدة حُجزت كانت هي الاكثر قلقا، وآخر واحدة تُخرَج هي الاكثر قلقا ايضا، فهي ليست مشكلتها وجود الحظيرة بل مشكلتها وجود القطيع.

وفكرة أن القطيع لأجل الحماية ليست دقيقة كما تبدو، لأن القطيع مثل القطار، يحدث جلبة وأصواتا وغبارا، وآثارا تستدل بسهولة عليها المفترسات من الحيوانات وكذلك الصيادون من البشر، فلو لم تتجمع كقطيع لخفت احتمالية الصيد الى درجات كثيرة، لاحظ سهولة صيد الطيور المهاجرة، لأن المهاجرة تتجمع وتُرى من بعيد، لكن لو كانت تهاجر فُرادا لما أمكن صيدها بل ولا ملاحظتها، ولاحظ صعوبة صيد الطيور المحلية، مثل العصافير والحمام البري المحلي. التجمع أسهل للصيد، هذه هي القاعدة، وليس التجمع وسيلة دفاع، لأننا لا نراها تقوم بأعمال دفاعية، إلا في حالات قليلة، خصوصا إذا حوصرت. وغالبا ما تفشل حتى دفاعيا.

ولهذا فيما يبدو سُخّرت هذه الحيوانات لأجل وظيفة القطيع الذي يقوم بالهجرة، أي كأنها تتجمَّع ليستدل عليها الصيادون من البشر والصيادات من الحيوانات رزقا لها يأتيها في قافلة مُعلنة. لأنها لا تدافع، فقلما تُدافع، والأسود والفهود والذئاب تأخذ حاجتها من القطيع مهما كان كبيرا أو كثيرا، ولم ينفعها تجمعها في قطيع بقدر ما نفع خصومها. أي لم ينفعهم تجمعهم ولم يستفيدوا منه، فلو صاد الفهد مثلا غزالا فالقطيع مستمر ولا يقف، والأم في القطيع لا تقف لإبنها المتعثر. لو لم يكونوا جميعا لكان من الصعب أن يُعرف بوجودهم، اذن تسخير القطيع وتسخير الهجرة من اهدافها تقديم الطعام للمفترسات الجوعى، فرزقها يأتي إليها في جلبة وصخب. ومن أهداف القطيع ايضا رعي وتسميد مناطق بعيدة، فالهجرة في مصلحة الجميع، حتى في مصلحة القطيع، لأنه في كل هجرة يُفقد أفراد كثر من القطيع، فيتوازن عدده، وأيضا تتمرن عضلاته ويتنقّى افراده، والهجرة ليست نتيجة لقلة الطعام، لأنك ترى القطيع وهو مهاجر يمر على اراضي خضراء ويتركها، فهو يرعى ما في طريقه ويمضي، لو كانت مشكلة الطعام والنبات هي السبب لكان أول نبات يصل اليه يقف عنده. ولو لم تكن الهجرة سخرة لغيّر القطيع طريقه السابق الذي صادف فيه التماسيح والاسود في الرحلة السابقة، لكنه ابدا لا يغير مساره، ويعبُر افراد القطيع من نفس معبر النهر الذي مر عليه اجداده في السنين السابقة، رغم ان التماسيح تصطاد منهم في هذا المعبر بل وتتجمع فيه وفي نفس موعدهم، اذن ليس من الحكمة ان يعودوا من نفس الطريق الذي تعرضوا فيه للافتراس والذي تعرفه المفترسات وتتجمع فيه في نفس الموعد، اين الانتخاب الطبيعي ليعدل هذه الغلطة؟ انه التسخير الالهي.

وحتى المفترسات ليست مبذرة، فهي تصيد بشكل جماعي وتتجمع على الفريسة الواحدة وتتصارع عليها وتدافع عنها من الضباع والنسور، وليس كل واحد يصطاد لنفسه فريسة، مع أن لديها القدرة بحيث كل مفترس يصطاد وجبته الخاصة، هذا هو المنطق، لكن كلما يُخالَف المنطق كلما ندرك وجود التسخير والقوانين كقانون القصر، لأنه لو كانت لدى المفترسات هذه الغريزة الفردية لتضرّر القطيع، وصار صيدا جائرا، لكنه صيد لتخفيف العدد، فسبحان من وزنها. 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق