الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

لماذا نعيش في عصر القلق؟

العقل الملحد يستطيع أن يتقبل مثل أن الحوت كان أصله ثوراً قفز الى البحر ، أو انه يمكن للجسيم ان يكون في مكانين في اللحظة ذاتها، أو انه يمكن السفر عبر الزمن الى الماضي او الى المستقبل، لأن كل شيء جائز أن يكون، لأن الأساس عبارة عن فوضى وصدف، وهكذا يفعل الإلحاد بالعقل، يجعله يصدق أن ما لا يمكن أن يكون قد يكون، وما لا يعقل قد يُعقل، لأنه مبني على أن الحياة فوضى ووجود الكون فوضى، لهذا من السهل اختراق العقل الملحد، بل واستغلاله وابتزازه. وهكذا نرى أن الإيمان الحقيقي عاصمٌ من الجنون، على عكس ما يقوله الملاحدة أن الايمان فايروس العقل، الحقيقة أنه هو الذي يحفظ للعقل محدداته، وإلا لصار ينفتح مع كل جهة، وإذا قبلَ ما لا يمكن أن يكون أن يكون، فما فائدة العقل؟
لكن بالمال تستطيع أن تقول ما تشاء ويُسمع كلامك. لو أحد قال أن السمكة أصلها فيل لصار ضحكة للناس، لكن هم يقولون ما يشاءون للناس ويسمى علما. ماذا لو قال احد ان العجل أصله حوت؟ وهذه اقرب للمنطق اكثر، أيضا سيضحكون منه، لأنه قالها هو ولم يقلها هم. إلى أي حد تحتاج لأن تضغط على عقلك لتصدق وتبتلع مثل هذا التخريف الذي يتعارض معه كل شيء؟ 
في عالم الإلحاد لا يوجد مانع من أي شيء، وإذا لم يوجد مانع يعني أنه لا وجود للعقل، لأن العقل هو الذي يمنع ما لا يمكن. لهذا تنتشر الإشاعات بإسم العلم ويصدقها من لم يجعلوا للإيمان تأثيرا على عقولهم، فكم مرة يخوّفون الناس من كوكب أو نيزك سوف يضرب الأرض، ويخوّفونهم بأمراض خطيرة ستظهر فجأة وتقضي على مئات الملايين فجأة، ويخوّفونهم ان الحشرات والمفصليات سوف تكثر فجأة وتضغط على العالم والأرض. وبعضهم يذهب إلى تخريفات بإسم العلم لا يحدها حد، مثل إمكانية نقل الانسان في لحظة عن طريق الاشعة الكهرومغناطيسية، وإمكان إخفاء سفينة في البحر فلا تجد الا حفرة في الماء، وتعطيل الآلات عن بعد، والتي صدقها الملايين للأسف، 
كذلك مثل تغيير الشخصيات وغسل الدماغ وإعادة الشباب وإعادة الحياة حتى بل وخلق الحياة ونزوح القارات والانفجار الكبير وغيرها كثير، وصاروا يدفعون اثمان التذاكر لحجز رحلات ومخططات على المريخ والقمر، كل من يصدق بهذه الأمور يصبح قابلا للاستغلال فيها، مثل ما صدقوا أحافير الديناصورات الخرافية والخيالية، يصدق مثل هذه الخرافات والتخويفات من يكون عقله مفتوح – بشكل سلبي وليس ايجابي - على أساس أن كل شيء يمكن أن يكون، وما المانع أن يمكن أن يكون .. ففرق بين العقل المفتوح المنزلج والعقل المتفتح، هذا العقل المفتوح هو الذي فُرّغ من محدداته، وهذا ما يطمحون إليه: تفريغ العقل من محدِّداته، وهو القابل للتصديق بالخرافات، سواء كانت قديمة أو حديثة، وبالتالي يصبح الإنسان عاقلا وهو مجنون، كما يقولون في المثل: (حدث العاقل بما لا يعقل، فإن صدقك فلا عقل له)، لكن العقل المؤمن بالله المدبّر المسخّر لن يصدق إلا ما يُعقل.
لاحظ أنهم هم أنفسهم ينادون برمي العقل والمنطق والاكتفاء بالعلم، أي بما نقول نحن، وأنت لا دريت ولا علمت، بحجة أن العلم اكبر من العقل، والعكس هو الصحيح. وهذا هو طريق السحرة والدجالين، يقلّلون للناس من شأن العقل. وهنا تبرز قيمة الإيمان بالله المدبر، لأنها تحافظ على العقل حتى لا ينفتح العقل بالكامل فيصبح كالباب المنفتح من الداخل والخارج.
العقل الملحد يؤمن بالصراع فقط، العقل المؤمن يؤمن بالتدبير والتسخير والتوازن، لذلك العقل الملحد من السهل خداعه، نيزك يريد أن يضرب الارض بعد 3 اشهر من الآن، المؤمن يؤمن ان هناك نظاما في الفلك دقيقا وليس تصادما وفوضى كما يؤمن الملحد، لذلك في مثل هذه الحالة يضحك المؤمن ويخاف الملحد. الجراثيم سوف تكتسح الارض فجأة لأنها جراثيم شرسة تريد ان تقضي على الحياة، المؤمن يدرك ان الجراثيم مخلوقة لأجل وظيفة، وهي التنظيف والتحليل للتالف، لذلك لا يصدق هذه الأراجيف، لذلك عقله محفوظ، بينما عقل الملحد صار كالصفيح، فأي هزة أو ضربة تجده يرن ويصيح، لأنه ليست لديه موانع منطقية، فكل شيء في عرفه جائز أن يكون، وهذا من أوسع الأبواب التي صيرت عصرنا الحالي إلى عصر القلق، بسبب شدة التصديق وكثرة الأراجيف التي تسمى بإسم العلم، كم مرة خوفونا من كوكب سيضرب الأرض ولم يضربها ولم يعتذروا عن هذا التخويف؟ ألا يوجد ضحايا لمثل هذه الاراجيف؟ أم لا يهمهم الأمر؟ لماذا لا يُحاسَبون؟ هذا غير الخرافات الخيالية مثل اكتشاف كوكب من الألماس وكوكب من الفضة، لم يتبق إلا كوكب من الجبن كأفلام ميكي ماوس. 
العقل البشري يحتاج إلى معرفة ما يمكن أن يكون وما لا يمكن ان يكون، وهكذا يسمى العقل عقلا، وإلا فسيبقى وسيلة استقبال (ريسيفر) ، وما أكثر الدجالين والواهمين وما أوسع وسائل الاعلام والاتصالات في هذا الزمن، وحينها سيكون الإنسان ضحية، ولهذا اصبح هذا العصر عصر القلق لكثرة ما يحمله من الأراجيف والأكاذيب التي تصل الى كل انسان في كل مكان، لأجل هذه الأراجيف نحن في عصر القلق.
كان الأقدمون أكثر سلامة من هذه الاراجيف بسبب الانعزال، على الاقل يستقبلون أراجيف من حولهم فقط، أما الان فالناس يستقبلون أراجيف كل العالم. ومما يدعو للأسف أن أكثرها تحمل التخويف، وقليل منها يحمل التفاؤل حتى ولو كان كاذبا، هذا يترك آثاره السيئة على البشر، فالكل يخوّف من مكانه وتخصصه، وكلما زادت ثقافة الإنسان زادت مخاوفه، وكلما زاد احتكاكه بالعلم كلما زاد خوفه، والعالم كله يسمع، وليس بيده أي حل.

هناك 5 تعليقات :

  1. أستاذي الورّاق , سلامٌ الله عليك , قد لا تُصدّق كم الفرح والسرور والطمأنينة التي تعتريني عندما أجد لك مقالة جديدة , منذ يومين اشتقت كثيراً لمقالاتك فلم أجد لك جديداً وبدأت أعيد قراءة مقالات قديمة بأناةٍ أكثر . فشكراً لك وجزاك الله خيراً على مشاركتك إيانا صوت العقل والروح والمطمئنة .

    أريد بدوري أن أشارك في هذا الموضوع , قبل عدة سنوات قرأت كثيراً في الإلحاد , لم أترك كتاباً ولا مدوّنة ولا صفحة فيس بوك ولا موقع إلا وقرأت فيه عن الإلحاد قراءة -التهامية- لوهلة ولأيام ولأسابيع أحسست أنني أكتشف شيئاً جديداً وأحسست أن الأديان هي مجرد أصنام وأن الإلحاد هو الدين الجديد الذي سيحطّم كل هذه الأصنام وأنه الفكر التنويري وأنه وأنه ... لكن لم ألبث كثيراً حتى شعرت بكل ما يخطر ببالك من مشاعر سوداوية من حزن وقلق واكتئاب وخوف , ابتعدت عن العبادات وقلت إنها مجرد طقوس بالية لا يزال يفعلها الكثير من السّذج وأقبلت على كثير من المحرّمات باسم أن الحياة هكذا والحياة تستمر والدنيا فوضى وعشوائية ونحن مجرد احتمال ربح الحياة وعلينا أن نستمتع .

    كتجربة بسيطة جداً تركت الصلاة , أصبحت أيامي بلا صلاة , يمر اليوم والليلة واليوم والليلة ولا أصلّي , أوقات كريهة جداً تمر من دون معنى ومن دون جدوى , ثم شعرت بفراغ كبير جداً , شعرت بجنون , ليس جنوناً عادياً فحسب بل جنون مستعر , أصبحت أتخيّل أن كل شيء متاح فقط عليك أن تدبّر أمرك . شعرت بأن عقلي قد انفتح على كل شيء , شعرت بأنني يوم بعد يوم ازداد سواداً في القلب , لا يوجد راحة نفسية , لا يوجد طمأنينة , يوجد خوف من القادم , يوجد أفكار سوداوية قبل النوم ثم وجدتني تدريجياً أعود للدين لكن من طريق آخر , وجدت أن أوامر الله تعالى ليست عقوبة لنا بل هي راحة لنا وغذاء لنا , شعرت بأن العبادات وخاصة الصلاة هي أفضل طريقة لتنظيم الحياة اليومية . شعرت بأن الإيمان نعمة وأصبحت أشكر الله تعالى على هذه النعمة , نعمة الإيمان . وبالمناسبة كطالب جامعي وجدت أن الحالة الإيمانية تترافق مع قوة الحالة العقلية , ومعدّل التحصيل العلمي الجيّد يترافق مع الشخصية السوية والإنسان المهذّب والحالة الإيمانية - على الأقل بالنسبة لي وعلى الأقل بالنسبة لتجربتي - وسبحان الله استشعرت تماماً بتلك الآية القائلة: "فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً " . فحكاية التخبّط والاضطراب والضلال تبدأ من هنا . من إضاعة الصلة , من فقدان الاتصال بالسيرفر الرئيسي main server الذي يغّذي أرواحنا "لله المثل الأعلى" باعتبارنا عباد له clients , أن تضيع الصلاة وأن تفلت من يدك العروة الوثقى وحبل الله المتين حينها استعد , استعد لأن تصبح ألعوبة بيد الشهوات , سوف تصبح مثل كرة تتقاذفها الأرجل , سوف تصبح مجرد ورقة في مهب - الأهواء - , والمشكلة أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد وحسب بل ستكون نتيجته "غيّاً " والغيّ هو المعنى المضاد للرشد وما عكس الرّشد إلا التخبّط والضلال ؟!!

    - الإيمان يجب أن يُعاش والله تعالى يجب أن نسعى إليه وأن نكدح إليه حتى نشعر بقربه , وعندما نشعر بقربه سوف نرضى ونكتفي ولن نعود نسأل مثل تلك الأسئلة البلهاء كـ أين الله؟ وما هي ماهيّة الله؟ حينها سوف تشعر بأن روحك قريبة من الله وبأن اتصال server-client محقق تماماً وعملية الحياة تسري باطمئنان ودون تخبّط ودون قلق , حينها سوف تشعر براحة لا مثيل لها .

    - الإيمان أبداً ليس جنوناً ولا فيروساً ولا أفيوناً , أقسم بأنه عين العقل , لكن علينا أن نسعى لفهم مراد الله جيداً وفهم الأمور التي يطلبها ربّنا منها والابتعاد عن نواهيه .

    - الأمر بتلك البساطة , احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك .. اتق الله , وهل التقوى إلا من أجل سلامتنا؟ أحياناً أقول ما أكرمك يا رب أنك أمرتنا بعبادتك , كنت أشعر بأن طلب الله تعالى منا العبادة هو جهد وعذاب لنا , لكن حينما بدأت أفهم وبدأت أفتّش وأبحث وأعيش يومياً , شعرت بمعنىً آخر وهو أن طلب الله تعالى العبادة منا هو محض كرم منه والابتعاد عن هذه العبادة هو رفض لهذا الكرم الإلهي وبمجرد رفضك لهذا الكرم أنت سوف تتعذّب , هو لا يريد أن يعذّبك , هو يريد بنا اليسر ويريد بنا الرّحمة لكننا نحن أحياناً من نرفض .

    - على الضفّة الأخرى , أصبحت أشعر أنه كلما اهتممت أكثر بعبادتي لله وتحرّيت أكثر عن الحلال والحرام , كلّما وجدت رشداً أكثر فأكثر وكلّما وجدت كرهاً - طبيعياً - للشهوات وأهلها . أصبحت أشعر أنك بمجرد أن تقترب من الله تعالى فأنت تعيش في جنّة وطمأنينة وبمجرد أن تبتعد عنه أنت تعيش في نار وعذاب , والخيار بالنهاية لنا .

    اللهم ارزقنا حبك وحبّ من يحبّك وحبّ عمل صالحٍ يقرّبنا إلى حبك وأفض علينا من رحمتك يا الله ...


    شكراً للورّاق وأسأل الله أن ينفعنا بك .

    ردحذف
    الردود
    1. تعليق معطر بعطر الايمان والروحانية، احبك الله ونفع بك، وانشر عطرك ..

      حذف
  2. رائع يا استاذ احمد كما عهدناك ذوا منطق وراي سديد

    ردحذف
    الردود
    1. اشكرك يا اخي يحيى على هذا الاطراء، وعسى ان نكون عند حسن ظنك وظن القراء الاخيار.

      حذف
  3. انا تعلمت منك في نقاش المعترضين على وجود الله وبالاخير يهربون من النقاش بعد ان اضعهم في زاويه ضيقه كلهم دون استثناء يحملون حقد على الله ويعتقدون ان انكار وجوده ثأر وانتقموا منه يتخيلون ان الله يجب ان يسعدنا ويعطينا نعيم بدون مرض وفقر والم مدى الحياه والا فهو مطرود ولانعترف به ههههه عقول خاويه

    ردحذف