الأحد، 17 يوليو 2011

الإلحاد و الإيمان و الأخلاق "تعليق على سامي لبيب في موضوع : مفهوم الأخلاق فى الدين بين البرجماتية والنفعية والإزدواجية ."

اقتباس: 


مفهوم الأخلاق فى الدين بين البرجماتية والنفعية والإزدواجية .

تعتبر الأخلاق أول إبداع فكرى إنساني لصياغة منظومة سلوكية تنظم العلاقات داخل الجماعة البشرية .. فلم تتواجد الحاجة للأخلاق لدى الإنسان إلا مع أول تجمع بشرى ينتسب إليه لتكون الأخلاق هي حل لإشكالية معادلة الأمان والصراع في ذات الوقت

الرد: وماذا يفعل القانون وما شأنه اذاً ؟ ولماذا لم تتحول الاخلاق الى قوانين الزامية مثل القوانين التشريعية ما دام انها وضعت لحل مشكلات ؟ 
 اقتباس: فيتحقق الأمان من خلال ملاذ يحتضنه ويحميه من قوى الطبيعة ولا سبيل سوى الإنسجام معه ويتواجد الصراع كجدلية حتمية الحياة والوجود التى لا مفر منها .

الرد: إذاً ما فائدة الاخلاق ما دامت الحتمية هي للصراع وليست للاخلاق ؟ اذا الاخلاق هي اختراع فاشل . لانها لم توقف الصراع الحتمي . 

اقتباس: تتشكل الملامح الأخلاقية والسلوكية كنتاج طبيعي لتطور الإنسان المعرفي والحضاري وتعبير عن محصلة قوى وعلاقات المجتمع الإنتاجية مُترجما ً منظور القوى والنخب المهيمنة و مؤكدا ً مصالحها ومؤمنا ً لوجودها .

الرد: لا يبدو انه يتكلم هنا عن الاخلاق ، بل عن المدنية والسلوكات الاجتماعية ، المادي ينظر الى كل شيء غير المادة على انه اخلاق ، ولا يذكر شيئا عن المدنية والسلوك المدني ، الذي يسميه ايضا اخلاق ! لا بد من التفريق بين الاخلاق والسلوك المدني حتى نبتعد عن الترهل في المفهوم . فهناك مشكلة كبيرة في فهم الاخلاق .

اقتباس: الأديان تدعى أنها أنتجت المنظومة الأخلاقية و أنها جاءت من السماء وفق إرادات إلهية هكذا هو فكرها , ولها أن تدعى ما يحلو لها ولكنها لن تخرج عن إرادات بشرية لتمرير مصالح النخبة والملاك من خلال صياغة حزمة من السلوكيات المُراد إتباعها ولكي تضمن لها الردع نسبتها إلى الآلهة التي تبغي هكذا سلوك فيكون العقوق مُجلب لغضب وانتقام الآلهة وصب جام لعناتها ... الأخلاق منتوج بشرى وليس له أي علاقة بالسماء فالسماء لا تجلب سوى المطر !..بينما الأخلاق منتوج الأرض .

الأخلاق في الأديان مُنتج بشرى لحما ً ودما ً ولم تنفرد به الأديان المتعارف عليها بل نحن أمام وعي الإنسان ورؤيته لعلاقاته مع الآخر فتمتزج رؤى معتقدات ومجتمعات بشرية لتخلق منظومة أخلاقية تعبر عن رؤية اجتماعية لنسيج إنساني متقارب النشاط الاقتصادي والاجتماعي والطبقي , و سنجد تراث رائع من القيم الأخلاقية التي تعاملت معها شعوب أرض الرافدين والنيل والصين والهند تتفوق في مفرداتها عن أخلاقيات البداوة ويمكن معرفة سبب هذا من تأثير الطبيعة على تشكيل الإنسان لأخلاقه و سلوكه وقد يحتاج هذا الأمر لبحث آخر .

الرد: ما زلنا في الخلط : كل شيء غير مادي هو اخلاقي . التنظيمات الاجتماعية والقانون والقانون الملزم والقانون غير الملزم ، كلها يسميها المادي اخلاقاً ! المحكمة عند المادي هي دار الاخلاق ! لهذا يقول ان الاخلاق انتجها المجتمع وأن كتب القانون هي كتب اخلاق من وجهة نظره ، وبدلا من كلية الحقوق يجب ان تسمى كلية الاخلاق ! وعلى خجل فلو شاء لقال ان الدول هي التي تضع الاخلاق لانها هي التي غالبا تضع التشريعات ، وبالتالي فالحكام جميعهم اخلاقيون لانهم يضعون الانظمة والقوانين لتنظيم علاقات الناس . هذا الكلام ترجمة بلسان حال الكاتب بموجب ما يقول . وتعميم لفكرته وتوضيح لها .  
اقتباس:
 الخطورة في الرؤية الأخلاقية التي تصدرها الأديان تكمن في أنها تُثبت رؤية الإنسان القديم تحت دعوى أن هكذا هي رؤية الإله لتسقطها على الواقع المعاصر بكل وطأتها لتصدر سلوكيات وأخلاق تجاوزها الإنسان المعاصر فتصيبه بالتجمد بل التشوه الحضاري والإنساني ... ولكن الأشد الخطورة هو أن الرؤية الأخلاقية في التناول الديني وقفت عند طفولة الإنسان وفرضت منهجها وفلسفتها ورؤيتها فتبدو كمنظومة نفعية برجماتية تطالها الازدواجية غير نابعة عن فهم حضاري وحس إنساني يتوافق مع إنسان العصر الحديث.. لأنها منظومة أخلاقية تفتقد الحرية و تبنى ذاتها على القهر وتحسس الاختلاف .

الرد: على هذا فالإنسان تطور عن فكرة العدل والرحمة والصبر والكرم والشجاعة والتضحية والصدق والعفاف ، وهذا غير صحيح : ما زال الناس يتغنون بهذه الاخلاق التي مع الاسف قديمة ، وهنا مغالطة كبيرة يرددها الالحاد دائما ، وهي ان الانسان تغير ، وهذا توهيم ، ما تغير هو ادوات حياته فقط . 

لا يوجد انسان قديم وانسان حديث وكانه موديلات من السيارات ! هذه فكرة تطورية خيالية لا مكان لها في الواقع . الانسان هو الانسان بشحمه ولحمه وعقله وعواطفه وما يحب وما يكره ، كل ما في الامر هو انه تغير في وسائل الحياة ، وهذا شيء موجود في كل زمان وفي كل حضارة ، ولا قيمة حقيقية له تنعكس على داخل الانسان مهما حاول المادي ان يشبع الموضوع ..

ولا يستطيع صاحب المقال ان يثبت هذا التغيّر جذريا – اقصد بيولوجيا او قيميا او عقليا ، لا هو ولا اساتذته في الغرب -  ، بل سيثبته قشريا ، و تغير القشور لا يعني تغير الجواهر . فأنت تغير في ملابسك ولا يعني انك تغيرت ، وتطبخ على النار او بالالة الكهربية ، وهذا لا يعني انك تغيرت ، او تعيش في مرور منظم او في مرور عشوائي ، ولا يعني انك تغيرت .

تركب الطائرة او تركب الجمل ، ولا يعني انك تغيرت ، هذا تغير في الادوات والوسائل لا يصل الى الصميم . ولا يؤثر عليه ولا حتى بدرجة واحدة . فتغير سلوك اجتماعي لا يعني تغير الخـُلـُق نفسه ، مراعاة للدقة وعدم الخلط .

وكثرة الانحلال والعري في الغرب لا يعني ان فضيلة العفاف غير موجودة في النفوس ، ولكنها تقمع كأي فضيلة ، وهناك من يريد لها ذلك . ان دخول رجل بشكل مفاجئ على مومس وهي عارية يجعلها ترتبك وربما تغطي جسمها ، ثم تعود لتكشف كما يريد انصار الرذيلة .

انت هو انت ، سواء عشت في خيمة في الصحراء او عشت في قلب مدينة عصرية . اذا قلنا تغير الانسان ، هذا يعني انه اصبح شيء اخر ، لا يمكنه ان يكون مثل الاول أو يفهمه الاول لو عاد فهذا خيال علمي وليس واقعاً . وفكرة تغير الانسان فكرة ساقطة ولا يعتمد عليها منطقيا . 
اقتباس: 
*العصا والجزرة ..البرجماتية والنفعية .

الأخلاق حسب الموروث الديني لا يكون لها قائمة إلا بحصر الفكر الإنساني ما بين العصا والجزرة .. فأنت تُقدم على الفعل الأخلاقي الجيد لتنال الجزرة وسينهال على رأسك بالعصا إذا انحرفت عنه .. فيكون الفعل الأخلاقي مبنى على الترهيب أو الترغيب.

الرد: هذا غير صحيح ، الايمان مبني على الاخلاق ، وليست الاخلاق مبنية على الايمان ، فعن طريق الاخلاق تصل الى الايمان ، الاخلاق نفسها مبنية على حب الفضيلة ، فلا يؤمن ايمانا حقيقيا الا من احبَّ الاخلاق ، ولو كانت العصا والجزرة لآمن الجميع ، فلماذا انت لم تابه بالترهيب ولا بالجزرة ؟ 

أنا مؤمن لأني احب الاخلاق والايمان والفضيلة ، وانت ملحد لانك تحب المصلحة العاجلة ، ولو انا احببت المصلحة العاجلة فسوف استطيع ان افكر مثل تفكيرك ، وهذا الذي يجعلني لا احب ان اكون ملحدا ، واحب ان يوجد اله عادل يقدّر حبي له ، الملحد يحب المتعة العاجلة ولا يحب ان يوجد احد يحول بينه وبينها او يحاسبه على الاخلاق ان كانت حسنة او سيئة ، ومن ينوي ليفعل الاخلاق الحسنة يحب ان يوجد من يحاسبه عليها ، ومن كان العكس فالعكس .

لهذا السبب لم ينفع معك الترهيب والترغيب الديني ، وانا لم ينفع معي الترغيب والترهيب الالحادي . أنا استطيع ان اكون ملحدا ولكني لا احب ، وانت تستطيع ان تكون مؤمنا ولكنك لا تحب ، أنا أحب الأخلاق اذاً يناسبني الدين ، لأنه قائم عليها ، وأنت تحب المصلحة المادية العاجلة وتفضلها على ما سواها ، وهذا يناسبه الالحاد المادي  ، لانه لا يوجد فيه بند يدعو إلى الأخلاق . بل على العكس .  
اقتباس:
ليس هناك قناعة فكرية للإنسان الديني بأهمية الفعل الأخلاقي بعيدا ً عن سياسة العصا أو الجزرة كما يُمارس الملحدون واللادينيون أفعالهم الأخلاقية فهم لا ينتظرون من وراء سلوكهم الأخلاقي ثواب أو عقاب بل يفرضه درجة تطورهم الحضاري والإنساني والمصالح المشتركة .



الرد: الكلام غير صحيح من الجهتين : فقد ذكرتُ ان الحب هو دافع المؤمن ، والملحد مادي ومصلحي ، فلا يتناسب مع تفكيره ان يفعل اشياء لا فائدة منها ، وهي الاخلاق إلا إذا كانت فيها مصالح ، وهذا هو النفاق ؛ أن تفعل الفعل ليس لأجله بل لما وراءه من مصالح وطبقة اجتماعية وما الى ذلك ، اي ان الملحد لا يحس بجمال الاخلاق بل يحس بمنفعتها ، وهو بشكل عام لا يعترف بالجمال ؛ لان الجمال ليس ذو قيمة مادية إلا من باب النفاق الاجتماعي والمصلحي ، وبما أن الاخلاق مصالح ، إذا الجمال مصالح ، وكل شيء مصالح في مصالح ، وانا لا احب ان اكون هكذا حتى ولو كنت عابد بقر و لي دين يشجع على الفضيلة بذاتها .

الثواب والعقاب دليل على احترام الفضيلة و علو شأنها ، الدين لا يريد ان نمارس الفضيلة لاجل الثواب والعقاب ، بل لأجلها : (يحبهم ويحبونه) ، لكن لو لم يرتِّب ثوابا وعقابا لقال الناس : ليست الفضيلة ذات قيمة ! ولو كان لها قيمة لترتب عليها ثواب وعقاب واله قادر على كل شيء !!

المؤمن قبل ان يؤمن يدفعه حب الجمال والفضيلة والانسانية والعقل والعلم ، وعن طريقها يعرف الدين ، ثم يعتنق الدين ، ثم يتقبل ما فيه من ثواب وعقاب . وليست البداية من الثواب والعقاب يرتبها دين لا يعرفه ولا يثق به ، فليس لها قيمة . 

أنا مسلم ، والمسيحية تقول : اذا لم تعترف بالمسيح يسوع الابن المخلص فإنك سوف تحرم من الحياة الابدية ، هذ التهديد لا يخيفني مع انه كبير لأني لا أعتقد ان عيسى ابن الله ولكن عبده ورسوله كبقية الانبياء ، ولو كان كلامك صحيحاً لكان اي تهديد من اي دين سيرعبنا . بل ان المؤمن يؤمن وهو لا يعرف العقوبات والثوابات إلا فيما بعد ، و لاحظ ان هذه الثوابات والعقابات واسبابها لا يتقيد الناس بها كثيرا بقدر تقيدهم بالايمان ، وهذا الدليل ينقض كل الفكرة الالحادية في ان المؤمن آمن وعمل الاخلاق بسبب الترهيب والترغيب .. 

في الحقيقة أن الواقع هو عكس ذلك ، فما أكثر مخالفات المسلمين لاشياء كثيرة ترتبت عليها عقوبات قد يتعرضون لها ، وثوابات قد يحرموا انفسهم منها ، ولكنهم لا يختلفون على الايمان بالله الخيّر . ولو كان الثواب والعقاب هو السبب لكان تركيز المؤمنين عليها ولما فرطوا في هذا الجانب ، اذاً التهمة باطلة وغير دقيقة كعادة الفكر الملحد في عدم دقتها . بل الحقيقة ان الملحد هو الخاضع للترهيب والترغيب ، والشيطان يخوفه على مصالحه ومتعه ، مع انه سيتركها قبل ان تتركه . هذا اذا حصل عليها فعلاً : (ذلكم الشيطان يخوف اولياؤه)..

فالملحد يخاف ان يفتقر من الزكاة ، ويخاف ان يجوع من الصوم ، ويخاف من الالتزام بالاخلاق ان تتضرر مصالحه . والمصلحة عند الملحد وهم كبير ، يراه في المستقبل ولا يراه في الحاضر : (يعدهم الشيطان ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا ) . 

ومن يرفض فكرة الثواب والعقاب بسبب لا اخلاقيتها ، فيجب ان يعمم رفضها على كل المستويات ، فلا يجب معاقبة المجرمين ، ولا أن يتم تربية الابناء على مبدأ الثواب و العقاب ، وعليها يجب ان تلغى حتى جائزة نوبل ، لانها تشجع وهي عبارة عن ثواب . 

المادي يخالف مبادئه عندما يفعل افعال اخلاقية وليست تجارية ، وهو يخالف الالحاد حينئذ ، والمؤمن يخالف دينه اذا فعل افعال لا اخلاقية . لن يكون الناس كلهم مؤمنين يوما من الايام ، ولن يكونوا كلهم ملحدين يوما من الايام ، اذا كل الادلة والترهيب والترغيب والاغراء ، كلها غير قادرة على اجبار الناس على خط واحد ، اذا لا يتحكم بهم شيء سوى اختيارهم .

انت ترى الالحاد حسنا فألحدت ، وأنا ارى الايمان حسنا فآمنت ، ليس قدرا ان يكون المؤمن مؤمنا والملحد ملحدا ، بل التغيير وارد حسب الرؤية . وما دام هناك مؤمنون يخرجون الى الالحاد ، والعكس ايضا ، اذا ليس الترهيب والترغيب هو من جعل الناس يؤمنون أو يلحدون أو ينتقلون الى دين اخر ، بدليل وجود من يلحدون بعد ايمانهم ..

ولو كان كلامك صحيحا لتجمع الناس كلهم على أكثر الاديان ترهيبا وترغيبا . في الواقع : لم ينفع معهم الترغيب والترهيب ، اذا ما الذي يحرك الناس ؟ ليس العقل ولا العلم ولا الترهيب ولا الترغيب ، بل هو الرغبة والاختيار وتطويع الاشياء الاخرى لهما بما فيها العقل ، فالملحد له منطق والمؤمن له منطق ، الملحد له متع والمؤمن له متع ..

وإذا تكلمنا عن الايمان نتكلم عمن يتبناه فعلا لا عمن هو هويته . ولماذا المؤمن يتكلم عن الايمان بانه شيء جميل وجليل ؟ لماذا لا يقول ان فيه مكاسب مستقبلية ؟ اذاً انت تقوّل المؤمن ما لم يقله ، ولو كانت المصلحة هي سبب الايمان لقالها المؤمن . ومن همّه الاول المصلحة لا يفرط بها عاجلة لاجل مصلحة آجلة .

الملحد لا يمدح الالحاد بل يسب الدين ، وهذه اول علامة على فشل المنهج الالحادي ، أنه لا يجعل المنتمي اليه يحبه ، لان الشعور الانساني هو مع الخير والاخلاق والايمان ، والحب هو حركة الشعور الانساني . المؤمن اكثر سرورا وابتهاجا بايمانه من الملحد بإلحاده ، وهذا واضح على كل المستويات ، اذا الحب هو سبب الايمان وليس الترغيب والترهيب .

وكلامك دليل على الملحدين ان الاخلاق لا تطبّق لذاتها بل ليظهر بالمظهر الحضاري ، وليكسب سمعة ومصالحا عند الناس ، وهذا الاعتراف كافي بأن الإلحاد لا يريد الاخلاق لذاتها ، بل لما وراءها من مصالح ومنافع . 
اقتباس:
الأخلاق هي ضمير إنساني تشكل من استقباح أفعال محددة لأنها تضر بالطرف الآخر وتؤذيه أو تجلب له الخير ولا تكون الأخلاق كما في الإسلام مثلا ً عبارة عن قانون للعقوبات والمكافآت الدنيوية والأخروية، فالمسلم يعمل الخير حسب المفهوم الإسلامي كي يفوز بالجنة فقط ويتجنب الشر كي ينجو من النار .. ولا أعتقد أن أحداً سيجعل كتاب قانون العقوبات مرجعا ً له في الأخلاق.

الرد: هذا غير صحيح ، هذا الحصر ظلم وتجني وبلا دليل منطقي ، فأنت تحصر اي مؤمن أنه لا يفعل اي خلق الا لاجل الثواب والعقاب ، وتقول فقط بلا علم ! وكأنك دخلت في دواخل كل الناس ، إن هذا ما تريده أن يكون ! ولكنه ليس ما هو كائن !

المؤمن يعرف ان ربه يحب الخير وهذا يدفع المؤمن لان يحب الخير لذاته . لاحظ أن الثواب والعقاب ليس قانونا محددا دقيقا ، بل هو قابل للتاويل ، لدرجة انك من الممكن ان تختلف على اوضح الاشياء من خير او شر مع احد ، ولا تستطيع ان تقنعه بالكامل بأن هذا خير وذاك شر !

لو كان المؤمن يعمل لاجل الثواب والعقاب ، لكان الخير والشر محددان بدقة لديه ، بل حتى القرآن لم يحدد بدقة ، فهو يستعمل العموم : (الذين امنوا وعملوا الصالحات ) ( الله لا يحب المفسدين) ، (ولهم اجر عظيم) ، (ولهم عذب شديد)  .

من يستطيع ان يحدد بدقة ان عملا ما اقوم به هو خير او شر ؟ لا ننس التاويلات التي لا حد لها . وما دام ان الخير والشر غير محددان بدقة ، سيكون الثواب والعقاب غير محددين ايضا . اذا ليس هما اجندة العمل لدى المؤمن ،فالأجندة تحتاج إلى شيء واضح ومفصّل ..

  الاجندة هي ان يحب الخير وان يجتهد في فهمه ، ويكره الشر ويجتهد في فهمه ، وقد يخطئ وقد يصيب ، ولكن المعوّل هو النية . لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب الخير ويكره الشر والافساد ويعتقد ذلك ، ثم يبدأ حياته ليس بدافع الترهيب والترغيب ، لانه لم يحدد اصلا ما هو الخير وما هو الشر ، بدرجة دقيقة وواضحة .

المؤمن الحقيقي لا يفكر بالثواب والعقاب ، لانه يثق بعدالة ربه وأن رضوانه كافي ، وهذا بدافع الحب لا بدافع الترغيب ، فإذا كان هدفك رضا احد ويكفيك ذلك ، دون النظر إلى ما يمكن ان يعطيك بالمقابل ، فسيكون دافعك الحب ، والمؤمن لا يمسك ورقة وقلم ويحسب ماذا كسب من الحسنات او السيئات ، و ماذا ينتظره من الترغيب والترهيب .

المؤمن الحقيقي يعيش حياته بتلقائية مثل غيره .ويفعل الخير بتلقائية ويجتنب الشر بتلقائية ، فهو ليس روبوتا يعبّأ بالتعليمات والبرمجة كما يتصور الملحد ، لدرجة ان المؤمن يفعل بنية خير ومن حوله يتهمونه بالشر احيانا ، ومع ذلك يصرّ على وجهة نظره . مما يدل على عدم امكانية تحديد الخير والشر والاولويات فيهما .

المؤمن الحقيقي يعرف ان الاخلاق والصالحات والسيئات ليست قوانين محددة ، بل ان النية هي التي تعطيها قيمتها من خير او شر ، فتستطيع ان تعمل شرا من خلال خلق خيّر كالصدق مثلاً ، عندما تفضح أحدا وتفشي سراً ، وكذلك تكذب لأجل الخير أحيانا ، ولو صدقت لأضررت بالناس في بعض المواضع . 

هذه هي اخلاق المؤمن الحقيقي وليست قوالب يستطيع ان يفعلها الصادق والمنافق . هذه الاخلاق هي التي يراها المادي : القوالب . وهنا نقطة هامة جدا في التفريق بين اخلاق المؤمن واخلاق الملحد : اخلاق الملحد مرتبطة بالقوالب فقط ، لان الناس لا يعرفون نيتك ، ولكن اخلاق المؤمن الحقيقي معتمدة على نية الخير ، لسبب بسيط وهو ان الله يعرف نيتك .  

الترهيب والترغيب يا عزيزي له هدف ! سؤال لك منطقيا : لماذا الله يرغبنا بالخير ويرهبنا من الشر ؟ السؤال لك ! ما مصلحته ؟ هذا لكي نفهم ان الله يحب الاخلاق ويكره سوء الاخلاق ، والمؤمن يحب الله ، وبالتالي يحب ما يحبه الله . وما احب المؤمن الله إلا لأن الله يحب الخير والاخلاق ، وهكذا يستقطب الايمان كل من يحب الخير والاخلاق ، فأنا شخصيا لو علمت أن الله لا يحب الاخلاق ، لكنت في عذاب شديد ، ولما اعتنقت الايمان .


لا أعرف الله إلا من خلال الاخلاق . وها أنا ذا وجدته اكثر من يهتم بالاخلاق لدرجة انه يعذب عليها ويجازي عليها ،  بل هي قصة الايمان فقط ، كل حكاية الايمان هي اخلاق فقط ، من يفعلها يكافأ عليها ، ومن يهملها يعاقب عليها ، وهذا بالضبط هو ما أريد ولا ارضى بأقل من ذلك وليس هناك أكثر من ذلك اكراما للاخلاق، لا ارضى بإله لا يثيب الأخلاقيين ولا يعاقب سيئي الاخلاق ويساوي بين الجلاد والضحية ، كإله اللادينيين . 

ولا أرضى ان يكون مستقبل الضحية والجلاد إلى كومة التراب الالحادية التي لا جمال فيها ولا أخلاقية . تلك الكومة التي تقول للإنسان : افعل ما تشاء فمصيرك إلى كومة تراب ولا شيء بعد ذلك ، إنها كومة لا اخلاقية .

المؤمن ينتظر مستقبل اخلاقي بعد الموت ، والملحد لا ينتظر مستقبلا اخلاقيا بعد الموت . فأي المستقبلين يدعو للفضيلة اكثر ؟ وايهما يشجع على الرذيلة ؟ وايهما اجمل وايهما اقبح ؟


اقتباس: الخوف من الله هو جزء لا يتجزأ من العقيدة الإيمانية، والمؤمن الحقيقي لا يمكنه أن يأمن بطش إلهه بأي شكل من الأشكال وهذا طبعاً لا يكفي، فالعقوبات الوحشية الدنيوية تنتظر من لم يخافوا بشكل كافٍ من عقوبات الآخرة... والطمع بالجنة هو الشطر الثاني من المعادلة .

أسأل مرة أخرى، أين الأخلاق في الرشوة والترهيب ؟
فمثلا عندما نتناول مساعدة المحتاجين والفقراء سنجد أن فلسفة الفكر الديني في دعوته للمساعدة تتكئ على منظور تُعطى لتأخذ المقابل فالحسنة بعشرة أمثالها في مفهوم برجماتي بحت وهنا يكون للجزرة فعل العطاء ..

الرد: أنت اخترمت مفهوم الاخلاق في سياق نقدك للدين من حيث لا تدري ! أسألك : ما هي الاخلاق من حيث علاقتها بين اي طرفين ؟ اليست اخذ وعطاء ؟ اذا كنت انت كريما معي ، اي اخلاقي ، وكنت انا كريما معك ، اي اخلاقي ايضا ، ثم ازددت كرما معي ، اليس الواجب الاخلاقي ان يزداد كرمي معك ؟ هذا هو التسلسل الاخلاقي .

الفرق بين ان تكون الاخلاق مصلحية أو ان تكون خيريّة (مبنية على حب الخير) هو أنني لا انتظر منك الرد ، ولم اعمل الخير لأجل الرد ! ولكنك إذا كنت أخلاقيا فسوف ترد . ولكني اذا اوقفتُ الخير لاني لم اجد ردا ، هنا صرتُ اعمل لاجل مصلحة . وهنا الفرق بين اخلاق المؤمن واخلاق الملحد ..

أنت إذا لم يـُرَد معروفك بمثله وأفضل فإنك توقف معروفك ، بناء على قانون المصلحة المحرك لك . وهذا هو السبب الذي اخرجكم عن الايمان اصلا ، لانكم تقولون انكم صليتم ودعوتم ولم تستفيدوا ، اي توقفت الاخلاق المصلحية بينكم وبين الله ، والسبب هو ، لهذا كان الجزاء هو الكفر به لأنه لم يحقق للملحد كل ما يريد .

وهكذا أثبتت الاحصاءات أن أغلب الملحدين ألحدوا لهذا السبب ، لسبب : لماذا نعطي ولا نُعطَى ! اي : إيمانه السابق كان إيمانا مصلحياً ، إيمانا بالمصلحة وليس ايمانا بالله . بمعنى ان الملحد من عجينة مصلحية اساسا .  
اقتباس: كما أنك لا تقدم شيئا ً للفقير بل تقدم بما أنعم الله عليك .. أي أنك وسيلة لمنح الفقير حاجته وليس الفقير كإنسان طرف أصيل في هذه المعادلة فأنت مكلف بالمنح وإن كان يبدو بالطبع بشكل اختياري ولكن لا يكون حال الفقير بذي أهمية في توجيه فكرك نحو العطاء لذا نجد الفقراء يستكينون لهذا المنهج الفكري ويطالبون الأغنياء بقولهم " لله يا محسنين " أو يقول " أعطني مما أعطاك الله " .
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع علِيم ) . سورة البقرة : الآية 261
( والذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهروهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) . سورة التوبة الآية 34 ـ 35

الرد: الاسلام فتح بابا للفقير على الغني ، ليعطي سؤاله وجها ادبيا ارفع من التسول ، وهو ان المال ليس مالي ولا مالك بل هو مال الله ، والله يبتليك به مثل ما ابتلاني بالفقر ، وهذا لعمري هو التكريم للفقير وليس اهانة له ! وحفظا لوجه السائل المضطر ، أما من يسأل ملحدا ، فانه يقول : اعطني من مالك انت الذي تعبت انت عليه ، بذكائك وقدرتك ، وما أنا إلا ضعيف لاجئ إليك ، اي الصورتين اجمل واحفظ لماء وجه السائل ؟

هي الحنيفة عين الله تكلؤها *** فكلما حاولوا تشويهها شاهوا

أن تطلب وأنت تملك وليجة ، خير من ان تطلب وانت لا وليجة لك . فالفقير الذي يطلب مساعدة من صاحب الشركة التي يعمل بها ، أحفظ لماء وجهه من ان يسأل من مدير شركة اخرى لا علاقة له به . لانه يوجد قاسم مشترك بينهما وهو خدمة هذه الشركة وان له يد مهما كانت قصيرة في تنمية مال الشركة . وهنا القاسم المشترك هو الايمان بالله .  
اقتباس: 
 هذه الرؤية تُصدر لنا بأننا أمام علاقة نفعية مرصودة ومأمولة فالعطاء والإنفاق أمامه سبعمائة حبة بل هناك مضاعفات أكثر من قبل الإله , أما الشح عن العطاء فسيجلب العذاب .. إذن نحن أمام تكليف وصفقات بينما يكون التعاطف مع الفقير في حد ذاته كمحتوى إنساني خارج المعادلة وغير وارد .

الرد: لماذا كل هذا ؟ اليس لاجل الفقير ؟ كيف غابت عن بالك ؟ هذا التشجيع والتحفيز ألا يعني الاهتمام بالشيء ؟ ما بالك تفكر هكذا ؟ إذا قلت ان دولة تعاقب من ينتهك حقوق العمال باي شكل من الاشكال ، ومستعدة لسجن شخص يحتجز جواز سفر عاملة قدمت معه وعلى مسؤوليته بثمان وعشرين سنة ، ستقول : أنه هكذا ترعى حقوق العمال !! 

ولكن يأتي الإسلام ويرعى حقوق الفقراء ليس فقط في التعذيب كما هو في السجن الطويل الغير انساني في مثال الدولة السابق والذي يقضي على شبابه بالكامل ويحرم اولاده منه ، بل بالتشجيع والمحافظة ، ثم تقول : انه يهمل الفقير !!! فيا لهذا المنطق العجيب المتناقض ! ويا للهوى العاصف للعقل من قواعده !! هكذا من يفكر بطريقة الكراهية : يقلب الحسن إلى سيء ، والسيء إلى حسن .

ولعلمك : أتحدى ان تحضر اي نظام او دين اعتنى بالفقراء والضعفاء مثل القرآن . القرآن يا عزيزي نظر إلى الحياة من خلال الضعفاء ، والمادية وكل المجتمعات والايديولوجيات تنظر للإنسان والحياة من خلال الأقوياء . وهنا روعة القرآن التي لا ينافسها احد ..

اقرأ لينتشه ماذا يقول عن الضعفاء والاقوياء وهو إمامكم . اقرأ عن الراسمالية وهل هي تنطلق من الغني او من الفقير ، وعن فكرة الداروينية الاجتماعية التي تبرر انسحاق الضعيف امام القوي ، والتي تعتبر ان الضعف عيبا يجب التخلص منه أو من اصحابه حتى يتكون المجتمع القوي . 

وللديموقراطية هل تنطلق من الضعيف والفقير ام من الغني قوي الحضور والاعلام والمال والاصوات الكثيرة ؟ حرّم الربا لاجلهم ، والزم بالزكاة لاجلهم ، وشجع على الصدقات لاجلهم ، وجعل كفارات الذنوب لصالحهم ولم يجعلها لمحمد ولا لرجال الدين ولا للمساجد ودور العبادة ولا حتى الكعبة ، بل انه يراعي خواطرهم حين قسمة اي مال يحضره الفقراء بأن يعطوا من اي مال يحضرون قسمته ..

ويذكرنا الله بقصة اصحاب الجنة الذين اقسموا ليصرمنها مصبحين ، وكيف عاقبلهم الله باحراق جنتهم لاجل منعهم للفقراء ، ويراعي حفظ كرامتهم ، القرآن هو محامي الفقراء في هذا العالم اللاهث وراء الاقوياء : ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) ، (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة : 79] ..

إن الله يسخر من الساخرين على صدقات الضعفاء ، ولا يسخر من فقير متبرع إلا نذل كامل النذالة ، ومغرور بغناه . بل ان بعض الفلسفات الغربية المادية يتطرف لى حد وجوب التخلص من الضعفاء اصلاً ، كما صرح بذلك نيتشه ، وكما طبقت ذلك النازية .

بل ان رد السائل بلطف افضل من اعطائه الصدقة تتبعها المنّة والأذى . هو الدين الذي يجعل الضعيف امير الركب ، وانظر عن كلامه في الوالدين ، لقد تكلم عنهما عند حالة الضعف وليس في القوة : (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ..إلخ) .. هي نفس العناية وجّهت للاسرى والمملوكين..

إذاً الاسلام الحقيقي (وليس المزيف) هو الدين الوحيد الذي ينظر للمجتمع اول ما ينظر من خلال الضعفاء ، لهذا لم اجد نظاما اخلاقيا يشفي او يروي حسّي الاخلاقي مثل الاسلام ، ولهذا انا مسلم ، البشر لا يستطيعون ان يعتنوا بالضعفاء لأن أعينهم دائما على القوة والاقوياء ، فيضيع الضعفاء بين الارجل ، لكن العناية الالهية لم تضيعهم ..

أنا وأنت وكل شخص نعرف المشاهير من الاقوياء والعظماء على مر التاريخ ، في الحاضر والماضي ، لكننا لا نعرف الضعفاء ولا نهتم بحفظ اسمائهم .        

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق