الأحد، 10 فبراير 2013

شعور الإنسان يريد معياراً ثابتاً للصواب والخطأ




الشعور ليس له معيار إلا الطبيعي , لأن الشعور يريد معياراً ثابتاً يدور حوله , وهذا المعيار الثابت الذي يرتبط به الشعور هو من أجل أن يستطيع الشعور تحديد موقعه , فالإنسان يسبح في بحر الحياة ولا يستطيع أن يحدد موقعه ويتخبط مع الموجات ومع الناس، وهذا ما يسبب الأحلام غير السعيدة والألم، مع أن العقل قد يرى أنه عمل كل ما يجب عمله , ولكن الشعور لا يعرف ما يعرفه العقل فهو يريد ثابتاً طبيعياً ليحدد أين مكانه وموقعه .


فتجد كثيراً من الشباب يحسون بالضياع مع أنهم يعيشون حياتهم بالطول والعرض ومع ذلك لا يجدون الراحة , مع أنهم يبحثون عن الإثارة والهروب من الألم إلى النوم أو الملاهي أو المخدرات , قال تعالى : {أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم} .


 الشعور لا يعرف أن المال أو المجتمع أو الناس أشياء ذات أهمية , ولكنه يريد أن يعرف هل هو على صواب أو على خطأ , وهذا من الخيوط الدالة على وجود الله لأن الشعور يبحث عن ربه وهو الفطرة السليمة، والفطرة لا تتبدل ولا تتطور ولا تتأثر بأي مؤثر وإلا لم تكن فطرة , لكن يستطيع صاحبها أن يتجاهلها مع وجودها كما هي مشترك ثابت عند الجميع {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} فالفطرة هي الشعور وهي تتزكى كلما ارتبط العقل بها وليس العكس؛ لأن العقل يرتبط بالعالم الخارجي.


  فعندما ينحرف الإنسان عن طريق الله فهو يحس بالضياع , وهذه معاناة أكثر الشباب في الغرب وهو الإحساس بالضياع، مع أن الغرب هم سادات العالم وأكثر الناس حرصاً على مصالحهم، ومع هذا لم يشعروا بالاطمئنان والراحة , مع أن البعض قد يفسر أن هذا الإحساس الذي يشعر به الشاب الغربي حصل لأسباب اقتصادية! .. فإن كان كذلك فلماذا لم يشعر به شباب الصومال أو فقراء الهند؟!


من لديه قضية معينة فإنه يشعر تجاهها بالضياع عندما لا يعرف موقع الصواب والخطأ تجاهها , فما بالك بمن يشعر تجاه حياته كلها بالضياع وعدم وضوح الصواب والخطأ , فعدم وجود المعيار الحقيقي الثابت هو ما يسبب الشعور بالضياع , فالشعور بالضياع قد يكون جزئياً وقد يكون كلياً , فالشعور بالضياع الكلي يكون في حالة الفوضى الداخلية كعدم الارتباط بدين وعدم الارتباط بأخلاق (وهو الأخطر على النفس) , فتخيل أنك إنسان تعيش للمتعة واللذة فقط عندها ستحس بمشاعر خانقة بعد النهاية من كل لذة , وستسأل: ما هدفي؟ وما سبب وجودي في الحياة؟ .. وهذه الأسئلة قد لا يفهمها العقل لأنها أسئلة شعورية , وقد تخرج هذه الأسئلة على شكل كآبات أو أمراض .


لهذا فالمنهج الطبيعي والفكر المستضيء بنور القرآن وهدى الإسلام هو الأكثر أماناً من ناحية الثوابت التي يفهمها الشعور , فالمنهج الطبيعي يبعد الإنسان عن كل المناطق التي تجعل الإنسان لا يعرف موقعه بالضبط , فالوساوس التي قد نشعر بها نجد أن المنهج الطبيعي يخبرنا أنها وساوس من الشيطان وليست من ذواتنا وفطرتنا, وهذا الوضوح أو الفهم يعطي الإنسان أمناً داخلياً قبل أن يكون خارجياً , لأن الرؤية غير الواضحة تسبب الخوف , فالمنهج الطبيعي وضح معنى التوكل ومعنى الخضوع لله ووضح المادية والتفكير المادي وما يسببه من شرور على البشرية , فأصبحت الحياة من خلال المنهج الطبيعي أسهل وأيسر .


الكلام العقلي لا يكفي ولا يقنع الإنسان حتى لو لم يستطع الرد عليه , وهذا يدل على فرق بين العقل والشعور ويدل على وجود الشعور وأن الإنسان ليس عقلاً فقط , فالشعور يريد أن يعرف الخط أو الطريق الذي يمشي فيه هل هو صحيح أم خاطئ ولا تهمه إجراءاتك العقلية , ولا نقصد بالشعور ما يسمى بـ "العاطفة" بل الأساس الفطري الصافي؛ لأن العقل هو الذي يثير العاطفة في أكثر الأحوال خاصة العاطفة المتطرفة كالتعصب مثلاً لأن العقل مرتبط بالمصلحة الخارجية .


  والعقل يتعامل مع الشعور بالخوف والرغبة , فإذا قال العقل للشعور بأن هذا أمر مخيف فإن الشعور سيخاف منه إلا إن كان من الأشياء التي يعرفها الشعور , فإن قيل لك بأن هذا الجهاز خطر فإنك ستخاف لأن شعورك لا يعرفه , بينما لو قيل لك أن هذا الإنسان مخيف وشعورك يعرفه فإنه لن يحصل هذا الفزع الذي حصل في حالة الجهاز الذي يجهله الشعور , وبذلك نعرف المجالات التي يؤثر فيها العقل على الشعور وهي المجالات التي لا يعرفها الشعور ولم يحتك بها , فإذا خوّفك شخص من أحد وأنت تعرفه ومع ذلك تقبل أنت هذا التخويف فهذا يعني أنك تكبت شعورك بحيث لم تأخذ تقييمه تجاه هذا الشخص هل هو مخيف أم لا ؟

 ومن يكبت شعوره ويمنعه من الاحتكاك بالأشياء فإنه كمن لم يعرف , فهو قد حرم نفسه من المعرفة الشعورية ولم يستفد منها وهي المعرفة الحقيقة، ولا معرفة إلا من خلال الشعور .


وأي إنسان يقدم معرفة مخالفة لمعرفة الشعور فإن الشعور يُسقطه هو ويُسقط رأيه حتى بالأشياء الأخرى ولا يثق به , وهذا يدل على أن المعرفة هي معرفة الشعور وإلا لما أسقطت رأيه في الأمور الأخرى أو صار رأيه محل شك على الأقل , فالشعور يأمر العقل بمتابعة أخطاء الذي يعترضون على المعرفة الشعورية فيبدأ العقل بدافع شعوري برصد أخطائهم , فالشعور يعرف جيداً أن البعد عن المعرفة الشعورية يؤدي للجنون.

  فالشعور يريد المعيار الطبيعي الحقيقي المبني على الفضيلة , وبدونه يحس بالضياع والضياع يؤدي للقلق والقلق ينتج الكآبة , وإذا ارتبط المعيار بشخص فإن الشعور يراقبه وينظر إلى رضاه .

هناك تعليقان (2) :

  1. دردشة دلع فلسطين اشكرك صراحا على شرحك المميز

    http://www.3oyooon.com
    http://www.dal3-pal.com/vb/

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف