الخميس، 15 يونيو 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان ابراهيم - الحلقة 3



(الدقيقة : 3 الثانية : 10) يقول الدكتور أن داروين ونظريته في التطور لا علاقة لها بالداروينية الإجتماعية.

الرد : بل لها علاقة، بل كل النظريات التفسيرية مبنية على التطور، سواء في الجيولوجيا او نشوء الكون كله، ونظرية داروين هي في فرع الحياة فقط. التطور اذن داخل في كل تفسير يقدمونه على شكل نظرية، حتى في الفن والمجتمع والاخلاق والحياة والجيولوجيا وتكون الارض والنجوم وكل شيء، لا توجد سوى هذه الفكرة.

هذه النظرية هي نظرية نادي إكس الذي روّج للانتخاب الطبيعي فور صدور كتاب داروين "أصل الأنواع" ، وكان أحد أعضائها كما ذكرنا سابقا الفيلسوف وعالم الاجتماع هربرت سبنسر الذي دعم الداروينية الاجتماعية و روّج لها في كتاباته. ثم ان الداروينية إذا حلّلتها هي نظرية عنصرية مثلها مثل بقية النظريات العنصرية في القرن التاسع عشر، لأنها تجعل الأفارقة هم الأقرب للأصل المشترك مع القرد, وهذا ينتج احتقارا و استعبادا, ولهذا استُعمرت أفريقيا واستُعبِدت, بل أقيمت حدائق بشرية ليتفرج المؤمنون بالتطور على الأصل الأول الأقرب للحيوان، و كانوا يضعون أفارقة وأستراليين أصليين في أٌقفاص كالحيوانات, و أحدهم (أوتا بينغا) الذي انتحر شعورا بالمذلة في حدائق الحيوانات البشرية في أمريكا التي أنتجتها الداروينية, مع أنه رب أسرة وله أربعة أطفال! فكيف يقول الدكتور أنها نظرية غير عنصرية ؟ التبرئة لا تكون بالكلام بل بالمنطق والاستدلال والواقع.

نظرية التطور جعلت العنصر الأوروبي هو الأعلى في سلّم التطور والأفريقي هو الأدنى, وبقية البشر يصارعون التخلف نحو العيون الزرقاء والجلود البيضاء المتطورة. وهذا ما قاله توماس هكسلي نفسه الذي يعظمه داروين ويعظمه الدكتور مع الأسف, حيث قال "لا يوجد رجل عاقل ومدرك للحقائق يعتقد أن الزنجي العادي يمكن أن يكون نداً أو متقدماً على الرجل الأبيض"! لا يُستغرب هذا من شخص عنصري تدعمه نظرية التطور العنصرية, التي تجعل الأفارقة في مرتبة أقل و تجعلهم الأقرب للأصل المشترك مع القرد, فماذا يرجى من نظرية عنصرية سوى خدمة الإلحاد القائم أصلا على البقاء للأقوى وبالتالي البقاء للعنصر للأقوى؟ وهي التي بنت النازية اساساتها عليها، بادعاء تفوق العرق الجرماني الالماني صاحب العيون الزرقاء على بقية الاعراق. اذن هي نظرية مؤثرة في المجتمعات والتاريخ ، ولكن آثارها سيئة.

نظرية التطور تنتج بناءا هرميا كما هو في الرأسمالية, فلا بد عندما تنظر إلى عرقين من الأعراق بنظرة تطورية أن يكون أحدهما متأخر أكثر من الآخر, إذن هي نظرية مرتبطة بحتمية العنصرية, لابد للمؤمن بها أن يفضل أجناسا على أجناس من البشر. فقط من يؤمن بالأصل الواحد هو الذي يستطيع أن يرى الناس سواسية وهو المؤمن بالخلق. كتاب داروين "اصل الأنواع" يشير إلى ذلك, فعنوان كتابه الكامل هو : "في أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي - أو بقاء الأعراق المفضلة في الصراع على الحياة", أي أن هناك أفضلية بين الأنواع, وبناء عليه هناك أفضلية بيولوجية بين الأعراق من نفس النوع, والعرق الأفضل طبعا عند داروين هو الأوروبي المتحضر. وعلى هذا الاساس قالوا بانقراض انسان النياندرتال كعرق منقرض بسبب عدم تفوقه. وكثيرا ما تكلم داروين عن الفارق الذي يراه هائلا بين العرق الأوروبي والأعراق الأخرى, فمثلا في كتابه "رحلة البيغل" الذي نشره قبل كتاب أصل الأنواع، يتحدث عن مقابلته لأناس "متخلفين" كما يصفهم في جزيرة تييرا ديل فويغو، يقول : "كان بلا شك أكثر مشهد إثارة للفضول والاهتمام رأيته في حياتي. لم أكن لأصدق هذا الفارق الشاسع بين الإنسان المتوحش والإنسان المتحضر. الفارق أكبر بكثير منه بين الحيوان المتوحش والحيوان المستأنس... [أعتقد] أنه لن نجد في كل العالم درجة أدنى من الإنسان."

أليس المتوحش هو من يغزو غيره ويأخذ أرضه ؟ أليس الأوروبيون هم من فعلوا هذا وليس السكان الأًصليين؟ لماذا يصفهم داروين بالمتوحشين أو الهمجيين؟ لماذا تُعكس الحقائق؟ كيف يسمى المسالم متوحشا والمعتدي المستعمر متحضرا؟ هذه نفس الفكرة العنصرية التي كانت عند اليونان حيث كانوا يقسمون العالم إلى يونانيين وبربريين, ونفس الفكرة العنصرية عند اليهود بقسمة الناس إلى يهود و جوييم. انظر كتاب نعوم تشومسكي الذي يكفيك عنوانه : "501 سنة.. الغزو مستمر.." فبعد سقوط الأندلس انطلق الغزو الأوروبي على العالم منذ خمسمئة سنة إلى الآن, ألا يعتبر هذا توحشا؟ هذا غير تحوُّل الفكر الأوروبي إلى المادية, أليست المادية توحشا ومخالفة للعواطف والروحانية والمشاعر الإنسانية؟

ويقول داروين واصفا السكان الأصليين لباتاغونيا في أمريكا الجنوبية: " ربما لا شيء من المؤكد أنه سيثير الدهشة أكثر من رؤية الإنسان البربري في مقطنه الأصلي في وضع هو الأشد دناءة ووحشية. أمر يجعل العقل يعود مسرعا للقرون الماضية ويتساءل: هل كان أسلافنا أناسا كهؤلاء؟ أناس تعابيرهم ورموزهم غير مفهومة من قبلنا أكثر من تعابير الحيوانات المستأنسة. أعتقد أنه من المستحيل وصف الفارق بين الإنسان المتحضر والإنسان المتوحش". داروين رجل كما ترى يتكلم عن هؤلاء السكان بكلام رديء جدا، بل ان الحيوانات المستأنسة يفهمها اكثر منهم ! أليست هذه عنصرية ؟ نعود لثناء الدكتور على داروين. هل ممكن ان يقال عن انسان يتكلم عن هذه الشعوب المسكينة المغلوبة بهذا الشكل انه اخلاقي و فاضل و و ؟ اين هي المساواة بين البشر ؟ هو لا يكاد يصدق بوجود مساواة بين البشر أو انه يمكن ان تكون هناك مساواة، ويرى الفارق هائل جدا بين هؤلاء الوحوش المتخلفين وبين الانسان الاوروبي الرائع المستعمر. هو يستعرّ من الاصل القردي لكنه يرميه على هذه الشعوب التي يرى انها متخلفة، وهي ليست كذلك. لا يوجد شعب متخلف اصلا ولا يوجد شعب بدائي، ولكنه لم يفهم لغتهم ولا ظروفهم، ستجد أن كل معنى لديك موجود عندهم، و ربما أخلاقيات لديهم تجدها افضل من التي عند اوروبيينك الراقين ! أليس السمو الاخلاقي هو معيار سمو البشر ؟ أم التقدم المادي مع الوحشية الاخلاقية ؟ هنا نقطة للبحث .

إن داروين يستفظعهم الى درجة كبيرة، بل يشببهم بالحيوانات، بل يجعل الحيوانات افضل منهم ! والسبب انه لم يفهم تعابيرهم، بينما يفهم تعبير الحيوانات المستأنسة ! أليس مثل هذا الكلام يصدر من انسان تجذرت العنصرية في داخله؟ هل العنصري يوصف بأنه اخلاقي ام متكبر وظالم؟ الدكتور يلتمس لعنصرية داروين الاعذار بأن الفكرة العنصرية كانت شائعة في ذلك الزمن، اذن اين تميزه الاخلاقي؟ وهنا نعود للأصل : ليس هناك صمام أمان للاخلاق الا بالدين الصحيح.

ألا يعلم الدكتور عن هذه العنصرية الصرفة عند داروين وهو الذي قد قرأ كتابه ويعرف حتى متى يأكل داروين ومتى ينام؟ لماذا لم يذكرها؟ لا أحد يتمنى أن توصف بلده أو قبيلته بهذه الصفات المهينة! داروين يدعي أنه يفهم تعابير الحيوان أكثر من تعابير هؤلاء البشر الذين يصفهم بالبرابرة, هل أحد يصدق هذا الكلام؟! كثيرٌ من الرحالة زاروا القبائل التي لم تعرف المدنية الغربية وتعيش كما كان يعيش أسلافها وأثنوا على أخلاقهم وتعاملهم. لماذا داروين أكثر من أولئك الرحالة عنصرية؟ داروين جعل سكان باتاغونيا أكثر دناءة من الحيوان, هل بعد هذا عنصرية؟! أرجو ألا يُعذِّر له الدكتور بأنه عاش في فترة راجت فيها العنصرية, نحن نتحدث عن عالِم يقول الدكتور أنه غاية في النزاهة والرحمة والأخلاق والحيادية والموضوعية, وإذا كان يرشحه لدخول الجنة بسبب أخلاقه فكيف سيغفر له عنصريته؟ هذا غير أن داروين صار لا أدريا بعد ما كان مؤمنا، أي ألحد بعد إيمان, ومع ذلك مرشّح لدخول الجنة من قبل الدكتور! وإذا كانت العنصرية موضة في زمنه، كيف إذن يُميَّز بنزاهته عن أبناء زمنه؟ وعنصرية هكسلي خرجت منه رغما عنه دلالة على أصالتها في نفسه، لأنها خرجت في كتاب يدافع به عن حقوق العبيد, وهذا ما يثير العجب، فهذا العالم المدافع عن حقوق السود لا يصدّق أن أسوداً يتفوق على أبيض في الذكاء يوما من الأيام! هذا يدل على تجذّر الروح العنصرية في أصحاب هذه النظرية, لأنه كما يذكر المؤرخون أخذت العنصرية صبغة أكثر علمية وتأصيلية وصارت مبرّرة بإسم العلم بعد كتاب داروين عن أُصل الأنواع, على اعتبار أن الانتخاب الطبيعي انتخب العنصر الأوروبي, أي خلط الأمور ببعضها, فإذا انتصر فريق البرازيل مثلا وأخذ كأس العالم عدة مرات علينا أن نقول أن البرازيليين تطوروا أكثر من الأوروبيين وانتخبت الطبيعة منتخبهم! مع أن اللعبة ظهرت في أوروبا، أي تفوقوا على الإنجليز شعب داروين أرقى الاوروبيين و هم جُدد على اللعبة! وهكذا نعرف سخافة هذه النظرية. نظرية التطور ما هي إلا قاعدة أو جذر لنظرية الرأسمالية والبقاء للأقوى, فإذا كانت الرأٍسمالية تمثل هرما، فالتطور يمثل هرما مقلوبا, والجذر يغذي الرأس, أي كأن الرأسمالية مثلث إلى فوق والداروينية مثلث إلى أسفل, فمن الكائن الحي وحيد الخلية تتطور الأنواع ويأخذ الهرم بالاتساع حتى تصل للإنسان, ثم يبدأ الهرم يضيق حتى تصل للرأسمالية البيضاء و مخ أينشتاين!  

و يقول داروين في رسالة لتشارلز كينغزلي: "راودتني فكرة -حين رأيت لأول مرة في تييرا ديل فويغو ذلك العاري والمرتجف والمتوحش القبيح- أن أسلافي لابد أنهم كانوا كائنات مشابهة له, لقد كانت بالنسبة لي فكرة منفرة بل أكثر تنفيرا من اعتقادي الحالي أن وحشا مكسوا بالشعر كان سلفا لي في الماضي الأبعد بكثير. القرود فعلا لديها قلوب طيبة". أوصاف بشعة يسبغها داروين على بشر مثله، بينما يصف القرود بالقلوب الطيبة! أي نظرة معكوسة هذه؟ بل أي عنصرية قبيحة هذه؟! اين اخلاقه التي يتغزل الدكتور بها ورشحه بناء عليها للجنة و اعطاه صك غفران؟ إنه يتكلم عن بشر موجودين و زارهم وربما رحبوا به وأكرموه كما يذكر الدكتور انه ذات مرة اخذ عظام حيوان أكله عندهم و ارسله لبريطانيا، أي ارسل بقايا من كرمهم، وقدم لهم بدلا من كرمهم هذه الالفاظ القبيحة. هل هذا اخلاق ؟ المفترض أن يراهم إخوانا له في البشرية والإنسانية, حتى لو لم يكونوا بمثل مدنية الإنجليز وملابسهم و موضاتهم. مرة يفضل عليهم الحيوانات المستأنسة ومرة يفضل عليهم القرود! هذا هو داروين الطيب النزيه وارث الجنة كما يصفه الدكتور!

ويقول داروين في كتابه "نشأة الإنسان" : "في المستقبل غير البعيد بمقياس القرون, فإن الأعراق المتحضرة من الإنسان سوف تبيد, بشكل مؤكد تقريبا, وتحل محل الأعراق غير المتحضرة في جميع أنحاء العالم. وفي نفس الوقت وكما علق الأستاذ سكافهوزن, فإن القرود غير المذيلة الشبيهة بالإنسان سيتم القضاء عليها بلا شك. وعندئذ ستتسع الهوة بين الإنسان وأقرب أقربائه, لأنها سوف تقع فيما بين الإنسان وهو في حالة أكثر تحضرا, كما قد نأمل أن تصل إلى أكثر من تحضر العرق القوقازي (الأبيض), وبعض من أنواع القرود متدنية المستوى كالبابون, بدلا من الموجودة حاليا بين الزنوج أو الأستراليين الأصليين والغوريلا". إذن هو يؤصل للتطهير العرقي ! مع أن القرود لم تَبِد من قبل الإنسان, هو يُحيل على المستقبل كعادة الداروينيين "غير البعيد جدا بمقياس القرون" حسب ركاكة تعبيره الذي يجمع بين التأكيد والاحتمالية بالجملة الواحدة, من مثل قوله: "ربما من المؤكد" أو "بشكل مؤكد تقريبا"! لو كانت النظرية صحيحة لكانت القرود قد فنيت ما دام المتطور يقضي على غير المتطور! بل لكانت الحيوانات الأدنى انقرضت! وحسب نبوءات داروين سيفنى الزنوج وتخلو القارة السوداء من سكانها ليحل محلهم القوقازي سيد الأعراق الذي سيكون أكثر سكان الأرض بعد أن يفني كل الملونين! ربما هذا ما شرّع للاستعمار على أنه حتمية طبيعية, وارتباط النازية بالداروينية معروف وكذلك ارتباط الستالينية بها.

 الطبيعة ليست كما تعرضها نظرية التطور، فالضعيف والقوي يعيشان جنبا إلى جنب, هذا إذا جاز تسميته بقوي أو ضعيف، لأنها تسمية رأسمالية غبية, فهل الفيل أقوى من الفأر؟ بماذا أقوى ؟ هل في الاختباء أو السرعة أو في التكاثر أم ماذا؟ في العضلات فقط؟ الطبيعة لا يوجد فيها قوي ولا ضعيف, لأن القوة موضعية و زمانية, ففي موقف وظروف يكون الأسد أقوى من البعوض و في مواقف وظروف اخرى تكون البعوضة أقوى وهكذا..

و يقول داروين في رسالته للعالم ويليام غراهام: "أستطيع أن أبين أن الصراع على الانتخاب الطبيعي قد قدم ولا زال يقدم في سبيل تقدم الحضارة أكثر مما تميل للإقرار به. وتذكر الخطر الذي مرت به أمم أوروبا قبل قرون قليلة من أن يستولي عليها الأتراك, وانظر كيف أن هذه الفكرة سخيفة الآن! الأعراق الأكثر تحضرا والمسماة بالقوقازية تغلبت على الأتراك في الصراع على البقاء. وبنظرة للعالم في المستقبل غير البعيد جدا, يالها من أعداد لا تحصى من الأعراق الأدنى سيتم القضاء عليها من قبل الأعراق الأعلى المتحضرة عبر العالم." ما فرق هذا الكلام المتوحش عن كلام نيتشه أو هتلر؟! كل هذا لا يعلم به الدكتور ؟ هل هذا يعقل؟ هذا إضافة لسطحية التفكير, ففي الحروب الصليبية هزم المسلمون الأوروبيين "القوقازيين المتطورين.." كلهم, ثم عادوا وهزموهم فيما بعد, نسي داروين أن التاريخ كرّ و فرّ, والحضارات قد تغيب عن بلد ثم تعود إليه، والقوة ظرفية وموضعية وليست مطلقة. وهل نسي فترة العصور الوسطى الطويلة؟ أين هي في سلم التطور؟ وأين العرق الدسّاس المتطور لينقذ الأوروبيين من عصر الظلام الذي امتد لأكثر من ألف سنة؟ بين أوروبا أيام الرومان ثم العصور الوسطى ثم العصر الحديث, فتطورت ثم ضعفت ثم تطورت, وستضعف مرة أخرى, مما يعني أن فكرة التطور للأمام فقط كما يطرحها الداروينيون خطأ. هناك ارتفاع وهناك انحطاط بما يسمى بالمنحنى الطبيعي, الذي لا يؤمن به الداروينيون، فيرون كل شيء يسير إلى أعلى, مثل تجارة الرأسماليين, مما يعني أن أصحاب الفكرة رأسماليون ينظرون للعالم من خلال عالم التجارة, وهذا من الأخطاء الواقعية والمنطقية على هذه النظرية, كل شيء عندها إما أن يتقدم للأمام أو يمضي إلى الوراء و العدم, كل شيء يبقى ويستمر أو يفنى, والواقع والتاريخ ضد هذا الكلام في أكثر أحواله. كان العرب أساتذة الغرب ثم صار الغرب أساتذة العرب. داروين متفائل جدا بعرقه أنه يتقدم إلى الأعلى دائما وليس عليه آفات لأن الطبيعة انتخبته, ناسيا الانتكاسات الحضارية التي مرت على كل الحضارات, وناسيا أن شمس الحضارة تتنقل عبر التاريخ, ولا يستمر مشعلها بيد أحد لوحده لأجل بياض جلده!

ثم ما هو الفرق العرقي بين الأتراك والأوروبيين؟ لا يوجد فروق واضحة! الأتراك أقرب للقوقاز من أوروبا الغربية! لون البشرة متقارب, والأوروبيون أنفسهم ليس لون بشرتهم واحدا, فسكان جنوب أوروبا أكثر سمرة وسوادا في الشعر من سكان شمال أوروبا, والكل يسمى عرقا أبيض! هل هذا كلام علمي أم كلام صالونات تجميل؟! كلام سخيف. إذن مرض البهاق هو قمة التطور إذا كان بياض البشرة مقياس تطور ! كل الأفكار العنصرية سخيفة بهذا الشكل, فكيف يبنى عليها علما أو ينتظَر منها؟ الحمار الابيض اكثر تطورا من الحمار الاسود او حمار الوحش بناء على هذا المنطق المُبْيَض.

وبالمناسبة, اللون الأبيض هو لون أساسي في الألوان, فاللون الأبيض والأسود هما أساس الألوان، وبالتالي ليس الأبيض قمة في الألوان بل هو الأساس, وبالتالي الأعراق الملونة متطورة عن اللونين إذا جارينا هذه العقلية, وحسب النظرية اللونية ستكون الأجناس السمراء والصفراء هي المتطورة! التلفزيونات والكاميرات المتطورة مثلا هي التي تجاوزت مرحلة الأبيض و الأسود! وحسب تفكيرهم بما أن هذان اللونان هما الطرفان, الأبيض كلما اقتربنا من القطب والأسود كلما اقتربنا من خط الاستواء، إذن سيكون ما بينهما متطور منهما! مثلما يخلط الرسام الألوان, إذن الأبيض والزنجي حصل التطور بعدهما! وهكذا ينقلب السحر على الساحر! لأن الأبيض والأسود هما الشكل البدائي للألوان حسب تفكير نظرية التطور اللونية الداروينية العنصرية!

العنصر الأبيض تقاتل مع بعضه في حربين عالميتين ولم يقاتل أعراق أخرى بل قاتل نفسه (بياض في بياض!), دون أن تحصل أي نتيجة، وهذا يثبت خطأ توقعات داروين. ألمانيا المهزومة دخلُ الفرد فيها أعلى من دخل الفرد في إنجلترا المنتصرة. ألا يعرف أن الصراعات والحروب وحسمها مرتبط بمؤثرات كثيرة وظروف مثلما نرى في مباريات كرة القدم, فمرة ينتصر ذلك الفريق ومرة يهزم ومرة يعود لينتصر, و في العادة كل بلد فيها فريقان متنافسان دائما لم نسمع عن اندحار أحدهما إلى مزبلة التاريخ أو تحول إلى حلقة مفقودة أو أحفورة رياضية! أمريكا يسمونها سيدة العالم مع أنها تشكيلة من شعوب العالم وليست من عرق واحد, وهذا بحد ذاته ينسف كلام داروين, بل تتفوق على أوروبا ذات العرق الأكثر صفاء وقوقازية! وأكثر علمائها من العقول المهاجرة الملونة من كل العالم وليس من أوروبا فقط! إذن نظرية داروين بُنيت في فترة ازدهار العنصرية، لهذا تصنف من النظريات العنصرية ويُعتمد عليها كأصل للاستبداد الغربي والاستعمار و حدائق الحيوان البشرية.

إذن كل تطوري عنصري، شاء الدكتور أم أبى ، أو غيره من التطوريين, مهما زكّى الدكتور وغيره التطوريين فهم يزكّون عنصريين, وعليه أن يعترف بهذه الحقيقة التي يحتـّمها الإيمان بالتطور, وبالتالي الجنس الأبيض هو في أعلى سلم التطور البشري لأنه تفوق على بقية الأجناس ماديا, هكسلي الذي يثق به داروين ويثني عليه، انظر ماذا يقول: "لا يوجد رجل عاقل ومدرك للحقائق يعتقد أن الزنجي العادي يمكن أن يكون نداً أو متقدماً على الرجل الأبيض. وإذا  كان هذا صحيحا, فإنه -حين تزال كل معيقاته, وقريبنا ذو الفك البارز لديه ميدان عادل ولا أفضلية فيه لأحد ولا قهر- لا يمكن تصديق أن الزنجي سينجح في المنافسة مع نده ذو الدماغ الأكبر والفك الأصغر في صراع يقوم على الفكر وليس على العض." انظر كيف يحتقر الزنوج محرر الزنوج التطوري هذا! صراع العض!

لماذا سمّوا هكسلي "بول دوغ" (كلب) داروين؟ لأنه كان المتحدث الرسمي باسم شخص معتزل وربما متوحد لأربعين سنة, وبالتالي ما يقوله هكسلي له علاقة بداروين من قريب أو بعيد. و هكسلي يمثل داروين إلى حد كبير, وعلينا أن نعرف داروين من هكسلي البول دوغ, وداروين يعرف ماذا يقول هكسلي ولم يمنعه, إذن هو راضي. وهكسلي وأمثاله يقولون ما يستحي داروين أن يقوله أو يخاف أن يقوله, وما أكثر الداروينيين العنصريين الذين بنوا عنصريتهم على نظرية داروين, وكثير منهم كانوا أكثر جرأة منه, مثلا هنري فيرفيلد أوزبورن الذي كان رئيس المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي وعالم أنثروبولوجيا تطوري في بداية القرن العشرين قال في مقالة له: "مستوى الذكاء للزنجي البالغ العادي هو مماثل لمستوى ذكاء فتى من الهوموسابيينز "الإنسان العاقل" عمره 11 سنة". ومثال آخر ما قاله عالم البيولوجيا الأمريكي إدوين كونكلين : "إن مقارنة أي عرق حديث مع أنماط النياندرثال والهيدلبيرغ تظهر أن ... الأعراق الزنجية تشبه الأسلاف أكثر من الأعراق البيضاء والصفراء, وأي اعتبار لهذا الأمر سيقود المؤمنين بتفوق العرق الأبيض أن تعمل جاهدة للحفاظ على نقائها وأن تؤسس وتحافظ على الفصل العنصري". هنا يتضح الارتباط الوثيق بين سياسة الفصل العنصرية ونظرية التطور. لهذا التسبب تمسك العنصريون بجنوب افريقيا بعنصريتهم الى آخر رمق، إلى أن تفوق عليهم الأسود مانديلا.  

(الدقيقة : 7) يحامي الدكتور عن داروين ويهاجم معارضيه ويعيّر احدهم بأنه عاجز جنسيا.

الرد : الدكتور يكيل المدح لداروين حتى في نواقصه! فهو لا يفهم في الأدب ولا في الموسيقى ولا في الشعر ويجعلها الدكتور ميزة أنه رجل علم! لماذا لم يقل ذلك عن كارلايل، بأنه لم يقرب زوجته لأنه رجل علم ومشغول بالكتابة؟ لو كانت هذه الصفة "الضعف الجنسي" في داروين لسجلها الدكتور ميزة تدفع الى الانصراف إلى العلم! الدكتور وضع نفسه خليفة لهكسلي في الدفاع عن داروين وتمجيده.

تصلُّب الإحساس يحدث في العادة كلما أوغل الإنسان في الخطيئة والافتئات أو شبهة الخطيئة, فيفقد إحساسه: {قالوا قلوبنا غلف}.

الإبداع في أي مجال لا يأتي من متحجّرين, لأن الإبداع يأتي من الإحساس والشعور, وليس ممن شعوره مغلق وعقله مغلق, إلا إذا كان يخدم أيديولوجية تموّله وتجهّز له كما حصل مع داروين. وشيء عجيب أن يكون الإنسان فاشلا في كل شيء ومبدع في شيء واحد! هذا لا يكون. انظر إلى العظماء كالبيروني و دافنشي والفارابي وغيرهم، نجدهم قد أخذوا من كل شيء بطرف, و لهم باعهم الطويل في الفن والموسيقى والرسم والأدب إضافة للعلم. أما شخصية داروين فلا تتجسد فيها شخصية العالم بل هي فشَل منذ دراسته الابتدائية, و لم نجد له إلا بضعة كتب مدعومة وبعدها لم يعد له نشاط يفرض نفسه، بل اعتزل الاختلاط بالناس لأربعين سنة .  وهذا يجعلنا نشك في هذه الشخصية أنها شخصية مصنوعة ولم تصنع نفسها بنفسها، وإلا لظهرت ابداعاتها كما نجد عند العباقرة والمبدعين. كل الناس يعرفون أن العباقرة مبدعون في كل مجال, فكيف يكون داروين استثناء؟

(الدقيقة 12) يذكر الدكتور ان داروين كان لا يقرأ إلا الصحف اليومية وبعض الابحاث العلمية، ولم يكن مهتما بالأدب والفنون لأنه يريد أن يتفرغ للعلم.

الرد : شخص كداروين لا يقرأ إلا الصحيفة اليومية وبعض الأبحاث العلمية هذه صفة إنسان عامي جدا, فمعروفة الاهتمامات التي تدور حولها الصحف اليومية. وهذا يدل على ان عزلته ليست اختيارية، لأنه يتابع الصحف اليومية أي يتابع اخبار المجتمع وما يكتب عنه. أليس في هذا ضياع وقت والعلم اثمن من الصحف اليومية؟ وما دام يحب العلم لماذا لا يقرأ في كل مجالات العلم؟! إذا تنازلنا مع الدكتور أنه ترك الفن والأدب لأجل العلم! لا يقرأ في الأدب ولا يقرأ في العلم ولا يحتك بالناس, فكيف يستزيد؟

ثم هو لم يترك الفن والأدب من نفسه حتى يتفرغ للعلم كما يؤول الدكتور, بل هو يشتكي من فقدانه للإحساس الجمالي ويقول أنه يحاول أن يقرأ لشكسبير لكنه فقد تذوقه. إذن هي حالة نفسية وليست قرارا بدافع العبقرية!

 (الدقيقة : 12 الثانية : 30) يذكر الدكتور ان داروين كان يمزق الكتب التي يقرؤها إلى أجزاء ويمزق الصفحات التي لا يحتاجها ويبقي على ما يحتاج.

الرد : كونه يمزق صفحات الكتب التي يرى أنه لا يحتاجها الآن فهذه ليست ولا صفات باحث, فالباحث يقدر قيمة مراجعه ويعلم أنه قد يحتاج لها في يوم ما ولا يتخلى عنها ويمزقها!

(الدقيقة : 17 الثانية : 40) يواصل الدكتور كلامه عن فشل داروين في عدة مجالات منها الفلسفة والمنطق والفنون والماورائيات.

الرد : أليست الأمور مترابطة و فهم الشيء يحتاج إلى فهم كل شيء؟ هذه صفات نقص في شخصيته العلمية و ليست صفات قوة. و العجيب أن هذا النقص الحاد لن نجده عند غيره من العلماء إلى هذا الحد. كيف يكون عالما بمجال وهو لا يكاد يعرف أي مجال آخر؟ ويعرف شيء وهو لا يعرف أي شيء؟

 (الدقيقة : 19 الثانية : 50) يذكر الدكتور ان داروين لاحظ وجود علاقة بين البيئة وشكل الاعضاء في الكائنات الحية.

الرد : في رأيي, العلاقة بين البيئة والجسم هي التي ضلّلت الداروينيين, جعلتهم يظنون أن البيئة هي التي حوّرته إلى هذا الوضع حبًّا فيه ورحمة به! هذه الفكرة هي التي ضللتهم, لأنه إن وجدت تفسيرا لشيء لن تجد تفسيرا لشيء آخر, وبما أنك وجدت تفسيرا لـ"صالح" لن تستطيع أن تجد تفسيرا لـ"ضد", مثلا يعتقد التطوريون أن الانتخاب الطبيعي هو الذي اختار الدب الأبيض من بين بقية الدببة الملونة لكي يبقى في منطقة القطب ويتناسل لأن لونه يخفيه ليموّه على الطرائد ليقترب منها. مع أن هناك سؤال بسيط, هل الانتخاب الطبيعي لصالح الكائن الحي نفسه أم لصالح الكائنات الحية الأخرى التي قد تكون أعداء له؟ هم مع الدب وسنواصل معهم, جعلته البيئة أبيضا حتى يموّه على الطرائد ولا تكتشفه بسهولة, وهكذا الانتخاب الطبيعي وقف في صف الدب ضد الفقمة وعجل البحر ذوات اللون الداكن! لماذا لم تنقرض هذه إذن؟ نستطيع أن نفترض لو أن لونه غامقا أيضا لاشتبهت عجل البحر أنه من أفراد القطيع فاقتربت منه مسافة كافية لصيدها, خصوصا ان شكله و وزنه يشبه شكل و وزن الفقمة، أما بياضه فيجعله مميزا عنهم!

ثم تعال فسّر لي لماذا القطط بعضها أبيض وبعضها أسود وبعضها أحمر..إلخ؟ لماذا الانتخاب الطبيعي لم يعطها لونا واحدا يتناسب مع البيئة؟ مع أنها وبنفس هذه الألوان المختلفة نجدها تعيش في بيئة واحدة! وكذلك الخيول وغيرها, ولماذا بعض الأغنام في الجزيرة العربية سوداء وبرأس أبيض؟ بينما الأغنام الصومالية بيضاء برأس أسود؟ ما قيمة سواد الرأس أو بياضه؟ ولو كان الدب القطبي لونه أسود لقالوا أن البيئة جعلته أسود لأن اللون الأسود يمتص الحرارة فيعطيه الدفء!   

تأثير البيئة على جسم الكائن الحي من أهم ركائز نظرية التطور, فمنها يقولون مثلا أن الأفريقي صار لون جلده أسود بسبب تأثير الشمس, مع أن الأفريقي يعيش في خط الاستواء الذي تعيش عنده شعوب كثيرة ليسوا بمثل سواد الأفارقة مثل الأندونيسيين! الحقيقة أن الكائن الحي مخلوق ليتلاءم مع البيئة ويساهم في توازنها وليست البيئة هي ما صنعته, وإلا فما مصلحة الجمل من بناء هذا الجسم الكبير ليكون واحدا من أضخم الحيوانات مع أنه في بيئة صحراوية قاحلة؟ مع أنهم يقولون أن الأفاعي في الصحراء أصغر حجما من التي في الغابات بسبب أنها تعيش في صحراء, لكن لماذا لا يطبق هذا على الجمل؟

ثم كيف للبيئة الصحراوية أن تجعل النخلة تنتج تلك الثمار شديدة الحلاوة لدرجة أنها حلاوتها أعلى من كل الفواكه التي تنبت في البيئات الخصيبة؟ لاحظ أنها تتركب من سكريات بسيطة حتى تُهضم بسهولة وسرعة من قبل الجائع الذي يحتاج دماغه للسكريات, هذا يشير إلى  تسخير و رحمة إلهية تخدم التوازن وليس نتاج بيئة عمياء. وانظر أيضا إلى التكامل بين التمر الذي تنتجه النخلة والحليب الناتج من المواشي كالجمال والاغنام, فالتمر والحليب غذاء متكامل، فما ينقص من التمر يكمله الحليب والعكس, و لا شيء يبرّد حرارة التمر على المعدة مثل الحليب, ليصنعا غذاء متوازنا بشكل عجيب للإنسان الساكن في الصحراء, هذا التوازن الذي يفسره التطوريون كعادتهم بقول : صدفة!

كيف صنعت البيئة الصحراوية النخلة والجمل؟ هذا الجمل الذي يحمل الكثير من اللحم والشحم والوبر والحليب كيف يخرج من صحراء؟ والبيئات الخصيبة الماطرة لم تخرج سكريات مثلما أخرجت النخلة, كيف تم هذا؟ ولاحظ أن شدة حلاوة التمرة يجعلها لا تتعفن بسرعة مثل الثمار في المناطق الخصيبة. لولا وجود الحليب والتمر لما عاش أحد في الصحراء, ففي الصحراء ينتج الحضر التمر وينتج البدو الحليب ويتبادلونها بالتجارة في الصيف.

هناك قسمة عادلة وتوزيع في الطبيعة كما قال تعالى: {وقدّر فيها أقواتها} وليست المسألة اعتباطية وعبثية, لو كانت هناك ظروف تطور لما كانت النخلة في الصحراء و لكانت تنمو في بيئات ممطرة, ومن كثرة ما تتغير النباتات وتتطور يخرج فيها نبات مثل النخلة, فالمنطقي بناء على فكرة التطور أن تكون أكثر فاكهة فيها سكريات موجودة في البيئات المطيرة وليست في الصحراء, بل إن النخلة تعيش على مياه مالحة في العادة تبعا للتبخر في الصحراء!

والجمل حيوان ضخم وأليف ومطيع ويتحمل الجوع والعطش ويُستعمل في النقل والسفر وإخراج المياه, فهذا مخلوق مسخر برحمة الله وليس صدفة.

ولماذا تخرج أجمل الخيول وأفضلها من الصحراء؟ لماذا تكون أجمل الخيول؟ لماذا لم تكن الخيول الأوروبية هي أجمل الخيول حيث أنها في بيئة أكثر خصبا؟ 

تكيّف الكائن الحي مع البيئة ينظر له بعض التطوريين نظرة خاطئة, فيظنون أن التكيف الذي يحصل للكائن الحي في فترة حياته القصيرة يمكن أن يورث, وعلى مدى آلاف السنين يمكن أن ينتج نوعا جديدا, لكن تكيف أجسام الكائنات الحية لا يورث لأبنائها, فمن صور التكيف عند البشر مثلا أن جلد الكف يكون عليه طبقة خشنة مع كثرة العمل والاحتكاك بشيء خشن, ولو افترضنا عمالا دائمي العمل فالمفترض أن يولد أبناؤهم بجلود خشنة بأيديهم ما دام التكيّف يورّث, ولألغيت عبارة "منذ نعومة أظافره"! لماذا صار جلده مثل جلد والده بينما لم يأخذ خشونة يده مع أن كلها تكيفات؟

الهجرة موجودة في الطبيعة, وهي تنفي فكرة القدرة على التأقلم وليست في صالح نظرية التطور أبدا، لذلك لا يتكلمون عنها كثيرا, فلماذا تهاجر أكثر الحيوانات والطيور بل حتى الاسماك وهي تستطيع أن تتكيف؟ التكيف من صفاته أنه مؤقت ولا يورث, فحين تتمرن تكبر عضلاتك لكن حين تترك الرياضة ترجع لوضعها, وأبناء الرياضيين لا يولدون بعضلات ضخمة, ومشلول القدمين عادة تكون ليديه قوة هائلة لكن هذا لا يورث لأبنائه.

داروين يذكر أن في المناطق الجبلية يكون البشر ذوي رئة أكبر واستشهد بدراسة على هذا, لكننا نرى أن اليمنيين مثلا بالرغم أنهم في مناطق جبلية إلا أن أجسامهم صغيرة نسبيا. ثم لماذا الأسكيمو لم تتكيف أجسامهم مع البرد رغم السنوات الطويلة والقرون المتواصلة ولم ينبت الشعر على جلودهم؟

(الدقيقة : 23) يواصل الدكتور كلامه في الدفاع عن داروين ومهاجمة معارضيه وتعييرهم وممارسة الشخصنة عليهم.

الرد : كل معلومات الدكتور عن داروين ليست من أطراف محايدة فضلا عن معارِضة, إما كتبها داروين يتحدث عن نفسه أو ابنته أو ولده أو هكسلي! وهذه ليست منهجية علمية في تقييم شخصية تاريخية, المفترض أن تُنوَّع المصادر خصوصا والمتحدث شخص أكاديمي يحمل شهادة دكتوراه علمية ويعرف أصول البحث وليس شخصا عاميا فيُعذر, والمفترض أيضا أن تؤخذ حتى آراء منتقديه في شخصيته وآرائه حتى تتضح معالمها حقيقة. الدكتور يطعن في التاريخ الشخصي لمن خالفوا داروين ولا يقدم انتقاداتهم, فعلا هو على منصة الدفاع والمحاماة ومحامي دفاع لداروين, مثلما طعن في كارليل وفتزروي, بدلا من أن يرد اتهاماتهم اتجه إلى شخصياتهم ووصف أحدهم بالجنون والتعصب والآخر بالعنصرية وتأييد العبودية والعجز الجنسي! جاعلا من ذلك العجز الجنسي تهمة و قدحا, دون أن يذكر ماذا قالوا, و هم شهود عاصروا داروين. مع ملاحظة ان الدكتور يعيّر كارلايل بالعنصري ولا يعيّر هكسلي العنصري ايضا بها، بل حتى داروين نفسه، فيحتج لعنصرية داروين انها موضة في زمنه ولا يحتج بها لكارلايل، مع أنهما في زمن واحد.

الثناء على داروين ـ من قِبَل الدكتور ـ يدور كله حول التزكية والتنزيه والبراءة, أي أنه بعيد عن الكذب, هذا يدل أن النظرية محتاجة إلى الثقة بروادها وليست نظرية علمية تقف على قدميها, لهذا الداروينيون - وليس فقط الدكتور - يحاولون أن يجعلوا من داروين ما يشبه النبي بزكاته و نقائه وصدقه وبساطته وبراءته حتى يكون أبعد عن الكذب, وليصدق الناس بموجب الثقة والتزكية, وما دام العقل وحده لا يكفي للاقتناع صارت النظرية بحاجة لمثل هذه التزكيات المتكررة لإعطاء الثقة بما سيأتي .. وإذا كان الأساس (داروين) طاهرا ونقيا وزكيا فهذا يعني تنزيها لمن بعده من الداروينيين. و رأينا مصادر هذه التزكية أنها إما داروين نفسه أو ابنه أو ابنته أو هكسلي, أو نسمّيه (مَشَّاطتُه هكسلي) ألطف من وصف الانجليز له بالكلب.

مثل هذه التزكية لا يحتاجها عالم آخر مثل ما يحتاجها داروين, لأن العالِم الحقيقي علمه يتكلم عنه ويشهد له بنزاهته, بل إن علمه ينسّيك شخصه, أما داروين فنلاحظ التركيز على الشخص أكثر من العلم, تماما مثل أينشتاين. الناس يعرفون كيف يستخدمون الكهرباء والأجهزة الطبية لكن قليل منهم من يعرف حتى أسماء العلماء الذين وضعوا علومها وجربوها وقدموا نظرياتها, ما بالك أن يُقدَّم مثل هذا الكلام الطويل عن شخصية داروين وتزكيته في ثلاث حلقات!

(الدقيقة : 28) يواصل الدكتور ثناءه على داروين من خلال ما ذكر ابناؤه عنه ، وكيف انه يعامل الخدم بأسلوب لطيف جداً.

الرد : بعد هذه المقدمة الطويلة والثناء العاطر على داروين يجب أن تكون الداروينية حقيقة..! وهذا هو غاية هذا الإسهاب. لكن لا نجد مثل هذه المقدمات عن نيوتن مثلا مع أنه قدم علما حقيقيا أكثر مما قدم داروين, و له قوانين باسمه, لكن أين هي قوانين داروين؟ ومع ذلك التركيز على شخصية داروين وتزكيتها من الكذب, لماذا؟ هذا هو السؤال ..

(الدقيقة 36) لا زال حديث الدكتور متواصلا عن أهل بيت داروين وما قالوه عن أبيهم.

الرد: كأن الدكتور يعرف عاطفية العرب والمسلمين ويريد أن يسوّق لداروين و آل بيته الأطهار, ذلك البيت الذي تسكنه ملائكة وليس بشرا ! بعبارة أخرى : صدِّقوا ما يقول داروين, ولو كان من يتكلم عنه الدكتور نبياً لما استغربنا ..

(الدقيقة : 36 الثانية : 15) يذكر الدكتور ان داروين يعتبر انجازه الحقيقي في اقناع علماء كهنسلو وهوكر بنظريته عن التطور.

الرد : كيف اقتنع هوكر بصعوبة - كما يقول الدكتور - مع أنه عضو في نادي إكس الملحد؟ داروين يفتخر أنه أقنع ما يسميهم كبار العلماء كهكسلي و هوكر, ولاحظ أنهما من أعضاء نادي إكس! ولا أستبعد أنهم هم الذين أرسلوه. وهذا بحد ذاته مأخذ على مصداقية داروين, كونه استطاع أن يقنع ملاحدة بنظرية التطور! أسهل شيء على الملحد أن يصدّق بالتطور لأنها تحلّ أزمته, ولاحظ إلى الآن أكثر المنافحين عنها وأشرسهم هم من الملاحدة بالدرجة الأولى؛ لأنها عقيدة الملحد البديلة أو عكّازه الذي يتوكأ عليه حتى يقيم صلبه ويستطيع أن يواجه المؤمنين بهذا السلاح العلمي تزويرا.

(الدقيقة : 39) يذكر الدكتور عن داروين أنه يعترف بتواضع وضعف التعليل والتبرير لديه عندما ذكر له احد نقاده ذلك.

الرد : التهرب عن العقلانية عند داروين ليس لبساطة فيه كما يحاول أن يظهر به، بل لأنه يعرف عدم معقولية ما يقدّم, ولهذا تضايق وخاف على نظريته عندما نسيها و امعن النظر في ريش الطاووس وتماثُل وجمال النقوش عليه، ثم فكر مرة اخرى و ثار على هذا الهاجس الذي يوحي بوجود اله مبدع، (إنه فكّر وقدّر) ، مثلما كتب عبارة NO بغضب على كامل ورقة احدى الرسائل التي وصلته لأنها توحي بوجود اله.

بعبارة أخرى : يريد أن يجعل العلم بدل العقل، وهذا ما يفعله الطرح الملحد بشكل دائم, وهو الفصل بين العلم والعقل. والسبب هو الهوة بين ما يقدمونه و بين العقلانية. واحتقار الملاحدة للفلسفة والمنطق شيء معروف، محتجين بالعلم. مع أن العاقل يسأل: مادام علما, لماذا لا يكون منطقيا؟ لماذا لا يكون صاحبه قادر على الدفاع عنه بالعقل مثل بقية العلوم؟ داروين في الحقيقة لم يقدم منطقا علميا, قدّم صدفا على شكل اكتشافات، فتم الربط بينها بسيناريو خيالي كما هي عادة الفكر الملحد في وضع السيناريوهات الخيالية عن أصل الحياة أو تطور الأديان أو عن كيف يفكر المؤمن..إلخ. السيناريو الخيالي مرافق دائما للعقلية الملحدة, فدائما يقدمون سيناريوهات تفسيرية بعيدة عن الواقع والمنطق, و أي علم هذا الذي يحتاج إلى رسّامين؟ الرسم مرتبط بالخيال بالعادة, وما أكثر الرسوم في نظرية التطور، لو جُمعَت لأقامت معرضا فنيا.

(الدقيقة : 48 الثانية : 44) يذكر الدكتور أن من اسباب نجاح نظرية داروين - كما يقول هو عن نفسه - أنها جمعت الحقائق في نظرية واحدة، وإلا فإن الحقائق موجودة في كل مكان.

الرد : لم يذكر داروين ولم يشر حتى إلى أن من أسباب نجاح نظريته أنها وافقت هوى عند الملاحدة مع أنه يعرف ذلك ويشاهده, أين موضوعيته المزعومة؟ المفترض أن يشير داروين أن من أسباب نجاح نظريته أنها تخدم الملحدين. توجد نظريات غيرها كثيرة لم تأخذ نفس الاهتمام والسبب أنها لم تجد صدى اجتماعي يشهرها.. هو يعرف ذلك لكن لم يقله لأنه يرى كيف طار الملاحدة بها وعلى رأسهم نادي إكس, ويرى كيف أن المؤمنين عارضوه وعلى رأسهم قائد سفينة البيغل. ويأتي بعد هذا ويقول أنه لا يحب أن يَنسب شيئا لنفسه! وهاهو ينسب كل نجاح نظريته لنفسه فقط متجاهلا جهود النادي، بينما هم يشيدون بجهوده.

(الدقيقة 54 : الثانية 43) ينقل الدكتور كلام هكسلي المعجب بداروين وشخصيته .

الرد : لو كان هكسلي فعلا معجبا بشخصية داروين واخلاقه لاحتذاها على الاقل ، بدلا من النباح والبذاءة والصراخ، حتى سمي بكلب داروين. ارادوا ان يجعلوا من داروين ايقونة بعيدة عن الاحتكاك بالجمهور، ويكثر الدكتور من ترديد شهرة داروين حتى انها صارت ما يشبه المقياس، وهذا ليس علميا ، فشهرة العالم ليست شرطا ان تكون بسبب علمه، بل بسبب الموضوع نفسه وعلاقته بالانسان، بعبارة اخرى : العالم الحقيقي لا يكون مشهورا لهذه الدرجة، لماذا ؟ لأنه منخرط في العلم فقط وبعيد عن الكتابة في الانسانيات. الشهرة تأتي من الانسانيات وليس من العلم، فمشاهير العالم تجدهم من الفنانين والادباء والشعراء ، بينما العلماء هم الاقل شهرة. صناعة الشهرة تكون على حسب الاحتكاك بالانسانيات، و وجود خلاف وانقسام الناس عليها، لذلك اشهر الناس هم الانبياء، لانهم تكلموا بالانسانيات وانقسم الناس بسببهم. ومثل هذا حصل لداروين : الناس انقسموا عليه فصار مشهورا. اذن داروين ليس مشهورا لأنه قدم علما كبيرا وعريضا، بل لأن الناس اختلفوا عليه، مثله مثل الشاعر المتنبي الذي اختلف الناس حوله فاشتهر، اي خرجنا الى مجال الانسانيات والاختلاف عليها وليس الى مجال العلم. والاختلاف دافع لإبقاء جذوة الشيء مشتعلة. كل ما في الامر انه اثار قضية حساسة انقسم الناس عليها وما زالوا منقسمين، لأنها تتعلق بالثوابت و الدين، فصنعت له الشهرة. اذن ليس كل مشهور هو اعظم من غيره. ليس اشهر من الشيطان احد، فهل هو عظيم؟

(الدقيقة : 56) يتحدث الدكتور عن كتاب نظرية الحيود المرجانية لداروين.

ألرد : أليس داروين عالم عبقري ؟ لماذا لا يكاد يُذكر هذا الكتاب ؟ هل اتضح سبب الشهرة؟ وذكر الدكتور سابقا ان هذا الكتاب بالذات سبب له فرحة وسرورا عندما قبله المجتمع العلمي، ولكنه مرّ ولم يحرك ساكنا.

(الدقيقة : 57 الثانية : 2) يقول الدكتور ان عمل داروين في كتابه سيريبيديا (هدبيات الاقدام) لم يكن حول اثبات التطور ، لكنه وجد ادلة للتطور بالصدفة.

الرد : هنا نقف ونقول : المعذرة ، كل كتبه التي ألفها تدور حول محاولة اثبات نظرية التطور، لكنها لم تنجح النجاح المأمول لها قدر نجاح كتابه الأول. ونجاح كتابه الاول ليس لأنه علمي، بل لأنه أثار قضية تتعلق بالدين وربط الانسان بالقرد، وصار لها مؤيدون ومعارضون يتجادلون على كل الاصعدة إلى الآن. اذن داروين فعلا مشهور ولكن ليست الشهرة مقياسا للعلم. والشهرة يمكن الوصول اليها بأسخف الطرق، انظر الى شهرة الحمقى والمغفلين عند كل الشعوب.

(الساعة : 1 الدقيقة : 5 الثانية : 5) يتطرق الدكتور الى الانتخاب الجنسي كما يطرحه داروين في كتابه (إنحدار الانسان) ، ويذكر انه على نوعين : الاول : صراع الذكور على الانثى ، والثاني : اصطفاء الأنثى للذكر.

الرد : لا ادري هل داروين يعتقد ان الانتخاب الجنسي رافد لفكرة الانتخاب الطبيعي او احد روافدها ، كانتخاب واعي، غير الانتخاب الغير واعي ؟ هل هذه محاولة لإدخال الوعي على موضوع الانتخاب الخالي من الوعي والمبني على الصدف العمياء؟ اذن هي محاولة فاشلة، لأن التطور سيكون منصبا على الذكور فقط، أما الاناث فلا احد يطورها، لأن الذكور لا ينتقون الاناث، أي لا يجرى عليهن عملية انتخاب و فرز، فقط الذكور، ومن هنا تسقط الفكرة، لأنها لا تنطبق على كل النوع، فتطوير الذكور فقط اذا آمنا بالتطور سوف ينتج ذكورا مختلفين عن الاناث، والاناث لا تطوير يجري عليها. اذن الاناث سوف توقف مسيرة تطورهم. هذا إن صدّقنا أن الإناث فعلا تختار الاجمل والاقوى. الدافع لصراع الذكور ليس اختيار الاناث او امتلاكها، قد يكون القطيع كبيرا والاناث كثيرة، تكفي لذكرين، اذن ما المشكلة وما الدافع لهذا الصراع والذي لا يكون فيه الاحتكام للقوة شرط؟ قد يكون الذكر دخيلا على القطيع فينهزم بسرعة حتى لو كان قويا. الدافع لهذا الصراع هو غريزة الانتشار والتفرق، فكأنهم يقولون أن هذا القطيع واحد ويكفيه ذكر واحد، والمؤونة لا تكفي لتكثير النوع، والارض واسعة، اذن على غير الاصيل وعلى الضعيف منا ان يذهب ويترك القطيع، او ينفصل مع البعض. وغريزة الانتشار هي التي جعلت الحيوانات تغطي كل مكان على وجه الارض، بل هي موجودة حتى عند الحشرات، والذكور عادة هم مؤسسو الاسرة، وهذا موجود حتى في عالم الانسان، اذا كبرت القبيلة يحصل بينهم شجار كثير، وبين الذكور ايضا ، فيؤثر البعض الانعزال والانتقال وبناء مستوطنات جديدة، ليس لأجل الانثى، لكن هذا الصراع يحدث عند التزاوج، لأنه هو الوقت الذي تؤسس فيه اجيال جديدة، وبالتالي يحصل ضيق واكتظاظ على الموارد، فلا بد ان يتنحى بعض الذكور، فالديك مثلا لو كان لديه ألف دجاجة وادخلنا ديكا اخر عليه سيحصل صراع بينهما، هل هذا لأجل الانثى ؟ هو نفسه لا يستطيع تغطية الف دجاجة. لكن الفطرة جعلت الحيوانات على شكل عشائر ولها رئيس ذكر، وهذا يذكرنا بمبدأ القوامة وأنها من الفطرة. لا نجد بين ذكور الحمام صراع، لأنهم يطيرون والرزق متاح للجميع، لكن عند الدجاج نجد الديك يصارع الديك الاخر. وهذا دليل قوي على ان الديك والدجاج مخلوقات اساسا لتكون على الارض لا أن تطير، وهي لم تكن تطير يوما من الايام، مع انها تستطيع ان تطير لكنها لا تريد ذلك الا للضرورة، وهذا بسبب التسخير والوظيفة، فوظيفتها تنبيش الأرض وتنظيفها بمناقيرها. صاحب المكان له مقام اقوى، والغريب يعرف انه غريب، وهذه من نقاط القوة في عالم الحيوان وعالم الانسان ايضا، فالوطني ليس مثل الغريب. حتى لو كان اضعف جسما منه، واذا جارينا هذا التفكير، سنقف على فرق هائل في الشبق الجنسي بين الديك وذكر الحمام، مع أن كلاهما من الطيور.

اذن ليست المسألة قوة او ضعف جسم بدافع جنسي كما يتخيل الماديون. فالقطة وهي تدافع عن صغارها تكون اشرس من الكلب، ويهرب الكلب منها، وكذلك الدجاج والبط. القوة متداولة بين الحيوانات وليست مفردة، الحيوان عندما يدافع عن صغاره تتضاعف قوته، والحيوانات الاخرى تعرف ذلك وتتجنبه. لأن الدافع هنا هو الفيصل في المعارك وليست فقط القوة العضلية، (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)، والنظرة العسكرية تعرف ذلك، فالجيش الغازي لن يقاتل بشراسة الجيش المدافع عن بلاده، حتى لو كان اقل سلاحا. اذن ليس هناك انتخاب جنسي ولا القوة هي الفيصل في الصراع ولا يحزنون.

يقول التطوريون أن الأنثى تبحث عن الذكر الأقوى للتزاوج معه من أجل توريث جيناته (انتخاب جنسي), لكن هذا غير صحيح, ففي الطبيعة نرى أن الذكور غالبا هي التي تبحث عن الأنثى وتتعارك مع الذكور الأخرى من أجل الوصول إليها, وإذا وصل الذكر للأنثى تجد الأنثى كثيرا ما تمانع ويضطر الذكر لتثبيتها بالقوة, فكيف يقولون أن الأنثى تختار وهي ترغَم على التزاوج؟! لو كانت تبحث عن الذكر الأفضل لاتجهت إلى الذكر الذي يبدو جسمه أقوى بدون صراع, ولا بد أنها شاهدت معارك له من قبل مع ذكور آخرين ورأت تفوقه, وبالتالي تختاره مباشرة دون أن تحضر حلبة صراع له مع ذكور أخرى, لكن هذا لا يحصل, وحتى الذكر المنتصر لا تذهب إليه بل هو من يذهب إليها, مثل خنفس بيداغونيا ذو القرون الطويلة الذي يصعد الأشجار ويسقط الذكور في طريقه من أجل أن يصل للأنثى, وإذا وصلها فإن كانت تمانع فيضطر لتثبيتها, لو كانت الأنثى تنتخب لما تمنعت عنه لأنه ذكر منتصر. إذن الأنثى لا تبحث عن الذكر الأقوى كما يقولون ولا تنتخب.

و في القطعان لا يكون الصراع فقط على الأنثى, فقد تجد في القطيع أعدادا من الإناث تفوق قدرة الذكر على تلقيحها, ولكنه يطرد الذكر الآخر لأجل أن يكون قائد القطيع واحد, فسواء كان هنالك مئات الإناث في القطيع أو اثنتين سيظل هنالك صراع على قيادة القطيع, لو تُدخل ذكرا جديدا على القطيع سيتعارك معه الذكر القائد حتى لو لم يكن موسم تزاوج. في الطبيعة هنالك صراع على المكان مثلما تتصارع المفترسات بينها لحماية أماكن صيدها, ويكون هذا الصراع بشكل جماعي وتشارك الإناث في الصراع ضد مجموعة أخرى تنافسها في المكان, سواء كانت هذه المجموعة من نفس النوع أو من نوع آخر منافس على الغذاء, وهذا يفسر عداوة الكلب للقط والثعلب, وعداوة الماعز للضأن. الصراع بين الذكور بالأساس ليس لأجل الأنثى بل لأجل الانتشار, بدليل أن الذكر لا يسعى لتكثير الإناث التي عنده, فقد يكون عند الذكر نصف عدد الإناث التي عنده وتكفيه, ولكنه يصارع أي ذكر يدخل يحاول التزاوج ولا يسمح له, إذن ليست المسألة بحث عن تزاوج بل غريزة انتشار, ولو تضع مع ذكرين أنثى واحدة أو مئة أنثى فسيتصارعون. لاحظ أنه في الغذاء نرى الحيوانات حين يتوفر لها الطعام لا تصارع غيرها عليها, لماذا في التزاوج فقط يحصل هذا؟ وإذا كان المسألة رغبة جنسية لماذا أنواع أخرى تقتصر على أنثى واحدة؟ لماذا تحصل بينها معارك ويبقى ذكر واحد؟ هل الحيوانات تختلف في الرغبة الجنسية؟

التطوريون يتصورون أن الإناث تريد الذكر الأقوى أن يلقحها لكي يبقى الأقوى لأن جيناته أقوى, بينما هي ليست هكذا بل من أجل الانتشار وتكوين أسر أخرى, بدليل أن الذكر المهزوم قد يخرج معه مجموعة من القطيع إذا كثرت الإناث ويكونون قطيعا جديدا ولا يعافون جيناته. ثم إن القوة ليس فقط بالعراك, هناك قوة جري وهناك خبرة أكثر ومعرفة بالخطر وهناك تحمل, ولم تجرَ لها حلبات, فلم يجروا سباقا لمن هو الأسرع أو الأطول قفزا أو الألوان الأكثر مناسبة للتخفي. هذا غير أن في بعض الأحياء يكون التزاوج جماعيا بحيث يفرز الذكور مع الاناث مثل الاسماك في مكان معين من البحر وتجري عملية التلقيح بدون التَّماس او الاختيار، فأين اختيار أصحاب الجينات الأقوى؟ هذا يسقط فكرة الانتخاب الجنسي، هذا زواج فوضوي، من صالح الإناث أن يأخذوا الذكر الشاب للقطيع لأن فرصة بقائه أكبر مع أن الكبير قد يكون أقوى لكن عمره أكبر. المشهد هو مشهد غريزة انتشار لأجل التوازن وليس استعراض قوى, لأنه لو ترك الذكر الآخر في نفس القطيع سوف يتضخم وستقل الموارد عليه مما يهدد النوع كله بالخطر. يؤيد هذا ما نجده في سلوك الكلاب والذئاب والنمور والضباع في علامة البول التي يضعونها في أماكنها, كمنطقة محمية, إذن الحكاية حكاية مكان وموارد وليست حكاية قوة وجينات أقوى, مثلها مثل صياح الديك ونهيق الحمار, هذا من فعل الذكور صانعي الأسر, والديك القوي يلاحق الدجاج حتى يسقط ريشها, أي يخضعها وليست هي تختاره لأنه الأقوى. لو كان البحث عن الأفضل جينيا لكان الذكر أيضا يبحث بين الإناث عن الأفضل جينيا لكنه لا يفرق مع أن الأنثى أهم في موضوع الجينات, ولجرى تنحية للأنثى ذات الخصائص الضعيفة- هذا إن وجدت-, مثلما ينحى الذكر المهزوم, و لهذا تجد جسم الذكر أضخم وأكبر من جسم الأنثى حتى يتمكن من هزيمة الأنثى التي كثيرا ما تتمنع, وبالتالي الأنثى لا تختار الذكر ولا تنتخب جنسيا. والذكر ايضا لا يختار الانثى ولا ينتخب، ولم نر ديكا يُعرِض عن دجاجة لانها سوداء او ضعيفة او لأنها قليلة البيض. وانتصار الذكر على ذكر غالبا ما يحسمه كبر السن – اي العراقة في المكان - وليس الجينات الأفضل, هذا غير أنهم أصلا أقارب وحتى يمكن أن يكون أبوه هو من يتقاتل معه! و دليل القيادة عند ذكور الحيوانات انها تهاجم من يدخل في الحظيرة كما تفعل بعض الثيران والخرفان، مع أن الداخل لا يمثل خطرا على إناثهم، لأنه ليس من نفس النوع، ومع ذلك ينطحه. ومصارعة الثيران تقوم على ثيران تُستفز وليس على بقر. أما الانثى فلا تهاجم الا اذا كان لديها اطفال، مثلما ان الذكر الكبير مسؤول عن القطيع ويهاجم لأجلهم.

(الساعة : 1 الدقيقة : 14 الثانية : 15) يذكر الدكتور كتاب مالثوس عن التعداد السكاني في أنه لولا الحروب والمجاعات والاوبئة والكوارث الطبيعية لزاد عدد السكان وقلت الموارد التي تغذيهم، ومنه استفاد داروين فكرة الانتخاب الطبيعي المبني على البقاء للأفضل والمتكيف وتطبيع الصراع في الطبيعة.

الرد : هكذا يفعل الماديون ، يريدون ايجاد تبريرات من الطبيعة والعلم لفعل الشر والهيمنة وسحق الشعوب الضعيفة، معتمدين على هذه النظرية الباطلة، نظرية التطور المبني على الصراع والبقاء للاقوى. وإن كانوا يقولون (الأفضل) لكنها في نطاق الانسان والنظرة المادية هو البقاء للاقوى، وهذا من المفرزات السيئة لنظرية التطور والايمان بها، إضافة إلى فكرة العنصرية لأن النظرية تثبت تفوق بعض الاعراق على بعضها.

(الساعة : 1 الدقيقة : 16 الثانية : 26) يتحدث الدكتور عن اننا ابناء الناجين والمتكيّفين.

الرد : نسي الدكتور أننا ابناء انواع ، واذا هلك احد في طوفان او سقط و مات ، هل انتهى النوع ؟ اذا كنا نحن انواعا مختلفة و نحن بشر فيجوز هذا، فيقال مات و ماتت معه جيناته. المخلوقات انواع ، وإذا مات بعضها يتناسل الباقي ويستمر النوع، و في الاخير الكل سيموت. ثم ما حكاية الصراع في الطبيعة ؟ اين هو ؟ الكل له رزقه مهيأ، والرزق اكثر من المخلوقات، ولا تنافس بينها حتى يوجد صراع، وهذه من حكمة الخالق انه لم يجعلها كلها تأكل نوعا واحدا، وإلا لجاز ان يكون هناك صراع و يكون هناك داروين. لكن النمل الابيض يعيش على الخشب الناشف الذي لا ينافسه عليه احد ابدا، والضأن والماعز لكلٍ ما يقتاته ويحبه، اذن بقي فقط الخطر من افراد النوع نفسه اذا كثر، ومن هنا يكون الصراع بين الذكور لاجل الانتشار والتفرق. اما نوع مع نوع آخر فلا يوجد صراع، الا اذا اردت ان تجعل الافتراس صراعا، وهذا خلاف الواقع، لأن الافتراس يقدم خدمة للنوع نفسه لأكل الزائد ومنع الاكتظاظ، فبالتالي لا يوجد صراع في الطبيعة، بل العكس تماما : الخدمات المتبادلة، وهذا يعرفه العلماء جيدا ، وهذا ما يسمى بالتوازن الطبيعي. هذا غير عمليات تقليل الانواع بسبب الافتراس والكوارث حتى تتوازن. الاسد لا يتصارع مع الغزلان، هو يأخذ لقمته فقط ويترك القطيع، والقطيع لا يدافع بل يهرب، فأين هو الصراع ؟ لا يوجد في الطبيعة إلا ما هو عكس الصراع تماما، وهو التكافل، كما نراه في الطيور التي تنظف شعر بعض الحيوانات واسنان التمساح ، حتى المفترسات تقدم خدمة للقطيع الذي تفترسه، فهي تعلمه النباهة وتقلل عدده وتقدم غذاء لها ولغيرها، وغيرها يخدم الطبيعة ايضا، اذن العكس هو الموجود ، وهو التكافل وليس الصراع ، فالاحياء تقدم خدمتين : التكافل ، يخدم الحيوانات الاخرى ، والتنظيف يخدم المكان ويجهزه للاجيال القادمة.

هذا من اسقاطات الفكر الراسمالي على الطبيعة، وهذا يدل على ان داروين ومن وراءه يحركهم الفكر الرأسمالي الامبريالي العنصري ويبحثون له عن مبررات في الطبيعة. حتى الصراع في عالم الانسان هو بسبب طمع الانسان وليس بسبب حاجته، لهذا اتجهت الديانات الصوفية الى ترك اللذة والطمع، لأنها هي اسباب الصراع، والطمع ليس له حد. أما ما يُعيّش الانسان فهو لا ينتج صراعا، لأن الرزق مكفول.

(آخر الحلقة) يذكر الدكتور بلمحات سريعة بعض مؤيدات التطور الدارويني من القرآن كآية (يزيد في الخلق ما يشاء) وقوله (بل هم في لبس من خلق جديد) وقوله (وقد خلقكم اطوارا)

الرد : هذه الآيات لا تدعم التطور الدارويني عندما تقرأها كاملة ، فقوله تعالى (يزيد في الخلق ما يشاء) مأخوذة من آية (الحمد لله فاطر السموات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء) فهذه خاصة بالملائكة، بعد ذكر أجنحتها المثنى والثلاث والرباع ، اي في الزيادة، أي ان الرباع أزيد من الثلاث، والثلاث أزيد من المثنى. وقوله تعالى (بل هم في لبس من خلق جديد) منزوعة من سياقها، فالله يقول على لسان منكري البعث (أإذا كنا ترابا وعظاما أإنا لفي خلق جديد) ، وهذا ينطبق على قوله تعالى في الآية التي استشهد بها الدكتور : (أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد) ، فالخلق الجديد المقصود هو اعادة الحياة بعد الموت وليس التطور. وأما آية (ولقد خلقكم أطوارا) فهي تتحدث عن اطوار الجنين في الرحم، قال تعالى (خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث) وقوله (فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الارحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.. ) إلخ الآية ، وهذه هي الاطوار المقصودة، لأن قصد الاية هو تذكيرهم بخلقهم الاول وأن من خلقهم اول مرة قادر على ان يعيد الخلق مرة اخرى. هذا كله خطاب لمنكري اعادة الحياة بعد الموت ولا شأن لداروين وتطوره في معاني هذه الآيات، بل ان القرآن يصرّح بكيفية خلق آدم بالتفصيل وخلق زوجه منه، وتناسل البشر من هذين الاثنين بطريقة تقطع الطريق على اقحام فكرة التطور في القرآن والدين الاسلامي. فهو يخاطبنا بقوله (يا بني آدم) أي الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه. واستعرض به وبعلمه امام الملائكة، قال تعالى (خلق الانسان من صلصال كالفخار) (وبدأ خلق الانسان من طين) اذن ليس من خلية واحدة، بل صنعه كتمثال من طين، ثم نفخ فيه من روحه فكان بشرا سويا، وهذا امام الملائكة ليريهم قدرته على الخلق، مثلما أرى إبراهيم كيف يحيي الموتى من خلال الطيور التي قطعها و وزعها على الجبال. فأين هو التطور ؟

خلق الانسان في وقت واحد، ونفخ الله فيه من روحه مثلما نفخ جبريل في مريم فولدت غلاما زكيا. بلا تطور ولا حتى زوج، ولم يمسسها بشر. أين التطور في ولادة عيسى؟ الله على كل شيء قدير، ونظرية التطور تدل على ان الله عاجز ان يخلق النموذج الامثل مباشرة، وهذا يربطنا بفكرة عجز الله عند اليهود الذي حس بالتعب والاعياء فاستراح يوم السبت. هذا بعيد كل البعد عن اقحام فكرة التطور حسب المفهوم القرآني، القرآن صريح في هذا المجال ولا يَحسُن التعسف على كتاب نزل بلغة فصيحة ومعان مبينة. بل يجب علينا ان نشك فيما خالف القرآن ونعمل عقولنا لإيجاد البديل عنه بدلا من محاولة ليّ النصوص لكي تركب معه، وهنا الفرق بين الثقة بالنفس وعدم الثقة. غير مكترثين بما يقوله الملأ، فلنؤثِر القرآن على الملأ، وكم أجمع الملأ على شيء وثبت أنه خطأ، مع العلم أن الملأ لم يجمع على صحة هذه النظرية ولا حتى الملأ العلمي. لماذا نستسلم بسهولة مع ان الامر مجرد نظرية حتى الآن؟ والقرآن لم يتصادم مع العلم ولا مرة، فكيف يتصادم معه هذه المرة من خلال نظرية؟ قال تعالى (كتاب أنزلناه ليدبروا آياته) لا أن يلوّوا آياته، والتدبر هو أن نسير وراءها بدون تأويل ولا حرف مسار. لأنه هو العروة الوثقى التي بنت حضارتنا وبسببه تيقظت العقول الغربية للنهضة، اذن القرآن هو طريق العلم الحقيقي. وهذا ما يجب ان يعتقده كل مسلم مخلص. وهذا ما يدفع للبحث وإعادة النظر في العلم، أما القبول و لي النصوص فهذه عملية سهلة، ولا تغير فينا شيئا ولا تخرج علماء ولا تنتج شخصية مستقلة للمسلمين ولا ريادة، بل تبعية ، عليهم ان يقولوا وعلينا أن نأوّل ! إما ان يكون القرآن حقيقي او يكون غير حقيقي، إذا كنا نعتقد انه حقيقي فلنعمل لإثبات ذلك وندرس مثل ما درسوها، وإلا فلنتخلى عن القرآن ونقول مثلهم، هم لم ينتهوا من النظريات، و في كل يوم ينتجون نظريات ، و كلها في اطار الالحاد، فهل نعود للقرآن ونعسف نصوصه لكي يقبلوننا؟ هذا إضعاف للقرآن وإضعاف لنا. ويفتح المجال لانتشار الالحاد حتى، ما دام هذا القرآن يتعارض مع جهابذة العلم، اقل ما ينتج هذا النهج ضعف الشخصية والتبعية التي سببت الضعف للفكر الاسلامي وصار فكرا غير منتج بسبب الانبهار، نفس منهج ما بنوا عليه علومهم، فلماذا لا نشك ؟ لماذا نصدّر لهم هذا المنهج ثم نتخلى عنه؟ و حق الشك حتى التأكد مفتوح للجميع، فلماذا لا نشك ؟ هذا هو السؤال. وهذا هو منهجي ومجهودي المتواضع، وما توفيقي الا بالله.

هناك تعليقان (2) :

  1. ماذا قدم الدين لحياتنا هل اوجد حلول لمشاكل الناس اتمنى ترد

    ردحذف
    الردود
    1. نعم ، الدين الصحيح المبني على كتاب الله قدم حلولا هي الافضل دائما لمشاكل حياتنا، بل لحياتنا كلها وليس فقط مشاكلنا. ولا يوجد أي نظام آخر يقدم حلولا كما يقدمها الدين الصحيح، وليس الدين الملوث بالعلمانية، لذلك هو رحمة للعالمين، لأن فيه حلولا لكل مشاكلهم الفلسفية والنفسية والاجتماعية والفهمية حتى والشعورية. لكن السؤال لنا نحن : هل نحن تدبرنا القرآن وجعلناه إماما لنا و سرنا على هديه ثم فشلنا ؟ الجواب لا.

      حذف