الثلاثاء، 27 يونيو 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 5


(الدقيقة : 2 الثانية : 18) مستكملا ما بدأه في الحلقة السابقة ، يتحدث الدكتور عن الطفرة وعن جزيرة الدببة ذات اللونين الفاتح والغامق ، ثم حدثت طفرة فخرجت دببة ذات لون وسط كالرمادي مثلا.

الرد : كل كائن حي مثلما له مستقبَل جيني له أيضا سلف جيني, فالدببة البنية والبيضاء والتي نتج منها دبا رماديا, ما الذي يضمن أن هذا اللون الرمادي ليس موجودا في المستودع الجيني ولم يوجد في الأٍسلاف من قبل أصلا؟ هل لأنه ظهر أمامنا قلنا أنه جديد؟ ولو ارجعنا الدب الابيض الى مناطق اكثر اعتدالا قد يتغير لونه، مثله مثل الثعالب والذئاب التي تعيش في مناطق التندرا المتجمدة، لها لون في الصيف حين تذوب الثلوج وتكتسي الارض بالخضرة، لون داكن قريب للبني، ولون آخر ابيض كامل في الشتاء، أما هذا الدب الابيض فهو يعيش في المناطق المتجمدة طيلة العام لذلك هو دائم البياض. المستودع الجيني هو مجموع الجينات بهذا النوع من الدببة, وتأتي منها ألوان مختلفة, و أي ميزة فيها هي داخل المستودع الجيني نفسه, أي لا جديد, مثلما حين أعطيك مجموعة من الأحرف فتكوّن منها أنواعا مختلفة من الكلمات, كل كلمة جديدة تأتي بها هي داخلة بما يحتمله المستودع الجيني, أي جديدة وليست جديدة, ولو خرجت عن الأحرف لصار خطأ.

حتى تنتج الأحياء ميزات جديدة لا بد أن يكون لديها جينات جديدة, والجينات لا تتكون بل تتوارث, فلا يوجد غدة أو جهاز في الجسم ينتج الجينات. الدي إن آي عبارة عن مخطط لبناء الجسم مثل مخطط العمارة, قد يحصل خطأ كأن تكون شبكة الكهرباء بدلا من شبكة المياه, أو تكون الأعمدة متجمعة في جهة وجهة أخرى خالية من الأعمدة, كلها أخطاء ضارة, إذا أمكن أن نوجد في مخطط منزل ما خطأ ينتج ميزة جديدة أمكن أن يكون هذا في الجينات. افترض أن عندك قطع لمحرك سيارة, أي خطأ في تركيب مكان قطعة أو حذف لها لن تكون النتيجة إلا أخطاء, لكن لو تدخل قطع جديدة على السيارة ربما ستخرج بميزات إضافية, لكن كل قطعة محدَّدٌ لها ماذا ستعمل, وإذا لم تكن في مكانها المناسب و وقتها المناسب سينتج ضرر بلا شك, والتجربة خير برهان, كل أخطاء الميكانيكيين لم تنتج ميزاتٍ جديدة. كذلك كل الاخطاء الجينية تنتج اعاقات وقصور وتشوهات تماما بتمام.

عملية التزاوج ما هي إلا تشغيل للمستودع الجيني, لكي تخرج أنواع من داخل النوع ولا تخرج عنه بنفس الوقت, لهذا في كل عملية تزاوج أو تهجين ينتج أبناء مختلفين عن بعضهم بعض الشيء, لكن المستودع الجيني لا يخرج عن نطاق النوع، وبالتالي لا يمكن أن ينتج نوعا آخر, فتتجدد الحياة و هي ثابتة, وإلا ما فائدة المستودع الجيني إذا كان لا يستطيع أن يسيطر على بقاء النوع نفسه ولا يحمي وجوده؟ الجينات متحكِّمة, فكيف تكون متحكمة ومتفلِّتة بنفس الوقت بحيث تخرج عن النوع إلى نوع آخر؟

الاختلاف من قوانين الفطرة والحياة {ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم} {وجعلناكم شعوبا وقبائل}, و من مهمات الجينات أنها تنتج اختلافات حتى يتم التمييز والتعارف, لو كان كل الأحياء مثل التوائم لكانت هناك صعوبة على الجميع بالتمييز, هذا الاختلاف نفهمه لغايته ولا نفهم منه أنه ينتج تطورا, وغايته واضحة ومعروفة. تجد أفراد أسرة واحدة لكنهم مختلفين، ولو لم يكونوا مختلفين لما أمكن التمييز بينهم, إذا عرف السبب بطل العجب. المستودع الجيني ثابت, و كل جينات البشر لو تجمع لملأت فنجان شاي صغير كما قال بعض العلماء.

الطفرات كلها سيئة, إن ظهرت حسنة فهي عبارة عن تكرار للمستودع الجيني وليس طفرة, تماما مثل مخطط المهندس : أي غلطة في تطبيقه ستكون ضارة, إلا إن أضاف المهندس نقاط جديدة في المخطط.

النخيل مثلا، منذ أقدم القدم مع الإنسان وهي تُجرى لها عمليات تهجين من خلال نقل حبوب اللقاح من النخلة الذكر التي قد تكون مختلفة ومجلوبة من مكان آخر, وتنتج أنواع من النخل لكنها من نخل البلح نفسه بمميزات مختلفة في اللون والطعم والحجم, ولهذا فالتمور أنواع لكنها لا تخرج عن اللونين الأصفر والأحمر بدرجاتهما, فلا يوجد بلح لونه أزرق مثلا أو أبيض كالحليب, لن تُخرج نخلة ما بلحاً بطعم الزيتون مهما هجنتها, لأن هناك مستودع جيني خاص بالنخيل. نعم توجد أنواع من النخيل لا تثمر البلح و يجب ألا نجعلها في عائلة واحدة مع نخيل البلح بل هي نوع نباتي يشبهها.

و ما ينتج من التهجين لا يخرج عن المستودع الجيني، بل هو خلط لموجوداته لأجل صفات مرغوبة, مثل أن نزوّج بين حمامٍ كثير اللحم وحمامٍ آخر سريع الطيران حتى ينتج ذرية تحمل الصفتين المرغوبتين. والهندسة الوراثية هي حذف صفات وراثية غير مرغوب فيها وتركيز صفات مرغوب فيها من نفس النوع.

و عملية التلقيح غير محكومة ببويضة الأم, إذا هي قبلت التلقيح من نوع آخر فستجعله لا يخصب مثل حالة البغل الذي أمه فرس وأبوه حمار, وهو أقرب لصفات الحمير من صفات الخيل، وتجد وظيفته وظيفة الحمار وإن كان جسده اكبر وشعره اطول من الحمار العادي, و هذه عملية مقفلة لأن البغل لا يخصِّب, إذن المستودع الجيني يحمي نفسه, فبويضة الأم لا تقبل التلقيح من نوع مختلف وإن قبلت أقفلت التخصيب, وهذا ضد عملية التطور.

تصنيفات ممالك الأحياء نفسها تحتاج إلى إعادة نظر, فهناك مثلا أنواع مصنفة في الصباريات وهي تشبه النخيل. تصنيفهم هذا ليس إلا على أٍساس تشابهات، والتشابه ليس علما, وافتراض علاقة بين الشبه والشبيه ليس علميا, فما بالك بالقطع والجزم به؟ فضلا أن تُبنى عليه نظريات علمية؟ قد تجد شخصا يشبهك من قارة أخرى بعيدة عنك, فهل نجزم بأنه قريب لك بسبب التشابه الكبير بينك و بينه؟! هذا ما حصل في التصنيفات النباتية والحيوانية, وهذا يدل على سعة المستودع الجيني من الأساس، هذا إن صح أن الجينات هي المسؤولة عن التشابهات والاختلافات، فالجينات لدى الفأر تشبه جينات الانسان بنسبة 99%، فهل الإنسان يشبه الفأر او القرد بنفس النسبة؟ طبعا لا. اذن من المسؤول عن هذا الاختلاف؟

التصنيف الأحيائي أًصلا غير علمي ومشكوك فيه, فما بالك بما يُبنى عليه من تطور نوع إلى آخر بناء على التشابه؟ وما يبنى على خطأ فهو خطأ. مثلا : على أي أساس يقولون أن المخلوقات ذات العمود الفقري أكثر تطورا؟ ما الذي ينقص الحشرات مثلا؟ ليس لهم تبرير إلا أنها أقرب للإنسان, فالأٌقرب للإنسان يقولون أنه الأكثر تطورا, أي أنهم يجعلون الإنسان محور الكون, فيقولون أن الإنسان شيء تافه لكنهم يجعلونه محور نظريتهم ومعيارهم من حيث القرب والبعد منه!

إن الحشرات متطورة أكثر من الإنسان من حيث أنها تستطيع الطيران و العمل الجماعي و من ناحية القوة وغيرها, وبعض المخلوقات البحرية قادرة أن تعوض عن بعض الأطراف المفقودة, وبعضها تستطيع ان تحرك كل عين لوحدها دون الاخرى، وبعضها تستخدم الصعق الكهربائي، كل هذا وليست متطورة؟ و لديها وسائل دفاعية متطورة اكثر من الثدييات، بل ان بعض الحشرات تطلق مياهً حارة مغلية على خصومها من جسدها، وبعضها تطلق سموما قاتلة، وهذا ما لا تملكه الثدييات، اضافة الى براعتها في الطيران، ومنها البرمائي، وصفاتها النفسية نفس صفات الحيوانات تماما مثل الصراع على التزاوج والسكن ، فما الذي جعلها ادنى تطورا ؟ بل ان النمل والنحل تعمل بشكل جماعي وتنظيم عجيب لا تملكه ما يسمونه الرئيسات. قدرتها على العمل الجماعي والتعاون لا تصل اليه ارقى الدول ولا ارقى الشركات، فما الذي يجعلها متخلفة؟ انها النظرة الى ان الانسان هو سيد الكون التي يعيّرون بها الاديان. أعلى مستوى وصل له العمل الجماعي هو عند النمل وليس الانسان، لا احد يغدر ولا يخون ولا يكسل والكل يقدم حياته دفاعا عن الخلية او البيت، ومهما كان الاعداء اقوياء فالكل يهاجم بشجاعة، ما الدولة التي وصلت لهذا المستوى؟ هم من هذه الناحية ارقى من امم الانسان. والكلب في وفائه ارقى من الانسان، والاسد في شجاعته ارقى من الانسان.

هذا موجود عند الكائنات "الدنيا" في سلم التطور! فعلى أي أساس يقولون أن الفقاريات أكثر تطورا من اللافقاريات؟ وأن الثدييات أكثر تطورا من غير الثدييات؟ مع أنها تحمل ميزات قد تكون متفوقة على الثدييات, مثلا التناسل عن طريق البيض أسهل من التناسل عن طريق الحمل, فالأم تحمل لمدة أشهر وتعاني بينما البيض مرة واحدة وتقوم الأم خفيفة بإمكانها الهرب والتنقل بخفة, والجنين محمي بالقشرة, وتستطيع أن تولّد عدة أطفال دفعة واحدة, أي أن هذا أكثر تطورا من عملية الولادة والرضاعة, أليس التبييض لمصلحة النوع أكثر من الحمل؟! أين الانتخاب الطبيعي؟ لماذا لم يجعل الإنسان هو الذي يبيض ويطير؟ أليست ميزات أفضل وهو يختار الأفضل؟ ومن اختيار الأفضل أن يُعطى الأفضل للأفضل, إذا كان الإنسان هو الأفضل فالمفترض أن يعطيه هذه الميزات.

العلم لا يبنى على التشابه, وعلم تصنيف الكائنات الحية كله قائم على تشابه بين الكائنات في صفات معينة, ولا يوجد حدود فاصلة تفصل بين التصنيفات بشكل دقيق, فالفصائل التي تصنف عليها الأحياء كثيرا ما تتداخل وكثير من الكائنات الحية تكسر تصنيفاتهم, فالحوت ثديي ويعيش في البحر وليس له خياشيم, وقد تجد كائن حي يصنّف من ضمن الرئيسات بينما يمكن تصنيفه من ضمن القوارض, مثل حيوان الأبخص (Tarsier)  (الرابط : https://goo.gl/YxTnC7 ) مصنف في طبقة الرئيسات مع أن يشترك مع الخفاش بعدة صفات كأذنيه التي تشبه أذني الخفاش و كونه لاحم ويصطاد ليلا.



وخلد الماء بطي المنقار (البلاتيبوس platypus ) (الرابط : https://goo.gl/EkQp7Q ) دليل واضح ككائن حي يجمع فصائل متعددة, مع أنه مصنف من ضمن الثدييات ، وهذا تصنيف غير علمي، فلديه منقار بط، وذيل قندس، وبرمائي، و يرضع صغاره، ويبيض، ومخالب قدميه الخلفيتين عند الذكور متصلة بغدد سامة للتسميم، والسم بالعادة يعتبر سلاح الزواحف والحشرات ، وهو من آكلات اللحوم كالديدان واليرقات وجراد البحر، وتقريبا أي كائن يمكن تصنيفه ضمن عدة فصائل.   



وعلى اي اساس علمي يتم تصنيف الجمل مع اللاما ؟ مع أن حيوان الرنة يشبه اللاما إلا بالقرون .

الحقيقة أن كل كائن حي له صفاته المستقلة التي لا يماثله فيها أحد بشكل كامل, وله غذاؤه وبيئته وانتاجه الذي لا يشابهه فيه احد، وله وظيفته في التوازن والتكافل لا يقوم بها احد غيره. اذن لماذا تسمى فصائل؟ ليس هذا الا من اجل التمهيد للتطور، لكن لا اقول ان تلغى الفصائل، طبعا لا، فلها فائدة في التصنيف الشكلي لأجل التعرّف الادبي لا العلمي. في الحقيقة لا توجد فصائل اصلا، فكل كائن مخلوق على حدة لأجل وظيفة واحدة، فنبات الزيتون مثلا : مع اي فصيلة يتم تصنيفه ؟ وماذا عن الباذنجان؟ وما هي النبتة التي تعطي مثل الزيتون تماما؟ لا توجد، و كل الانواع هكذا وليس فقط الزيتون، وما النبات الذي يعطي مثل الرمان؟ الحقيقة ان كل نوع هو خلق فريد، مع وجود بعض التشابهات مع غيره، و هذا لا بد منه، قال تعالى (وأتوا به متشابها) وقال تعالى (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل) مع أن الماء واحد، لكن لا نجعل التشابهات هي الأصل ونحكم بأنهم سلالة من عائلة واحدة، تماما مثلما تجد شخصا يشبهك في قارة أخرى، من الحمق ان تقول انه قريب لك !

قد يوجد ما يشبه الحيوان او النبات لكنه ليس مثله, نخل البلح مثلا ونخل الزينة تتشابه في بعض الصفات، لكن بينها اختلافات كثيرة, إذن التصنيف بموجب التشابه ليس علميا ولا يدل على علاقة بين الكائنات الحية.

إذا كنا سننظر للتشابهات يجب أن ننظر لكل شيء, القرد يصنفونه ضمن الرئيسات بسبب ذكائه بالدرجة الأولى كما يقولون, مع أن هناك طيور تستطيع أن تبني أعشاشا وتزينها بالورود (مثل طائر التعريشة الأسترالي vogelkop bowerbird) بذكاء لا يملكه القرد الذي يبقى عاريا تحت الثلوج في جبال اليابان ولا يستطيع أن يبني كوخا يحميه أو يندس في جحر أو يضع صخورا فوق بعضها البعض ليبني بيتا! مع أن جسمه مؤهل، فهو ليس كالطيور أو الاسماك، هو يستطيع القبض واستخدام يديه ويعيش في الصخور، فأين ذكاؤه؟ 







لماذا لا يصنف ذلك الطائر من ضمن الرئيسات ما دام يحمل هذا الذكاء ؟! هذا غير قدرته على تقليد الأصوات, وبالتالي يستطيع أن ينطق اللغة, لو كانت هذه الميزات في القرد ماذا سيقولون؟! ، وقد تم البحث في أصل مصطلح الرئيسات Primates على ماذا يدل بالضبط علميا ، وهل هو مبني على وصف تشريحي أو وصف خارجي للكائنات المنتمية للرئيسات، مثل مصطلح الزواحف والبرمائيات، ولم يتم التوصل لنتيجة، ولكن ذكر قاموس اوكسفورد ان مصطلح الرئيسات (كمصطلح علمي) ظهر في اواخر القرن التاسع عشر ، اي بعد ظهور نظرية التطور، مما يدل على أن المصطلح ايديولوجي وليس علمي. وبالتالي لا يوجد شيء اسمه رئيسات، رئيسات ماذا ؟ لا شك أنه بالنظر الى الانسان، على اي اساس صار الانسان في قمة التطور؟ هذا ما لا يستطيع التطوريون اثباته، وهو كون الانسان في قمة التطور بالنسبة للبقية، فلا هو يطير ولا برمائي وجسمه ضعيف وليست لديه وسائل دفاعية. اذن لا بد انهم ميزوه لأنه يملك عقلا، السؤال : هل الحيوانات ليس لها عقول؟ نحن رأينا في الطبيعة صورا كثيرة من الذكاء الذي لا يملكه الانسان ولا حتى بوسائله، فكيف تهتدي الطيور وهي تعبر المحيطات الى نفس العش الذي عششت فيه العام الماضي رغم الظلام والضباب وحالات الطقس؟ هذا امر معجز، بينما الانسان قد يضيع في مساحة 100 متر . قدرات على تمييز الروائح، قدرات في الطيران البارع ، قدرات في السرعة، ذكاء و جد واجتهاد وعمل كله موجود في الحيوانات في الطبيعة. اذن بموجب نظريتهم كيف يثبتون ان الانسان هو اعلى سلم التطور و ان الرئيسات هي اعلى السلم؟ وأن الثدييات ارقى من الزواحف؟ وان الثدييات ارقى من الطيور؟ وان هذه كلها ارقى من الحشرات ؟ ليس هناك ادلة يقدمونها، وكما رأينا ان الحشرات تملك وسائل دفاعية اكثر تطورا وتنوعا من الثدييات، و رأينا ان بعض الطيور تملك ذكاء اعلى من القرود.

الإنسان غبي لكنه قادر على التعلم، اما الحيوان فهو ذكي لكنه غير قادر على التعلم، وهذا هو خلاصة الفارق بين عقل الانسان وعقل الحيوان. الحيوان قابل للتدريب لكنه ليس قابلاً للتعلم، فحينما تطلقه في الطبيعة سيتخلى عما تدرب عليه، اذن هو لم يتعلم، ومعارفه كلها غريزية. يظن التطوريون أن الحيوانات الاقرب للانسان في سلم التطور هي الاكثر ذكاء، لذا يركزون عليها، بينما نجد حيوانات اخرى اقل منها رتبة تقوم بالعجائب. (راجع موضوع عقل الانسان وعقل الحيوان والفرق بينهما في هذه المدونة)

نوع من الغربان مثلا يحضر غصنا صغيرا ويلتقط به اليرقات من داخل جذع الشجرة ليأكلها، وهذا فيديو يوضح ذلك :

ونوع من الطيور (مالك الحزين الاخضر) يضع طُعما على سطح النهر لتقترب منه الأسماك ثم يصطادها كما يفعل الصياد :

والفيل يستخدم غصناً صغيراً ليحك به جلده :

والنسر المصري يستخدم حجراً ليكسر به بيضة النعام :

بل إن نوعا من النمل يستخدم الزراعة ! فيأخذ قطعا من ورق الاشجار إلى مستعمراتها لينبت لها نوعا من الفطريات ليتغذى عليها :


والبعوض تضع بيوضها في اكياس منفوخة بالهواء لتطفو على الماء ولا تغرق، هل درست البعوضة قوانين الطفو؟ والزنبور يضع يرقاته في بناء من الطين ثم يصيد حشرة ويضعها في مقدمة هذا النفق حتى اذا فقست صغاره تأكل من هذه الحشرة، كلها لديها رحمة لصغارها، كلها تدافع عن اماكنها، المُلهم واحد، وكلها لديها ذكاء وحيل فطرية وحلول لمشاكلها مهما كانت صغيرة، فسبحان الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هداه لوسائله، ولتقديم دوره في خدمة البيئة. انظر على قدرة الحرباء على التلون السريع، كيف تجمع كل الالوان الموجودة في المكان في جلدها بسرعة و دقة ؟ أي رسام لا يستطيع فعل هذا، هذا ذكاء خارق، لكنه محدود. الانسان يقف مبهورا امام هذا الابداع العظيم، والذي يعرف ان هذا لم يأت من فراغ او صدف. التأمل بالطبيعة هو تأمل في قدرات الله، (الذين يتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) هذا هو العلم المفيد ، قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) الذين يتأملون في الايات الكونية والايات القرآنية ويمزجون بينها ويخرجون بنتيجة ان هذا الكون لم يخلق عبثا ولم يخلق نفسه ولم تتحكم به الصدف العمياء، اذن الله موجود، اذن ربنا قنا عذاب النار. معرفة الدين لوحده لا تنتج هذه النتيجة، لا بد من ربط الآيات الكونية مع الآيات القرآنية. بهكذا تأمُّل يخرج دين الانسان عن العادة والتقليد ويصبح دينا حقيقيا فاعلا ، لهذا القرآن يحيلنا على الطبيعة في ايات كثيرة لكي نزداد ايمانا وليس إلحادا. وهذا هو الطريق الوحيد للحصول على العلم الايماني الذي ينتج خوفا حقيقيا من الله يردع عن فعل الموبقات أو قولها. الخوف من الله هو نتيجة العلم الحقيقي الايماني. لاحظ أنهم لم يقولوا (ربنا ارزقنا الجنة) بل قالوا (قنا عذاب النار) هذا اول مطلب.   

هذه هي فائدة التأمل التي يدفع اليها حب الطبيعة الغريزي في الانسان، وهذا ما يجعل كثيرا من العلماء ينفقون أوقاتا طويلة في متابعة الطبيعة والأحياء مع الاستمتاع، لأن هذا استمتاع بعظمة الله وإن كان لا يعترف بهذا الا المؤمن.

النماذج لعبقرية الكائنات الحية كثيرة جدا، فكل نوع حي هو عبقري في مجاله مهما كان صغيرا او كبيرا، (الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى)  ولا فارق في القدرات تبعاً لرتبتها، مما يشكك في حقيقة هذه الرتب المُفترضة. اذن على اساس تشريحي بيولوجي لا يوجد فرق، وبالتالي لا يوجد تطور، ولا فرق في القدرات والامكانات، فالقدرات موزعة على الجميع، سواء من قشريات أو ثدييات، وكذلك على مستوى الذكاء نجدها موزعة على الجميع، سواء في قدرات الحرباء على التلون مع أنها من الزواحف، وهذا ما لا تستطيعه الثدييات والطيور والرئيسات، ومن حيث قدرة بعض الطيور على تقليد الاصوات ومحاكاة اللغات، وهذا ما لا تستطيعه الثدييات الأرقى منها، اذن على اي اساس توجد طبقة أرقى من اخرى ؟ هناك توزيع للقدرات الجسمية والهيكلية والذكائية على كل الانواع، وهذا يؤيد نظرية الخلق الابتدائي ولا يؤيد التطور بل يبطله، لو كان ذكاء الثدييات ارقى من ذكاء الحشرات والطيور لجاز لنا أن نقول بالتطور، وبالتالي ذكاء الإنسان هو الأرقى وبالتالي هو الاكثر تطورا كما يصفه التطوريون. أو ان القدرات ارقى لجاز لنا ان نقول بالتطور، لكن نرى العجائب تخترق كل التصنيفات، اذن لا قيمة لهذه التصنيفات والتراتبية.

مشكلة تصنيف الأحياء أنها قابلة للاختراقات، أي لا يمكن وضع نوع واحد تحت تصنيف واحد جامع مانع ولا يقبل أي تصنيف آخر, حتى في التصنيفات العامة كمملكة النبات ومملكة الحيوان, فتجد نباتا يشبه الحيوان كالنباتات الصيادة, وتجد حيوانا يشبه الصخور كالمرجان, بل إن اليوجلينا (كائن وحيد الخلية) حيّرت العلماء في تصنيفها، فعلماء الحيوان اعتبروها حيوانا لأنها تملك خاصية الحركة، وعلماء النبات اعتبروها نباتا لأنها ذاتية التغذية، والفايروس كأنه جماد لكن إذا تهيأت ظروف معينة يكون حيا. والمعروف في تصنيف الطيور أنها تحوي الأحياء التي تطير و لها ريش و تبيض، مع ملاحظة أن البيض موجود لدى أغلب الزواحف أيضا، فالتبييض ليس خاصا بالطيور، ولهذا السبب ربما قالوا ان الطيور تطورت من الزواحف, لكن تجد طيورا لكنها لا تطير كالنعام التي ريشها غير مصمم ليقاوم التيارات الهوائية, وطيور لكنها ثديية كالخفاش, وطيور ليس لها ريش كالخفاش أيضا, إذن ماذا بقي من تصنيف الطيور؟ كل ما يميز فصيلة الطيور تراهُ مُخترقا في الطبيعة. إذن تصنيفاتنا هذه تصنيفات أدبية وليست علمية دقيقة.

علميا كل كائن حي هو نوع مستقل لوحده, وهذا هو الثابت علميا، من حيث النوع والوظيفة، أما الباقي فتشابهات قد يختلف فيها اثنان، ونظرية التطور مبنية على هذه التشابهات ، اي على جرف هار. أما أدبيا فنستطيع أن نجري مسحا ظاهريا لنرى التشابهات ونقول أن هذه عائلة نباتية أو حيوانية واحدة، وقد يرى شخص تشابها قد لا يراه الآخر، وهذه مشكلة البناء على التشابهات، فكل إنسان له وجهة نظر في التشابهات، مثلما يختلفون على صورة فيقول احدهم ان صاحبها يشبه فلان والآخر يقول بل يشبه فلان، تجد بعضهم متحمس ويقول يشبهه كثيرا، وذاك يقول بل يشبهه قليلا. العلم الحقيقي يبنى على الفروقات وليس على التشابهات من جهة الهيكل والبناء فقط، وهذا مأخذ قاتل على نظرية التطور المبينة على التشابه. بل لديها نقص في ادراك التشابهات نفسها، فهي لا تعتبر لتشابه الوظائف بين الانواع.

إذا قيل عن خلد الماء بطي المنقار (البلاتيبوس) أنه كائن لوحده ولم يُنسب إلى فصيلة, فما ذنب الثعلب أو النمر إذن؟ النتيجة : تصنيف الأحياء إلى عائلات وممالك تصنيف أدبي وليس علمي. مثلما أن البشر بينهم اختلافات لكي يتعارفوا مع أنهم نوع واحد.

في الغالب، التصنيفات تقوم على صفة واحدة بارزة, مثل الفقاريات واللافقاريات ومثل الدرنيات و وحيدة الساق, فيصبح الفول السوداني مع الجزر والبطاطس بعائلة واحدة كسلطة علمية! ويصبح النجيل مثل النخيل! ويمكن أن يأتي شخص آخر ويصنّف بناء على صفات بارزة أخرى غير المعمول بها في التصنيف الحالي. على هذا لا يحق لأحد أن يخطئني إذا قلت أن القرد من القوارض وهو يرى أنه من الرئيسات, فلا مشاحّة في الأسماء والتشابهات, فهو يراه يشبه الإنسان أكثر وأنا أرى صفاته و وظيفته تشبه القوارض أكثر, و كلانا كلامنا غير علمي بل تقريبي, فلا يوجد علم قطعي يفصل بيننا.  


التقريب من الحيل العقلية للفهم عند الإنسان، فالتحوير للأقرب من قوانين العقل, وهناك رغبة بإيجاد الفوارق للتفريق, لكن النتيجة أدبية تقريبية وليست علمية, مثلما يحصل في محاولة التفريق بين الأعراق البشرية أو بين سكان بلد وسكان بلد آخر، لكنها غير دقيقة علميا, وكثيرا ما نفاجأ بخطأ تقييمنا المبني على هذه الفروقات. هذا ما يحصل في تصنيف الأحياء في الطبيعة, كثيرا ما يُفاجأ العلماء بما يخالف القواعد التي بنوا عليها تصنيفاتهم, مما يدل على أنه تصنيف ليس مبنيا على أساس علمي، بل تقريبي مبني على التشابهات الواضحة –وأحيانا المتكلفة- .

جدوى التصنيف ليست للتفريق العلمي, بل لتسهيل المعرفة ولتنحية ما هو ضدها, وهذ من وسائل العقل البشري في التمييز والتصنيف، فإذا قلت أن النعامة من الطيور فهذا يخرجها من أن تكون من الحشرات أو الفطريات ..إلخ, لكن لا يعني هذا أنك عرّفت النعامة كما هي, بل عرّفتها بضدها وبضدها تتميز الأِشياء.

كل التصنيفات في الطبيعة حتى في عالم المادة غير علمية, لكن معرفة الخواص دقيقة علميا, أما التصنيف فهو للتقريب ليس إلا. الزئبق مثلا مصنف من ضمن المعادن، لكنه سائل وليس صلبا, والمعدن من صفاته أنه قابل للطرق والسحب، أي صلب. والماء مصنف كسائل مع أنه إذا تجمد يتمدد وليس ينكمش, وهم يقولون أن المادة تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة, والماء مادة لكنه يكسر هذه القاعدة التصنيفية. بل المادة نفسها لا يمكن فهمها, فلا شيء يمكن ضبطه في الطبيعة, لكن ضبط الخواص هو العلم, فخواص الذهب لا تكذب أبدا, مثلما أن خواص الدب لا تكذب, إذن نحن نعرف الأشياء من خواصها وليس من ذواتها, فضلا عن أنسابها كما يدعي التطوريون!

نحن لا نفهم إلا من خلال الصفات التي يعمل عليها تمييزنا, هذا هو علمنا البشري, لهذا علمنا قاصر مع أنه علم, قال تعالى:{وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. لذلك المنهج العلمي الوصفي هو المنهج المحترم، وهو المنهج العلمي الحقيقي، والخروج عنه يبعدك عن العلم ويؤدي للخرافة والوهم العلمي. العالِم المحترم هو من يصف الظاهرة أو الكائن الحي ويفسر من خلال الظواهر, محاولا الاستفادة منها، أي ظواهر بظواهر, مثل ما يربط ظاهرة المطر بظاهرة التبخر. هذه هي الدراسة العلمية, كأن يدرس معدن الزنك وأنه ينصهر في درجة حرارة كذا و ناقليته للكهرباء كذا و وزنه كذا..إلخ, هذه دراسة علمية مفيدة, مع أننا لا نعرف ما هي حقيقة الحرارة ولا حقيقة الكهرباء ولا حقيقة الجاذبية ولا حتى حقيقة الزنك ما هي! نحن لم نعرف حقيقة ذواتنا ما هي ! فكيف نعرف ما حولنا؟ التصنيف العلمي يجب أن يقوم على معرفة ماهيات، وهذا غير ممكن للإنسان أن يعرف ماهية شيء واحد.

وهذا لا يعني إلغاء كل التصنيفات بل نحن محتاجون لها, لكن لا نسميها "علمية" ، لأن لكل تصنيف ستجد فيه شذوذات واختراقات, وما دام انه اخترق فليس تصنيفا علميا، فلا يصح أن يكون تصنيف ما علميا و له استثناء وشذوذ عن القاعدة في نفس الوقت.

نحن نستطيع أن نصنف ما نصنع نحن، لكن لا نستطيع أن نصنف ما صنعه الله, فنصنّف هذا النوع من الدراجات، أنها دراجات هوائية وتلك دراجات نارية, وذلك النوع سيارات سباق وتلك سيارات نقل وهكذا, هذا تصنيف دقيق علميا لأنه تصنيف لأشياء نحن من صنعها, أما الطبيعة فلم نصنعها نحن حتى نصنفها, والله يقول : {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم} وقال: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} وقال: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}, فمن صنع شيئا فهو أدرى به.

وهذا الكلام ليس تشكيكا في العلم, فالعلم قطعي لكن في مجاله. إن أي تفسير في مجال الطبيعة أو تنسيب (يُنسب إلى شيء) فهذا يعتبر تفسير وتنسيب أدبي وليس علمي. الماديون حرفوا العلم عن دراسة الوصف إلى محاولة معرفة الماهية والأًصل, وبالتالي خرجوا عن نطاق العلم, أخذوا الألماس مثلا وانشغلوا بتصنيفه وبكيفية تكونه في الطبيعة وتاريخه, هذه فلسفة وليست علما مفيدا, و هذه الدراسات تفتقر للتجربة, إذا استطاع أحد أن يقوم بتجربة يصنع من خلالها ألماسا فسيكون كلامه علميا. ويبقى العالِم الوصفي هو العالِم الحقيقي الذي أخبرنا عن ميزات هذا المعدن, ومثله العالِم التطبيقي الذي يُدخله في تطبيقات ومبتكرات, أما الثالث (التفسيري) فهو متفلسف وليس عالما. العلم وصفي وتطبيقي وليس تفسيريا في الأصول. التفسيري يكون عالِما إذا أجرى تجربة ناجحة ومكررة, إذ لا علم بلا تجارب. ونظرية التطور كلها في مجال الفلسفة ، لأنها ليست لديها تطبيقات ولا يمكن التجريب فيها.

العلم يوصًف الظاهرة كما هي بدون أن يفسّر, ويأتي ليستفيد منها بشكل أو بآخر. لهذا العلم لا يسير إلا بإثباتات وبتجارب وبمشاهدات, وبدونها لا يكون علما، بل ضربا من ضروب الفلسفة. هل من العلم أن تُحيل التجربة إلى ملايين السنين السابقة مثلا كما هي تجارب الداروينيين؟ هذا كلام غير علمي. يجب إعادة العلم إلى نصابه ومساره الحقيقي حتى لا يختلط بالفلسفة والنظريات. يستطيع اي احد ان يقول ان الحياة خرجت من الحديد عبر ملايين السنين، وهيا جرب ! وأمامك ملايين السنين!

(الدقيقة 8) يعرّف الدكتور الإنتخاب الطبيعي بأنه "انتخاب وتخيّر وانتقاء غير عشوائي" ، ويقول أن الإنتخاب الطبيعي ليس عشوائيا، لكنه انتخاب لصفات تحدث وتحصل عشوائيا، أي تحدث بطريقة عشوائية.

الرد : الانتخاب الطبيعي اسمه خاطئ ومضلل, لأنهم يصورونه وكأن الطبيعة كلها تنتخب وللصالح العام, وهذا غير صحيح, إذا وُجدت الفراشات السود ولا تستطيع الطيور الليلية أن تشاهدها فنحن أمام انتخاب فراشات، أي انتخاب نوعي و ليس انتخاب طبيعي, لأن النتيجة ضرر على الطيور، والطيور من الطبيعة, وكأن الانتخاب الطبيعي انتخب شيئا ضارا للطيور, وإن قال أن الطيور هي التي انتخبت وهي من الطبيعة فكيف تنتخب شيئا ضارا بمصالحها؟ لأن الانتخاب الطبيعي كفكرة تقول بانتخاب الأحسن والأفضل, والمفترسات لا تنتخب الأفضل بل تنتخب الأضعف. فالقول بالانتخاب الطبيعي غير العشوائي يؤدي إلى حتمية وجود إله, وهذه الفكرة كأنها تعويض عن فكرة الإله, تبديل لإله واعي بإله يُجعَل واعيا وهو غير واعٍ كدليل على الحاجة لإله واعي, وبالتالي القائل بالانتخاب الطبيعي مثل القائل بوحدة الوجود, أن الإله مبثوث في الطبيعة (توثين الطبيعة), وهذا يدل على النفس الإلحادي الذي ينفخ في هذه القربة المقطوعة.

ما الذي قلل عدد الدببة ليعطي فرصة للطرائد لتتكاثر؟ مع أن منطق النظرية يؤدي إلى انفجار سكاني للدببة نظرا لقلة الاعداء وتنوع اكلها! سيقولون انتخاب طبيعي واعي بمصلحة الجميع والتوازن البيئي نتيجته, لماذا لا يقولون إله واعي خلق من كل شيء موزون؟ {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}.
  
إذا كانت الطبيعة انتخبت الدب الأبيض للثلج حتى يختبئ فالضحية هي الطرائد, هذا نسميه انتخاب دُبَبِي وليس انتخاب طبيعي. واقع الطبيعة يكذب كل هذا, وإلا لكانت الحيوانات المفترسة المتلونة هي الأكثر عددا، وهذا غير موجود في الطبيعة, فالدببة عددها قليل رغم ندرة أعدائها. إذن لا يوجد لا انتخاب طبيعي ولا انتخاب نوعي.

تعبير داروين بأنه انتخاب طبيعي خطأ, كان من المفترض أن يقول أنه انتخاب نوعي, مع أنه غير حقيقي ولا حتى في النوع. مصطلح داروين يصوّر الانتخاب الطبيعي كأنه بديل للإله يعي مصالح الجميع, مع أنه يضحي بمصالح نوع لأجل مصالح آخر.

ثم كيف يسمي وجود الطفرة عشوائيا ولا يسمي بقاءها عشوائيا؟ مع أن تبرير الثاني يصلح للأول, فتقول الانتخاب الطبيعي يحتاج إلى طفرات معينة فأوجدها ثم أبقاها وتسير الامور! على هذا لا بد ان يكون الانتخاب الطبيعي مدرك لمصلحة الجميع، بحيث يلون الدب بالابيض او ينتخبه وبنفس الوقت يقلل موالديه حتى لا تنقرض الطرائد ! اذن هذا واعي بمصلحة الجميع ، من يكون هذا إلا إله ؟ واقعيا هل يمكن تجربة انتخاب طبيعي؟ طبعا لا ، فلا توجد الا الفوضى.

مثلا : لنفرض صندوق فيه اوراق ملونة، وقرد يسحب هذه الاوراق للجمهور، الاحمر يقتل، والازرق ينجو، فهل هذا القرد يستطيع التحكم بالنتائج فيكثر من اختيار الازرق لتكثر نجاة الجمهور؟ او يضبط النسبة بين الازرق والاحمر حتى لا يكون هناك انفجار سكاني ولا تنقرض الحياة؟ طبعا يمكن اجراء التجربة لكن بدون قتل، حتى نرى الانتخاب الطبيعي اين هو، اذن لا يمكن ايجاد الانتخاب الطبيعي في التجربة، اذن اين هو ؟ لا بد أننا نتكلم عن وهم، اذا كان موجودا في الطبيعة فهو موجود في تجربة الصندوق، لأن هذا الصندوق من الطبيعة. هل سيتدخل الانتخاب الطبيعي ويعطي الاقوياء والصالحين للحياة الكروت الزرقاء ويعطي الضعفاء الكروت الحمراء ؟ هل سيعطي الكروت الزرقاء للإناث أكثر ويعطي الكروت الحمراء للذكور لأن الاناث هم اصل الحياة مثلا؟ هذا لن يكون، مع ان التجربة في الطبيعة، اذن اين الانتخاب الطبيعي ليعمل عمله؟ افرض ان دكتاتورا قويا جدا سيجري هذه التجربة على كل الاحياء، من سينتخب البقاء للأقوى امام سفاح ؟ هذه التجربة تثبت عدم وجود الانتخاب الطبيعي. 

(الدقيقة : 11 الثانية : 20) يرجع الدكتور لمثال الدببة ، ويذكر ان اللون البني لا يناسب الدب الذي يعيش في البيئة القطبية، لا من جهة الطرائد، لأنها ستهرب منه، ولا من جهة المفترسات، لأنها ستهاجمه.

الرد : الدب القطبي أكثر غذاؤه على الأٍسماك أًصلا، فلن يموت جوعا حتى لو كان لونه بنيا! بل انه يشم طرائده حتى لو كانت مندفنة ومختبئة على عمق متر، فينبش عنها ويُخرجها. ثم قول الدكتور أن اللون الأبيض يساعد الدب الصغير على التخفي من الذئاب مثلا, فالدب الصغير لا يتجول لوحده بل تكون معه أمه وأمه شرسة يخافها الذئب.

(الدقيقة 12) يذكر الدكتور انه بافتراض ان الدببة في البيئة الثلجية كانت كلها بنية، فإنها ستهلك لعدم تكيفها مع البيئة، لكن لو حدثت طفرة بطريقة ما و ولدت اللون الابيض في فردين او ثلاثة من مئات الالوف من الدببة، فبمرور الزمن سيحدث ان هذه الصفة (اللون الابيض) سيشتغل عليها الانتخاب الطبيعي.

الرد : لن تهلك ، على أي أساس يفترض الدكتور أن الدب الأبيض ناتج من الدب البني؟ هذا افتراض وليس علما, مثل افتراض أن الحمار الأبيض ناتج من الحمار الأسود أو العكس. ربما جاء الدب الأبيض من المناطق الباردة و تغير لونه إلى البني بطفرة ما! ثم منطقيا يجب أن يكون دب الغابات لونه أخضر مثلما أن دب الثلج لونه أبيض لأن اللون السائد في الغابات هو الأخضر! هذا غير ما يتردد عند بعض علماء الأحياء عن عمى الألوان عند الحيوانات, فيقولون أن الثور وهو متطور لا يميز اللون الأحمر على وضوحه فكيف بحيوانات أكثر بدائية كالفقمات! ثم نفس المنطق ينقلب عليهم, فربما تفقد الدبة الأم طفلها ولا تستطيع أن تجده بسبب لونه الشبيه بالثلج! ثم كيف يلتقي دب ذكر بدبة أنثى؟ إذا كان لونهما مميز سيراها من بعيد فيحصل التكاثر والتوالد!

وهنا انقلب السحر على الساحر، وهذا يدلك على ان اللون أعطي اكبر من حجمه وأنه ليس مسؤولا عن البقاء او الانقراض. اذا كان فقدان الابيض يؤدي الى انقراض، اذن وجوده سيؤدي الى ضياع وتماهي مع الثلج وعدم التقاء الذكر بالانثى والام بطفلها، وهذا لا يحصل. اذن البياض لم يعد له تلك القيمة التي اعطيت له، والسبب وجود وسائل كثيرة للمعرفة كالشم ومعرفة الاثار، والسباحة في الماء وصيد السمك بل والحفر في الثلج، وهذه كلها لا تحتاج لونا ابيض، لو كان اللون كافيا للانقراض لانقرضت الفقمات والبطاريق لأن ألوانها داكنة وتُرى من بعيد، اذن الظاهرة اللونية حمّلت أكثر مما تحتمل. نعم هي تفيد بعض الفائدة عند المفترسات، ولكن ليست كل الفائدة. لأنها تحتاج للتخفي في بعض الظروف وليست كلها. فالدب يصل الى الفقمات ولا تهرب منه، فليس محتاجا للتخفي كثيرا، وعجول البحر تصطف وتدافع عن صغارها. لكن لخلو المكان من الاشجار والشجيرات احتاجت الحيوانات المفترسة الثلجية الى اللون الابيض. مع انها ليست حاجة ماسة كما ذكرنا، لأن الدب قلّما يطارد، وأكثر مصايده في الماء او بجانب الماء، (راجع نقد الفكرة اللونية في الحلقة الرابعة).

الدكتور يقول أنه لو كان لون الدب بني في الثلج لانقرض, إذن لماذا لم تنقرض الفقمات رغم لونها الداكن؟ وأعداؤها لونها أبيض كالثلج, إذن كان يجب أن تقضي الدببة على الفقمات! فما دام اللون الأبيض هو الأفضل لمن يعيش على الثلج، لماذا لم تكن الفقمات و أسود البحر وعجول البحر تحمل اللون الأبيض أيضا ما دام أنه مفيد لهذه الدرجة؟ أليس لها نصيب من الانتخاب الطبيعي؟ فقط النصيب للدببة ؟ مع أنها أكثر أنواعا وأعدادا وفرصة الطفرة أكثر فيها! هذا يكسر صحة هذا المنطق. القطط تحمل ألوان بيضاء وسوداء وبنية ومرقطة وتعيش في نفس البيئة, لماذا الانتخاب الطبيعي لم يختر نوعا هو الأفضل منها؟ مع أنها كلها صيادة؟ إذن لا قيمة للون مع وجود الناب والمخلب والأنف! وكذلك الأسماك - كاسماك الزينة مثلا - توجد بألوان لا تعد ولا تحصى, لماذا لم يختر لها الانتخاب الطبيعي لونا واحدا يناسب ألوان البحر؟ لكننا نرى ألوان غاية في البهرجة والإبداع ولفت النظر من بعيد لأسماك ضعيفة صغيرة!

يجب أن تسقط الفكرة اللونية, لأن التعميم يسقطها, و تجد الدارويني يتكلم عن حيوان واحد، كالدب فقط، ولا يتكلم عن خصومه أو بقية الصيادين أو الطرائد, وهذه انتقائية هزلية و مردية للعقل. في ظل النظرية اللونية : ما الفائدة من وجود حمار أبيض؟ مع أن الحمير الداكنة ألوانها مموهة؟ لماذا لم تنقرض الحمير البيض مع أن ألوانها تجذب الأعداء أكثر؟ والخيول البرية البيضاء موجودة ولم تنقرض، ولماذا يطير البوم بأجنحة بيضاء في الليل وكأنه هلال يطير؟ ألا يجعل هذا خصومه تراه أكثر؟ وهل انقرض البوم الأبيض؟ إنها فكرة لا تصمد للنقاش, والمشكلة أن الداروينيين يعوّلون عليها ليثبتوا واقعية نظريتهم غير الواقعية.

هذا منطق ينطبق على الجنود في حقل تدريب الرماية, يرى الجندي لونا فاقعا من بعيد فيركّز عليه النظر ويطلق عليه. التمويه اللوني مناسب للجنود ومعداتهم لأن الإنسان يميز الألوان بسهولة و لديه مناظير ويطلق النار بموجب الرؤية فقط. مشكلة الملاحدة والماديين أنهم يسقطون حياتهم البشرية على الطبيعة. الجندي سيطلق النار من بعيد، لكن الحيوان المفترس سيتشابك مع فريسته، وبالتالي سوف تكتشفه مهما كان لونه، لهذا يعتمد على اشياء اخرى غير التمويه كسرعة الهجوم او بطئه وخطة الهجوم الجماعي، والمخالب والأنياب، الى غير ذلك من التقنيات. الحيوانات لديها وسائل أخرى لاكتشاف الخصوم غير اللون, كالآثار و الشم و رصد الحركة والسمع و تحذير أفراد القطيع وغيرها من المعلومات الغريزية, حتى أنها تعرف هل هو جائع أو غير جائع، وإذا كان غير جائع تسمح له بالاقتراب أو تقترب منه, حتى ترى الغزلان في أفلام الصيد ترعى الأعشاب القريبة من أقدام الأسد لأنها تعرف أنه ليس في حالة صيد.

وإذا كان الأمر يتعلق بأسود البحر والفقمات فهي لا تفر إذا جاء الدب، بل تتجمع, لذا لا فائدة كبيرة من الرؤية من بعيد, يحتاج إلى هذا الاسلوب من يعتمد على الفرار, إذا اقترب الدب تتجمع عجول البحر وتجعل الصغار في داخل الدائرة كما تفعل الأبقار وتواجهه بأنيابها, والدب أصلا ليس حيوانا سريع الانقضاض كالفهد، بل ثقيل ويصل وزنه إلى 300 كيلوغرام, وأكثر غذاؤه يعتمد على الأسماك. والدب سبّاح ماهر يسبح لمسافات طويلة تصل إلى مئات الكيلومترات ويصيد السمك في البحر ويقوم بهجوم تحت الماء, واللون الأبيض يجعله مميزا تحت الماء فتراه الأسماك فتفر بموجب هذا المنطق اللوني!

ثم كيف تكون الظروف البيئية هي ما تنتخب من الأحياء ما يناسبها؟ في بعض الظروف الأفضل هو الأسرع والأخف, و في بعض الظروف الأفضل هو الأقوى, و في بعض الظروف الأفضل هو صاحب اللون الزاهي، و في ظروف أخرى الأفضل هو صاحب اللون القاتم, أيها سينتخب الانتخاب الطبيعي؟ البيئة هي أمور متناقضة, فالبيئة أحيانا تحتاج الأقوى والأضخم جسما لتحمّل الصدمات وللمواجهة المباشرة, وأحيانا تنتخب الأصغر والأخف, وهكذا. البيئة ليست شيئا واحدا بل هي ظروف متناقضة, فكيف يوجد حيوان يُعجب كل ظروف البيئة ؟ فيكون صغيرا وكبيرا وأبيضا وأسودا وضخما وخفيفا بنفس الوقت؟ لماذا الحرباء تغيّر لونها؟ لماذا لم تختر لونا واحدا يناسب البيئة؟ هذا يعني أن البيئة متناقضة. البيئة مرة يكون فيها وحل يحتاج العابر عليه إلى أظلاف مشقوقة ومرة يكون فيها رمل يحتاج الماشي عليه إلى أخفاف عريضة, و مرة يكون فيها أماكن ضيقة يحتاج عابرها إلى جسم صغير لكي يدخل مثل شقوق الجبال, ومرة يحتاج العائش فيها جسما قويا ليتحمل الصدمات، كأن تسقط عليه شجرة مثلا. إذن البيئة شيء عائم و يحوي المتناقضات، مثل فكرة المجتمع. لماذا انتخب الانتخاب الطبيعي القرون للثور اذا اعتبرنا البيئة؟ لماذا لم تجعله صغيرا كالفأر؟ هل قرون الثور تنفعه في كل الأحوال؟ وهل أنياب الفيل دائما تنفعه؟ أحيانا تتكسر من الأشجار, إذن هي ليست الأفضل. أيضا العيشة الجماعية للنحل, هل هي دائما لصالحها؟ العيشة الجماعية لها تجعل الدب يأتي ويحصل على عملها كله, أو تكبر الخلية جدا وتسقط بسبب ثقلها. بعبارة أخرى : ليس هناك كائن مناسب للبيئة بشكل كامل, فكل كائن حي مناسب في شيء و غير مناسب في أشياء. حتى السرعة العالية تجعل الكائن الحي معرض للإصابات والاصطدام أحيانا, هذا غير أن السرعة تتطلب خفة، أي وزن أقل، وبالتالي قوة أقل.

حتى يوجد تناسب مع البيئة لا بد من تقلُّب الصفات كظهورها مرة واختفائها مرة, وهذا غير موجود في الحيوانات, كأن تظهر قرون الغزال في مرة، ومرة أخرى تختفي اذا مر من بين الاشجار حتى لا تعلق، بحسب الحاجة، وكذلك أنياب الفيل, وكذلك يتغير وزن الفيل بحسب الحاجة، فإذا صار هنالك خطر خفّ وزنه ! التناسب مع البيئة هو التقلب, وهذا ما يفعله الإنسان، فلأجل أن يعيش لا بد أن يتقلب, فمرة يقف على أًصابعه لالتقاط شيء بعيد أو يزحف على بطنه كالزواحف ليمر أسفل شيء, أو يصنع مناظير ليشاهد من بعيد, ومرة يسافر بطائرة ومرة بغواصة ومرة بسيارة, وهو يفعل هذا لأجل أن يتناسب مع البيئة, لأن عنده عقل يصنع له تناسبا, أما الانتخاب الطبيعي فلا يستطيع أن يختار الأنسب للكائن في البيئة، لأن البيئة ليست شيئا واحدا. وهذا يثبت قانون الاقتصار، فكل كائن متكيف الى حد مع البيئة، وتقلب الظروف يكشف نقصه، وهذا من التوازن البيئي، لهذا خلق الله الموت وخلق الحياة، ولكل اسبابه.

(الدقيقة : 13 الثانية : 45) يشرح الدكتور أن الانتخاب الطبيعي هو ما يختار الصفات الحسنة للنوع ويثبّتها، وهذه الصفات الحسنة تأتي من خلال طفرة أو طفرات.

الرد : كيف يؤدي التغير في المستودع الجيني عبر ملايين السنين الى تطور نوع جديد (تطور كُبروي "ماكروي") ؟ حسب المنطق التطوري لا يمكن هذا إلا بحدوث طفرات جينية، فهي السبيل الوحيد لتغيير محتويات المستودع الجيني للنوع، أما العوامل الأربع الاخرى التي تصنع التطور: (التزاوج و تقلص أفراد العشيرة و إضافة أفراد إلى العشيرة والانتخاب الطبيعي) فهي لا تغيّر في محتويات المستودع الجيني للنوع، بل تغير فقط في ترتيبها، وتغيُّر الصفات السائدة في عشيرةٍ ما لا يؤدي إلى تغيير تلك العشيرة عن باقي النوع، فقد يلد من تلك العشيرة من يحمل الصفات غير السائدة تبعا للمستودع الجيني الأساسي للنوع, إذن من الخطأ اعتبار ان هذه العوامل الأربعة من عوامل التطور.

بناء على هذا, لا يمكن للتطور الصغروي أن يؤدي إلى كبروي إلا في حالة الطفرات الحسنة، وليست واحدة بل سلسلة من الطفرات الحسنة لنفس العشيرة المحظوظة, وبما أنه لا يوجد علميا شيء اسمه طفرات حسنة ولم يثبت سوى الطفرات الضارة, اذن لا يوجد شيء اسمه تطور كبروي، وبما أنه لا يوجد تطور كبروي إذن سقطت فكرة التطور كلها ومن ضمنها فكرة التطور الصغروي, فكل تلك التغيرات في العشيرة هي إعادة خلط لنفس محتويات المستودع الجيني، ومهما أعيد الخلط فلن تتغير المكونات الأساسية.

إذن أساس نظرية التطور الدارويني كلها هو الطفرات التي تأتي صدفة, أي يمكن تلخيص نظرية التطور بأنها : نشوء أنواع جديدة بالصدفة! هذا هو جوهر نظرية التطور الذي يحاولون إغفاله والتركيز بدلا عنه على الانتخاب الطبيعي حتى تبدو النظرية منطقية بعض الشيء, فيقولون مثلا أنه من المنطقي أن الغزال الذي اكتسب صفة وراثية تجعله أسرع أن تنتخبه الطبيعة ويبقى أكثر من الغزال الأبطأ, ولكن السؤال المهم هو : كيف اكتسب الغزال تلك الصفة الوراثية التي جعلته أسرع؟ كيف ظهرت فجأة؟ هذه السؤال لا يحبونه لأن جوابه هو الصدفة "الطفرة", وهي أساس التطور كله.

إذن نظرية التطور لا تستحق حتى اسم نظرية علمية, لأنها مؤسسة على أساس غير علمي بتاتا وغير منطقي وهو الصدف العشوائية. العقلية العلمية تبحث عن المنطق والقوانين في الطبيعة, وتفسير أي ظاهرة طبيعية بأنها صدفة هو مخالفة صريحة للمنطق والمنهج العلمي, لهذا لا يصح اعتبار نظرية التطور نظرية علمية ولا حتى فرضية علمية مهما أحضروا من أحافير ومهما أجمع عليها العلماء وأحضروا من أدلة, لأن الأدلة العلمية لا تدل إلا على علم وليس على عشوائية و صدف, وأساس نظرية التطور هو الصدفة التي لا يمكن أن تكون علما يوما من الأيام. 

(الدقيقة 17) يتحدث الدكتور عن أن الانتخاب الطبيعي مصطلح مجازي وليس علمي، وأن داروين قد تأسف لإستعماله في كتابه، ويشرح الدكتور انه ليس من الصحيح اعتبار الانتخاب الطبيعي كائن عاقل له ارادة ويختار، بل هو مجرد رؤية ان تلك الصفة في الكائن الحي افضل مقارنةً بالصفة الاخرى، وتجعله أكثر تلاؤماً مع البيئة واستجابةً لتحدياتها، فبالحري أن فرصته في الامتداد والنجاة والبقاء والتكاثر تكون أكثر من فرصة إخوانه، حينها سوف يقال هذا الكلام فقط، دون أن يكون هناك اعتقاد أن هناك شيء إسمه الانتخاب الطبيعي ينتخب وينظر ويُراقِب، ودون أن يُتساءل ما هو هذا، وهل هذا بديل عن الله عز وجل. ويذكر الدكتور ان استعمال مصطلح الانتخاب الطبيعي مثل استخدام الفلكي لعبارة (اشرقت الشمس) أو (غربت الشمس) ، وأنه مجرد كلام مجازي، وليس من المنطقي ان يشرح الفلكي أن الارض دارت حول نفسها الخ، بل ينسب الشروق والغروب للشمس مجازا.

الرد : أين المنطقية في الفصل بين الطفرة الحسنة والانتخاب الطبيعي ؟ والطفرة لا قيمة لها إلا بوجود الانتخاب ؟ هكذا يقول الدكتور. والانتخاب لا وجود له وليس كيانا كما يقول ! نريد أن نفهم ! مادام سُمِّيت طفرةٌ ما حسنة فقد انتهى الأمر. الطفرة الحسنة ستخدم صاحبها بدون تدخل من شيء اسمه الانتخاب الطبيعي ! لأن الحَسَن يُثبت نفسه. إذن المكان المنطقي للانتخاب الطبيعي هو في الطفرات نفسها, فنقول : الانتخاب الطبيعي اختار طفرة حسنة وأوجدها، وما دامت حسنة فسوف تبقى لأنها حسنة، وليس لأن الانتخاب الطبيعي اختارها. داروين أوجد شيئا غير موجود وهو الانتخاب وكأنه بديل للإله.

و ما دام أنه ليس بديلا للإله كما يقول الدكتور، فلماذا يوجد المصطلح أصلا؟ قل : طفرة حسنة وطفرة سيئة فقط، بالصدفة, واحذف مصطلح "انتخاب طبيعي" طالما أن لا معنى له, لأن الطفرة هي التي عملت، وبالتالي العشوائية هي التي عملت. المفترض أن يكون اسم كتاب داروين "حول أصل الأنواع عن طريق الطفرات الحسنة", لكن لم يقل هذا حتى يبتعد عن فجاجة فكرة الصدفة العمياء، مع أنه واقعٌ فيها في نهاية المطاف, واستعمل مصطلحا مُمَوِّها, وهذا كذب وتضليل عندما تدخل الشاعريّة في العلم, مع أن الدكتور زكّى داروين عن الكذب كثيرا.

هذا المصطلح مضلل ويجعل البسطاء يتصورون أن هذا الانتخاب بديل عن الإله، يدرك مصالح الجميع ويوازن بينها, ليس من المنطق أن تضع كلمة مُضلِّلة ثم تقول : لا تضلّوا بسببها ! وكأن كلام داروين وحيٌ من السماء ! الدكتور نفسه يقول أنه مصطلح شاعري, فما دخل الشعر في العلم؟ احذف الشعر وأبق العلم, والشعر ليس مجاله العلم مع احترامنا للدكتور ولداروين, وهذا تصريح يثبت أن نظرية التطور نظرية أدبية وليست علمية, تفترض وجود شيء ثم تتبرأ من وجوده بحجة أنه مصطلح شاعري! هل المصطلح الشاعري تُؤلَّف عليه كتب يقال أنها علمية؟! كم هو مظلوم هذا العلم مع التطوريين من ملاحدة ومقلّدين. ولماذا يعولِّ على الانتخاب الطبيعي كثيرا وأنها فكرة عبقرية مع انه يصفه بأنه كلمة شاعرية؟ يجب عزل الشعر عن العلم. النظرية تثبت وجوده لأجل التبرير، وتتهرب من وجوده لفقدانه المنطقية ! فصار شيئا موجودا ولا موجودا في نفس الوقت ! ما هذا العلم ؟ مرة علمي و مرة شاعري! هذا اسلوب الملاحدة بشكل عام كأسلوب الجربوع، يضع مخرجين أحدهما للطوارئ في كل ما يقولون، لهذا التناقض هو السائد على كل طرحهم ولا يستعيبون من التناقض ويكررون تمسكهم بالعلم والعلمية، مع ان العلمية ضد التناقض، لم يوجد العلم إلا لنفي التناقض.

ما فائدة أن يعتذر داروين عن مصطلح "الانتخاب الطبيعي" مع أنه يضعه كعنوان مضلّل لكتابه؟ والدكتور يحاول أن يجمّل وجه الكذبة ويصفها بالشاعرية. الخطأ يجب أن يُحذف، ولا يقال أنه اعتذر عنه وانتهى الأمر. وتشبيه هذه القضية بقضية الفلكي الذي يتكلم عن غروب الشمس غير دقيق, لأن الفلكي لا يقدمها كحقيقة علمية بل يقولها من باب الاختصار, لكن كلمة داروين الشاعرية "الانتخاب الطبيعي" يقدمها كحقيقة ويجعلها عنوان كتابه ويربطها بأصل الأنواع, بل طريق للأنواع لأنه قال "عن طريق الانتخاب الطبيعي", وهذا فرق بينهما, والدكتور يلاحقه في هذا التوهيم لأنه فصلَ بين الطفرة الحسنة وبين الانتخاب الطبيعي. ما دام يقول أنه يوجد طفرات حسنة وطفرات سيئة, فما هو دور الانتخاب الطبيعي إذن؟ الحسن سوف يبقى من تلقاء نفسه، وحُسنه مأخوذ من مناسبته للبيئة, ولا يحتاج إلى عامل آخر ينتخبه، فوصف الطفرة بأنها حسنة هو عملية انتخاب بحد ذاتها، ووصفها بأنها سيئة هو عدم انتخاب لها، هذا مثل تسمية الشيء بإسم آخر وهو شيء واحد، هذه المغالطة العقلية التي بنوا عليها الانتخاب الطبيعي، إنها لعبة تضليلية : إيجاد شيء اسمه انتخاب طبيعي . مجرد تسمية الطفرة بالحسنة تكفي عن الانتخاب الطبيعي. لأن البيئة لم تفعل شيئا في ايجاد الصفة الحسنة، فكيف يستفيد الانتخاب الطبيعي منها وهو لم يوجدها، بل الصدف العمياء من أوجدتها؟ الصفة هي التي ظهرت ومن صفاتها مناسبتها للبيئة, إذن العامل الوحيد هو الطفرة وحسنها وليس الانتخاب الطبيعي, ما دام ان حسن الصفة سيبقيها وسوءها سيحذفها، فما وظيفة الانتخاب الطبيعي اذن ؟ لا شيء، شاهد ما شفش حاجة، هو وهم من الخيال لا وجود له، والأمر مقضي من دونه، بحسن الصفة أو بسوءها. اذن النتيجة النهائية : الصدفة العمياء هي التي تتحكم بكل شيء وصنعت كل شيء ومن لا شيء ولا يوجد اله وعليك ان تصدق وإلا فأنت وعقلك لا شيء، وهذا بيت القصيد، كل هذا النظام والتراتب والغائية علينا ان نقبل انها جاءت بمحض الصدف العمياء، حتى يبتسم لنا الملحد بعد ان فرّطنا بعقولنا، هذا لا يمكن، جرب صدف عمياء تبني ولو شيئا بسيطا حتى نقيس الكثير عليها، علم الرياضيات الحديث اثبت بطلان ان الصدف العمياء هي التي بنت كل شيء، لأنه بموجب الصدفة تحتاج الى اضعاف عمر الارض مئات ملايين الاضعاف حتى يتم تنفيذ بعض الاشياء التي تعتمد عليها الخلية الحية فقط، اذن دعوى داروين كلها باطلة بالإثباتات العلمية والعقلية والواقعية، وأما الانتخاب الطبيعي فهو كلمة شاعرية وشيء لو وجود له كما وصفه الدكتور، و هم يعولون على الصدف العمياء وهذا من صور الانحراف العقلي قبل كل شيء.

لا تزال العقول موجودة حتى تصدق كل هذه الخرافات، نريد تجربة على الفكرة اصلا، فكرة ان العمى يصنع الهداية والنور، وأن الفوضى تصنع الدقة والغائية، نريد تجارب على هذا، طبعا لا يمكن فعل هذا، اذن هي باطلة من الاساس، لأنها لا مجربة ولا واقعية.

الطفرات هي التي تتحكم فقط، والطفرات عشوائية، والانتخاب الطبيعي شيء تبخر ولم يعد موجودا، حتى بالمنطق و دعنا من الواقع الذي لا يثبته ابدا. اذا نفذت المهمة بدون الموظف فما فائدة الموظف؟ هذا بالضبط ما حصل في الانتخاب الطبيعي.

إذن صلب نظرية داروين هو الطفرات العشوائية وليس الانتخاب الطبيعي, وهكذا تكون الصدفة هي كل شيء, تماما كما يقول الملحد, لهذا السبب هرب من الطفرات إلى الانتخاب الطبيعي ليُوجِد شيئا غير موجود من عالم الشعر.

إذن كلمة الانتخاب الطبيعي يجب أن تُحذف من أساسها ولا يكفي مجرد انتقادها فضلا عن الاعتذار عنها, لأنها مجرد كذبة جرى الاعتذار عنها, والاعتذار لا يكفي لإبقاء الكذب. إن كان عند داروين فيض من الشاعرية فليذهب إلى المجلات الأدبية.

العجيب بالنسبة للدكتور كيف يمجّد في هذا المصطلح وأنه أساس النظرية، ثم يقول أنه شاعري ومجازي وغير موجود في الواقع؟ لو قلنا أنه غير موجود في الواقع لقال خطأ, ولو قلنا مجازي لقال صحيح!

(الدقيقة : 22 الثانية : 22) يتحدث الدكتور عن سباق التسلح التطوري، فكل نوع يتطور بسلاحه، وبهذا يحصل التوازن البيئي، ويذكر الدكتور ايضا أن البيئة عامل للتطوير، فلو اصيبت بيئة ما بالجفاف لعدة مواسم، فستموت الكائنات الاضعف وتنقرض، وتبقى الاقوى، من خلال الانتخاب الطبيعي. ويذكر الدكتور عدد الأنواع وأنها حسب التقديرات تتراوح من عشرة ملايين إلى مائة مليون نوع، وأن 99% من الكائنات الحية منقرضة، ولم يبق من الأحياء اليوم إلا 1%.

الرد : إذا كانت كل الأحياء في الأرض هي 1% بالنسبة لباقي الأحياء المهزومة والمنقرضة, هذا يعني استحالة معرفة السلسلة الجينية, وبالتالي استحالة معرفة الأٍسلاف, مع أنهم يقدمون خارطة سلفية بناء على التشابه الجيني, في حين أن 99% من الأحياء مجهولة منقرضة، كما يقولون أن الأنواع تتفاوت بين 10 ملايين إلى مئة مليون! وانظر إلى الفارق الجزافي بين هذين الرقمين! أليس المنطق أن يكونوا عارفين لكل الأنواع حتى يعرفوا ما انقرض منها وما بقي ومن اين تطور هذا أو ذاك؟ إنهم يتفاوتون في تقدير الأنواع بنسبة 1 إلى 10 ! فكيف يعرفون إذن؟ من لا يعرف عدد بضاعته كيف سيعرف الناقص والمسروق منها؟ {إن هم إلا يخرصون}. وإذا كنا نحن بضعفنا المنتصرون, فقدّر كيف كان ضعف الأسبقين! والعجيب أنهم يتكلمون عن قوة وصلابة أسلافنا المنقرضين! شيء عجيب! هذه الرخويات الضعيفة هي التي انتصرت وبقيت, ما بالك بضعف أسلافها و رخاوتها إذن؟!

الشاعرية الكريهة هي بتصوير الحياة بهذا الصراع وسباقات التسلح, إنها روح إمبريالية رأسمالية بعيدة عن الطبيعة أسقطت على الطبيعة التي يعيش فيها القوي مع الضعيف و كل يعرف طريقه. ولا يوجد صراع في الطبيعة أصلا, صراع مع من؟ الجفاف؟ هي أكثر كلمة يرددونها, البيئات الجافة لها أحياؤها مثلما للبيئات المطيرة أحياؤها, ولا توجد بيئة جافة بالكامل، الجفاف نسبي ويحضر ويغيب وبالتدريج، وحيوانات البيئة تتكيف مع هذا الموضوع، فبعضها يهاجر وبعضها يعيش على القليل وبعضها يندفن تحت التراب الرطب حتى يأتي المطر ثم يعود لهذه البيئات مرة اخرى. الجفاف يأتي بالتدريج ثم يزول بتغير الفصول. الصيف لا يستمر ويأتي الخريف وامطاره، وهذا موجود في كل بيئات العالم وصحاريه، هذا غير ان اكثر البيئات اصلا لا يأتيها تصحر و هي المليئة بالحياة، لا يتغير مناخها، اذن اين الانقراض و اين كارثة الجفاف؟ هل الكلام على البيئة الصحراوية؟ الصحراء لا تكذب، فهي جافة من الاساس، لكن بشكل نسبي، هل الـ 90% المنقرضين انقرضوا في الصحارى وكائناتها أصلا قليلة العدد؟ فأين انقرضت هذه الـ 90 % وما سبب انقراضها منطقيا غير زعم الجفاف؟ العصر الجليدي؟ لو كان حقيقة وهو ليس كذلك سيبدأ بالتدرج، و كل الاحياء تتكيف بأسلوبها، منها من يهاجر ومنها من يندفن ومنها من يبيت، كل سنة يأتي الثلج ويغطي الاماكن الباردة والمعتدلة وتتكيف الاحياء معه ولم ينقرض منها شيء، هذا غير أن الفكرة مستحيلة جيولوجيّاً. التغير المناخي غير ممكن ان يحصل على الارض إلا تغيرات طفيفة وعلى دورات، فالأنواع لا تكون منحصرة في مكان واحد حتى تكون مهددة بالانقراض.

 لو نقلت حيوانات البيئة الجافة للبيئات المطيرة لماتت, إذن الجفاف هو الأفضل لها! يجب ألا نحدد للطبيعة ما هو الأفضل بناء على أنفسنا وأفكارنا. يجب أن نتخلى عن عقلية الرأسمالي الذي يُسقط صراعاته التجارية على الطبيعة, العلم ليس مجالا للإمبرياليين والرأسماليين, بل هو مجال لمن ينسى نفسه وهو ينظر للطبيعة ويتعلم منها لا أن يعلِّمها. التطور الصناعي والتجاري الذي حصل في أوروبا هو الذي أسقط فكرة التطور على الطبيعة والطبيعة تضحك من هذا الغباء وتكذبه ليل نهار.

(الدقيقة : 28 الثانية : 10) يقول الدكتور ان الانتخاب الطبيعي يستحيل ان يعمل على الافراد، انما يعمل على الجماعات، وأن التطور يهتم بالجينات المورثة وليس بالشكل الظاهري، وأن هناك ما يسمى بالسمكرة تعمل على الجينات وليس على الاجسام، وهذه السمكرة يقوم بها الانتخاب الطبيعي.

الرد : كيف يقول أن الانتخاب الطبيعي لا يعمل على الفرد بل على العشائر والجماعات؟ أليست الجماعات أفرادا؟! والطفرة ستكون في أحد الأفراد وليس في الجماعة كلها! والطامة الأخرى قولهم أن التطور لا يهتم بالجسم والشكل الظاهري له، بل بالجينات المورثة, مع أن الجسم ترسمه الجينات! هل هذا كلام علمي؟! إن كان هناك من تطور فالدافع إليه حاجة، والجسم الحي هو المحتاج لها وليس لكي يورثها لأعقابه ! هذا غير منطقي. اي اصبح الكائن يعاني من المشكلة ويتحملها ولا يصلحها، بل يصلّحها الانتخاب المسمكر بجيناته لأجياله القادمة ! فما الفائدة ؟ (إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر) .. وما دام يستطيع ان يصلحها ويسمكر في الجينات الوراثية فلم لا يصلحها في جسمه أولى ؟ سيما وأن نتيجة ذلك قد تكون موت هذا المسمكر لأجياله أما هو فللتراب ؟ هذه مجرد حيلة للخروج من مأزق سؤال : أين هي تجارب التطور على أي عدد يريدونه من أحياء يعرّضونها لظروف معينة حتى يثبت التطور؟ فقالوا : لا ، الانتخاب لا يعمل هكذا، بل يورث جينات مسمكرة فقط ، وهذه قد لا تظهر إلا بعد أجيال وأجيال، فانتظروا ملايين السنين حتى تثبت التجربة، هي هروب من مأزق ليس إلا، والنظرية بشكل عام نظرية هروب من مآزق، لكن إلى أين ..  

هذه مقدمات غير منطقية وغير علمية يدفع إليها استحالة وجود طفرة حسنة في فرد من البشر رغم تطور علم الإحصاء والإعلام وكثرة المؤثرات من أشعة وكيماويات كبيئة صالحة لصنع الطفرات, و لكي يقولوا أن التطور في الجسم توقف وتحول إلى تطور في العقل و الذكاء, والدليل أن أوروبا متفوقة تجاريا وصناعيا على غيرها من الشعوب الملونة! هكذا يكون العلم إذا سُخِّف وحُط من قدره : تهان مقدماته وتهان نتائجه! مقابل أن تبقى هذه النظرية المتآكلة, لأنها تخدم الرأسماليين والملاحدة الممولين. وكأنه يقول : انتظروا شكل الإنسان وهو يتطور عبر الجينات المورثة للأجيال القادمة التي لم تأت بعد. مسألة حسن تخلص ليس إلا كان ضحيتها المنطق والعلم! مع أنه لم يثبت علميا إلا علاقة الجينات بالشكل, ولم يثبت أن الجينات لها علاقة بأخلاق الإنسان مثلا أو ذكائه, بل هم يثبتون عدم علاقته بالشكل عندما قالوا ان تشابه جينوم الانسان مع الشمبانزي يصل إلى 98% ، بينما لا يشبه الانسان القرد ولا بنسبة 10 % حتى شكلاً ، اذن الجينات ليست مسؤولة عن التشابه في الشكل ولا القدرات ولا الذكاء، بشهادتهم هم، هل الانسان يشبه القرد بذكائه بنسبة 98% ؟ هذا جنون. والدكتور يقول أن التطور ليس على الجسم بل على الجينات! ولماذا عمل على الجسم في الأسلاف القديمة ثم غيّر رأيه؟ هل وصل إلى أحسن تقويم؟ ولو قلنا لدارويني أن الإنسان في أحسن تقويم قال : كلا عنده عيوب, عنده زائدة دودية وضرس عقل لا فائدة منها, إذن لماذا توقف التطور ولم يحسّنها واتجه لمجال نظري بدلا من التطوير العملي الجسمي؟!

إذا كانت الظروف هي التي تعدل جيناتنا ولا تعدل في أشكالنا لكي تناسب أجيالنا, ربما تتغير الظروف قبل أن تأتي تلك الأجيال! ويتسبب التغير بالانقراض! أليس الجسم الذي يعاني و هو الأولى بالتغير؟! كل هذا حتى لا يقال لهم : لماذا لا تتطور أجسامنا رغم الظروف المتغيرة ؟ إذن التطور مختبئ في ملايين السنين سواء الماضية أو القادمة, هذا دليل أنه كذبة لا يمكن أن تشاهد.

كيف تتسمكر الجينات ولم يتسمكر الجسم صاحب الجينات؟ ولماذا يورثها لسلالات قد تكون ظروفها أحسن من ظروفه بينما هو المحتاج؟ هذا يشبه من يموت من الظمأ ويدخر كأس الماء لأحفاده لأنه قد يأتيهم عطش! هذا ليس إلا محاولة تخلص من المآزق التي تواجه هذه النظرية, مسألة هروب للأمام مثلما قاموا بالهروب إلى الماضي, والآن نحن أمام هروب إلى المستقبل, فإذا قيل أين التطور يقولون : انظروا للماضي, وإذا قيل أين التطور الآن؟ يقولوا : انتظروه في المستقبل, هذا دليل أنها كذبة وليست علم, العلم يقول ها أنا ذا و ها هي الظاهرة ، جربوها.

ولماذا لم تُضَف السمكرة الجينية إلى العوامل الخمسة التي تقوم عليها النظرية مع انها أساس، بل هي أهم من باقي العوامل التي منها الطفرة لأنها واعية بينما الطفرة كلها أخطاء؟ مع أن الفكرة أصلاً جاءت من لامارك، لماذا يذكر الطفرة الجينية و لم يذكر السمكرة الجينية؟ فالطفرة عشوائية لكن السمكرة واعية و فيها منطق، أي أنها مأخوذة من لامارك، وبالتالي الدارويني مرة يعتمد على العشوائية ومرة على اللا عشوائية حسب المواقف، أي مرة على لامارك المنطقي و مرة على داروين الفوضوي. فكرة السمكرة الجينية تتصادم مع فكرة الطفرة العشوائية، وما دام هناك سمكرة فلماذا لم تسمكر الغلطة في الشريط الجيني أيضاً؟ وما دام التغيير الجيني جرى لمنع الخطر، فالأولى أن يمنع الخطر عن الكائن الحي قبل أجياله، لأن الخطر قد يتلفه وبالتالي يتلف الجين الأناني، وخير البر عاجله! ففكرة السمكرة كأنها تتحدث عن ذاكرة جينية.

بل إن فكرة السمكرة تسقط الانتخاب الطبيعي كله، إذ ما الفائدة منه ؟ فيحل محله السمكرة الطبيعية وكأن الطبيعة تسمكرنا لنكون أفضل في الأجيال القادمة، إذن الطبيعة هي الواعية و هي الخالقة، والظروف تتغير، إذن يجب أن تتغير السمكرة، فإذا كان أحدهم يعيش في خط الاستواء عشر سنوات ونقلناه إلى القطب سنوات أخرى فهل ستتسمكر جيناته تبعاً لمنطقته؟ وقد قال الدكتور سابقا ان الانتخاب الطبيعي "ينتقي" الأصلح من الصفات التي جاءت بها طفرات، وهنا يقول ان الانتخاب الطبيعي "يسمكر" الجينات ! ما وظيفة الانتخاب بالضبط ؟ الانتقاء أم السمكرة والتعديل ؟

شخصيا لدي شك كبير في مسؤولية الجينات عن تصميم جسم الكائن الحي وفكرة الوراثة، بدليل التجربة التي ذكرها الدكتور (في حلقات قادمة) التي ملخصها أن جينا أخذ من فأر وأدى مفعوله (اشتغل) في ذباب الفاكهة، مع ان هذا الجين مصمم لفأر، فكيف عمل عمله على حيوان آخر ؟ هذا يدل على ان الجين وسيلة و يخضع للأوامر، و كثرة الجينات أو قلتها لاحظنا انها لا تقدم فروقا لا تطورا، فعدد الجينات في الأرز أكثر من عددها في الانسان، وهذا عجيب، فأين دور الكثرة في الجينات؟ اذ يبدو للتطوريين ان الانسان اكثر تعقيدا من الارز، والاكثر تعقيدا يجب ان يكون اكثر جينات، بل القرد اكثر جينات من الانسان، ويقولون ان جينومهما متشابه بنسبة 98% لكن لا نجد تشابها بينهما لهذه الدرجة، اذن يحق لي ان اشكك في ملازمة موضوع الجينات للتطور بل وللوصف والقدرات. الشخص الناقص عقليا مثل الشخص العبقري جدا في عدد الجينات وتوزيعها، اذن نريد أن نفهم علاقة الجينات بتفاصيل الحياة والقدرات، يبدو لي ان الجينات مثلها مثل المخ عندما قال علماء الدماغ والاعصاب أنه حجرات مستقلة كل حجرة تؤدي وظيفة معينة، بينما اثبت العلم خطأ كون المخ عبارة عن حجرات مستقلة، اذ عملت الخلايا العصبية للبصر مع الخلايا العصبية للسمع وانضمت معها في حالة الاعمى، مع ان للسمع مجموعة اعصاب وللبصر مجموعة اعصاب قالوا انها مستقلة عن بعضهما، مثلما ان المخ يُؤمر اي جزء فيه فكذلك الجين.

ايضا نلاحظ الاختلافات في الانسان واضحة وجلية، لكن في الحشرات او النباتات لا نجد هذه الاختلافات مع ان التزاوج موجود، اذن ما الذي يتحكم في الجنين ؟ إنه الدور والوظيفة ، الدور بالنسبة للإنسان، والوظيفة بالنسبة للبقية، بدليل ان الانسان يراد له ان يكون بالدور الفلاني من الادوار الطبيعية (مصطلح الدور الطبيعي سيجري تقديمه لاحقا بإذن الله) ، فيأخذ من أمه أو أبيه أو الاسلاف ما يناسب هذا الدور، ويأخذ الباقي من المورثات الأخرى الموجودة، حتى لا يكون مُشبها لأمه أو ابيه بالكامل. وبالنسبة للحيوان فالوظيفة هي التي تتحكم ، فإذا تزاوج الحمار والفرس ينتج بغل، وهذا البغل يبدو حمارا يشبه الحصان، فوظيفته وظيفة حمار، لكن أخذ مورثات أخرى، وكذلك في حالة تزاوج النمر مع الاسد انتجت نمر كبيرا، ولم تنتج نوعا بين النمر والاسد، لأن للأسد وظيفة وللنمر وظيفة وللحمار وظيفة وللحصان وظيفة. وكذلك التزاوج (التهجين) بين النبات، مثل القرع الامريكي الذي نتج من تهجين الكوسة مع القرع، فأصبح قرعاً صغير الحجم ويشبه الكوسة في الحجم، ولكن بقية المواصفات هي مواصفات قرعية، لهذا يسمى قرعاً مهجنا ويلاحظ تركيز قرعيّته.

(الدقيقة : 30 الثانية : 25) يصف الدكتور تجارب التطوريين الممتدة الى عشرين سنة و إلى ثلاثين سنة، بالشيء العجيب الممتع، ويذكر أن عشرات الادلة - القابلة للملاحظة وليس للاختبار - تؤكد التطور الماكروي كما يقول التطوريون، لكن عليك ان تلاحظها بدقة وذكاء، ولا يوجد تفسير معقول أو أكثر معقولية من نظرية التطور الماكروي.

الرد : لماذا إسباغ الجمال المفرط على نظرية لا جمال فيها في الحقيقة؟ هل هذا من باب التعويض عن جمال الإيمان يقوم به دعاة النظرية خصوصا الملاحدة منهم ومع الأسف يتابعهم شيخنا؟ الإلحاد جاف وقبيح ولا جمال فيه, كل ما يخدم الإلحاد هو تابع للإلحاد وما يؤدي إلى الشيء يأخذ نفس حكمه, والإيمان بنظرية التطور يدعم الإلحاد ويؤدي إليه. تجميل كل ما يؤدي إلى الإلحاد يدعم الإلحاد, والدكتور داعية إسلامي, وهذا عجيب. مع أنها نظرية وليست حقيقة علمية, كل نظرية يوجد لها نظريات مضادة, وبالتالي كل إنسان بالخيار ما دام لم يثبت الأمر, لماذا يختار مسلم ما يدعم الإلحاد ولا يدعم الإيمان من النظريات؟ لو تجد تفسيرَين لآية مثلا، أحدهما يدعم الإيمان والآخر يدعم عدم الإيمان, من المؤكد ستختار ما يدعم الإيمان. أو تفسير يوافق إعجاز علمي وتفسير آخر لها يوافق خرافة قديمة, ستختار ما يوافق الإعجاز العلمي, نفس الشيء : نظريتان إحداهما تدعم الخلق، والأخرى تدعم الإلحاد : أيهما ستختار ما دمت مؤمنا؟ والعلم لم يقل كلمته حتى الآن. هذا داخل في العقيدة, أن توالي الله وما والاه, سواء من أفكار أو مفكرين .. إلخ.  

حتى هجوم داوكنز على الإسلام والدين ينظر الدكتور إليه ببسمة متسامحة. الدكتور يعرف تحدي داوكنز للدين ونظرية الخلق وهذا يطعن في موضوعية داوكينز, لو كان إنساناً منصرفاً للعلم فقط لكان أولى أن يوثق به. أليسوا هم أنفسهم يهاجمون أصحاب نظرية الخلق بأنهم مؤدلجون؟ نحن أمام داوكنز المؤدلج الذي يقحم دينه الإلحادي في العلم واشتهر بالإلحاد أكثر من شهرته بالعلم, فهو ليس مكتشفاً ولا مخترعاً. فلماذا لا يفرّق الدكتور بين العلماء المحايدين والعلماء المتعصبين للإلحاد حتى يكون موضوعياً أكثر؟ والموضوعي يحب الموضوعيين و يثق بهم أكثر من أصحاب الأيديولوجيات والمتعصبين, و قد قال عنه أنه اشتهر بالإلحاد والهجوم على الأديان, هذا بلا شك يقلّل من موضوعيته العلمية. إذا قيل هذا الكلام عن المؤمنين يجب أن يقال عن الملحدين, خصوصا من بان تعصبهم كداوكنز وهكسلي وساجان، ويكون هذا سببا للتشكك في موضوعيتهم, أو على الأقل إعادة النظر في طرحهم، لا أن يؤخذ بالثقة العمياء ويُقدَّمون كأعظم العلماء الموضوعيين البتـّة. إذن ماذا سيقول الدكتور عن عالم موضوعي لم يتهجم على الله و على الدين؟ هل سيعامله بالمثل؟

(حتى نهاية الحلقة) يصف الدكتور عبقرية داروين وتردده العلمي وبطء تفكيره بمقابل عمقه وقدرة التخيل والافتراض القوية لديه، وأن فكرة التطور ليست من اختراع داروين بل سبقه بها كثيرون، وأن داروين التحق برحلة البيجل وهو في الثانية والعشرين من عمره، وأن بعض المعارضين للتطور يقولون أن داروين كانت لديه نسخة من اعمال بلايث التي تكلم فيها عن الانتخاب الطبيعي.

الرد : أستغرب هذا الإطراء اللامحدود لعبقرية داروين مع أنه يصفه ببطء التفكير وقلة المواهب، ماذا فعل داروين؟ وماذا اكتشف؟ هو عدّل نظرية لامارك، فأضاف الصدفة إلى نظريته، فنظرية لامارك كانت منطقية أكثر لكنها لم تصمد للأسئلة وبالتالي غير عملية بالنسبة للمستهلك الملحد وغير قابلة للتسويق، لأنه سيقال: أين المبرر المنطقي ؟ ولماذا لم يعمل في حالات أخرى؟ لماذا مثلاً لم يكن للصيادين قدرة على التنفس في الماء عبر أجيالهم؟! ولماذا ليس للإنسان وسائل دفاعية في جسمه رغم تعرضه للأخطار عبر ملايين السنين؟! هنا اللاماركي سوف يسكت أمام الدارويني الذي سيقول لم تحدث طفرة.. و يواصل! ومن هنا كان داروين عظيما في عيونهم، وينظرون إليه كما ينظر المسيحيون ليسوع المخلص، لأنه خلصهم من المآزق، لكن بفكرة لا منطقية، ألا تراهم كيف يسبغون عليه صفات القديس ويجلس داوكينز الملحد صاغرا أمام تمثال داروين! ألم تر تمثال داروين وقد وضعوه في مدخل المتحف الطبيعي؟ ماذا استفادت المصانع من علم داروين؟ و من حقهم أن يقدّسوا قديسهم المخلّص، وربما يعبدونه يوما ما!

ثم إذا كانت الفكرة معروفة منذ آلاف السنين والبحث العلمي قام به بوفون الفرنسي قبله، فأين عبقرية داروين ولماذا تنسب له؟ نظرية التطور أكبر من الانتخاب الطبيعي، فكيف يكون داروين أبو النظرية مع أنه ابنها! فليس هو أول من ابتكرها وليس هو أول من بحثها علميا، فأين العظمة؟ لو قلت أنه هو مبتكرها لقلنا أنه قدم فكرة جديدة على الأقل، أما ابتكاره العظيم بالانتخاب الطبيعي فهذا هروب من المنطق إلى اللامنطق من خلال الصدف التي لا تقدم للعاقل كوقود فكري. العاقل لا بد أن يُقدَّم له منطقا، لا أن يُحشى رأسه بالصدف, لذلك ظل الملاحدة يتلفتون باحثين عن طوق نجاة قبل داروين فقدمه لهم داروين وهو الطفرة بالصدفة والسمكرة الجينية وليس بالمنطق، فالزرافة بالصدفة طالت رقبتها (دون أن تطول هي لكنها ورّثتها في جيناتها) فكان هذا مناسبا لتغذيتها فبقيت طويلة، لامارك يقول أنها احتاجت عبر ملايين السنين للوصول للأشجار العالية فطالت رقبتها من خلال الاستعمال.

من يحيل إلى صدفة : هل قدّم عبقرية ؟ وهل هو أرقى من العقل العادي الذي يقنعه المنطق وليس الصدف؟ إنه أقل من العقل العادي المنطقي، طاروا به لأنه أبعدهم عن الإحراج، فإذا قيل لهم : لمَ لمْ يتطور هذا النوع مثلا؟ قالوا لم تحدث طفرة مناسبة لطبيعته بينما حدث هذا لغيره، أي قدم لهم مخرجا، وهذا سر عبقرية داروين المزعومة، فأنقذ العقل الملحد من هجوم الأسئلة وأحالها على الصدف. هذا يشبه أن تكون هناك عصابة قد سرقت شيئا ثمينا من منزل، فيأتي محققان أحدهما منطقي ويكاد أن يصل إليهم ويحرجهم، والآخر يقول أنها الصدفة التي أتلفت ذلك الشيء أو غيَّبته، العصابة ستصفق للثاني وتقول أنه عبقري! هذا بالضبط ما حدث مع داروين ولامارك! وهذا يفسّر طيران نادي إكس الملحد وعلى رأسهم هكسلي بداروين ورحلته وانتخابه الطبيعي وإهمالهم للامارك ونظريته. 


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق