الاثنين، 3 فبراير 2025

الإنسان كائن مؤمن ..

من الخطأ اقحام الاسئلة العقلانية في المواضيع الشعورية والايمانية والغيبية، ونحن كبشر كل حياتنا قائمة على الايمانات، ثقتك بصديقك وابيك وامك كلها تسير على الثقة، إذ توجد حوادث غدر وخيانة من اصدقاء وازواج وغيرهم، اذن لا يوجد منطق مانع لاي شيء، بل ايمانات.


تسير على السلم او الدرج وانت تثق فيه، لماذا لا تخاف ان يوقعك؟ لأنك تسير عليه بموجب الثقة، تسكن في عمارة متعددة الادوار، هل تضمن عدم حدوث هزة ارضية او عدم وقوع المبنى؟ طبعا لا، هذا يعني ان الشعور يحتاج ايمانات، وبالنسبة للاسئلة الوجودية فحالها حال الاسئلة الواقعية، اذ الاجابات ستكون شعورية ايمانية، وكيف تريد اجابات عقلية على اسئلة وجودية بينما المسائل الواقعية تسير عليها بايمانات؟ تجد نفسك تثق بسيارتك، هل انت تضمن عقليا انها لن تتعطل عليك في لحظة ما او تحترق وانت فيها؟ تركب الطائرة بالثقة والإيمان، مع انك تعلم حوادث الطائرات التي وقعت ولم ينج احد من الركاب، لكن مع ذلك تسافر بالطائرة، اذن هذا ايمان وثقة. 

الايمان ليس خاصا بالدين، كل شيء يدخل فيه ايمانه، حتى الالحاد، لان الالحاد يخبرك عن ماذا كان في الماضي والحاضر والمستقبل مثله مثل بقية الاديان. ان تطلب إجابات قطعية عقلية مانعة في امور غيبية، هذا مثل من يضع شروط تعجيزية، لانك لم تطلبها في امور حياتك التي قلنا انها تمشي بالايمان والثقة.

اذا حصلت على هذا الايمان الذي يؤيده العقل ولكن ليس قطعيا بالطبع، حينها ستتبخر الاسئلة وترجع اسهم الاسئلة اليك : هل قمت بذاك الواجب ام لا؟ هل انا اضيع وقتي ام لا؟ الايمان يجعل الاسئلة بدل ان تتوجه الى الله تتوجه اليك، وهذا هو الطريق البناء لاصلاح النفس، قال تعالى (لمن شاء منكم ان يستقيم). انظر الى المتشككين والملاحدة يعانون من فرط التفكير الذي هو اسئلة بلا اجابات، وهذا يسمى التفكير الضاغط المر، ويسمى احيانا المرضي، يشبه حالة الغثيان، تفكير غير منتج ولكنه ضاغط يحرك نفسه بنفسه بدون طلب، وسببه واضح، وهو ان ذلك الشخص لم يفسح المجال للايمان في المواضيع الوجودية الكبرى بينما فسح لها في الامور الحياتية الصغرى كالثقة بالصديق او التلفريك او الطائرة، لكنه لم يستطع ان يؤمن ان لهذا العالم خالق، أعطى كل شيء خلقه ثم هداه، وكل شيء فيه موزون ومتقن ويقوم بوظيفته الغائية.

اذن الانسان مخلوق مؤمن، ومعاناته اذا فقد الايمان او شيئا من الايمانات، وتاريخ البشرية يثبت هذا، لان كل الحضارات فيها اديان، بينما الالحاد فكرة جديدة على البشرية ظهرت في القرن الثامن عشر. لو يستمر الانسان في ان لا يتحرك الا بأدلة قطعية الثبوت وكاملة وجامعة ومانعة لتَحَوّل الى عالم الوسواس القهري، أصحاب الوسواس القهري هم أناس فقدوا الايمان في بعض الامور الحياتية، تجد أحدهم يغلق الابواب ثم يتشكك: هل انا اغلقتها هذا اليوم ام امس - مثلا - ؟ ما الذي يضمن؟ انها الذاكرة فقط، علي ان اتاكد مرة اخرى. وهكذا كلما زاد التكرر كلما زاد الوسواس.  

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق