الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

العدمية و الإنسان و القيمة "حوار حول العدمية و قيمة الإنسان - 1"



20-06-2010, 03:08 AM
Bright :

اقتباس: عدمية قيمة الانسان هي ارجاع للأصل هي نظره علميه وليس انه لاشئ !!
لماذا لاتنظر لها على انها تمجيد للأنسان

العدمي ينظر الى حياة الانسان انه تحول من العدم الى الوعي الى العدم من جديد
وهذا تحول وليس البقاء على هيئه واحده والقيم ينظر اليها على انها تدور في مدار واحد على ان خالقها الانسان و ليس عبدن لها وهو المسيطر عليها وليست
مسيطره عليه


02-07-2010, 09:22 AM

الرد:
قيمة الإنسان هي ما تقيمه, وليس هو من يقيمها ؛ لأن القيمة معيار تصلح لتلك السلعة وغيرها فهذه القطعة بألف دولار والأخرى لا تساوي سنتا وتلك بخمس دولارات, لا حظ أن الدولار تكرر باختلاف السلع, فالقيمة إذا هي تقيم ما يُعرض عليها وليست السلع تقيّم القيمة. هل تستطيع أن تسك عملة خاصة بك؟ وتقيّم على أساس عملتك المزيفة مع الناس ، وتريد ان يحترموها؟ هذا هو ما تريد أن تفعله مع القيم الإنسانية ، وهذه فكرة العدميين في اختلاق القيم وابتكارها .

فالقيم هي التي تقيم صاحبها وليس صاحبها من يقيمها وهو خاضع لها وليس العكس, وإلا فما الفائدة ما دامت أنها تخضع للإنسان؟ فقيمة الشجاعة تقيّمك وتقيمني وتقيم كل من يُعرض عليها, وحتى الجبان منا الذي يصرخ ويقول : أنا شجاع ، وعلى القيمة أن تخضع لي ، عندها سنضحك عليه وتضحك عليه القيمة أيضا .

والتاريخ عبارة عن تقييم, فهل نستطيع أن نصنع التاريخ بمجرد أننا نريد أن ندخل التاريخ؟ فمهما عملنا فالتاريخ هو من يختار من يدخله, وما أكثر الذين تمنوا أن يدخلوا التاريخ ولكنه لم يشأ أن يدخلهم, لأنه بشكل عام قيمة, والقيمة تتحكم بالمقيَّم.

ومادام أن خالقها الإنسان فلماذا سمح لها أن تتحكم به؟ ومادام كذلك إذاً فلماذا لم يخلق قيما تتوافق مع المصلحة والمتعة؟ لم لم يجعل القيم كلها كذلك؟ ألستم الماديون تكافحون من أجل فرض قيم السوق والأخلاق التجارية بكل قواكم المادية اللا محدودة ؟ لكنها لم تنفرض ، وبقي الناس يكرهون البخيل والمادي ، ويحبون الكريم والشجاع ، ويهيمون بقصص الحب الطاهر إلخ..,

أليست المؤسسة المادية بلغت مبلغا لم تبلغه عبر التاريخ؟ فلماذا إذا ً لم تصنع قيمها المتناسبة معها؟ وتجعل الناس يتركون القيم القديمة التي تعيق حركة الرأسمالي المادي؟ ولماذا تطلب العدمية ان يختار الإنسان قيمه بنفسه؟ أليس الأصل هو عدم القيمة؟

هذا ما فعلته المادية الجوفاء, فهي فرّغت الإنسان من قيمته ، وحولت السعر والمبلغ على المادة ، فصارت المادة ثمينة ، وحتى الرمل أصبحا يدران ذهبا , وصارت قيمة الإنسان 0,0 بشهادتكم!

وفكرة العدمية هذه هي قمة القعر للفلسفة المادية اللاشيئية, فكان الماديون يقولون : لا إله والحياة مادة ، وبفضل التطور صاروا يقولون : لا إله ولا إنسان أيضا والحياة مادة , أليس هذا ما تقوله فكرة العدمية؟ والاسم كاف للشهادة.

 وإذا قررتُ أن أجعل القيمة لجمال القرد ، وعدم القيمة لرشاقة الغزال ، واخترت أن يكون الورد شيئاً قذراً ، والموسيقى صوتاً مزعجاً , فهل ستكون عندي أنا على الأقل كذلك ؟ فضلا عن الناس؟ إذاً كيف يكون الإنسان هو من يحدد القيمة ؟ ولماذا لم أستطع أن أحدد القيمة؟ وكيف سأحددها في الأمور الكبيرة طالما أنني لم استطع في الصغيرة ؟ ألا ترى أننا لا نعرف شيئا؟

وكون الإنسان يقدّمه فكرٌ ما على انه بلا قيمة ، بينما الدبوس والمنشفة وحتى الفضلات لها قيمة ، فهذا يدل على أن هذا الفكر أعلن إفلاسه ، وأوقف أصحابه عند آخر الطريق المسدود. وعندما يقف الناس المسدود سيعيد العقلاء النظر في كل الفكر ، بينما الأغبياء سيظلون واقفين, وبعضهم سيحاول القفز أو التسلق أو الضرب برأسه على سد أصم.

 إن العدمية هي إعلان موت الفكر الغربي المادي , والعدمية حتمية منطقية ، فهي ليست ادعاء ، بل حقيقة منطقية لفكر بدأ من المادة .

والقيمة هي وجود مشترك بين كل من ينسحب تحتها ، وعلى أساسها يتفاضلون ويتمايزون, وتُعرف قيمة كل فرد من قربه او بعده عنها, والسؤال المهم هو: من أين جاءت هذه القيم؟ وهنا موضع تأمل للعدمي المتأمل , وكل مسيرة خاطئة تصل إلى نهاية خاطئة .

وكيف سيكون للإنسان قيمة؟ حلّوا هذا اللغز مع اللغز السابق, إذا حللتموهما فقد تعديتم السد. لا قيمة للإنسان طالما لا توجد حياة أخرى ، فالاكتفاء بالدنيا يؤدي لعدمية القيمة, وكل شيء في الإنسان له قيمة عدا هو, والأشياء لها قيمة بالنسبة للإنسان ، ولكن قيمته هو ، بالنسبة لمن؟

القيمة هي بوجود دار آخرة , وأنتم تطبخون في قدر ليس لها غطاء , لا بد من حتمية فلسفية توصل الأسلاك الدنيوية ، المادية أو المعنوية , الدنيا نصف وتحتاج لنصف آخر,  كل شيء في الدنيا يحتاج لزوج ، والدنيا والآخرة زوجان .

الحياة الدنيوية مبتورة من كل جهة ، فالمعرفة مبتورة والأصل مبتور والمنتهى مبتور ، سواء في العلم المادي أو الأخلاق أو الفلسفة وحتى المنطق , بل حتى الحياة لوحدها هي خالية من المنطق ، لهذا السبب الحياة غير مفهومة لوحدها ، وهذا سبب حيرة الفلاسفة والعلماء , السبب هو فقدان الغطاء وفقدان الجزء الثاني .

الحياة مثل رواية من جزئين ، ويرغبون معرفة الحياة من خلال الأول فقط ، ويريدون أن تقف الرواية على الجزء الأول فقط .

الإيمان يوصل الأجزاء المبتورة بين الدنيا والآخرة ، ولا يوجد توصيل آخر صائب سوى الإيمان, الحياة كلها مثل ضفيرة الأسلاك تحتاج لتوصيل ، وعند التوصيل تظهر النتائج, وعند توصيل الأسئلة الكبرى بالدار الآخرة هنا تستريح الأسلاك, علما بأنه لا يوجد وسيلة أخرى تسمح بالتوصيل. والعدمية هي طوي للأسلاك على ذاتها لا غير.

والعدمية واللاشيئية تسمى القنوطية أو مذاهب القانطين ، وهي مرحلة متقدمة من المذاهب التكذيبية , فبعد تكذيب الإيمان يأتي القنوط , وهذا الأمل والغرور الشيطاني , وكل النتائج تثبت عدم الوصول وتحقق المطلوب , { ويلهيهم الأمل فسوف يعلمون} ، ذاك الامل الذي لم يتحقق منه شيء ، يريدون أن يعرفوا الحياة والكون من خلال العلم التجريبي ، وكلما عجزوا لجأوا للعدميّة .

كل شيء يُثبَت بالنسبة لغيره وليس بنفسه ، ( زوجين اثنين ) ، والدنيا مفرد ، أي تحتاج لزوج ، ولأنها لوحدها غير مفهومة وناقصة . فسؤال مثل : ما أصل الإنسان؟ ، تحاول الدراسات الالحادية أن تثبت أصله ولم تجد جوابا شافيا  عن أصل الحياة ، ويبقى السؤال بلا جواب .

ولم يسألوا أنفسهم : ما هي الحياة ؟ فهم استبقوا الاصل عن الماهية ، هذا فضلا عن معرفة النهايات وهذه أسئلة مفتوحة . كيف سيجيب عليها العلم وهو لم يجب عن واحد منها فقط عندما حاول فيه ؟ هذا هو التمحّك : طلب المستحيل . وبعضهم يُرجع البصر ويحاول ، والآخر ارتد إليه البصر خاسئا وهو حسير وتحوّل إلى عدمي ، هكذا هو حال كل من يحاول ان يُقْدِم بالعقل .

وفكرة الإيمان تستطيع الاجابة على كل شيء من أسئلة الإنسان. وعند الإيمان بإله ودار آخرة ترتاح كل الأسئلة ويرتاح المنطق, فالمنطق يسير على الأقل حتى عالم الغيب لحل مشكلة دنيوية , وبدون فكرة الدار الآخرة تهتز فكرة القيم والأخلاق , فغير المؤمن يرى عبثية وعشوائية ، بينما المؤمن يرى المنطق والعقل في كل ما حوله, وغير المؤمن لا يدرك قيمة الخير والشر ، بعكس المؤمن الأكثر علمية ومنطقية وخيرا.

دائما تحتاج إلى شيء ليس عندك, فإذاً لماذا تريدون أن تكون الحياة وكأنها لا تحتاج لشيء ؟ إجابات الإيمان ليس كما يصفها الملاحدة بأنها دوغمائية ، بدليل أنه عندما يكون لديك شيء لا ينافسه شيء ، فهل ستقول عنه انه عديم القيمة؟ فهكذا قيمة الإيمان لا ينافسها شيء لا في خيريتها ولا في منطقيتها .

الدار الآخرة هي غطاء قدر الدنيا ، مثل البطارية والمصباح ، وتكتمل هذه الدورة.
هل يملك الملحدون إجابات تعطي الإنسان انطلاقا للخير وإيجابية ومعرفة منظمة وتمسكا بالأخلاق والقيم ؟ هل يملكون إجابات تحمل هذه النشوة والإيجابية والمنطقية ؟ تقولون سنبحث ! ومنذ متى وأنتم تبحثون؟ هذه رحلة بحث عقيمة عن شيء موجود.

قانون السببية وُجد لحل مشكلة دنيوية لم يستطع العلم حلها, والعلم المادي عندما لم يستطع الإجابة على الأسئلة الكبرى ، اختار واحدا منها لا ليجيب عليه ، ولكن لينقض من خلاله فكرة الأديان السماوية بأن الإنسان مخلوق , فقالوا : بل هو متطور ولم يخلق دفعة واحدة , تاركين بقية الأسئلة الكبرى ، ومكتفين بهذه النقطة الغير جوهرية والتي لم تشغل بال الإنسان لدحض الدين , فهي لم تشغل بال الإنسان كما شغله مصيره بعد الموت ، الذي هو أكثر سؤال شغل الإنسان , أليس العلم خادم لحاجات الإنسان؟ أم أنه خادم لحاجات الملحدين؟ 

هذا يدل على أن القصد ليس العلم ، بل لإظهار الخطأ في الدين, فهم تركوا الأسئلة الكبرى واختاروا هذه الجزئية وركزوا بحثهم عليها ومع ذلك لم يستطيعوا أن يثبتوا أن الإنسان متطور ، مكتفين بالبلبلة وتصديق البسطاء والسذج من الناس , ولم يجشّموا أنفسهم عن الإجابة على أسئلة مثل : كيف وُجد الكون؟ وإن كان الكون لا شيئا فمن أوجد اللاشيء أو فما أوجد اللاشيء حتى لا تغضب .

هناك تعليقان (2) :

  1. أكرمك الله أكرمك الله

    السيد الكريم الفاضل ..

    قلت َ :

    " إذاً كيف يكون الإنسان هو من يحدد القيمة ؟ ولماذا لم أستطع أن أحدد القيمة؟ وكيف سأحددها في الأمور الكبيرة طالما أنني لم استطع في الصغيرة ؟ ألا ترى أننا لا نعرف شيئا؟ "

    وتركت قولك ذا كصوت شديد الوقع طرق مسامع الفكر بقوة
    ويأبى إلا أن يترك حيرته تسلّم للمنطق الواضح الشديد
    كأنما يراه عياناً بياناً
    بلى .. كيف سنحددها في أمور كبيرة إذا كنا لا نعرف أن نحددها في الأصغر منها !

    حوار أشكرك لوضوح هدفه ونبل مساره وغايته
    وقد فكرت جدياً , لم لا تترجم هذه المقالات إلى الإنجليزية ويتم نشرها بأسلوب منظم حتى تحوز التأثير المطلوب والإفادة الملمة منها ؟!
    ولو كنت أجيدها تماماً لما ترددت , لأن هذا الفكر يستحق بالفعل ,

    تقديري
    حنان آدم

    ردحذف
  2. اشكرك على زيارتك للمدونة ، و اتمنى الا تنقطع ، كما اتمنى فضلا لا امرا ، إذا رايتي ما يستحق النشر من المدونة في المنتديات او غيرها من موضوعات ولو كانت قصيرة ، ان تشيري اليها ، لان انتقاءاتك السابقة تنم عن حسن اختيار اتمنى ان تستفيد المدونة منه ، حسب ما يسمح وقتك ..

    انا منشغل حاليا بقراءة قصة عالم صوفي قراءة نقدية ، واتمنى ان تقرئيها ، واكرر شكري لعباراتك الرائعة والمشجعة ..

    ردحذف