الأربعاء، 3 أغسطس 2011

الليبرالية و الإسلام "رد على شاكر النابلسي في مقاله : كيف تكون ليبراليا مسلماً؟ .."

اقتباس :
كيف تكون ليبراليا مسلماً ؟؟ شاكر النابلسي

نالت الليبرالية في العالم العربي ذماً وقدحاً أكثر مما ناله أي توجه سياسي، أو اجتماعي، أو ديني. والسبب أن الليبرالية متعددة ومختلفة، ومن الصعب على الأصوليين الدينيين والسياسيين على السواء، فهمها من زاوية حصرية واحدة. فكما سبق وقلنا في كُتبنا (الليبراليون الجُدد)، و (العرب بين الليبرالية والأصولية الدينية)، و (الليبرالية السعودية بين الوهم والحقيقة)، و (الحداثة والليبرالية معاً على الطريق)، وغيرها من الكتب، إضافة إلى عشرات المقالات التي كتبناها عن الليبرالية في الشرق والغرب، فإن الليبرالية مفهومٌ مرنٌ ومتشعبُ المعاني والأهداف.

-2-

استهجن "القوم" قول المفكر السعودي إبراهيم البليهي عندما سُئل، فقال:

- أنا ليبرالي مسلم.

فهاج "القوم"، وماجوا، وقالوا كيف يكون المسلم ليبرالياً؟! فالليبرالية هي الإباحية، وهي الكفر، وهي الزندقة، وهي (الفلتان) الأخلاقي..الخ.

فجاء ردنا:

لا تعريف عاماً لليبرالية، إلا إذا خصصنا السؤال، وقلنا ما هي الليبرالية الأمريكية، أو الفرنسية، أو الألمانية، أو المصرية، أو المغربية.. الخ. كما يجب تخصيص الفترة، لأن الليبرالية كأي مفهوم إنساني، تتغير وتتبدل من فترة زمنية لأخرى. فما نعتقد اليوم بأنه قيمة ليبرالية، ربما لن يصبح غداً كذلك، أو بعد قرن أو قرنين من الزمان.

الرد: هذا التحول بحد ذاته يدعو الى الريبة ، وهذا يعني انها ليست مبدأ ، لان المبادئ ثابتة ، اذا هي مذيب يعمل بالتدريج ، ولا يغير المجتمع دفعة واحدة كما فعلت الشيوعية . وهذا يعني تجديد القوائم المطلوب اذابتها ، لان ما سبق اذابته لن يصبح قضية . وهذا ليس ثناء او ميزة لليبرالية .

كيف يكون الشخص مسلم وليبرالي ؟؟ هناك تناقض في التعريفين : فكيف تجتمع عبد (مسلم) وحر (ليبرالي) في نفس الوقت ؟؟ المسلم سلّم امره لله اي عبدٌ له ، والله سمى اتباعه بالعبيد لله وليس للناس . فهل نغير الاسم الذي سمانا الله به لاجل عيون الغرب ؟

الانبياء نطقوا بها وقالوا : انا عبدالله ورسوله . الليبرالية تعمل في خارج نطاق رفض المجتمع والاشخاص ، اي تحرر ولكن من كل ما ليس له احدٌ يطالب به و يكون تركه لا يؤدي الى ضرر ، اي ليست تحررا من الناس ، بل تحرر من الاشياء التي غير الناس ، كالدين والقيم والمبادئ الخ اذا امكن او تخلى عنها الناس ، ويكون ذلك بالتدريج الهادئ ، طبعا ليس هدفها التخلي عن الناس ، فالناس هم من يشكل الليبرالية بدليل اختلافها من مجتمع الى مجتمع ، والليبرالية تفسح المجال للمساواة بين من يدعو لفضيلة ومن يدعو لرذيلة ، وهذا امر لم تعهده المجتمعات ، فالمعروف أن الرذيلة يجب ان تكون مختفية ومندسة لا ان تجلس بجانب الفضيلة . لان جلوسها بجانب الفضيلة يجعل الفضيلة تنسحب تدريجيا . بينما عبودية الله في الاسلام هي تحرر من الناس واستسلام لله .

واذا قبلنا بليبرالي اسلامي ، فعلينا ان نقبل بملحد اسلامي وراسمالي اسلامي ودارويني اسلامي وربما عدمي اسلامي وشيطاني اسلامي وعلماني اسلامي .. لان المصدر واحد وهو الثقافة المادية الغربية . وعلينا ان نقبل كل اراء الثقافة المادية الغربية في علم النفس والاجتماع والانسان والتربية والمرأة وكل شيء .. فقط نضيف عليه في الاخر كلمة : اسلامي ، ككلمة مرور لبقية القطار الغربي الذي تشكل الليبرالية راس ذلك القطار الذي يدخل على الثقافات المغايرة ..

والليبرالية لا تعني التحرر من الاخرين بل تحترم حقوقهم المادية ، فهي لا تتحرر من الدين طالما يوجد احد قوي في المجتمع يدافع عن الدين او العادات او اي شيء اخر ، لذلك قلتَ انه يوجد ليبرالية امريكية ومغربية وايطالية الخ ، هي بعبارة اخرى التخلي عن كل ما لا يشكل ضرر في تركه على المصلحة والناس (تعريف) ، اما المصلحة فلا يمكن التخلي عنها اصلا ، لان الدافع لليبرالية هو المصلحة ، والدافع لا يذهب بواسطة المدفوع . والمصلحة مرتبطة بالناس وليس بالدين والقيم ، إلا بمدى ارتباط الناس بهما . اذا ضحية الليبرالية هو غير المصلحة ، وما غير المصلحة سوى الدين والقيم والاخلاق والمبادئ الخ التي تقف في الطرف المقابل للمصلحة .

والليبرالية وجه من وجوه الثقافة المادية الغربية ، فاذا اخذت صفحة من كتاب فسيطالبك بقية الكتاب ان تاخذه ايضا . وحتى تستفيد من حليب البقرة لا بد ان تملك البقرة كلها . وهنا مشكلة النقل من ثقافات اخرى ، لان ما ستنقله ستكون ارتباطاته وجذوره وفروعه من كل الثقافة المنقول منها . ومن اكل ثمرة شجرة فقد ذاق كل العناصر الموجودة في الشجرة .

الامة الحية المبادرة هي التي تصلح نفسها من ذاتها ، لا ان تستقدم فروعا من ثقافات اخرى ، والثقافة التي تتطفل على غيرها في جانب فسوف تتطفل عليها من جوانب اخرى ، لان كل شيء مترابط . كل شيء ينفع في بيئته ولا يصلح له إلا هي . فإذا نقلت نبتة من بيئة مختلفة فعليك ان تغير بيئتك كلها لاجله لا ان تغيره هو لاجل بيئتك ، والا فستموت النبتة .

واذا قلنا ثقافة فلا نقصد العلم ، فالعلم شيء والثقافة شيء اخر : العلم للجميع ، صاغه الجميع وطوره الجميع ويستفيد منه الجميع . لان العلم الخالص حقيقة ، والحقيقة لا يوجدها احد ولا يمتلكها احد . والمكتشف شيء والمخترع شيء آخر . وبالتالي يوجد مكتشف للحقيقة ولكن لا يوجد مخترع لها .


اقتباس : إن كل ليبرالية تأخذ مواد تكوينها الأولية من الوطن الذي تنبت فيه. لذا، فإن من يهاجم الليبرالية، ويرميها بأقذع الأوصاف، هو كمن يحارب طواحين الهواء، أو يحارب أشباحاً لا وجود لها، وهو لا شك مخطئ علمياً. فليست هناك ليبرالية سيئة وليبرالية جيدة، أو ليبرالية مؤمنة بدين، وليبرالية كافرة بدين آخر. ونحن –الأصوليين - في الشرق العربي، ننظر إلى ليبرالية الغرب نظرة توجس، وحذر، وخوف.

الرد: ما المقصود بالمواد الاولية في الوطن الذي تنبت فيه الليبرالية ؟ المقصود حقيقة – وربما لا تريد ان تصرح بذلك – هي اللبنات التي يراد دكّها وطحنها في ذلك المجتمع ، ولان كل مجتمع له فروق عن مجتمع آخر ، إذاً اختلفت اللبنات بينها ليس إلا ، وإلا فعمل وآلية الليبرالية في كل مجتمع هي آلية واحدة : الهدم الهادئ والتذويب ليصنع عليها ارضية يؤسس عليها بناء غربي مادي يميني جديد مختلف لا يمكن بناؤه إلا بعد إزالة البناء الاول .


الليبرالية هي هدم دبلوماسي وغير عنيف لاقامة مجتمع على اساسات غربية ، وتعتمد التدريج في آليتها للبعد عن الضجيج . وهدفها ايجاد الامر الواقع باقل تكلفة .


اقتباس : فلماذا كل هذا؟

إن الليبرالية الغربية للغرب، وليست لنا. والليبرالية المسلمة لنا وليست لهم. والغرب لم ولن يُجيّش الجيوش لكي يفرض علينا ليبراليته، كما فعلنا نحن زمن الفتوحات!


الرد: مع أن الليبرالية فكرة غربية ! بل هي مقدمة قافلة التغريب وهي من مقدمات النظام العالمي الجديد .

عند ترويض الحيوانات ، قدم الجزرة اولا ، ثم تاتي العصا لاحقا .

والنقطة الاخيرة لا احب التكهن بما تحمله ، لكن : هل نسيت الاستعمار ؟ الم يكن بدافع الحرية للشعوب ؟ الم تقتل الملايين من الابرياء في سبيل نشر الحرية بين الشعوب وتبتز اموالهم ومقدرات اجيالهم ؟ مقابل اعطائهم وعود الحرية ؟

الهجوم على العراق : اليس من اجل ازالة الدكتاتور ؟ اي تحرير الشعب منه ؟ وتحويله الى شعب حر بقوة السلاح ؟

تقول اننا فرضنا فكرنا على الغرب بالقوة ، ولا شك انك تقصد ايام الاندلس وما يشبهها ، ولكن لم يكن هذا صحيحا ، بل هم من اقاموا حروبا صليبية و محاكم التفتيش واحرقوا كل من لا يدين بدينهم ، بينما اليهود والمسيحيون في الاندلس كانوا يعيشون بدون اضطهاد ديني ، بل ليس في الاندلس فقط ، بل في الشام والعراق كان ولا زال يوجد مسيحيون ويهود . ووصل اليهود والمسيحيون في تلك الايام الى درجة الوزارات .


اقتباس : وأكبر الظن، أن الأصوليين الدينيين والسياسيين، استقوا أفكارهم حول الليبرالية، مما كتبه الغربيون، وخاصة ما كتبه الفيلسوف الفرنسي جان بودريار في كتابه (المصطنَع والاصطناع (Simulacres et Simulation . ولكنهم لم يدركوا أن بودريار كان يتحدث عن الليبرالية الغربية الجديدة، وليس عن الليبرالية العربية أو الإسلامية. وأن أهمية نقد بودريار لليبرالية الغربية الجديدة، يتأتى من كون بودريار ينتقد هذه الليبرالية من داخلها وليس من خارجها، كما نفعل نحن حين ننتقد الليبرالية الغربية الجديدة، ونتحدث عنها من خارجها.

إذن، فهم يتحدثون عن الليبرالية عن غير علم، وعن غير معرفة. وحديثهم عنها بهذا الشكل، لا يتعدى أن يكون حديثاً سياسياً كيدياً، أو خطاباً دينياً متعصباً.

الرد: واجب دعاة الليبرالية ان يوضّحوا ما هي الليبرالية بحقيقتها وأهدافها كما هي ، وأن يكفوا عن تغليفها بغشاء هلامي لا يشف ولا يصف كقولك أنهم يحاربون طواحين الهواء ! إذاً هم يحاربون شيء غير موجود وأنت تدعو اليه ! فكيف يكون الشيء مرة موجود ومرة غير موجود ؟

تعتمد الليبرالية على الغموض ، وهذا ما يخيف الناس منها اكثر . تماما كما يخافون من الماسونية بسبب سريتها وتخفيها تحت الرموز وادعاء الاهداف الخيرة التي لا يجب ان تعلن للناس حتى لا يسيئوا اليها لأنها خيرة كما يقولون !! و كأن الأنبياء اخطأوا حينما اعلنوا الخير للناس ، اي أخطئوا في حق الخير ولم يحترموه كما تفعل الماسونية بدسّه عن الناس !!

لكن اسم الليبرالية يفضحها وايضا اسلوبها وتهرّبها من الغائية ! وهي اسلوب معروف : اسلوب يشبه اسلوب : تتمسكن حتى تتمكن ، ليس هناك عمل ليس له غاية ، الليبرالية تصف نفسها باللاغائية ، وهذا الوضع يشبه وضع المحتال والنصاب الذي يلاطفك ويريد ان يعطيك حريتك ، ويقول انه لا يريد منك شيئاً ! بعدم وضوح غائيته زادك ريبة منه بدلا من ان يجعلك تطمئن له !!

الليبرالية هي مسايسة مجتمع متصلب حتى يخضع ، تصور انك تريد ان تمسك شخصا عنيفا ، ستبدا بملاطفته واعطائه حريته وما يريد وتقبل ببعض الاشياء التي لا تقبلها شخصيا والتي يصر عليها حتى تتمكن من ادارة الحبل عليه وامساكه بدون ان تعرض نفسك لخطر المواجهة .

هذا السلوك اسميه سلوكا ليبرالياً .

لا مناص من كشف الغايات حتى يقتنع الاخرون .

الناس عرفوا ان الفكر المادي الغربي عبارة عن سائل لزج ، اذا دخل جزء منه ، فسيدخل البقية ومعه الفكر اليهودي ايضا الذي اسسه . ومن اي نفق يدخل راس القطار ، ستلحق به بقية العربات . ومن يقبل بالصغرى يقبل بالكبرى .



اقتباس : في الأسبوع الماضي، أكد بعض المعاني السابقة، الليبرالي السعودي عبد الرحمن الراشد مقالاً (ذموا الليبرالية كما تحبون) ("الشرق الأوسط"، 17/12/2010) قال فيه:

"الليبرالية مفهوم إنساني بسيط، يؤمن بحرية الاختيار فقط، وهذه الحرية تضيق وتتسع وفق رؤية كل فرد.. فإن اختارت الأغلبية أن تكون محافظة، فهذا حقها وخيارها، وإن فضلت العكس، فالأمر لها. لهذا تسمح هولندا بتدخين الحشيش، في حين تسجن الشرطة البريطانية من يتعاطاه. فحرية الفرد مقيدة في النهاية باختيار الجماعة، فإذا كانت أغلبية المجتمع محافظة، فخيارها هو الذي يسود. لهذا فالليبراليون، من الناحية النظرية، أقرب الناس إلى الجميع، حيث يفترض أنهم يؤمنون بحق الإسلاميين، والشيوعيين، والقوميين، والمحافظين الاجتماعيين."

الرد: هناك فرق بين ان يكون شخص ما قريب للناس أو يكون قريب للحقيقة ، الناس ليسوا مرجعية المسلم ، المسلم له مرجعيته التي يجسدها ايمانه ، هذه المسلّمة التي ذكرها تجعل المجتمع هو الاله والمشرّع . وبناء على هذا التعريف لا يمكن ان يكون المسلم ليبراليا مرجعه المجتمع .لأنه يعبد رب الناس وليس الناس .



اقتباس : ونحن نزيد على هذا بالقول إن الليبرالية – بكل بساطةهي الحرية في إطار العقد الاجتماعي، والسياسي، والديني، للفضاء الذي نعيش فيه.

الرد: لماذا هي في اطار العقد الاجتماعي والسياسي والديني ؟ هل حبا فيها ام خوفا منها لأنها تملك القوة ؟ لنكن واضحين . طبعا ليس حبا فيها ، لان الليبرالية ليس لها حدود ، اذا هو خوفا منها ، حسنا : اذا زال الخوف ، هل سيظل الاحترام موجودا ؟ طبعا لا . اذا هي لا تحترم ثوابتا الا بدافع الخوف . هذا ليس من استنتاجي ، بل هذا ما يدل عليه تعريفك وتعريف الراشد لليبرالية . وهذه هي الرذيلة بعينها ، ان ادعي احتراما لاشياء لا احبها بل اخاف منها .

هي خدعة معروفة ومكشوفة ، لأن الجميع يفعلها في ظروف معينة ، يضطر لاحترام اشياء ليس حبا فيها بل خوفا منها . والطرف الثاني يعلم ذلك . والجميع يعرف زهد الثعلب عندما خرج يوما في لباس الواعظينا !

نحن لسنا نقيّم هل الليبرالية صالحة لمجتمعنا ام لا ، بل نقيمها هي كفكرة بحد ذاتها ، ونبحث مدى اخلاقيتها . مع التأكيد على أنها ليست فكرة مستقلة كما تقدمون ، بل هي جزء لا ينفصل عن الفكر المادي الغربي كله . فإذا فصلت القطار عن عرباته لم يعد قطارا .


اقتباس : -4-

الليبرالي الإسلامي السعودي، يوسف أبا الخيل، كان جزاؤه على ليبراليته الإسلامية،

الرد: كلمة ليبرالي ، الأنسب لها أن تضاف إلى كلمة غربي ، وليس إلى اسلامي . لأنها جزء من الفكر الغربي وليست جزءا من الفكر الاسلامي . أو على الاقل نقول : ليبرلي من خلفية مسلمة . ولا يُفهَم من هذا الكلام أنه إخراج من الدين أو تكفير للشخص . فأنا قلت عن نفسي يوما من الايام انني ليبرالي مسلم ، فهل أنا أكفّر نفسي ايضاً ؟ هذه افكار شائعة ومروَّج لها اعلاميا ، والكثير قد يأخذها بلا تمحيص ، ولكني رفضتها عندما محَّصتها .

اقتباس : إهدار دمه بفتوى دينية، صدرت في 14/3/2008 من الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك. وطلب البراك محاكمته مع زميله الليبرالي الآخر عبد الله بن بجاد العتيبي. فإذا لم يرجع أبا الخيل عن أقواله "وجب قتله مرتداً، فلا يُغسل، ولا يُكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون." وقد أيّد فتوى الشيخ البراك، عشرون من المشايخ والأكاديميين منهم: عبد الله بن الجبرين ، وعبد العزيز بن عبد الله الراجحي، وفهد بن سليمان القاضي وغيرهم. بينما أصدرت مجموعة من الليبراليين السعوديين بياناً تضامنياًًً، (لا للتكفير.. نعم لحرية التعبير، 31/3/2008). ورفضاً للفتوى، التي قالوا إنها تهدد السلم الاجتماعي السعودي.

ولم يرجع أبا الخيل عن أقواله. وكان أبا الخيل، قد كتب مقالا قال فيه: "إن الإسلام لا يُكفِّر مَن لا يَدِين به، إلا إذا حال بين الناس وبين مُمارسة حرية العقيدة التي يَدينون بها ."

وأبا الخيل، من الذين يرفضون مقارنة الليبرالية بأية أصول مذهبية، لأنها لا تلتقي والتمذهب من وجهة نظره أبداً. ويقول "أن الليبرالية نشأت في أساسها ضد التمحور حول المذاهب ."

الرد: هي أساسا نشأت ضد التمحور حول الثوابت الإنسانية ايا كانت ، وإلا فهي حرية من ماذا ؟


اقتباس :

ولكن الجمال والحق في ليبرالية يوسف أبا الخيل الإسلامية، يتجلّيان في فهمه للنصوص المقدسة، وكيفية التعامل مع هذه النصوص تاريخياً وليس من فوق التاريخ. ففي مناقشته لآراء جمال البنا الفقهية، بخصوص الحجاب والمرأة، والتي أثارت زوابع كثيرة في العالمين العربي والإسلامي، أخذ أبا الخيل بتاريخية النصوص الفقهية، ومحدودية واقعها التاريخي، وقال بشجاعة الفقهاء العقلانيين، الذين لا يفسرون النصوص المقدسة من فوق التاريخ، ولكن من خلاله، ومن داخله، وعلّق على هذه الآراء بقوله في مقاله ("الإحيائية الفقهية الجديدة"، جريدة "الرياض"، 8/4/2006 ):

" إن هذه النصوص - كما هو مقطوع به لدى كافة طوائف المسلمين - محدودة ومحصورة بواقع تاريخي محدد بنوازله ووقائعه. وهي حقيقة مُعبَّرٌ عنها لدى كافة تلك الطوائف بشعار: ندرة النصوص، ولانهائية الحاجات والوقائع الجديدة. ولم تكن ثمة وسيلة للتعامل مع الوقائع، التي استجدت بعد انقطاع الوحي غير تفعيل المَلَكة العقلية، حيال استنباط ما يمكن أن تُكيّف به تلك الوقائع المستجدة. وهذه المَلَكة العقلية قُيِّدت على مرِّ تاريخ التشريع الإسلامي، بتحديد مجالات عمل العقل الإسلامي، وعلى رأسها تدشين "آلية القياس على أصل سابق"، من قبل الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150 – 204هـ). وهي الآلية التي يتطلب تفعيلها البحث في أصل من أصول التشريع، لاستنتاج علَّة الحكم فيه، ليتمكن الفقيه المجتهد على ضوء ذلك، من إلحاق حكم الفرع بحكم ذلك الأصل بجامع العلِّة بينهما. وقد عرَّف المتكلمون من المسلمين (أصحاب مذاهب علم الكلام) القياس بأنه " قياس الغائب على الشاهد."

ويضيف أبا الخيل مفسراً، وشارحاً :

" فالشاهد هنا، هو الوقائع الجديدة. أما الغائب فهي الأصول، التي حملت أحكام التشريع لوقائع معينة، مرتبطة تاريخياً بزمنها. والأحكام المُنتَجة بواسطة القياس ليست شيئاً غير الفقه. وبالتالي، فهذا الفقه، بصفته استنباطاً من الأدلة بقياس الفروع على الأصول، ليس هو الشريعة نفسها، بل هو اجتهاد بشري، داخل حدود الشريعة. والأحكام المستنبطة بواسطة الاجتهاد، اعتماداً على آلية القياس، لا تعتبر أحكاماً قطعية، بل هي أحكام ظنيّة فقط. إذ أن الحكم القطعي الذي لا يسوَّغ الخلاف فيه، هو الحكم الذي جاء به الأصل (المقيس عليه) ، خاصة إذا كان قطعي الدلالة والثبوت. أما المقيس، وهو الفرع، فلا يعدو حكمه أن يكون ظنيّاً، لان الفقيه عندما يستخدم القياس، لا يستطيع الجزم بعلة الحكم في الأصل المقيس عليه."

-6-

نستخلص من هذا كله :

1- أن هذه الآراء في الأحكام الشرعية، هي لبُّ الليبرالية الإسلامية، التي تتأسس الآن في السعودية بقواعد مكينة، ترتكز على العلم، والمعرفة، واستعمال العقل في طرح المسائل. وهي كما وصفها -حقاً - أبا الخيل، هي "الاحيائية الفقهية الجديدة".

الرد: لماذا لا يسّمى باسمه وهو الاجتهاد والتفكير وتأمل النصوص بدلا من الليبرالية ؟ وها هو يسميها إحيائية ولم يسمها ليبرالية كما فعلت أنت ! فالإحيائية تعتمد على شيء موجود اساسا في التراث ويجري إحياؤه كما كان ، وليست على فكر دخيل من أمة لا تعترف بالإسلام لا جملة ولا تفصيلا .

كل هذه - الاجتهاد والتفكير وتأمل النصوص - مطلوبة في الاصل ، ووُجِدَ من مثل يوسف ابا الخيل في القديم من قبل ان تستورد كلمة الليبرالية ، فالكثير والكثير ممن خالفوا الراي السائد وفقهاء زمانهم معتمدين على العقل ، إن على صواب او على خطا . ودائما كانت حرية الاجتهاد والتفكير موجودة ومحفوظة الا في بعض الحالات المخالفة للاصل طبعا . والمسلمون امرهم شورى بينهم في كل شيء ، أي للجميع الحق ان يقول رأيه واجتهاده .

وكانت مدارس الدين الإسلامي تنقسم بشكل عام ، إلى مدارس معتمدة على العقل ، والأخرى معتمدة على النقل .


وعلى هذا فاي مفكر أو مجتهد ستنسبه إلى الليبرالية وليس إلى الاسلام . في حين كانوا في المساجد يتناقشون ويختلفون في قضايا في العقيدة وليس فقط في الفقه ، وكلهم يسمون انفسهم مسلمين . بل لا يمكن أن تجد عالما او شيخا إلا وقد جاء بشيء يخالف به غيره ، وإلا لما عُرِف . فهل نسمي ابن تيمية شيخا ليبراليا ، لأنه خالف علماء عصره ؟ أم أنه نوع معين من المخالفة هو الذي تريد ان تسمّيه ليبراليا ؟ هنا يتعيّن الوضوح حتى نتجنب الظن في تأويل المقاصد .



اقتباس : 2- أن النصوص المقدسة، يجب أن تُفسَّر ضمن سياقاتها التاريخية، وليس خارج هذه السياقات. وتفسير النصوص المقدسة ضمن سياقاتها التاريخية، يُظهر منها "المقاصدية"، التي نستطيع توظيفها في مختلف مظاهر وسلوكيات الحياة المعاصرة. وتلك ركن أساسي من أركان التأويل الليبرالي للنصوص المقدسة.

الرد: فرق بين الرجوع إلى السياق التاريخي اضطرارا لأجل معرفة المقاصد ، وبين تقييد النصوص كلها في ظروفها التاريخية ، لأن هذا الأخير يُفقده عموميته ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .



3 اقتباس : - تمَّ تقييد المَلَكة العقلية على مرِّ تاريخ التشريع الإسلامي، بتحديد مجالات عمل العقل الإسلامي. ويتطلب تفعيل هذه المَلَكة، البحث في أصل من أصول التشريع، لاستنتاج علَّة الحكم فيه، ليتمكن الفقيه المجتهد على ضوء ذلك، من إلحاق حكم الفرع بحكم ذلك الأصل، بجامع العلِّة بينهما.


4- إن الفقه ليس هو الشريعة، ولكنه اجتهاد بشري. إنه استنباط من الشريعة. والأحكام الفقهية ليست قطعية، ولكنها ظنيّة فقط.


وهذه الإحيائيات الفقهية السعودية الجديدة، تأسيس على تأسيس للإحيائيات الفقهية التي قال بها محمد عبده، وعلي ومصطفى عبد الرازق، وأمين الخولي، وخالد محمد خالد، وغيرهم من المصلحين الليبراليين في مصر. كما قال بها الطاهر حداد، والطاهر بن عاشور، وابنه محمد الفاضل بن عاشور، وشدد عليها فيما بعد العفيف الأخضر، ومحمد وعبد المجيد الشرفي، ومحمد حداد، وهشام جعيط، في تونس. وهي كلها تصب في نهر الليبرالية الفكرية المتدفق، تحت صخور السلفية والأصولية الدينية


بقلم / شاكر النابلسي

الرد: المقتضيات العقلية والمنطقية واحترام العقل والتفكير ، هذه امور امر بها الاسلام . والمنطق مقتضى عقلي وليس مقتضى ليبرالي . الليبرالية تعني التحرر ، والعقل يعني التقييد ، فلا ينبغي الخلط بين المتناقضات . اذا ركّز الباحث على العقل وابتعد عن الجمود والتقليدية ، فهذا يسمى عقلانية واجتهاد ولا يسمى ليبرالية . العقلانية اقدم وجودا من الليبرالية ، فهي موجودة منذ وجد العقل . والليبرالية مذهب اجتماعي وليست مذهب فكري ، يجب أن تسمى الأشياء بأسماءها .

الليبرالية حركة اجتماعية ظهرت في اوروبا في القرون المتأخرة . القصد منها اطلاق الحريات الفردية والتخلص من سلطة المجتمع والقيم ، بما فيها الدين والأخلاق والقيم والعادات . حتى يسوغ لكل شخص ان يفعل ما يشاء بدون ضابط الا حريات الآخرين ، ولا قيمة لاي ضابط آخر غير الآخرين ، وكأن الآخرين هم الحقيقة فقط . وهذا يجعل الآخرين اهم شيء بدلا من التحرر من سيطرتهم كما أرادت الليبرالية .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق