الإنسان عنده رغبة في
التعلم ، والحيوان ليس عنده هذه الرغبة ، وهذا فرق أساسي , لو كنا من أصل حيواني
لكانت هذه الرغبة موجودة عنده ولكن بشكل ضعيف ، لكنها غير موجودة ابدا .
والطبيعانيون يتصورون أن الإنسان هو حيوان بالكامل لكنه متطور , ولكننا نرى أن
الحيوان ليس عنده رغبة تعلم ، بينما الإنسان عنده ، حتى من لديه قصور عقلي , هذا
من ناحية عقلية. ومن ناحية جسمية : جسم الإنسان ليس أكثر تطورا من الحيوان , مع أن
التطور يقتضي التوازي , فمثلما تطور الإنسان بالعقل ، كذلك من المفترض منطقيا أن
يتطور بالجسم . لكن الفرق كبير بين تطوره العقلي وتطوره الجسمي . فهو جسميا من
اضعف المخلوقات ، وعقليا هو اقوى المخلوقات . اما تدريب الحيوانات ، فهو رغما عن
الحيوان وبدافع الترهيب والترغيب ، ولا يعي الحيوان قيمة ما تدرب عليه ، ويتخلى
عنه اذا عاد الى القطيع.
وأيضا الإحساس بالجمال مهم عند الإنسان ، ولكن ليس له وجود عند الحيوان , وأيضا التفكير المجرد ليس له أساس في عالم الحيوان , لكن الحاجة للأمن لها أساس في عالم الحيوان ، والغرائز المادية أيضا ، ولكنها عند الإنسان بشكل متطور أكثر, والاحساس بالماضي والمستقبل – اذا استثنينا ما يتعلق بغريزة البقاء – لا وجود له عند الحيوان ، والخيال من خواص الانسان فقط . كذلك قضية الجدوى من الوجود ليست موجودة لدى الحيوان ، وخط السير في الحياة لا يقلق الحيوان كما هو عند الإنسان , ولو كان الحيوان يشترك بكل هذه الصفات بدرجة ملحوظة علميا ولو ضعيفة مع الانسان ، لكان يصح أن يقال ان الإنسان متطور من حيوان . وتلاحظ أن هذه الجوانب التي ليس لها أساس عند الحيوان هي ما تسمى إنسانية الانسان ، وهي الشيء الخاص به , وهذا الذوق والحس الإنساني هو الذي جمّل الغرائز وهذبها ، أي هو الذي طوّر الغرائز , وإلا فالغرائز نفسها لم تتطور ، فعلمية المضغ هي نفسها وعملية الجنس هي نفسها لكن الإنسانيات هذبتها , وهذه الإنسانيات لا تضيف قوة للغرائز ، بل تعاكس الغرائز , إذا هي ليست تطوراً من الغرائز ، وعليه فالإنسانية ليست تطورا من الغرائز . بل تعاكسها وتكبح جماحها .
الإنسان يمكن أن يموت من الحب ، لكن الحيوانات ليس عندها هذا , لكن من الممكن أن يموت الإنسان من الجوع ، و كذلك الحيوان, بهذا نستطيع أن نميز بين الغرائز الحيوانية والإنسانية , فصار للإنسان مجموعتين من الغرائز: غرائز حيوانية وغرائز إنسانية . إذا تسمية الإنسان بالحيوان خاطئة ، سواء اضيف اليها الناطق او المتدين او الضاحك كما اضاف العقاد .
كل ما يخدم الغريزة في
الحيوان لا يسمى تعلما ، الاغنام اذا وضعت لها طعاما في مكان ، سوف تعود للبحث عن
الطعام في هذا المكان اذا تكرر القاء الطعام هناك ، واذا غيرتَ المكان سوف تنتقل
لتفكيرها الى المكان الجديد ، واذا علّمتها حمل الطعام في اناء ، فانها ستلحقك في
كل مرة تحمل اناء . هذا ليس طلب معرفة ، المحرك هنا هو الغريزة وليست الحاجة إلى
المعرفة ، هذا طلب طعام وليس طلب معرفة
.
كل الحيوانات لا تبدي حاجة للمعرفة في غير ما يتعلق بغرائزها . ألا ترى أن المدربين يستخدمون الطعام والضرب اثناء التدريب ولا شيء غير هاتين الطريقتين لعدم وجود الدوافع للمعرفة لدى الحيوان ؟ اي يوظفون الغرائز ، بينما لا يستعمل هذا مع الانسان ، الذي يذهب لقدميه الى المدرسة ، و الى المكتبة ليشتري كتابا بدون استعمال غرائز حيوانية في ذلك.
التعليم البشري في اغلبه قائم على الغرائز العليا ، اي يتعلم فيأخذ الجائزة تكريما غير ماديا وشهادات تقدير ، وهو يكرّم بدافع من غريزة المعرفة المشتركة بين جميع البشر . حتى الطفل الذي لا يرغب بالمدرسة هو يرغب بتعلم اشياء اخرى ، والصعوبة والمشاكل هي التي ابعدته عند الدراسة وليس كره المعرفة ، كل انسان يتمنى ان يملك كل المعرفة ، والحيوانات لا ترغب بهذا . حاجة الانسان للمعرفة ليس لها حدود ولا امتلاء ، فكيف نقارن الانسان بالحيوان الذي لا يريد ولا معرفة وادة خارجة عن غرائزه مع انه يملك دماغا ؟ اذن الدماغ ليس هو سبب المعرفة.
الحيوان يبحث عن اشياء محددة لا يتجاوزها في البحث ، وهي التي تتعلق بحياته ، تعلقا بيولوجيا ، اي انه مسيّر غريزيا وليس عنده حرية اختيار ولا يعرف الخير ولا الشر . أما الإنسان فلديه غريزة المعرفة حتى فيما لا يتعلق بحياته ، بل انه احيانا يضر بحياته ومعيشته وحاجاته البيولوجية في سبيل المعرفة . وكم من عالم ضحى بنفسه من اجل العلم وأضر بمعيشته . الحيوان لا يملك هذه الغريزة اطلاقا.
اما ترويضه فهو رغما عنه ، بالكرباج والحرمان من الطعام . وكل ما يفعله المدرب مع الحيوان من تدريب ، لا يعني عند الحيوان إلا الطعام الذي سوف يعطيه في اخر الاستعراض . حيوان السيرك لا يسره تصفيق الجماهير لأنه يعرف ! بل ذلك يسر المدرب فقط ليس إلا . والحيوانات ايضا لن تصفق له لأنه عرف شيئا اكثر منهم ، كما هو حاصل بين البشر . اذا لا وجود لغريزة المعرفة عند الحيوان ، وتبقى خاصية انسانية تشير الى انه لم يتطور من قرد .
اختيار الشر هو الذي يجعل الانسان يتشابه مع الحيوان ، وانصافا للحيوان ، فالحيوان ليس بلطجيا ولا يأخذ ما ليس له ولا ياكل اكثر من حاجته ، والاسد لا يقتل كل القطيع . بل ياخذ حاجته فقط . اذاً : شر الإنسان اسوأ من الحيوان ، وما أعظم القرآن عندما قال : (إن هم إلا كالأنعام بل هم اضل سبيلا ) . واذا سرق الجائع لياكل ، فهذا حقه في الحياة . وليس معنى هذا انه يتحول الى حيوان ، فربما يعمل و يعيد الى صاحب الطعام حقه بدافع من انسانيته . والحيوان لا يستطيع طبعا ان يفعل مثل هذا ، اذا الانسان مختلف عن الحيوان . والانسان الشرير اسوأ من الحيوان.
كل ما يفعله الحيوان هو في اطار حاجاته البيولوجية فقط ، كغريزة البقاء والغذاء والتكاثر . ولهذا يعيش في قطيع حتى يؤمّن نفسه ويمارس غريزة التكاثر . الحيوان لا يعرف الاخلاق بمعنى التضحية لاجل الفضيلة فقط . أي ان الاخلاق خاصة بالانسان . وتعاون الحيوانات لا يعني سوى المصلحة التي تخدم غريزة البقاء . الحيوان لا يتجاوز حدود الغرائز ، ولا يعصي الحيوان الغريزة ابدا ، بينما الانسان يستطيع ان يعصي الغريزة ، ما يعني وجود دافع اخر ، وهو غرائز راقية وضعت فيه لوحده تستطيع ان تتحكم في الغرائز الحيوانية وتناقضها ، أي ان الانسان يملك غرائز متناقضة ، والحيوان لا يملك مثل هذا ولا بشكل ضئيل ، اذن الانسان نوع والحيوان نوع اخر .
الحيوانات لا تعرف الرحمة ، ورحمة الام لصغارها غريزة بيولوجية مؤقتة ، فإذا كبروا لا ترحمهم وكأنها لا تعرفهم ، ولو ماتوا امامها لاستمرت في الاكل . الحيوان لا يستطيع ان يحب عدوه اطلاقا ، بينما الانسان قد يحب عدوه اذا كان لديه من القيم اكثر منه . حتى لو لم يرد ان يحبه ، بدافع من الغرائز العليا فيه والتي لا يملكها الحيوان .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق