الأحد، 12 مايو 2013

إعجاز عدم البشرية في القرآن



هناك مسلمات بشرية ينطلق منها أي بشر حين يتكلم -مهما كان- في كل زمان ومكان تكون نابعة من وجوده البشري, أما القرآن فليس كلام بشر, لأنه ليس مثل تفكير البشر, القرآن معجز وهو كلام الله, وهنالك كثير من الأدلة على أن القرآن ليس كلام بشر:

فالقرآن مثلاً يخاطب الإنسان مباشرة، وليس يخاطب الخواص والعلماء فقط، القرآن يقول عن عدد من آمن بالله : {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} بينما لو كان من كلام البشر لقال: (كل الأولين كانوا مؤمنين إلا أنتم!) لأنها كلمة تخدم فكرة تكثير الأتباع، مثلما يقول الأب لولده: كل الأولاد يذهبون للمسجد إلا أنت! ، وتقول الزوجة لزوجها: كل الأزواج يشترون هدايا لزوجاتهم إلا أنت! ، مع أنهم يعرفون أن هذا غير صحيح. وتحدث القرآن عن أن الأقوام السابقة أكثرهم مكذبون بأنبيائهم وليسوا متبعين..

هذا غير أن القرآن نفسه لم يتحدث عن كثرة أتباع الإسلام, ولم تكن معياراً فيه ولم يحث عليها, لو كان بشرياً لكان ركّز على هذا الموضوع حتى يتحرك الناس في الدعوة وجلب المزيد من الأتباع.

ولو أن محمداً نفسه هو المخترع لهذا الدين وهو بشر لقَبِل عرض قريش بأن يكون ملِكاً عليهم، وبالتالي يسيطر عليهم ويلزمهم بدينه، فمن طبيعة البشر اغتنام الفرص، بدل أن يتعذب هو وأتباعه ويتشردوا ويهاجروا عن ديارهم!

ولو كان القرآن من كلام البشر لما حدد صفات الكفار بكل ثقة مثل: {همّاز مشّاء بنميم* منّاع للخير معتدٍ أَثيم* عتلٍ بعد ذلك زنيم} فلو كان من بشر لخاف أن يصف الكفار بشيء وإذا بأحدهم ليس بمثل هذه الصفات بل يظهر على العكس ويكون طيباً وكريماً، ولكن القرآن أحضر علامات أخلاقية للكافر وهي التي يجب اتباعها لتحديده.

لو كان القرآن بشرياً لما قال عن المؤمنين {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}, وإنما يقول مثلاً: (الذين يستمعونك أنت وأهل العلم فيتبعونه كاملاً) . ولما قال: {اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} بل سيقول: (كله أحسن) .

ولو كان بشرياً لما مدح أي أحد من ديانة أخرى خصوصاً أنها ديانات قائمة وموجودة وتنافس الإسلام، كما قال عن النصارى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} . ولما قال: {الذين كفروا من أهل الكتاب} ولقال: كل أهل الكتاب كفار.

ولو كان بشرياً لما استثنى، فكثيراً ما يقول مثلاً: {إلا قليلاً منهم} {ولا يذكرون الله إلا قليلاً} ، لو كان من بشر لقال: لا يتذكرون أبداً, فالتعميم من الصفات البشرية, ولكن القرآن أُثبت حتى للكفار قليل من التذكر.

لو كان القرآن مؤلفه محمد لما وجدت فيه المساواة العالمية التي فيه و لكان فيه تعصباً, فاليهودية لأنها محرفة صارت تعصباً. المسيحية وهي التي تدعي أنها ديانة متسامحة تقول أن كل من لم يؤمن بالمسيح في النار, ولكن القرآن قال: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} فكل الديانات البشرية تجعل دينها هو مرجعية الحق, بينما القرآن يقول {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن}, لو كان القرآن من بشر لما دعا للعدل مع المخالفين ونص عليها نصاً.

لو كان القرآن بشرياً لما قسم الناس إلى نوعين, فالبشر يرى أن البشر أمة واحدة, فكلهم يعتقدون أن الناس حسب التربية, وحتى علم النفس الحديث يعتبر الناس نوعاً واحداً, إلا القرآن فقط هو الذي قسمهم من حيث الاختيار إلى مختار للخير ومختار للشر.

أي نظرة بشرية لدين نجدها ترى كثرة الأتباع وتعتبرها دليلاً على الحق إلا القرآن الذي يقول: {وقليل ما هم}, { وما آمن معه إلا قليل} فالقرآن هو الوحيد الذي فرّق بين الحق وبين الكثرة, وهو الوحيد الذي خطأ الأكثرية وصوب الأقلية.

هذا غير فكرة التجريد, ففكرة تجريد الإله لا يمكن أن تكون بشرية إطلاقا فالبشر لا يمكن أن يفهموا شيئاً مجرداً وبعيداً عن حياتهم. انظر إلى الآلهة عند الأمم الأخرى, تجدها تماثيل أو طواطم أو أوثاناً وغيرها من واقع حياتهم, حتى موسى -عليه السلام- قال: {رب أرني أنظر إليك} , لأنه بشر. فالإيمان بالتجريد ليست فكرة بشرية.

كذلك الإيمان بالتوحيد ليست فكرة بشرية, لأن البشر يميلون للتنوع, بدليل أنه يوجد عندهم كبير آلهة. كل الديانات البشرية تقر بوجود وسطاء بين البشر والآلهة , إلا القرآن. الديانات البشرية لا تخاطب الفرد مباشرة, ولابد من وجود وسطاء وهم العلماء ليوصلوا إلى الناس, والشفعاء ليقربوا الناس إلى هذه الآلهة, فلا تلقّي مباشر منه ولا دعاء مباشر إليه, لأن الديانات البشرية تؤمن بإله عالمي وآلهة خاصة بذلك الشعب أو القبيلة, تبعاً للتنظيم البشري, مثل التنظيم الإداري فهناك رئيس للبلاد وهناك محافظ للمنطقة معني بها ويهتم بمشاكلها بالتفصيل وتتعصب له إزاء المناطق الأخرى, ويقربها إلى رئيس البلاد. أما الدعاء والتلقي المباشر من الله هذا فقط في القرآن, ففي القرآن الأمر مباشر والعمل مباشر لله. وأضرار هذه الوساطات سواء كانت صاعدة أو نازلة لا تعد ولا تحصى.

ووصف الإنسان في القرآن دليل على عدم بشريته, ولو كان قائله بشر لما وصف البشر بأوصاف ذم من ناحية بشريتهم, ومن يصف البشر هو خارج عن البشرية, وبما فيهم الرسول نفسه فهو بشر, ولاحظ أنه يقول الإنسان وليس فقط الكافر, {إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً} {إن الإنسان لظلوم كفار}. طبيعة حياة البشر العلمانية تقتضي ذلك حسب حقيقة الصراع, فالصراع والبقاء للأقوى فكرة بشرية تقتضي الظلم حتماً, والوقوف عند الأخلاق ومن له فضل يوقف الصراع, لهذا صار الإنسان ظلوماً كفاراً.

وإذا قلنا بشرية نقصد أفكاراً أفرزتها طبيعة التجمع البشري ومقتضياته, فأي تجمع بشري سينتج أفكاراً بشرية, لأن الحاجات غير محدودة والموارد محدودة وغير متاحة في كل مكان وزمان, إذن لا بد من الصراع, فالإنسان لا يشبع أبداً {وإنه لحب الخير لشديد}.

لو كان القرآن من بشر لما سماه ذكراً بل سماه "تعليماً". ولاحظ أنه قال ذكرى, أي يشير شيء طيب في الإنسان منسي وهو الشعور الفطري.

ومن الدلائل أيضاً حديثه عن السابقين دون أي تهويل أو تغيير في طبيعة الناس, مما يدل أن البشر سلسلة متشابهة في بشريتها, فلا يتحدث أن البشر كان يفهمون أكثر أو أقل ذكاء أو قريبين من القردة أو ضخام الحجم أو صغار الحجم أو كلهم مؤمنين, لو كان بشراً ويدعي معرفة السابقين لهوّل وجاء باختلافات, لكن القرآن يقول :{تشابهت قلوبهم}. إنه يتحدث عن قوم نوح مثلما يتحدث عن قوم محمد..

ولاحظ أنه لا عنصرية ولا طبقية في القرآن, أما البشر لا يستطيع أن يتخلص منها, فلا بشر يستطيع أن يتخلص من الطبقية والعنصرية والأكثرية, فمقياس النجاح عندنا هو الأكثر, حتى الأنبياء فيهم الصفات البشرية فلماذا خرج يونس مغاضباً؟ لأن قومه عصوه, وكذلك يحزن محمد, لأن الأكثرية لم تطعه.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق