السبت، 10 يونيو 2017

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان ابراهيم - الحلقة 2



(الدقيقة 15 الثانية 56) يتحدث الدكتور عن فشل داروين الدراسي ويُرجِع سبب ذلك إلى ركاكة وسوء التدريس في جامعة كامبريدج في أيامه.

الرد : أتعب تشارلز دارون والده وهو ينقله من مدرسة إلى أخرى ومن جامعة إلى أخرى, لا يستطيع أن يفهم في الرياضيات ولا في الجيولوجيا, وضعيف جدا في الفنون ولا يستطيع أن يميز بين الألحان ولا حتى يميز السلام الملكي -حيث كانت زوجته تخبره متى يقوم إذا عُزف السلام الملكي كما هي العادة في بلده-, وهذه النقطة بالذات تدل على انه فاقد للاحساس الفني والذوقي الخيالي، وهذا ما كان يحتاجه بحثه أصلا، لأن الطبيعة تحتاج من يحس بها، وداروين بموجب ما ذكر الدكتور عنه إنسان متبلد الاحساس، وهذا نقص خطير بالنسبة لمن أراد ان يتحسس الطبيعة، وعلامة الاحساس هي الاحساس بالموسيقى والفن والادب والجمال، والذي لا يملك تحسسا في هذه المجالات من باب أولى ان يكون بليد الاحساس، وكان العرب وغيرهم يعتبرون فقدان الاحساس الفني والذوقي والموسيقي عيبا من العيوب. فقد قالوا (إن الكريم طروب). وأرسطو يعتبر الفن ومنه الموسيقى من ادوات التطهير واعادة النظام للنفس البشرية. وقال الشاعر : إذا كنت لم تعشق ولا تدري ما الهوى .. فكن جلمدا من راسب الصخر جامدا.

كما أن داروين كان ضعيفا في الحفظ والاسترجاع, ومستواه التحصيلي متدني, وكان ضعيفا في النقاش وغير حاضر البديهة البتة, و والده يصفه أنه سيكون عارا على العائلة العلمية, وهذا وصف الدكتور عدنان له. كل هذه صفات نقص في قدراته العقلية والإنسانية, ومع ذلك يوصف بالعبقرية الفذة! وأن المشكلة فيمن درّسوه وليست فيه! وهذا يشير إلى الدعم والترفيد المقدّم له، بدليل تنحيته مباشرة بعد وضع كتابه، ليبقى معتزلا أربعين سنة حتى يموت، لا يناقش ولا يجادل ولا يستقبل صحفيين، بينما العبقرية الحقيقية كما هو معروف عنها لا تموت ولا تتوقف، فدائما من احدى ميزات العبقرية التدفق، وهو تقديم الافكار الجديدة بغض النظر عن مدى جودتها لكن بشكل دائم، بالإضافة الى السرعة والفشل الاجتماعي كلازم لها، فما بال عبقريته توقفت لأربعين سنة وهو على قيد الحياة؟ ويبدو انه قُدِّمَ إليه كل شيء، من الأفكار مرورا بكتاب الجيولوجيا الذي زوده به استاذه قبل ركوبه السفينة، إلى نشر الكتاب واستكلاب هكسلي له ومجلات العلوم، على طريقة اختيار الشخصيات ورسمها وصنع النجومية، بدليل ان أستاذه في الجامعة التي فشل فيها داروين هو من جاء يدعوه للرحلة ويهيئ له كل الظروف وربما المصروف، ولك ان تتخيل بروفسورا جامعيا مشهورا يصادق طالبا فاشلا لم يكمل دراسته، ويعمل على بعثة هذا الطالب الفاشل ! بالعادة البروفسورات يرافقون الطلاب النابهين والمتفوقين، لأنهم يرون فيهم امتدادا لهم، العجيب انه هو من اختاره وجاء إليه في بيته يدعوه لرحلة البيغل لمدة خمس سنوات، وهو من اعطاه الكتاب.

ومع ان داروين كتب كتبا اخرى غير كتابه المشهور اصل الانواع، لكن لم يلق لها بال، فأين هي العبقرية ؟ اخذوا منه ما يريدون تماما، مثلما اخذوا من أي مشهور اخر، اذ اخذوا من ديكارت مبدأ الشك وكبّروه بينما اهملوا بقية مبادئ ديكارت التي منها ان العلم يبدأ بالله أولا. وكذلك فعلوا مع كل الفلاسفة اذ يأخذون الجانب الذي يهم الالحاد فيه، ويهملون الباقي، حتى يبدو لك ان العلماء اما ملاحدة وإما ممهدين للالحاد.

ويبدو ان الرحلة والسفينة جهزت لأجله، تصور أحدا تأتيه هذه البعثة من دون ان يطلبها ولم يشتهر بالتفوق، بل هو فاشل حتى بدراسته! هذا يدل على انه شخصية مصنوعة. والعجيب ان كل هذه المشكلات والعيوب التي فيه تجيّر لصالحه! أين الموضوعية؟ لو كان غير داروين لوُصف بالقصور، وربما لولا ضغوط والده لتفرغ للكلاب والحمام والصيد! كل هذا جعله الدكتور ميزات! فسماه تواضعا واعترافا بالضعف, و وضع اللوم على جامعة كامبردج الشهيرة في أن أساتذتها كان أسلوبهم ركيكا في التعليم وأن قدراتها لم تستطع أن توصّل لهذا الطالب الذي لم يستطع ان يفهم لا في الرياضيات ولا الهندسة ولا الجيولوجيا، مع انها علوم طبيعية مثلها مثل الاحياء! وكل هذا في سياق الحياد!

إن مسار رحلة البيغل يكشف هدفها، فهي تمر على مستعمرات انجليزية، وايضا تمثل الغابات والعالم القديم والمتجدد من الناحية الجيولوجية، كجزر بركانية وغيرها.

شيء عجيب أن يختاروا داروين للذهاب في هذه الرحلة العلمية المكلفة على سفينة البيغل, لماذا يختارون طالبا فاشلا في رحلة طويلة لسنوات؟ ماذا عن اكمال دراسته في الجامعة؟ كيف أقنعوا والده؟ ولماذا زودوه بكتاب عن طبقات الأرض ليستفيد منه في رحلته؟ هو بحث عن صفة علمية لما سوف يبثوه وينفجروا به فيما بعد، وهذا ما حصل ، حتى لا يكون كلامهم نظريا فقط، اعتمادا على ثقة الناس بالبحث العلمي.  

(الدقيقة 30 الثانية 55) يقول الدكتور أن داروين لم يكن ملحدا أبدا، بل كان لا أدريا.

الرد : كيف يكون اللاأدري مؤمنا؟ اللاأدرية نوع من الإلحاد مثل اللادينية, ولو لم يكن داروين ملحدا لما اختاره نادي اكس الملحد. واضح انه كان ملحدا لأنه يقول خسرت ايماني بسبب ابحاثي، ومعنى خسارة الايمان تعني الالحاد، مع ان الذي يبدو انه كان ملحدا من قبل ويشترك معهم في افكارهم، وإلا لما اختاروه، وهل سيحبه هكسلي الملحد المتشدد لو كان مؤمنا؟ لكن اخراج الشخصية يقتضي ان يكون من اسرة دينية وان لا يعلن الحاده حتى لا يقال انه ملحد منضمٌ معهم.

الملحد يقول ألا إله قطعا, واللاأدري يقول لا أدري هل يوجد إله أم لا.. واللاديني يقول هناك إله لكن لا نعرفه و كل الاديان لا تمثله, إذن مرتبة اللاأدري هي الثانية بعد مرتبة الإلحاد, وفي المرتبة الثالثة اللاديني لأنه على الأقل يؤمن بوجود إله. والعجيب أن الدكتور عدنان يحكم بكفر الملحد والربوبي المؤمن بالله والمنكر للنبوة ولا يحكم بكفر اللا أدري لأنه مسكين لا يدري! شيء عجيب! على الأقٌل الربوبي يؤمن بالله وهذا هو الأهم, واللاأدري لا يؤمن بالله, لأن "لا أدري" لا تفيد الإثبات. كل هذا لأجل داروين ونظريته! مع أنها ضد صريح القرآن وتخدم الملاحدة كما هو معروف. لماذا كل هذا الميل – حتى لا نقول موالاة-؟ 

الشخص اللاأدري و اللاديني و الملحد سلوكهم متشابه ونظرتهم للدين متشابهة ومخالفة لنظرة الدين بالكامل، ولا يوجد عندهم حلال ولا حرام، وتحكمهم المصلحة واللذة، اذن اللا ادري والربوبي ملاحدة من الناحية العملية، ومختلفين قليلا عن الملحد من الناحية الفكرية، لكن عمليا كلهم ملاحدة. و هل مثل هذا السلوك يعتبر رائعا أو ينتج أخلاقا رائعة؟ على الأٌقل من وجهة نظر إٍسلامية.

الدكتور ينظر بعين العاطفة إلى اللا أدري ويتحجج له بأنه مسكين لا يدري ولو كان يدري لفعل, لهذا ينتظر لداروين الجنة ويدعو له وهو لا يعترف بإله ولا بدين لأنه يقول لا أدري! هذا غير مجهوداته التي انصبت في خدمة الإلحاد, فهل هذه المجهودات هي التي عززت التعاطف معه وهو من قدم طوق نجاة للإلحاد وعكازة يعتمدون عليها؟ إذن لماذا لا يُتوَقَّع للملحد أن يدخل الجنة وكذلك اللاديني؟ هم يقولون لا ندري ولم نتأكد, مساكين لم يتأكدوا ولم يروا الله ولو رؤوه لآمنوا! على هذا تستطيع أن تترحم حتى على أبو جهل لأنه مسكين لم ير الملائكة وإلا لكان أسلم ولم يكن يفقه كثيرا مما يقول النبي!

طبعا دخول الجنة أو النار هذا شأن الله وربما نتهم أحدا وهو عند الله خيّر, لكن ما أقصده هو كيف تكون لا أدرية دارون وبحثه لأجل الإلحاد سببا في الدعاء له! ودارون نفسه يعترف أن أبحاثه كان ثمنها إيمانه, ولهذا كانت زوجته تتضايق منه لأنها وجدته لا يؤمن. فكيف يوصف بالحكمة والرأي السديد من يوصله عقله إلى هذه الحالة إن لم تكن جهوده منصبة على البحث عن الله واثبات وجوده؟ بل على العكس تماما، فجهوده منصبة لخدمة الالحاد ويغضب إذا ذكر اسم الله في أي موضوع علمي. والله يقول (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) أي من أحبوا ان يكون الله موجودا وبحثوا عنه وأعملوا عقولهم في هذا المجال حتى يتخلصوا من إلحادهم وكفرهم، هؤلاء من يُرجى لهم خير، حتى لو لم يجدوا الدين الصحيح. لكن لهم جهودهم في البحث عنه، وهؤلاء يعلمهم الله سبحانه، والله حسيب الجميع ولسنا نحن من نحاسب، لأنه يعلم السر وأخفى ونحن لا نعلم ذلك. وهذا شيء مُستكثر من رجل علم ودين كالدكتور عدنان إبراهيم! كيف يمدح عقلا يؤدي إلى اللاأدرية؟! و أخلاقا لم تفكر في شكر المُنعم؟! آيات الله في كل مكان وليست معرفة الله شيئا لا يمكن الوصول إليه. وكونه لاأدري عليه أن يبحث حتى يدري، فأين هي ابحاثه حتى يدري ؟ اللاأدرية ليست حالة ثبات واستقرار، بل هي حالة تشكك، والتشكك يحتاج بحث ومجهود، أين مجهودات الرجل في هذا المجال؟

إذا كان شخص مثل داروين يمتدحه الدكتور بهذا العلم والعقل والأخلاق بذل كل جهده ولم يهتد لوجود الله، إذن بقية الناس والعوام من باب أولى أن يُعذَروا في أنهم لا يستطيعون أن يعرفوا الله، وبالتالي سيرحمهم الله ويدخل كل الناس الجنة! وإذن معرفة الله لا قيمة لها في بناء الاخلاق، ما دام ان داروين تربع في هذه القمة الرائعة من الاخلاق مع انه لا يؤمن بالله، وبالتالي اذا كان لا قيمة لمعرفة الله في بناء الاخلاق فلا قيمة للدين في بناء الاخلاق، وهذا مستحيل. فالاخلاق الحقيقية لا تكون الا مع من عرف الله تمام المعرفة. قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء). الانسان البعيد عن الله والدين يستحيل ان يكون اخلاقيا بالشكل الكامل، لماذا ؟ لأن الأخلاق عبارة عن تضحية، فكيف يضحي بالمصلحة من شعاره "المصلحة واللذة"؟ ويرى أن الاخلاق ليست الا صورة من صور المصالح المتبادلة، فكيف سيضحي بمصلحته لأجل فضيلة؟ وهو مادي النظرة كداروين؟ وفكرة الاخلاق بئيسة جدا عند الماديين، ولا فرق بين الخير والشر عندهم سوى المصلحة واللذة، وهذا منتهى الإباحية. لا يمكن أن تكون الاخلاق قائمة إلا بإيمان بإله يحبه وبدار آخرة تنتظره تعوض عليه كل خسائره. وإلا ستكون اخلاق الانسان تجارية، والاخلاق التجارية لا قيمة لها في الحقيقة. فسواء عندك من يغشك بأسلوب لطيف أو من يغشك بأسلوب خشن.

رجل يكفر بالله : كيف يُلتمس له العذر بدخول الجنة بحجة أن عقله لم يستطع أن يكتشف وجود إله؟ إذن اعذر فرعون واعذر عبدة الأصنام واعذر كل الكفار واعذر المجرمين ايضا لأنهم لم يستوعبوا ولأن جيناتهم وظروفهم هي من دفعتهم للاجرام والكفر! هكذا يقول الماديون ! يتحججون بأنها مسألة فهم وليست مسألة اختيار واتباع هوى. اذن ما الفائدة من وجود النار؟ ومن سيوضع فيها خالدا ابد الآبدين؟ كل من حكم عليه بالنار سيقول : لم اكن ادري ولم اكن افهم ما يقولون ولم اجد ادلة كافية، وهذه حجج تصلح للشيطان ايضا، فيُعذر ويعذرون ويدخلون الجنة مثلهم مثل الباحثين عن الحق والخير والصابرين على الاذى وفعل المعروف ! وتبقى النار تأكل نفسها حتى تنطفئ بفناءها، تبعاً لنظرية القائلين بفناء النار.

ويقول الدكتور أن داروين شخص نزيه ومعجِب ومستقيم إلى نهاية الاستقامة ! المستقيم ألا يهتدي إلى الصراط المستقيم؟ الم يقل الله {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}؟ ما فائدة الإيمان إذن إذا كان من لا يعترف بوجود الله يقول عنه الدكتور انه مسلم و في غاية الاستقامة والأخلاق والمصداقية والنزاهة والتواضع..؟ إذن لا تأثير للدين الحقيقي على الأخلاق! ماذا سيضيف إليه الدين؟ أليس الإيمان يهدي للتي هي أقوم؟ هذا الرجل اهتدى للتي هي أقوم بدون الإيمان بموجب تزكية الدكتور له! ينبغي ألا يأخذنا الإعجاب كل مأخذ وننتبه لإيماننا، وإلا فمعنى هذا أن في ديننا خلل، لأنه قال أن الخير هو مع من عبد الله واتقاه, وإذا أقررت بوجود الخير بدونه صار الإيمان مثل العبث وتحصيل الحاصل, يقول الله: {لعلكم تفلحون} {لعلكم تهتدون}. اذن لا فلاح بدون الايمان بالله.

(الدقيقة 32 الثانية 8) يقول الدكتور ان داروين – بمصداقيته واستقامته - بذل مجهوده الذي اوصلته نتائجه إلى أن يحكم بأنه لا يدري هل يوجد إله أم لا ، وحاشا لله أن يعذب شخصا بذل مجهوده ولم يصل إلا إلى هذه النتيجة.

الرد : هل الكفر يأتي بقرار أم يأتي نتيجة أفعال؟ هناك من يقول : أنا لا أقول أنا كافر ولا أقول أن الله غير موجود ! هل هذا يعني أنه مؤمن قطعا؟ حتى لو خالفت أفعاله قوله هذا؟

أما أن تكون غلطة تخرجك عن الدين فهذا لا يمكن, لكن إذا كان دين الإنسان نفسه غير مؤسَّس على أساس الدين الحقيقي سيكشف نفسه, مثل شخص يدعي أنه موالٍ لوطنه ولا يقبل المزايدة في هذا الأمر, لكنه يُكتشف وهو يسرّب الأسرار إلى الأعداء, ماذا بقي من وطنيته؟ بقي القرار الرسمي أن تُرفض وطنيته! لهذا قال الله عن أولئك الأعراب :{قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} مع أن قرارهم أنهم مؤمنون. إذن دخولك الشيء وخروجك منه بقرارك يكون في الشيء الذي تدركه وتعرفه وتمارسه, هنا يكون للقرار قيمة, مثل كلمة "الله أكبر" الكل يقولها, لكن هل فعلا الله أكبر عندهم كلهم؟ ليس كل ادعاء على قدر ذلك المدَّعَى. فعلا هو لم يقرّر أن يخرج من ملة الإسلام, لكن هل ما يفعله هو من ملة الإٍسلام أم لا؟ هذا سؤال آخر, لأن نسبتنا إلى الشيء لا يكفيها أن نقرر أن ننتسب إليه, المنافقون مثلا يقولون : نشهد أنك لرسول الله ومع ذلك قال الله عنهم لما استهزؤوا {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} أي أن الذي أعلنتموه ليس إيمانا حقيقيا, كذلك يقولون عن أنفسهم : إنما نحن مصلحون، والله يقول عنهم: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}, وقال: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم}. لا يمكن أن يخرج أحد عن الإسلام إلا بقراره هو, لكن المشكلة إذا أخرج نفسه بأفعاله! فهذه مشكلته مع ربه.

ثم ما هي أعمال داروين العظيمة والخيرية وكأنه عيسى ابن مريم؟! شخص ميال للملاحدة أصلا وبذل مجهود عمره لإثبات كلامهم. هذه الرغبة بحد ذاتها هل نعتبرها شيئا طيبا؟ هذا غير أنه يميّع نفسه أو ينافق ولا يريد أن يصرّح أنه ملحد, وكانت زوجته تعاني من عدم وضوح موقفه، وبعد وفاة ابنته لم يزر الكنيسة قط, أي كان يجاملها. أين هي المواقف التي تكشف عن الأخلاق العظيمة؟ أن يمدحه الدكتور بهذه الهالة الأخلاقية فعليه أن يثبت له مواقفا خالف فيها أهواء نفسه لأجل الحق والخير والجمال. أما أن يقول عنه أنه شخص بسيط ويتكلم بتلقائية فهذا مستواه الثقافي ليس إلا، فهو ليس مثقفا كبيرا, هو شخص "مطيّرجي" ومربي حمام وفاشل في الدراسة منذ الإعدادية ولم ينجح في الجامعة, فطبيعي أن يكون أسلوبه بسيطا. وبما أنه درس اللاهوت في الجامعة فالمفترض أن يدرس ما يثبت فيه لاهوته، وإلا لماذا يدرس اللاهوت؟ هذا تناقض. لماذا يدرس اللاهوت وهو يكره الدين؟ كل هذا لأجل أن يرضي والده، وهذا أقل ما يقال عنه أنه ضعف شخصية إن لم نقل نفاقا. المفترض أن يكون صريحا مع والده. و كان يزور الكنيسة لإرضاء زوجته، فلما ماتت ابنته انقطع عنها.

ثم نلاحظ أن هذه الرحلة هي التي أتت إليه ولم يبحث عنها، وسهلوا له كل شيء, لم يدفع من ماله كما يفعل بقية العلماء الذين تحملوا الأخطار والسفر من مالهم الخاص بل وأجروا التجارب على أنفسهم وأولادهم! لم يكن داروين مثلهم! كل شيء مجهز له لكي يصنعوا منه نجما : سفينة بكاملها تسخّر له وهو طالب فاشل دراسيا لا علاقة له بالعلم! معروف أن الملاحدة يبحثون عمن يخدمهم و من يشاركهم بالأفكار, والكل يعرف أن الداروينية نظرية الملاحدة وهي رايتهم التي يلتفّون حولها ويدافعون عنها بالغالي والنفيس وفُصِل الأساتذة من الجامعات إذا خالفوها.

العاقل يُعرف بأولوياته, فكيف يبحث داروين في موضوع بعيد عن الواقع وفي الماضي السحيق ولا يبحث عن من هو وما مصيره وهل يوجد إله أو لا وماذا بعد الموت.., ويكتفي بكلمة لا أدري! يبحث عن شيء لم يفقده ولا يبحث عن الشيء الذي فقده! كيف يوصف بصاحب العقل الكبير من يفعل هذا؟ هو لا يدري بوجود إله لكنه يدري بالإلحاد، لهذا يبحث عن أدلة علها تساعده. ثم لا هو ولا الأطباء استطاعوا أن يعرفوا مرضه الذي عانى منه لأربعين سنة, فلماذا لم يبحث عن مرضه هو؟ وهو باحث في الأحياء ..

نادي إكس الملحد تبنى داروين, و هكسلي من شدة حماسه للنظرية والدفاع عنها يسمى كلب داروين! وهكسلي هو من اسس نادي اكس ومعه هوكر مؤسس مجلة Nature العلمية المعروفة والتي لا تزال تعمل بدعم التطور، ومعهم هربرت سبنسر صاحب نظرية الداروينية الاجتماعية، وشعار النادي كان "الاخلاص للعلم وجعله نقيا حرا وخاليا من المعتقدات الدينية". وهذا يثبت لنا علاقة التطور بالإلحاد، وحاجة الالحاد الماسة لهذه الافكار البديلة عن الاله. اذن التطور ليس فكرة خالية من المعتقدات الدينية كما يزعمون، لأنها مليئة بالمعتقدات الالحادية، والالحاد دين، يقدّم وجهة نظره فيما كان وما يكون وما سيكون بناء على معتقدات، مثله مثل الأديان. وهذه المعلومة لم يذكرها الدكتور عدنان رغم استقصائه، وهي معلومة مهمة، وهي أن الداعمين لداروين و مرشديه من أعضاء نادي اكس هم من شرعوا بالعمل والترويج لفكرة الانتخاب الطبيعي فور نشر كتاب داروين. والنادي ركز على نشر هذا المفهوم "الانتخاب الطبيعي" اكثر مما روجوا للتطور، وهذا ما يهم النادي كمجمع ملحد، أن يكون التسويق لفكرة الانتخاب الطبيعي كبديل عن الاله، ولهذا اهتموا بداروين وتطوره، فالتطور بحد ذاته لا يفيد الالحاد بشيء الا من خلال الانتخاب الطبيعي الذي يقدّم وعيا و ارادة بدون اله ، وهذا محال في المنطق العاقل. لكن التسويق والبهرجة تسوّق البضائع الزائفة.

اذن هو نادٍ يتآمر على الدين من خلال العلم, وهذا بحد ذاته يطعن في نزاهة بحث داروين كونه مدعوما من فئة أيديولوجية داخلة على العلم وليست أخلاط علماء. نادي إكس هو نادي ملحد تطوري, اختاروا دارون مندوبا عنهم حتى يبدو بريئا وخارج النادي, ومن أعضاء النادي الفيلسوف الملحد هربرت سبنسر الذي سيطبق التطور على علم الاجتماع, و هوكر مؤسس مجلة Nature  الإلحادية الداعمة للتطور إلى الآن. بعبارة أخرى لم يكن بحث داروين الحر هو الذي هداه إلى النظرية، بل هو مُرسل لهذا الغرض, للبحث عن شواهد تؤيد نظرية جاهزة لم يهد إليها العلم, أي عنده نتيجة مسبقة يريد أن يثبتها, والأفضل من هذا هو ما يقود إليه البحث العلمي الحر بدون أيديولوجيات مسبقة. إذن لا يمكن أن يوصف بحث داروين بالنزاهة الكاملة, لأن خلفه نادي متآمر على الدين ويتبنى التطور, ولهذا اختير مجانا و أعفي من الدراسة وقدمت له التسهيلات وزوّد بكتاب عن الجيولوجيا, كأنهم يقولون : اذهب وابحث ولا تقل أنك منا, لهذا يكثرون من مدح نزاهة داروين, حتى يبعدوا الأنظار عن الحكاية الحقيقية. وإلا فكيف تنزل هذه المائدة من السماء على طالب فاشل؟

ثم كيف يكون لطالب فاشل في الجامعة أصدقاء و علماء كبار كهنسلو و لايل و هكسلي؟ هو طالب موجه فكريا, فهنسلو أعطاه كتاب لايل الذي يتكلم عن النظرية التنميطية, وكأنه يقول له : ابحث على هذا الأساس وانح هذا النحو, عملية تطور نمطية طويلة الأجل, خلافا لنظرية الكوارث السائدة ونظرية الخلق, وقد أيد هكسلي هذا الكلام بقوله أن دارون ما كان ليهتدي للنظرية لولا تمهيد لايل صديقه. هذا بعد أن مُوِّلت رحلته بالكامل وأرسلت له رسالة إلى منزله. إذن لسنا أمام باحث بحث بنفسه ومن تلقاء نفسه أو حتى طلبَ بأن يموَّل أو يُرسَل في سفينة, لقد جُهِّز له كل شيء.  ولم يعاني كما عانى العلماء ويعانون من عدم الالتفات إليهم وعدم حصولهم على مموّلين، بل على العكس تماما يُدعم ويُبعث بالمجان ويهبّون فور وصوله لنصرته. داروين هو الابن المدلل بالتبني للإلحاد ممثلا في نادي إكس, ولا يزال داروين إلى اليوم صنم الملاحدة الذي يدورون حوله كما نرى داوكنز وهو يتأمل تمثال داروين بكل تقديس، ذلك التمثال الذي وضع في مقدمة متحف التاريخ الطبيعي الذي أسسه أوين بعد ازالة تمثال صاحب المتحف نفسه. كحركة غير اخلاقية، لأن المكان مكانه وهو الذي جمع العينات. مع العلم انه كان في خلاف مع داروين، فجاءوا لينصروا داروين بعد موته، ولكن في متحف الرجل، وهذا عمل لا اخلاقي لا يحترم صاحب المتحف. انها الايديولوجيا وليس العلم. هكذا داروين : علوٌّ في الحياة و في الممات ، لعَمرُك لهيَ إحدى المعجزات. ولا شيء بلا ثمن، فداروين هو من قدم العكازة لكي يقف الالحاد على قدميه, وما زالوا يتشبثون بها الى اليوم، فهو مثل النبي في دينهم الذي قدّم لهم المعجزات.
 
وهنا نتساءل عن نادي إكس الملحد وإمكاناته وعلاقاته وبحثه عن ما يثبت التطور في كل مجال. إذن داروين مرسل ومموّل لأجل هدف وتحقيق نتيجة معينة يحضرها معه ويجمعها في كتاب حتى يهبّ نادي إكس وأتباعه في نصرة ذلك الكتاب حالما يُنشر وهذا ما حصل. لا يمكن مقارنة داروين بعالم قادته أبحاثه إلى نتائجه.  العلماء الحقيقيون لا تعرف قيمتهم الا بعد موتهم، بينما البطل داروين عرفت قيمته بعد نزول قدمه من السفينة.

(الدقيقة 38 الثانية 2) يتحدث الدكتور عن هروب داروين من لندن إلى قرية داون وبقائه في قصره الكبير داون هاوس اربعين سنة حتى وفاته، وذلك الهروب كان بسبب كره المجادلات والنزاعات والرغبة في تحصيل وقت اكثر للبحث العلمي.

الرد : لماذا هرب - أو هُرِّب - داروين من لندن؟ وبقي أربعين سنة في الريف ولا يختلط بالناس؟ لم يكن من سكان داون بل من سكان لندن ومن طلاب كامبريدج! ما هذه الاقامة الجبرية التي فرضت عليه في الريف في مكان يصعب الوصول اليه؟ ولم يكن يزوره إلا سجّان واحد – ان جاز التعبير - وهو لايل ؟ وكان عمره بين العشرين و الثلاثين اثناء سفره وبحثه ونشره لكتابه المشهور، هذا لأنه لا يستطيع مواجهة الأسئلة المحرجة التي قد تكشف ما لا يريدون ان ينكشف, وقد أدى مهمة نادي إكس و تركهم بقوة إعلامهم يواجهون المجتمع، فهم لم يهربوا، وكان هكسلي ينوب عنه، لأن القضية قضيتهم وقضية الداعمين. وما دام أنه باحث نهم, لماذا لم يقم برحلات اخرى ما دام انه نهم ومتفرغ للبحث والتسهيلات مفتوحة امامه اكثر من قبل؟ لماذا لم يشتهر له كتاب غير أول كتاب له بعد أن عاد من إرساليته؟ يُفترض أن تكون كتبه اللاحقة أكثر و أجود، خصوصا وقد عاش أكثر من أربعين سنة بعد الرحلة وقد اشتهر, لماذا لم يقم برحلة أخرى وهو يستطيع و الامكانات متاحة له؟ مادام نهما للبحث كما يقال.

وقصره الشامخ في داون من أين؟ من اين له وهو طالب فاشل بالدراسة؟ اربطها بمن موّل رحلته وأرسل له خطاب التحاق بالرحلة. داروين وجد كل شيء مجهزا ولا يُستبعد أن حتى ما كتبه في كتابه كان مجهزا، لكن يراد أن يوثّق به كنتيجة رحلة وأبحاث. إضافة للأوسمة والنياشين التي قُـُلِّدها، مع أن من العلماء من اخترعوا ما نفع البشرية، وداروين لم ينفع البشرية بشيء، ومع ذلك كُرِّم أكثر منهم, مخترع تخدير الاسنان المستعمل حتى الان مات بحسرة وفقر و رفض من الاطباء في زمنه، ولم تعرف قيمته الا بعد موته، وقلة من يعرفون اسمه حتى الآن، حتى أنا نسيته، لكن من ينسى داروين .. العجيب انه لا يوجد أي تطبيق لنظرية داروين في التقنية او الطب بشهادة الاطباء انفسهم، ولا يستفيد منها إلا الإلحاد فقط, عكس من قدموا علوما خدمت الناس في حياتهم ولا تكاد تُعرَف أسماؤهم.

(حتى نهاية الحلقة) يتحدث الدكتور عن نظرية الكوارث في علم الجيولوجيا ويقارنها بالنظرية التنميطية، وكيف ان العلماء رفضوا الاولى وتبنّوا الثانية.

(مبدأ الانتظام ونظرية الكوارث):

العلماء الماديون الغربيون ينتقون من فكرة الانتظام (التنميطية) و أيضا من فكرة الكوارث -المسيحية- لكي يخدموا فكرتهم, مع أنهم يدعون أنهم تخلّوا عن فكرة الكوارث, لكنهم يؤمنون بها لتفسير الظواهر التي لا يستطيعون تفسيرها بفكرة الانتظام, مثل فكرة العصور الجليدية وتكوّن الأرض وتكوّن القمر وانقراض الديناصورات..إلخ, والتي لم تحصل إلا بسبب الكوارث.

المؤثر الخارجي الوحيد على الأرض هو الشمس, والشمس مؤثر صحي ومنتظم لا يتغير فجأة, لهذا لا يمكن أن تحدث كوارث وتغيرات كبيرة ومفاجئة بسبب عدم وجود مؤثر يسبب ذلك, فالمنتظم ينتج منتظم ولا ينتج غير منتظم, المياه والرياح والأمطار والغطاء النباتي كلها بسبب تأثير الشمس, وهو تأثير منتظم. فالشمس منتظمة بلا شك، وما يتبع المنتظم سيكون منتظما. هناك أشياء منتظمة لكنها تحصل في فترات زمنية متباعدة فتبدو ككارثة أو صدفة, فبعض الأودية لا تسير إلا بعد أكثر من ثلاثين سنة, فهناك انتظام يومي وانتظام شهري وانتظام سنوي وانتظام كل عشر سنوات أو كل 50 سنة وهكذا. مذنب هالي لا يمر إلا كل 73 سنة. من يرى هذا المذنب لأول مرة قد يعتبره صدفة أو كارثة, ولن يراه مرة اخرى، بينما هو دورة لكنها بطيئة، ونفس الشيء بالنسبة للكسوف والخسوف. بطء بعض الدورات المناخية يجعلها تبدو ككارثة, كبركان لا يثور إلا كل 80 سنة, وفيضانات انهار تتكرر بعد مدد وفترات متقاربة، وربما يكون هناك دورات أكثر تباعد ككل 200 سنة أو كل 10 آلاف سنة أو حتى كل مليون سنة, لكنها ليست كوارث عشوائية، بل دورات منتظمة. السماوات والأرض خلقتا بالحق، والفوضى ليست بحق, لأن كلمة حق وكلمة باطل كلاهما تنطبقان على الأشياء, فسيْرُها على نظام يسمى حق وسيرُها بفوضى يسمى باطل. إذا كانت الأرض فوضى فلماذا الله يخوف الناس باختلال النظام يوم القيامة؟ هذا يعني أنهم متعودون على النظام وليس على الفوضى.

من غير المنطقي أن تكون العوامل الطبيعية هي التي كونت شكل الأرض وتضاريسها, فما نراه في الطبيعة أن العوامل الطبيعية - سواء عوامل البناء أو عوامل الهدم- تحافظ على شكل الأرض وقابليتها للحياة, فمثلما أن المطر مثلا ينحت من الجبل هو أيضا يساهم في تقوية الجبل و اختلاط معادنه, ويساهم بإنبات الأشِجار التي تحافظ عليه من الانهيار. لما تتأمل وتلاحظ كل عوامل الطبيعة ستجد في المحصلة أنها تحمي الأرض والحياة وتحافظ عليها بما يخدم الحياة وتحافظ عليها من التغير الجذري -لا أن تحافظ على تراب جبل معين-. المهم هو النتيجة النهائية, فالغلاف الجوي يحيط بها ويحميها, والشمس تشع بشكل منتظم و حركة الرياح منتظمة وحركة أمواج البحار وتوزيع النباتات والكائنات الحية...إلخ, كل هذه الظواهر جميعها تساهم في المحافظة على الأرض. هذه النظرية أكثر واقعية وعلمية من النظرية التنميطية وكذلك نظرية الكوارث, ويمكن أن أسميها "نظرية المحافظة" وهي مرتبطة بنظرية التوازن.

لو ركزنا على بعض الظواهر الطبيعية -مثلما يفعل الماديون- ونهمل البقية سنخرج بنتائج تدميرية للحياة على الأرض, وهكذا كل نظرياتهم الجيولوجية هي بالأخير تؤدي إلى تدمير الأرض وليس الحفاظ عليها لو جاريناها وعلى مدى ملايين السنين. حتى نظرية التطور ستؤدي إلى تدمير الحياة وليس انتخاب الأفضل إذا افترضنا أن الظروف تغيّر في البنية الأساسية للكائن الحي, لأن ظروفا ستغيره على شكل معين ثم تأتي ظروف أخرى لم يستعد لها فتقضي عليه.

ما داموا يوغلون في قدم عمر الأرض ستكون النتيجة مدمرة, فلو ننظر إلى عوامل التعرية فقط لكانت النتيجة المنطقية أن تكون الأرض كرة مغمورة بالمياه بعد أن سوّت عوامل التعرية اليابسة بالبحر وهدّت الجبال, وهذا الزمن الطويل كاف لفعل ذلك ويمكن حسابها رياضيا. المتغيرات في الطبيعة نتيجتها التوازن وليس نتيجتها التدمير, والتوازن يخدم بقاء الحياة, فليس هناك فوضى خلاقة بل هناك نظام مستمر, {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} {من كل شيء موزون}, فالارتفاعات موزونة مع الانخفاضات والماء موزون مع اليابسة {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار} هذا يعني عدم وجود كوارث، لأن الآيات تشير إلى نظام وتوازن, والواقع يؤيد الآيات أكثر من تأييده لنظريات الماديين.

الماديون يؤمنون بالفوضى في الطبيعة، لكنهم يبنون حياتهم على نظام الطبيعة, فيعرفون الأماكن الباردة على الأرض والأماكن الرطبة والأماكن قليلة الأمطار, ويعرفون الأماكن المعرضة للزلازل والأماكن المعرضة للأعاصير. لا الفوضى ولا النظام كلاهما لا يمكن أن يوصفا بأنها خلاقان، نحن نعيش في تغيرات منتظمة على ظهر الأرض، اما الشمس والقمر فهما ثابتان، (الشمس والقمر بحسبان) فالتغيرات هذه لأجل تجديد الارض وتهيئتها للحياة، مثل تصريف الرياح والامطار والدورات المناخية والزلازل والبراكين. و كلامهم عن الكوارث التي حصلت للطبيعة لا يؤيده الواقع الهادئ المنتظم, هذا يشبه كلام الساحر أو الكذاب عن عفاريت رآها في نفس المكان الليلة الماضية! نعم توجد كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين لكنها منتظمة وتخدم النظام وليست كوارث تخريبية, وإلا فلنعتبر الموت كارثة مع أن الموت يمهد لحياة جديدة ويفسح المجال للأجيال الجديدة, وإلا لضاقت الارض بسكانها. على قول الشاعر: "لعل عتبُك محمود عواقبه ** فربما صحّت الأجساد بالعلل" .

الثبات والحركة يعطيان توازنا ونظاما، ليس شرطا ان يكون النظام ثابتا. مثلا في أوقات الزحام تطفئ الاشارة ويعمل رجل المرور، هذا لأجل خدمة النظام ولتخفيف زحام الحركة، اذن الثبات ليس دائما يخدم النظام. النظام وضع لأجل غاية، فإذا لم يحققها الثبات سيحققها التغير، والعكس. فالنهر يفيض في فترات، وهذا لا يعني الفوضى، بل يخدم نظام تجديد التربة وتزويدها بالمعادن وسقي الارض، ثم يعود النهر الى وضعه الطبيعي، وهذا فيه خدمة للاراضي الزراعية، لكن البعض يبنون بيوتهم في اماكن الفيضان فتجرفها فيقولون الكون فوضى ! لو استمر النهر في مجراه فقط لتملّحت الاراضي القريبة منه ولم تستفد.

كل العوامل الجيولوجية الطبيعية هي عوامل استقرار وليست عوامل تغيير, نهر النيل مثلا منذ آلاف السنين وهو ينقل الطمي إلى البحر الأبيض المتوسط, لكنه لم يدفنه ولم يصنع خطا فاصلا في البحر, كل الأنهار تصب في البحار ولم تدفن شيئا. النظام البيئي مجهز بحيث لا يجعل شيئا يستمر إلا ويعيده لسيرته الأولى, مثلا التراب الذي سيحضره النهر هناك تيارات بحرية تنقله وتوزعه وبشكل دوري. والرياح الرملية القوية التي تنقل الرمال إلى البحر لماذا لم تدفنه عبر ملايين السنين؟ موج البحر لا يسمح لليابسة أن تغطي البحر, فالموج يحمل الرمال إلى الساحل مرة أخرى ومن ثم تبعدها الرياح العكسية إلى البحر, وبالتالي لا يطغى البحر على اليابسة ولا تطغى اليابسة على البحر, فأين النظرية التنميطية التراكمية؟ النظرية التنميطية لتشارلز لايل والتي اعتمد عليها داروين خاطئة وغير موجودة في الواقع, فكل شيء يعمل للثبات المتجدد وليس للتغير الفوضوي والجذري, مثلا كل بيئة تكثر فيها الحيوانات يكثر أكل هذه الحيوانات للنباتات, لكن الحيوانات تُكسِب الأرض خصوبة في تربتها, وهذه الخصوبة تزيد الحياة. الحيوانات العاشبة ترعى الأعشاب لكنها تُكسِب التربة خصوبة و تقلِّم الأشجار وتجعلها أقوى و جذوعها أمتن وتنقل البذور وتسمّدها, إذن نتيجة التغير من هذا الديالكتيك صفر.

القندس المائي يقطّع الأشجار القريبة من البحيرة التي يصنعها لكنه يشق قنوات لكي يحمل بها الاخشاب البعيدة الى جسوره، هذه القنوات تصل إلى الأشجار البعيدة ويصل لها الماء، ثم يهاجر عن هذا المكان ويعطيه فرصة للنمو بعد أن أمّنه بالمياه, محصلة التغير هنا أيضا صفر, لأنها خدمة متبادلة، وهكذا قس على كل بقية الاحياء. من يشاهد القندس في أولى مراحل عمله سيقول أنه يدمر البيئة ولو ضربنا هذا العمل في ملايين السنين سيدمر الحياة الشجرية على الأرض! على طريقة تفكير التنميطيين والداروينيين. ونماذج التكافل بين الأحياء أمر معروف وأكثر من أن يعد. الرياح نفسها تتعاكس في الاتجاه, فما أحضرته الرياح الجنوبية تعيده الرياح الشمالية {وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض} أي أنها ليست باتجاه واحد, فدائما في الطبيعة تُعاد الأمور إلى نصابها تقريبا. انظر لقانون النظافة في الطبيعة، فالكل يعمل لأجله : البكتريا والرياح والشمس والحيوانات ليعود المكان نظيفا، فاذا قلنا ان مكانا ما نظيف فهذا يعني انه لم يطأه الانسان. لهذا يحب الناس الرحلات البرية والاماكن البكر التي لم تطأها قدم انسان، لأنها نظيفة وجميلة. اذن الكل يعمل لاجل النظافة، لماذا؟ لأجل تجهيز المكان لحياة قادمة، وهكذا، نحن ندمر والبيئة تعمّر، نحن نلوث والبيئة تنظف وتنقي. (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس). عوامل التحليل في الطبيعة تعمل عملها لتنظيف المكان وتحليل البقايا واعادتها لبنيتها الاولى، سواء حية كالبكتريا او ميتة كالرياح والرمال. البيئة لا يمكن ان تتلوث كلها، لكن مسألة وقت، فالتحليل يحتاج لوقت.

انظر للتعاكس بين الحيوانات المفترسة والفرائس, هذه تقضي على حياة والأخرى تتناسل بأعداد أكبر. النتيجة التغيرية صفر. هذا التعاكس يقدم الشيء ونقيضه، وبالتالي لا يمكن للصدفة أن تبني في بيئة متعاكسة مهما كان عدد السنين, فما يبنيه هذا يهدمه هذا.

لا يوجد عامل طبيعي يستمر باتجاه واحد وإلا لتدمرت الأرض, فلا يوجد رياح مثلا تستمر تهب من جهة معينة, بل يأتي وقت سكون ووقت تهب رياح من جهة معاكسة لتعيد الامور الى نصابها. أما النظرية التنميطية فتفرض وجود عامل طبيعي يستمر بالتحرك باتجاه واحد، وهذا غير صحيح. وهذا يسقط ايضا نظرية التطور ذات الاتجاه الواحد.

وجود التعاكس في حركات الطبيعة يقضي على النظرية التنميطية أو سمها (فكرة التطور في الجيولوجيا) وبالتالي سيقضي على التطور في الأحياء, وهكذا نرى اعتماد الداروينية على النظرية التنميطية و نفهم العلاقة بين التلميذ داروين وأستاذه لايل الذي كان يرسل له كتبه وهو في رحلته, فلو سقط مثلا افتراض أن اليابسة كانت قارة واحدة لواجهوا مشكلة في أن توجد الحياة في قارات بينها بحار, فافتراض الصدفة مرة واحدة في قارة واحدة أهون عليهم من تكرر الصدف و وجود الحياة في قارات متعددة. ومثلها نظرية العصر الجليدي التي اعتمد عليها الداروينيون في تفسير عدة ظواهر مثل ظهور الجِمال متطورة من اللاما في أمريكا الجنوبية, فقدّم العصر الجليدي أرضية صلبة تمشي عليها إلى جنوب غرب آسيا, مع انه لم يقدم لها غذاء في هذه الرحلة الطويلة المتجمدة، وكذلك انتشار الإنسان في الأرض ..إلخ, ومثلها نظرية تغطية البحر لمصر اعتمدوا عليها في فكرة تطور العجل المصري إلى الحوت المعروف في المحيطات. إذن التطور أساسه جيولوجي, وجيولوجياهم أساسها تطور, وهنا الخدعة في أن الناس ينظرون ببراءة لنظريات الجيولوجيا ويقبلونها على أساس انها لا تعارض الدين, لكن القبول بها يمهد للقبول بنظرية التطور التي تخدم الإلحاد.   

أيضا من القوانين في الطبيعة أن كل شيء له مخرج, وهذا يقضي على فكرة التطور, فإذا سخنت الماء لن يستمر يغلي بل سيصل لنقطة يتبخر بعدها, وإذا حصل جفاف في بيئة معينة فكل نوع من الأحياء له مخرج مجهَّز, فالطيور تهاجر وتجد حيوانات تنتقل وأخرى تتكيف وبعضها تعلق حياتها وتبقى في حالة كمون حتى يعود الماء كما في حالة بعض الاسماك والضفادع والبذور. ووجود المخرج ينفي غيره, ولا حاجة طبيعية لغيره, اذن لا حاجة للتطور، فما دام للطير فرصة أن يهاجر فلن يبحث عن وسيلة أخرى, وبالتالي لا داعي للتطور حتى تواصل الأحياء الحياة بسبب وجود المخارج.

المخرج من عوامل الاستقرار في أي نظام ويحتاجه أي نظام, مثلما عندما يمتلئ خزان المياه و في أعلاه وضعت مخرجا لتصريف الماء الزائد, سيخرج الماء مع المخرج ولن ينفجر الخزان. ومثل تحدّب سطح الأرض سواء من تلال أو جبال, هذا يجعلها لا تكوّن مستنقعات للأمطار فتسيل المياه على الوديان وتذهب للبحار, لكن لو كانت الارض مستوية ستكوّن مستنقعات وفي الصيف ستكون الأرض ملحيّة, وعبر السنين ستحوّل الأمطار المتراكمة اليابسة إلى بحر وتنقرض الحياة البرية. كل شيء أمامنا غائي ويخدم الحياة, فالأرض تجمع بين الاستواء والارتفاع والانخفاض, بحيث أنها تكون صالحة للأحياء وبنفس الوقت تصرِّف المياه, وتقدّم تنوع تضاريسي ومناخي, وتعيش الأحياء التي سُخّرت للأماكن الباردة في المنطقة الحارة - في أعالي الجبال مثلا - ولا داعي لها أن تتطور بسبب الحرارة.

الكارثة الحقيقية هي بسبب الإنسان {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}, لاحظ قانون النظافة، تجد أن أقل مكان دخله الإنسان هو الأكثر نظافة! لماذا لم تتراكم عظام الحيوانات وجثثها؟ في الطبيعة الحياة تعمل والموت يعمل، التركيب يعمل والتفكيك يعمل، فتتحلل الأجسام حتى تكون ترابا، ولا يوجد بناء مستمر ولا هدم مستمر، هذا يشبه الحرب السجال، فالحرب السجال تعني ثبات، فمرة يفوز البناء ومرة يفوز الهدم، بالتالي لا يجوز عقلا القول بوجود انقراض للكائنات في الطبيعة ما دامت هكذا.

لدى الأحياء مخارج أمان و في كل الطبيعة مخارج أمان وليس فقط الأحياء, فالحرارة تذهب إلى أعلى, هذا قدّم مخرجا حتى لا تحتبس الأرض بالحرارة وبالتالي تتدمر الحياة, لأن الأصل في الكون البرودة، وكلما تبتعد عن الأرض كلما تذهب إلى البرودة. كل قانونين متناقضين بينهما مخرج, فإذا جمعت حرارة وبرودة فالحرارة ستذهب إلى أعلى. حتى الحرائق في الغابات لا يطفئها في الغالب إلا الأمطار. وقانون الأواني المستطرقة يقدم مخرجا, فيه تتوزع السوائل بالتساوي على المنخفضات ولا تتراكم في جهة معينة.

كل نظام –سواء كان طبيعيا أو من صنع الإنسان- يحتاج إلى قوانين و مخارج, بحيث لو حصلت ظروف طارئة يكون هناك مخارج طوارئ, و كل نظام لابد أن يكون له غاية ولا يُفهم إلا بغاية, وكل نظام له منظِّم, وهذه تنطبق بكل دقة على الطبيعة, إذن لها إله ويريدها أن تكون مستقرة بلا جوائح وانفعالات وأعاصير مدمرة وقارات تغور. والغلاف الجوي دليل على إرادة الاستقرار, فهو غلاف هائل يحميها من الأشعة الضارة والشهب, من طبيعة وجود هذا النظام أن يستقر حتى لو لم تؤمن بوجود إله, وإلا لماذا يوجد هذا الغلاف الحامي؟ التعاكس نفسه هو من صور المخرج, بحيث يبقى الثبات. حتى بجسم الإنسان يوجد نظام مخارج. وجود المخرج يدل على الثبات, لاحظ أنه لو يحصل اشعاع قوي أمام عينيك تضعف الرؤية ثم تعود, هذا نظام حماية للعين, ومثلها في السمع حين يصرخ أحد بأذنك فجأة فيقل السمع حماية للأذن, ومثل الكحة والعطاس كنظام مخارج في الجاز التنفسي..إلخ. إذن ما دام هناك نظام مخارج في الاحياء إذن الأحياء لم تتغير ولن تتغير, لأن لكل فعل طبيعي طارئ هناك ردة فعل مناسبة.

كل المخرفين في الأرض يحاربون هذا الثبات الطبيعي مهما كانت أيديولوجيتهم, فكل من أراد أن يكذب يتجرأ على قوانين الثبات.

بناء على النظرية التنميطية –أو الاتجاهات التنميطية- يجب أن ينمّطوا كل شيء, فأين التنميط في العناصر والمعادن؟ ماذا سيحدث لمعدن الذهب بعد ملايين السنين؟ هل سيتغير لونه؟ والماء إلى أين هو متجه؟ هل سيكثر أم سيقل؟ ما دام يقولون أن الشمس تشيخ والقمر يتغير بعده عن الأرض ، فماذا عن الباقي؟ ماذا عن الحرارة الباطنية للأرض ماذا سيحدث لها؟ هل ستبرد أم تزداد وتفجّر الأرض؟ وبما أنه ليس هناك ثبات, ماذا سيحصل للأعداد إذن؟ وماذا سيحدث للمربع والمثلث وغيره من الأشكال الهندسية؟ هل ستبقى ثابتة؟ لماذا تبقى ثابتة بينما كل شيء يتغير تدريجيا ويتنمط ويتمطط؟ هل الجيولوجيا تتغير والهندسة لا تتغير؟! ليست المٍسألة ثبَّت ما تريد وحرّك ما تريد حتى تحصل على ما تريد, المسألة احترام علم ومنطق, وإذا كان كل شيء ثابت وقوانين الطبيعة أنتم تقولون أنها ثابتة ، إذن الطبيعة ثابتة. والشيء محكوم بقوانينه، وقوانين الطبيعة ثابتة اذن هي ثابتة، وهذا يسقط فكرة أينشتاين أن كل شيء متغير ونسبي الثبوت و لا توجد حقيقة مطلقة. الطبيعة لا تلعب النرد ولا البلايستيشن وليست افلام أكشن. الأشياء التي تخدمهم في التطور يجعلونها متغيرة, والأشياء التي لا علاقة بها بالتطور يثبتونها! إذا كان الماء لا يوجد فيه أي تغير لا في مقداره ولا فقدانه ولا في قوانينه, والقوانين لا تتغير, والمعادن لا تتغير, والضغط والحرارة كذلك, ما الذي يجعل نواتجها تتغير بشكل عنيف لكن بالتصوير البطيء؟! أحاسيس الناس ومشاهداتهم ترصد الثبات, لكن نظريات الملاحدة تتكلم عن تغيرات سابقة ولاحقة على شكل أكشن وأفلام خيالية. هذا طعن في النظام الموجود و الذي يثبته العلم وبالتالي هو طعن في العلم. معتمدين على تغيرات بسيطة وسطحية وتعمل الطبيعة على إزالة آثارها كالبراكين والزلازل والرياح. التغير الذي سيحدث في الطبيعة هو ما أخبر عنه القرآن حين تتغير كل الظواهر وينهار النظام, ولو كانت تتغير من نفسها فما فائدة القيامة؟

كل هذه الأمور خاضعة للبيئة وقوانينها وظروفها, ما داموا يرجعون التغير الرِّتمي للبيئة والظروف والجميع خاضع لها، إذن الجميع سوف يتغير. نظرية التطور بُعدُها الجيولوجي نظرية التنميط, إذن كل شيء في تطور وليس فقط الأحياء, إذن كل شيء يجب أن نصدّق أنه خاضع للتطور والتغير, وعليه يحق لنا أن نسأل عن مستقبل المعادن, وعن مستقبل الأشكال الهندسية, وعن مستقبل كل القوانين الطبيعية, فلا شيء ثابت!

إذا كانوا يقرون أن الطبيعة تسير بنظام ، كيف يفترضون الحوادث والفوضى من النظام؟ هم مثل من يقول أنه إذا كانت كل السيارات في الشارع تلتزم مساراتها وسرعتها بانتظام سوف تتصادم! النظام لا ينتج فوضى, إلا إذا نفوا النظام في الطبيعة، وهنا يكونون أسقطوا العلم كله لكي يحافظوا على نظريتهم بداعي من الإلحاد, إذن التنميطية نظرية إلحادية مثلها مثل أختها الداروينية, الأولى في الجيولوجيا والثانية في الأحياء و هما شيء واحد. 

النظام بطبيعته لا ينتج تغيرا, وإذا كانوا يقولون أن التغيرات ليست فوضى, فعليهم إثبات النظام, مثل أي شيء تراه يبدو فوضويا لكن بعد الدراسة يتبين أنه نظام, فأين النظام في هذه التغيرات المستمرة؟ أين النظام بأن يوجد عصر جليدي مثلا؟ إذا تحدثت عن النظام دون أن تفسّر النظام فأنت تتحدث عن فوضى.

النظام يعني غاية, لهذا هم ليسوا نظاميين بل فوضويين, لأنهم لا يقدمون غاية للنظام المزعوم. من شروط النظام أن يقدمون غايته, لكنهم لا يقدمون نظاما ولا يقدمون غايته. نظرية الاستقرار يدعمها النظام الطبيعي, فهو نظام خادم لبقاء الحياة وعلى رأسها الإنسان, أي أن الطبيعة مسخّرة. كل علوم الغازات مثلا نستطيع أن نثبت علاقتها بهذه الغاية, لو زادت نسبة الأكسجين مثلا تدمرت الحياة وكذلك لو نقصت, لو لم تكن البحار تتخلل القارات لتضررت الحياة, وهكذا. لو لم يكن الغلاف الجوي بهذه المسافة لتضررت الحياة –وليس الأرض فقط فالكواكب الأخرى ليس لها غلاف جوي ولم يتضرر وجودها-.

أي نظام تكتشف غايته فعليك منطقيا أن تقول أنه وجد لأجل هذه الغاية, مثلما تقف عند إشارة المرور, حين ترى أنها لتنظيم السير إذن الغاية من وضعها هو تنظيم السير, هذا من أصول البحث العلمي. إذا اكتشفت أن الدجاجة ترقد على البيض ثم عرفت أن البيض يفقس بعدها, إذن هذا الرقود نظام وغايته إبقاء الحياة. السحُب تخرج من البحر لتنزل لاحقا على اليابسة وعلى البحر, إذن هذه غايته وليست حركات عشوائية، وسقوط الماء على البحر ليس عشوائيا ، بل ليدخل الاكسجين في الماء الذي تعيش عليه السمك، مثله مثل الموج ويجد ماء البحر ويعطيه مياها نقية.

معرفة النظام دون معرفة غايته معرفة ناقصة, بل لا تسمى معرفة اصلا. مثل من يعرف شكل مكبر الصوت وتركيبه لكن لا يعرف الغاية منه. كل علم الملحد هو من هذا النوع : العلم الناقص, لأنه مجرّد من الغائية. المحامي الذي يعرف القوانين ولا يعرف لماذا وضعت محام فاشل. ما دمت آمنت أن من وضع إشارة المرور إنسان واعي ولم تضع نفسها بنفسها لأن لها غاية, إذن السحب التي لها غاية هناك من صنعها, وبما أنه ليس الإنسان إذن هو أعظم من الإنسان. في الحياة العادية تعرف النظام من غايته, لكن عندما تأتي للكون تدعي أنك لا تعرف وتُحيل هذا على الصدف! ولو قيل لك أن الصدفة هي التي وضعت إشارة المرور لضحكت! مع أن الحياة أعقد من إشارة المرور! هذه انتقائية مكشوفة ككل أفكار الملحدين ، مبنية على الانتقائية, ولا يستطيع الملحد أن يقف على قدميه ويتكلم لو قرّر أن يتخلى عن الانتقائية باختيار ما يناسبه وحذف ما لا يناسبه, حتى في عقله يمارس الانتقائية, يفكر بطريقتين في الأمور المتشابهة, و هذه علامة الهوى.

واضح أن كل شيء بالأرض يخدم الحياة, والصدفة لا يمكن أن تصنع نظاما متكاملا يخدم الحياة, ولو كانت الصدفة تصنع كل النظام المركّب فإذن لا فائدة للوعي والعقل, لأنها تقوم مقامه. لكن نحن نرى في حياتنا العادية أنه بغياب العقل والإرادة تأتي الفوضى.
       
هناك تغيرات تحدث في الطبيعة, لكنها طفيفة ومحتواة وتخدم الحياة, الزلازل مثلا هي أعنف تغير, إذا استبعدت المباني التي صنعها الإنسان, ما هو التغير الذي يحصل بسببها؟ لا شيء, وإذا كانت في بحر ستسبب موجة تسونامي تغسل السواحل, والتسونامي يطلق مكنونات من البحر ويلقيها على اليابسة مثل الأسماك والدرر وتستفيد منها الحيوانات والبشر, وينقل من الطمي من قاع البحر إلى اليابسة حتى لا يتراكم في البحر. إذن هو يخدم الحياة في الأخير وليس كارثة عشوائية, ففي الطبيعة لا يوجد شيء اسمه كوارث. وأماكنه معروفة ويمكن اتقاؤها.

فيضان نهر براهمابوترا في الهند القادم من الثلوج الذائبة من جبال الهملايا والأمطار الموسمية قد يبدو ككارثة, لأنه يغرق مساحات واسعة ويضطر العديد من الحيوانات للهجرة, لكنه أيضا يسقي السهول ويقدم المعادن للتربة لتنمو النباتات بغزارة بعد انحسار الفيضان, ويجعل الفرائس تهاجر إلى التلال وتتجمع مما يقدم غذاء للحيوانات الصيّادة, والتي ستواجه صعوبة كبيرة في الصيد بدون مثل هذه الظروف التي تجعل الحيوانات تتجمع.

والحرائق التي تحصل في الطبيعة الكل كان يتصور أنها شيء ضار بالبيئة ومدمر, ولكنها في الحقيقة مفيدة ككل الحوادث الطبيعية, وقد أكتشف باحثون من جامعة مونتانا أن حرائق الغابات لها دور مهم في تخصيب التربة، لأنها تجعلها غنية بالنيتروجين وهو عنصر أساسي في غذاء النبات. هذا غير أن الحرائق تخرج الحيوانات والحشرات المختبئة وتقدَّم غذاء لمن يقتات عليها. وكذلك غزارة الامطار تُخرِجها، والحرائق اغلبها بسبب الانسان او نفايات الانسان، فحتى الصواعق التي تحرق الاشجار يأتي معها المطر ليطفئها. كل ما يجعل الفرائس تتجمع هو نعمة للحيوانات الصيّادة لأنه يجعلها تسير بمجموعات وبالتالي يسهل الصيد منها, مثل الحريق والفيضان والهجرة. إذن ما يسمونه كوارث طبيعية هي نعم في الحقيقة.

التغيرات الطبيعية رتيبة ومحلية ومشاهدة ومفيدة للحياة, وليست بالضخامة التي يصوّرونها. في الحقيقة نحن في شقة مفروشة ومجهزة تُعرَّض احيانا لإعادة ترتيب الاثاث وتنظيفه ثم تعود للنظام مرة اخرى, لكنهم لا يريدون أن يقرّوا بهذه النعمة.

هناك تعليقان (2) :

  1. عدنان ابراهيم مفتون بالحضارة الغربية و عنده احترام مبالغ فيه للافكار المنحرفة
    اما بخصوص ردك قفد ابدعت في الحقيقة كتابك مبني على بحث مسبق و امثلة متنوعة تجعل فهم المصطلحات سهلا

    ردحذف
    الردود
    1. اشكرك اخي جمال على المتابعة، وليس الهدف نقد الدكتور عدنان، فهو بالأخير ناقل لما لم يقله ولم يبتدعه، وأرى أنه يجب الرد على هذه النظرية بالمنطق والأدلة ، وهذا اجتهادي ولا نستغني عن المشاركة، ليس قصدي الشخصنة، بل قصدي هو اثبات الحقيقة. و لم اجد من يتكلم بهذه النظرية بهذا الاسهاب والدقة والاحاطة والتحديث كالدكتور عدنان، وهذه ميزة تحسب له. وإن كان تبناها كأساس وحاول ان يدمجها مع القرآن بشيء من التعسف، فهو ليس أول من فعل هذا، بل يوجد كثيرون وعلماء دين أيضا. اذن المهم هو ان نقول رأينا في هذه النظرية مع الاثباتات قدر الامكان، بغض النظر عن من تبناها او من لم يتبناها ، وعنوان حلقاتي هو الرد على نظرية التطور كما يطرحها الدكتور عدنان، وشكرا على مداخلاتك الجميلة.

      حذف