الاثنين، 25 يونيو 2018

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 28



(الدقيقة : 7 الثانية : 10) يواصل الدكتور حديثه عن الأدلة والشواهد الصامتة للتطور للحلقة السابقة، وكان الحديث حول الجينات الصامتة او الميتة او الزائفة. من هذه الجينات جين يدعى كلو، هذا الجين مسؤول عن تكوين خميرة (إنزيم) ما، وهذا الإنزيم مسؤول عن عملية تكوين فيتامين سي في الثدييات، وهو فيتامين مهم جدا لعملية التمثيل الغذائي،. كل الثدييات تقوم بإنتاج هذا الفيتامين تلقائيا، ما عدا الرئيسات، البشر والقردة العليا، بالإضافة إلى خفافيش الفاكهة وقوارض وخنازير غينيا. لماذا هذه المخلوقات لا تستطيع تكوين هذا الفيتامين؟ لأن تكوينه من سكر الجلكوز يتم عبر اربعة مراحل متوالية، وعند الحيوانات التي ذكرت اعلاه يتم القيام بالمراحل الثلاث الأولى، ولكن الرابعة لا تتم، وبالتالي لا يصنّع هذا الفيتامين، ولهذا لا بد ان تحصل عليه من مصادر الغذاء الخارجي، وإلا ستصاب بالأمراض المعروفة، كمرض الاسقربوط الذي كان يصيب البحارة. السؤال هنا لماذا لا يتم انجاز المرحلة الرابعة؟ الجواب هو لأن الجين اللازم لإنتاج الإنزيم اللازم للمرحلة الرابعة غير موجود، طبعا المقصود أنه غير فعال، وذلك لأن الجين أصابته طفرة عطلته، ولهذا لا يتم انجاز المرحلة الرابعة وبهذا لا ينتج الفيتامين.

والسؤال المثير للإهتمام هو : لماذا هذا موجود في الرئيسات بالذات؟ وهذا واضح طبعا لأن صلة القرابة واضحة بينها، ولذلك هي مرتبة معا في رتبة الرئيسات، وحسب نظرية التطور فإن صلة القرابة بين الرئيسات متينة وقوية، وهذا احد الأمثلة التي يتذرع بها التطوريون ليفسروا افتقار الرئيسات لهذا الجين كجين نشط. وهنا يقدم التطور نموذجاً في التفسير.

الرد : هذه الحيوانات هي من آكلة الفواكة أصلا، فهي تجده في طعامها، وهل هذا يعني أنهم ذوو قرابة مع الخنازير والخفاش؟ هذه محاولة ضعيفة جدا. لأن هذه الأنواع كلها تأكل الفواكة والثمار الناضجة، تماما مثل خفاش الفاكهة، الذي من إسمه يتبين أنه يأكل الفواكة، والعلماء يقولون أن فيتامين سي يكثر في الفواكة، وخفاش الفاكهة يحب اكل المانجو بالذات، فهل خفاش الفاكهة من الرئيسات؟ اذا كان من قرابة فإذن الخفاش قريب من الرئيسات. ما الذي يجعل الكلب لا يحتاج إلى البرتقال أو أي فاكهة فيها هذا الفيتامين؟ ان هذا يدلنا على الوظيفة، حتى الانواع في تغذيتها تمارس وظيفة، ما الذي يجعل الكلب يعاف ويكره الفواكة الجميلة والنظيفة ويألف الجثث المتعفنة؟ مثل هذه الوقفة لو وقف التطوري وتفكر فيها لأدرك أنه على خطأ كبير. لا أظن أن هذا الفيتامين ضروري لكل الأنواع، بحيث أنها تصنّعه ذاتيا، وإلا لأحبت الفواكة التي تحتوي عليه، لأنه ضروري لها، فالأغنام مثلا تحب أوراق شجرة البرتقال أكثر من الثمرة. وماذا عن الحشرات والأسماك؟ هل هي تصنّع الفيتامين سي؟ وماذا عن بقية الفيتامينات كأي و بي و دي؟ هل النمل مثلا تصنع هذه الفيتامينات؟

لو كانت المسألة تطوراً لتوجهت الكائنات كلها إلى أفضل أنواع الطعام، وهذا عبر التجارب وملايين السنين، لأن الانتخاب الطبيعي يختار الأفضل، ولكان حقيقةً صراعاً من أجل البقاء، ولكان كلهم يأكلون ما يأكله الإنسان كأرقى مستوى، طعام نظيف وفواكة ومشويات الخ، ولعافوا ما كانوا يألفونه من أشياء قذرة وروائح كريهة، لو حصل هذا لتدمرت البيئة، هذا من وجهة نظرنا كبشر وليس من وجهة نظر الكلاب والضباع، لأن ريحة العفن أفضل عندها. والفواكة على كل حال أفضل من الجيف لا لونا ولا رائحة ولا ونضارة ولا طعما. والسكر أفضل على كل حال من الخشب، لكن ليس هذا في مقاييس النمل الأبيض، بل الخشب أفضل لديه، رغم قساوته ونشوفته، لأن كل نوع مسخر لوظيفة لا يتغير عنها ولا يتطور، وكل نوع يجب أن تكون هناك أنواع تعيش عليه إذا مات وتفنيه لأجل النظافة العامة. هناك إرادة تنظر لمصلحة النظافة العامة وصحة البيئة، ولذلك وزَّعت الرغبات والشهوات على هذه الوظائف. حاول أن تعطي النمل الابيض عسلا وتقول لهم استريحوا من أكل الخشب، سيتركون عسلك ويذهبون إلى اقرب خشبة، هذه عملية إنتخاب للأفضل، قدمنا لهم عسلا بدلا من الخشب الصلب، فلماذا لم يشكروا لنا؟ اذن الانتخاب الطبيعي و الصناعي لا يعملان. لكن التوازن الطبيعي جعل لكل ساقطة لاقطة، فيمر الحيوان من جانب غذاء حيوان آخر وهو جائع ولا يتناوله. كل ميسر لما خلق له، وبالتالي لا يوجد صراع، لأن لكل نوع مورده الغذائي الخاص، إذن لا يوجد صراع على الموارد الغذائية، إذن فكرتهم عن الصراع الطبيعي (باظت).

إذن لو كان التطور موجودا لوُجد في الأكل، كيف تتطور أجسامهم ولا تتطور أذواقهم؟ النمل الأبيض لم يجد شيئا يأكله إلا الخشب الناشف الذي لا يأكله غيره، يترك الفواكة تسقط بجانبه ويذهب إلى خشبة ناشفة يابسة ويتعامل معها بأساليب ووسائل حتى يهضمها! لماذا لم يتطور حسه وذوقه الأكلي؟ على الأقل هناك أشياء مريحة أكثر في الهضم، على الأقل شيئا رطبا أو أخضرا أو بذور نباتات أو فواكة ، قياسا على النمل الأحمر الذي يأكل ما لذ وطاب من الحلو والسكريات، وهناك نسرٌ يأكل لحما طريا، ونسرٌ لا يأكل إلا عظام الجثث، رغم قوته وضخامته وقدرته على الصيد.

نظرة واحدة فقط لمعيشة الحيوانات والطيور تكفي لإسقاط كل هذا الوهم التطوري. الله قدّر فهدى. ذاك النسر الذي ينتظر الكل حتى ينتهوا من الجيفة، ولا يبقى منها إلا عظامها الصلبة، ثم يأخذها ويلقيها من حالق حتى تنكسر ليبتلع كِسَر عظام خطيرة الحواف وحادّة، هل هذا بسبب نقص في بيئته؟ طبعا لا، فهو يعيش في بيئة ثرية جدا ومليئة بأنواع الطرائد والفواكة، ويعيش في بيئة ممطرة طول العام، لكن لا يأكل إلا العظام، من الذي ألزمه بهذه الوجبة التعذيبية القاسية؟ ومن الذي حرمه من ملاذّ الحياة ليقف طعامه على العظام الناشفة؟ المنطق لا يمكن أن يؤدي إلى هذا، إنه التسخير الذي جعل لذته في هذا النوع فقط، تاركاً الفيتامينات والفواكة واللحوم الطازجة.

وهذا يدخلنا في موضوع آخر، وهو موضوع التنويع الغذائي، فالحيوانات كلٌ يعيش على بوتقة واحدة من التغذية ولم تتأثر صحتها، فالكلب لا يمكن أن يأكل أي فاكهة ومع ذلك يتمنى الإنسان أن يكون بمثل نشاطه، مع أن الإنسان يأكل ثمار الشتاء في الصيف وثمار الصيف في الشتاء ويأكل معها مقويات وفيتامينات، لكن لا يمكن أن يكون بنشاط أحد القوارض مثلا. أليس الأسهل على الحيوانات هو تطوير الأكل؟ أليس ذلك أسهل من تطوير الشكل والجسم والوظيفة؟ أليس الجوع دافعٌ قوي للتنويع الغذائي عبر ملايين السنين؟ لماذا لم يتحسن ذوق أي نوع من هذه الحيوانات والحشرات والطيور؟ على الأقل ليزيد قائمة طعامه تحسبا للظروف الصراعية! كل هذا لم يحدث، وهذا ضحك من الطبيعة على فكرة التطور البعيدة عن الواقع.

إنه الله الذي قدّر وهدى، هدى كل نوع ليركّز على نوع من الطعام، وأعطى هذا النوع خصائص تتناسب مع هذه الوظيفة، كسرعة الحركة والالتفات عند الطيور، وكذلك سرعة القضم والحركة عند القوارض والنشاط المفرط، والقفز عند الماعز والتسلق، والهدوء والبطء عند الضأن، وعلى ذلك قس. هذه الخصائص وغيرها كلها تابعة للدور والتوازن البيئي، وليس راجعا للتنوع الغذائي أو اكل الفيتامينات، فالدب يخرج من أربعة أشهر بيات من دون أكل ولا ماء، ومع ذلك نراه يلعب ويتقلب على الثلج! إن الدور هو الذي جعل الماعز تقفز بينما الضأن لا تقفز، لأن الماعز تعيش على أشجار الجبال وأوراقها، بينما الضأن تعيش على ما تُنبِت السهول من حشائش. وسرعة الحركة عند القوارض لأجل أن تُسرِع في فتح فمها وإغلاقه، لأنها ستعيش على الحبوب القاسية ذات القشور الصلبة، وهذا يحتاج أن يكون فمها مثل المطرقة التي تضرب بسرعة، لكي تستفيد من قوة التسارع، فالتسارع يعطي قوة، فالضربة البطيئة من المطرقة ليست كالضربة السريعة منها، إذن ما سر نشاط القوارض وسرعة حركتها وكذلك القرود؟ لا نقول أنه بسبب الفيتامينات أو التغذية أو بسبب خوفها من أعدائها، لأن الكل له أعداء، وحتى الضأن له أعداء ولكنه ليس سريع الحركة، إنها الوظيفة التسخيرية هي التي جعلت كل نوع بهذا الشكل وبهذه الميزات، فالماعز لا تسمن أبدا، ولا يقال انه بسبب جينات معطلة جعلتها لا تسمن مهما أكلت.

التفسير الأوضح هو أن هذا هو الدور الذي سُخِّرت له وهو لا يتناسب مع السمنة، لأن وظيفتها تقتضي القفز وتسلق الجبال والأشجار والوقوف على قدمين لتناول ورقة من شجرة. وهذا يُدخل القرد في قرابة مع القوارض - إن كان التطوريون واقعيين - وليس قرابة مع الإنسان، وإذا كانت قرابة الشمبانزي للإنسان تصل إلى 98% كما يقال، فلماذا لا يمكن تبادل الأعضاء والدم مع القرد؟ بل ولا حتى إجراء التجارب عليه؟ مع أن هناك دراسات تقول أن الفأر يصل تقاربه مع الإنسان إلى 99% ، فمن نصدق؟ وكيف نصدق؟ وعموما التجارب تجرى على الفئران وليس على القرود، كأن الأطباء يضربون عرض الحائط بنظرية التطور وإفرازاتها.

هذه الأدلة التي يعتمد عليها التطوريون ولا تُرى ولا تُشاهد هي مظنة للخطأ، تماما مثلما ظن الناس وتوهّم العلماء في القرن التاسع عشر أن المريخ له فترة ربيع وهي سبب تغيّر لونه إلى الأحمر، فقالوا أنه بسبب تفتح أزهار شقائق النعمان على سطحه، فصدّق الناس ذلك في ذلك الحين. هذا هو حال من يتبنى أدلة غير مثبتة 100% وغير قابلة للتجريب.

(الدقيقة : 11 الثانية : 35) يتحدث الدكتور عن الجينات العكسية داخلية المنشأ، وهو نمط من الجينات الزائفة، موجود في جينوم الحيوان والإنسان، وهذا النمط من الجينات ليس من مكونات الجين الأصلية، إنما هو وافد عليه، أي انها جينات وافدة على جينوم الحيوان أو جينوم الإنسان، طبعا هذه الجينات الواردة قد تعمل وقد تعطل بطفرة من الطفرات، والفيروسات تفعل هذا، بحيث تستنسخ جينومها ثم تحقنه في نواة الخلية، مثل فيروس الإيدز، ومن هنا قدرته التدميرية، وهذه الفيروسات تسمى ايضا الفيروسات العكسية داخلية المنشأ. مثل هذه الفيروسات اذا اصابت المنويات او البييضات، فسينتقل بعد ذلك بالوراثة إلى الابناء.

وعند دراسة الجينوم البشري، وعند البحث عن هذه الجينات الميتة الواردة من مُعدِيَات خارجية، نجدها في مواضع، وهي المواضع ذاتها بالترتيب ذاته في جينوم الشمبانزي.

إن جينوم الشمبانزي أقرب إلى جينوم الإنسان منه إلى جينوم الغوريلا، بل إن بعض الدراسات تقول أن التقارب بين جينوم الإنسان والشمبانزي أكبر من تقارب جينوم أفراد من نوع واحد من الحشرات أو الثدييات، فهل هذه صدفة أن نجد الجينات الزائفة او الميتة في نفس المواضع ونفس الترتيب تماما؟

الرد : هذا الدليل يفتقر إلى الدقة والإثباتات، وهل يعني كونهما في نفس المكان يعتبر دليلا؟ وهل دُرست بقية الحيوانات الأخرى حتى نعرف ونقارن؟ وهل تمت معرفة التخطيط الجيني الأصلي لكي يُعرف ما تلف وما تعطل بسبب الفيروسات عبر ملايين السنين؟ ثم كيف تكون جينات القرد تطابق جينات الإنسان 98% بينما يكاد القرد يختلف عن الإنسان شكلا ومضمونا 100% ؟ لا يوجد أي تماثل مع القرد، لا شكل ولا عقلا ولا مضمونا، يوجد تشابه في بعض الشكل الخارجي وليس كله، وهذا التشابه موجود مع حيوانات أخرى، لأن الإنسان لا ينمو على جلده الشعر إلا قليلا، أما القرد فمغطى بالشعر كاملا. وجه البومة يشبه وجه الانسان أكثر من وجه القرد، وصوت القرد يشبه صوت القوارض، وصوت الماعز يشبه صوت الانسان، وهكذا مخلوقات تتشابه فيما بينها وتختلف، لكنها لا تتماثل. عندما يقال أن الجينات تتطابق فهذا يعني أنهما نسختان، وهذا غير موجود، فإذن هذه النسبة خطأ من الأساس، إلا إن كانت الجينات شيء آخر لا يتعلق بمخطط البناء نفسه، وهذا لا يقول التطوريون به، هذا إذا صدقنا بالجينات العكسية داخلية المنشأ وأنها تورّث، إذن لكان الوقت كافيا للفيروسات أن تلعب بكل الأنواع عبر ملايين السنين، فملايين السنين كافية لإحداث تغييرات أوضح من هذه التغييرات، وإذا كان مريض الايدز أصيب به بسبب الفيروس الذي نسخ نفسه، اذن فلماذا لا يورّث مرض الايدز لأولاده؟ إلى الآن لا أحد يقول أن الايدز مرض وراثي، هذا غير أن الدكتور مونتاني الذي اكتشف هذا المرض يقول أنه حتى الآن لم تثبت علاقة الفيروس بالايدز، مع باحثين آخرين يؤكدون ذلك.

(الدقيقة : 15 الثانية : 50) يتحدث الدكتور عن ما سوف يُطرح في السلسلة الثانية من نقض لبعض أطروحات التطور، فيقول أن ما يمكن نقضه علميا وبالدليل وبالإستنتاج المنطقي السليم فأهلا وسهلا به، ولكن لا يمكن أن نغالط الحقائق، لأن مغالطة الحقائق هي إضلال عن الحق، ويؤكد الدكتور أنه هكذا ينطلق، فالمؤمن حقا بالله ليس جبانا ولا خائفا ولا يخاف من النظريات ويرتعد منها، لأن إيمانه راسخ فعلا في قلبه، ويهمّه أن يعرف حقيقة الخلق كما هو موجود، ومطلوب منه أن يغيّر من إدراكه لبعض المفاهيم العقدية، مثل مفهوم الخلق. فليس بالضرورة أن يكون الخلق كما تفهمه أنت، لأن القرآن لا يقول هذا ولا النصوص تقول هذا، بل حتى اللغة العربية لا تقول هذا، فالأصل في معنى الخلق هو التقدير السابق وليس التكوين، فالتكوين موضوع آخر، فالتكوين هو صيرورة طويلة جداً، أما الخلق فقد تم بضربة واحدة في علم الله الأزلي، ولا يتطور إطلاقا. ويقول الدكتور أنه سيدفع في السلسلة الثانية من الشبهات، وأنه يبحث وهو منشرح الصدر، ومهما بان الشيء بدليله صار إليه، لأنه يريد الحق، لا أن يحرجه أحد بالحق الذي ضلّلنا أنفسنا عنه بعد ذلك ويقع في حيص بيص.

ويضيف الدكتور أنه ربما لو فرّ أحد من المواجهة فإن غيره سيواجه لكن ربما هذا الذي سيواجه ربما يلحد، لأن الذي فرّ من المواجهة أفقده وأعدمه أن يغيّر من منظوره على الأقل بمقترح جديد وتفسير جديد وبنموذج جديد قد يكون هو الأقرب إلى روح القرآن وروح الدين، فللأسف أن بعض الناس يعتقدون أنهم عرفوا الله مرة واحدة وإلى الأبد. وهذا غير صحيح بالمرة، فكما أن الكون والإنسان والخليقة والعوالم لا نزال نكشفها شيئا فشيئا، ونفهمها أعمق فأعمق، فمن باب أولى ببليون مرة أننا نقترب من الله فهماً يوما فيوما، أما أن تظن أن مشايخنا وعلمائنا رضوان الله تعالى عليهم أجمعين هم الذين فهموا الله عز وجل مرة واحدة وإلى الأبد بحيث لا مزيد على فهمهم، فهذا خطل وغلط من الرأي. فالله لا يمكن فهمه بضربة واحدة وبنموذج فهمي واحد، لذلك من ضمن ما يسعى إليه الدكتور ويدعو إليه كما يقول هو تجديد المناظير العقدية، بالذات في باب الإلهيات.

الرد : المؤمن نعم يأخذ من غير المسلمين ما ثبت تجريبيا وواقعيا وماديا، فقط، أما أن يأخذ نظرياتهم فهو يأخذ - إذن - ثقافتهم القادمة من أخلاط وأمشاج دينية مختلفة عن ديننا. إذن هي خطوة للشيطان، وسوف يبني عليها حتى ينحرف المسلم عن إسلامه في الأخير لا سمح الله. أنا آخذ من الغرب جهازا كهربائيا أستطيع أن أرى كيف يعمل، وأشيد واثني على من ابتكره وفكّر فيه، لأنه حقيقة، أما نظريات وتخرُّصات وتفسيرات مبنية على التوراة والإلحاد، فهذا مهما قالوا أنه علمي فكيف تقبله على أنه علمي؟ وهل علميته مثل علميّة الجهاز؟ أليس الحذر واجب من فكر وفلسفة وافدة من غير مسلمين؟ إذا أنت قبلت نظريات فأنت تقبل فكر وفلسفة مبنية على إلحاد وتصب في مصلحة الإلحاد في الأخير، و كل ما عندك هو ثقة بأشخاص وإعلام، لكن أنت نفسك لم تكتشف الحقيقة، إذا قدّموا نظرية ستكون منطلقة في الأخير من معتقداتهم، ونحن علينا أن نقدم نظرية تخدم معتقداتنا، ونثق بأنفسنا، لا أن نردّد ما يردّده القوم كالببغاوات، فقط لأنهم أقوياء ومعهم إعلام، ونحن لم نر ولم نتأكد بأنفسنا.

إذا قلت "حقيقة علمية" فيجب أن تكون أنت يا من قالها أول من عَلِمَها وتأكد منها، لا أن تكون واثقاً فقط مجرد ثقة. تماما مثل الهوس الذي أصاب علماء المسلمين من ترجمات الفكر اليوناني، حتى صار العلماء الممحِّصين يخافون من نقد الناس لهم عندما ينتقد جالينوس العظيم او ديموقريطس الفذ، ونتيجة لهذا الابتلاع الفكري ابتلعوا أفكارا خاطئة عن الإنسان وتكوينه، و أخّرت مسيرة الطب العربي والإسلامي قرونا طويلة، وكافح علماء المسلمين لإبعادها حتى جاء العلم الحديث، كنظرية العناصر الأربعة، وكذلك نظرية الفيوض التي جاءت من تعدد الآلهة عندهم.

أخذ المعلومات المؤكدة من أي حضارة لا بأس به وهو مفيد، لأنه قد ترى عينٌ ما لا ترى الأخرى، لكن أخذ الفلسفات والنظريات التفسيرية وفهم الإنسان والله والدين، فهنا مشكلة. وهذا يتصادم مع العقيدة أيضا، مثل أخذ نظرياتهم في علم النفس وقانون الجذب وعلوم الطاقة. لو اعتمدنا على قرآننا وعقولنا وأخلاقنا لوجدنا أفضل من هذا .

وبخصوص الخلق بمعنى التقدير وليس التكوين، فالخلق يعني التكوين ايضا، يقول تعالى : (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة ايام). فهل التقدير يكون في ستة أيام؟ الله تكلم عن التقدير وتكلم عن الخلق، وقال (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) ولم يقل بتقديري. هذا الإنصراف عن مدلولات واضحة للقرآن بموجب اللغة العربية : كيف يمكن أن يفسَّر عَقَديا؟ أليس هذا من تحريف الكلم عن مواضعه في اللغة؟ وذكَرَ القرآن تفاصيل الخلق من طين و حمأ مسنون وسوّاه ونفخ فيه من روحه، ولم يقل أنه طوّره عبر ملايين السنين. الله أمرنا بإتباع القرآن ولم يأمرنا بتأويله وإبعاده عن اللغة العربية، الله أنزله بلسان عربي مبين. قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) طبعا لا يقصد التقدير بل التكوين، لأنهم يشاهدونها.

ما قاله الدكتور يؤدي إلى أنه إذا سُمح لأحد بأن يحرّف مدلولات القرآن بموجب اللغة، فيجب أن يُسمح للجميع، وبالتالي يضيع النص كمعيار، ومن هنا يبدأ الشك في القرآن، على أساس أنه يتعارض مع العلم فاضطررنا لأن نحرِفَه عن مدلوله اللغوي إلى تأويلات تتناسب مع الطرح المستورد. إذن أيهما أقوى؟ الطرح المستورد باقٍ على حاله بموجب اللغة ولم يؤول، أما نصُّنا الذي نقول أنه مقدس فتَنَحّى عن دلالته اللغوية ليتبنى دلالة تتناسب مع هذا الطرح المستورد! إذن القرآن انهزم في هذه المواجهة عند من يضطرون للتأويل، لكنه هو الأقوى والمنتصر عند من يتّبعون القرآن ويُعْمِلُون عقولهم ولا يقدّمون ثقتهم التلقائية إلا بعد تثبت، وإذا هم قدّموا نظرية فإنهم يقدّمونها وهي تحترم هذا النص القرآني وتنطلق منه. الفرق بين الحالتين هو نفس الفرق بين الهزيمة والثبات.

ثم كيف يصبح مفهومنا عن الله تعالى أكثر قداسة كما يقول الدكتور وهو قد خرجَ عن المصداقية؟ فيقول تعالى في كتابه أنه خلقه بيده، بينما هو لم يخلقه بيده، بل بالتطور عبر القرود وعبر ملايين السنين! إما أن الله يكذب حاشاه، أو أن نغيّر المدلول اللغوي عن طريق التأويل، وهذه حالة انهزام، فكيف يتكلم عن الشجاعة وهو منهزم؟ وبالتالي كيف سأثق بالقرآن في الأمور الأخرى؟ هل يريدنا الدكتور أن نصبح هكذا؟ هذا يُضعِف الإيمان ولا يزيده بأي حال من الأحوال، وسوف يشعر المسلم انه أمام نص قديم فضحه العلم الحديث المتطور، فاضطر أشياخه للتأويل لكي يتواءم مع العلم ويقبلهم الغرب، وهذا تعامل رديء جداً مع القرآن الذي هو مهيمن على الدين كله. بل إن كمال العقل موكلٌ بإتباعه، قال تعالى (قد بيّنا لكم الآيات لعلكم تعقلون).

النظرة الجيدة هي أن تنظر للعلم من خلال ما يقوله القرآن، لأن القرآن مهيمن على كل شيء، و فيه معرفة كل شيء، يقول تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء).

(الدقيقة : 25 الثانية : 20) يتحدث الدكتور عن حاسة الشم لدى الإنسان، وأنها حاسة ليست جيدة جدا، فهي أقرب لأن تكون بائسة، بالرغم من أننا نستطيع التمييز بين أكثر من 10 آلاف رائحة، وهذا شيء متواضع بالنسبة لما تميزه العين من الألوان، فهي تميّز أكثر من 3 ملايين لون، ونحن ككائنات ثديية نهارية لا نحتاج الشم كثيرا، لأن أكثر نشاطنا في النهار وليس في الليل، ولأننا كائنات نهارية نعتمد أكثر على السمع والبصر. هناك ثدييات كالقوارض من الجرذان وغيرها تنشط ليلا، فتحتاج لأن تنشّط حاسة شم أقوى، وفعلاً هي الأقوى، فحاسة الشم لدى الفئران أقوى مما لدينا.

لدى الإنسان حوالي 800 مستقبِل شمّي، 800 جين، وهي توازي 3% من جينوم الإنسان، وهذه الثمانمائة نصفها معطل. وهذا يعني أنها في يوم من الأيام كانت تشتغل، وذلك لأننا منحدرون من أسلافنا البعيدة من كائنات كانت تنشط ليليّاً. فالفأر لديه 2000 جين لأنه ينشط بالليل، وهو يميّز بين عدد هائل من الروائح.

ويذكر الدكتور أن ما ينطبق علينا كبشر ينطبق على الكائنات الثديية النهارية، فكلها لديها نسبة من الجينات الشّمّية معطّلة. وهنا تطلق النظرية تنبؤا وهو أنه كلما درسنا حيوانا أقرب إلى السلف المشترك البعيد للإنسان نجد جيناته الشمية المعطلة أقل، وجيناته الشغّالة أكثر. وهذا ثابت بالدراسة والتفحص. فالدلفين الثديي المائي المنحدر من كائن ثديي بري، وبما أنه نشيط مائيا ومعظم حياته يقضيها في الماء، فينبغي أنه لا يحتاج إلى نفس النوع من الجينات الشمية التي نحتاجها، وهذا صحيح، فهو لديه مجموعة كاملة من الجينات الشمية تختلف عن تلك التي تحتاجها الكائنات البرية، وهي قادرة على ترجمة الروائح الذائبة في الماء، وهذا فعلا ما يحتاجه الدلفين.

ويقول الدكتور أن هذا يصلح لأن يكون حجة للخلقويين، لكن السؤال المهم هو : هل لدى الدلفين جينات شمية معطلة كالتي لدينا؟ الجواب : نعم. لكن ما نسبتها؟ منطقيا ينبغي ان تكون النسبة أكثر من تلك التي لدى الإنسان، وبالفعل بالدراسة الوراثية ثبت أن الجينات الشمية في الدلفين 80% منها معطل، لكنها موجودة، ولماذا موجودة؟ المؤكد أنه لا عبث في الخلق، ولا عبث في التصميم الإلهي، وهنا يذكر الدكتور أنه قد يأتي متسلل ويقول أنظروا هذا الرجل يتشكك في التصميم، ويؤكد الدكتور أنه هنا يتقمّص بشكل كامل، ويحب أن يفهم كما يفهمون، ثم نحن لدينا فكرة مختلفة عن موضوع التصميم والخلق والتكوين، انتظروا حتى تسمعوها وبعد ذلك جادلونا فيها.

اذن المسألة ليست عبثا، وليست تلك الجينات مصمّمة لكي تشتغل، ولكن كانت في الماضي مصممة لتشتغل وفق المنظور التطوري، فهي كانت تشتغل، وحصل تطور وتغيرات كثيرة وانتقل هذا الكائن من البر إلى البحر وأصبح لا يحتاجها، فتم تعطيلها بطفرات، لأنه لا يحتاجها. وهنا لن يعمل الانتخاب الطبيعي لاستبقائها.

الرد : هل من الجينات المعطلة هذه جينات ترسم لنا شكله عندما كان بريا؟ وإذا قالوا لا يمكن، إذن لا يمكن ان يفهموا حتى الجينات أصلا، لأنهم يتكلمون عن شيء لا يفهمونه، اذا كانت الجينات هي رسوم تخطيطية، فلماذا لا يعطونا نسخة بل نسخ، بل حتى الحلقات المفقودة سيجدونها في ثنايا الجينات المعطلة، لماذا لا يشغلونها حتى نرى؟ ما داموا يعرفون الجين وكيف يعمل.

يريد التطوريون الملاحدة أن يجعلوا الجينات فاعلة، مثلما جعلوا المخ فاعلا، لأنهم في لهاث مستمر لإبعاد الله. الواقع والتجربة أثبتت أن الجينات مفعول فيها، والواقع يثبت هذا الشيء، هم يصورون أن الإنسان والحيوان عبارة عن جينات، منها ما يعمل ومنها ما هو معطل، والواقع غير هذا. فتجد إنسان لديه دقة في الفراسة بشكل عجيب، فهل لديه جينات متطورة أم لديه دافعية وممارسة؟ أيهما أقرب للتصديق؟ الإنسان ضعيف الشم، ويقارنوه بأحياء ملاصقة للأرض! بينما الإنسان أنفه في رأسه وهو مستقيم! لو يجرب الإنسان بنفسه بأن ينزل رأسه إلى الأرض سيجد أنه يشم روائح متعددة. الناس أنفسهم يختلفون على القدرة في الشم، هناك أناس لديهم قدرات عجيبة في الشم، وبعضهم لا يكاد يشم. ثم كيف عرفوا مقدار ما تشمه الحيوانات من روائح؟ لديهم فكرة أن الكلب مليء بجينات الشم، لأن أنفه طويل ويضعه على الأرض، إذن جيناته غير معطلة، بل لديه جينات إضافية. كل حيوان يشم ما يعنيه من الروائح ويخدم وظيفته.

أنا أعتقد أن الشعور هو الذي وراء التميز وليس الجينات، لأن أكثر الناس لا يركزون على حاسة الشم أصلا، ليس لأنهم كائنات نهارية، أيضا الكائنات الليلية ترى جيدا في الليل، فالجرذ يراك ويسمع صوتك ويهرب قبل أن يشم رائحتك. هناك أشخاص يعرفون رائحة كل شخص، بعض الأمهات تعرف ملابس أبناءها بالرائحة وتفرق بينها، فهل جينات الشم الكلبية لديها غير معطلة؟ نحن نرى بشرا يستطيعون أن يقوموا بأعمال يستحيل نظريا أن يقوم بها بشر، ومع ذلك يقومون بها! فهل الحكاية ترجع للجينات الجبرية الإلحادية أم ترجع للثقة والإصرار والمنافسة والتحدي؟ بدليل أنه يمكن إيجاد تلك الميزات عند أناس لم يكونوا يملكونها بتاتا، وهكذا سقطت فكرة مسؤولية الجينات عن كل صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان. إنها شماعات يتعلق بها الملاحدة ليس إلا، وإذا سقطت واحدة بحثوا لهم عن هدبة أخرى يتعلقون بها، كيد الشيطان ضعيف.

لو رجعنا إلى أوائل القرن العشرين، سنجد أن الكبت الجنسي واللاشعور هي المسؤولة عن تصرفات الإنسان، فلما سقطت تلك الهدبة تعلقوا بهدبة الجينات فيما بعد، وهكذا في السابق و في اللاحق.

(الدقيقة : 34) يتحدث الدكتور عن إنتاج المح (صفار البيض)، الذي تنتجه الزواحف والطيور، والذي يعتبر غذاء الجنين. وهنا توجد نبوءة تطورية جديدة.
ويخرج الدكتور قليلا ليقول أن المعارضين للتطور يسخرون بالتطوريين بأن جده ضفدعة أو قرد، فيأتي الرد منهم بأنه لا مشكلة بأن يكون جدي قرد أو تمساح، إنما الأكثر مهانة أن يكون جدك طين وتراب! فالأفضل مليون مرة أن تكون مخلوقا من كائن حي فيه نفس. وقد قال تعالى أن الإنسان من ماء مهين. فالإنسان يكون جيداً بعمله وأخلاقه وفضائله وإيمانه، لا بعنصره الطيني اللازب، وقد قال تعالى : من حمأ مسنون، أي منتن، فالله تعالى يذكرك بأصلك، فأنت لست شيئا مقدسا. إذن هناك فرق بين من خلق من طين منتن وبين من جاء من خلية حية. ويقول الدكتور أنه من الآثار السيكولوجية لبعض أنماط التفكير غير المنقودة، أنك تقول لأحدهم : أنت اصلك من خلية فيقول نعم ما المشكلة في ذلك؟، لكن إذا قلت له أن اصلك شمبانزي يجن جنونه! مع أنه لم يقل أحد بأن اصل الإنسان شمبانزي، أنت بالبداية قبلت أن يكون أصلك خلية حية مفردة لا قيمة لها، ولا ترى في ذلك بأسا، أو أن يكون أصلك من طين، مع أن الطين أحطّ مليون مرة عن رتبة الخلية الحية، وهي التي تحوي سراً إلهيا وتقديراً إلهيا.

يعود الدكتور إلى النبوءة، فيقول ان المعارضين للتطور سيقولون للتطوريين أنهم منحدرون من زواحف، والزواحف تبيض كلها إلا القليل جداً منها يلد، وتغذّي صغارها من هذا المحّ، فهل لدى التطوريين آثار باقية من هذا؟ يجيب الدكتور عن التطوريين : طبعاً، اذ حتى الجنين الإنساني في مرحلة معينة، في الشهر الثاني، وهذا موجود في كتب علم الأجنة مصوراً بالألوان، تجد كيس مح كبير مربوط بالقناة الهضمية الجنينية، لكنه لا يحتوي على المح، بل على سائل، لا ينفع ولا يضر، والجنين لا يحتاجه، اذن لماذا كيس المح هذا؟ إنه أثر أثريّ من أجداده الزواحف، فالزواحف إلى اليوم تصنع هذا الكيس في البيضة، لكننا كثدييات لدينا المشيمة، اذ تتغذى الاجنة على المشيمة، وتوفر لها كل شيء ولا تحتاج إلى المح، والمح غير موجود لكن كيس المح موجود. هل هذا عبث او تضليل أو مسرحة؟ أبداً، هذا مسار تطوري. وهذه أشياء ليس من السهل ان تتغافل عنها وتتحذلق، اذ عليك ان تتكلم بعلم، ولا يصح أن تستند إلى نموذج هزيل وتقول : الله يريد هذا لحكمة ما، فلا يوجد في العلم إحالة على مجاهيل، بل لدينا وقائع مصورة وثابتة، ولدينا نموذج لتفسيرها معقول جدا ودقيق.

ويذكر الدكتور أن العلم هو مقاربة لمعرفة عمل يد الله في خلقه، فلا يصح أن نقول كتفسير أن وراء هذا أو وراء ذاك سر لا يعلمه إلا الله، اذ يتساوى العالم والجاهل في هذا المستوى ولا يصبح هناك فرق بينهما.   

الرد : ما وضع الله في المخلوقات من خواص : نعم يمكن معرفتها ووصفها، لكن كيف خلق وكيف عمل، فهذا سؤال لا يتناسب مع عقيدة الإسلام، فهكذا أنت تريد أن تعرف شيئا لم يُشهدك الله عليه، وهذا من الطغيان العلمي الغير مفيد والذي لا يأتي بنتيجة، وهذا ما وقعت فيه كل الفلسفة – ولا أقول العلم – التفسيرية. قال تعالى (ما اشهدتم خلق السموات والارض ولا خلق أنفسهم ولا كنت متخذ المضلين عضدا) هل يعترض الدكتور على هذه الآية وهو الذي يقول أن العلم مقاربة لمعرفة عمل يد الله في خلقه؟

العقل المسلم يعرف ما له وما ليس له، والعلوم التفسيرية هي من اقتفاء ما ليس لك به علم. العلم من وجهة نظر إيمانية هو دراسة ما خلق الله وتوصيفه والاستفادة منه، لا دراسة كيف خلقه الله، يا أخي ادرسوا الروح! إنها اقرب! وإذا درستوها عرفتوها، وإذا عرفتوها استطعتم إعادتها بعد الموت، كيف يريد الإنسان أن يفسر تاريخ الحياة بل وتاريخ الوجود كله وعمر الوجود وعمر الكون والارض بينما هو لا يعرف نفسه! لا يدري كيف يعي ولا يدري كيف يفقد الوعي، ولا يدري ما هو الوعي وما هي الحياة وما هو الموت! بهذه العقلية يريد أن يفسر خلق الله كله وكيف خلق الله ..

على هذا يحرم على المسلم أن يبحث كيف خلق الله الأحياء وغيرها، لكن له أن يبحث كيف هي صفات المخلوقات وبكل دقة، ويحثه الإسلام على ذلك، إذن الإسلام يحث على المنهج العلمي الوصفي السليم وينهى عن المنهج التخرصي التفسيري الراجم في الغيب. أما قوله تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) فالمقصود من هذه الآية وغيرها ليس معرفة كيف خلق الله خلقه، لأن الله لم يُشهِد خلقه خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم، أي هذا الأمر ليس لنا به علم، والقرآن ينهانا أن نقفوا ما ليس لنا به علم. إذن المقصود من الآية والهدف هو أن نؤمن بإعادة الحياة بعد الموت، لأننا ننظر إلى النبات كيف يخرج من الماء، ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما، ثم تعود الحياة مرة أخرى كما قال تعالى (وكذلك تخرجون). هذا المقصود من هذه الآية وليس محاولة كشف أسرار خلق الله لخلقه والتي لم يُشهدنا عليها. وأُخبرنا بكل وضوح كيف خلق الله الإنسان والأرض وكل شيء بأسلوب الدفعة الواحدة.

وأما ما قد يبدو للوهلة الأولى أنه تعارض بين الدفعة الواحدة وبين خلق الله للسموات والأرض في ستة أيام وتقدير أقواتها في يومين وخلق آدم من طين ثم نفخ الروح فيه ثم خلق زوجه منه، فالمقصود بالدفعة الواحدة هو أن العمل بدأ بعد إنتهاء الخلق، بدأ العمل كدفعة واحدة، مثل ما تعمر بيتا لعدة سنوات، لكنه لن يعمل ويُستخدم دفعة واحدة إلا إذا اكتمل. فالدفعة الواحدة تعني العمل من بعد الإكتمال.   

ثم إذا كانت هذه التي ذكرها الدكتور أعضاء أثرية باقية، فهذا الكلام مهين لله إله المؤمنين ومهين لإله الملاحدة الذي هو الانتخاب الطبيعي، فكلاهما يُبقي شيئا لا فائدة منه. أين عمل الانتخاب الطبيعي؟ أليس يُبقي الأفضل ويُزيل الأسوأ؟ لماذا يبقيها وهي بهذه الكثرة؟ ثم يقول الدكتور أن هذا علم! هل العلم يُبنى على التشابه فقط ؟ كيس يشبه مح البيض! مع أنه ليس أصفرا مثله وفيه مادة سائلة، اذن هو يشبه المشيمة أكثر، والمشيمة عبارة عن كيس مليء بالسائل، والدكتور يقول أنه لا فائدة منها، ولكن من باب احترامه للعلم يُفترض أن يقول أن العلم لم يصل بعد لفائدتها، فكلمة (لا فائدة منها) ، هذه الكلمة نفسها غير علمية، مثل كلام الطفل عن شيء لا يفهمه، يقول عنه : لا فائدة منه .. المنهج العلمي لا يقول هكذا. لا يحق لأحد أن يقول هذه الكلمة (لا فائدة منه) إلا أحدٌ فهم هذا الشيء فهما قادرا على إيجاد مثله وخلق مثله، والتطوريون يعترفون أنهم عاجزون عن إعادة الروح لذبابة ميتة، إذن ما دام أنهم عاجزون، فكيف عرفوا أن هناك أعضاء لا فائدة منها؟ بل سنشكّ في معرفتهم للمفيد حتى، لأنهم ببساطة لا يعرفون شيئا عن الإنسان، لا عن حياته ولا موته ولا وعيه ولا مشاعره. فليُدخِلوا أفكار الإنسان في المختبر حتى نراها! يقولون في المخ !! المخ يتحول لتراب! أين ذهبت الأفكار والمشاعر؟ يقولون أنها موجودة، وكل موجود مادي، إذن أين ماديتها؟ في حين أنهم يقولون أن أي شيء غير مادي غير موجود! وهذا تناقض بيّن من سلسلة من التناقضات التي يقع فيها العقل الملحد الغير علمي أصلا، ولا يمكن أن يكون علميا وهو ملحد، لأنه ببساطة لا يؤمن إلا بالمادة فقط، ومع ذلك يؤمن بأشياء غير مادية كالعقل والأفكار، مع أنه لا يستطيع إثباتها ماديا، مثل ما أنه لا يستطيع أن يجزم أن هذا الجسم أحسّ أو لا إلا بعد إجراء فحوصات لها علاقة بكونه حيا.

على رسلكم، رويدا رويدا، نحن لم نتعلم شيئا حتى الآن، التطوريون والعلمويون دخلوا في عوالم ليست للإنسان أصلا، ويتخبطون بلا دليل، ما الذي دفع العلماء إلى هذا؟ إنه الإلحاد الذي يريد أن يكون إلها يسد الفراغات بأسرع وقت ممكن.

الله خلق المح لجنين الطيور والزواحف، وخلق كيسا آخر لجنين الثدييات، ما المشكلة؟ لماذا إعتساف أن يكون هذا أثر باقي من هذا؟ الأحياء كلها تتشابه إذن، لنأخذ أي تشابه آخر: الشجرة تحتاج الماء والغذاء، وكذلك الإنسان، إذن الإنسان من شجرة، بناء على نقطة تشابه! المنظر هو هو. إذن بحوث التطوريين ليست علمية، بل ليست فلسفية، لأنها تفتقر إلى المنطق، وإن كانت اقرب للفلسفة من العلم.

(الدقيقة : 37 الثانية : 10) يذكر الدكتور تنبوء جديد، ويقدّم له بقوله أن هناك ثدييات شديدة البدائية، وهما نوعان : البلاتيبوس (منقار البط) ، وآكل النمل الشوكي، وهي ثدييات وحيدة المسلك، اذ لها قناة واحدة للتبول والبراز والتزاوج، بينما الثدييات الأخرى لديها ثلاثة مسالك، وفيها شبه من الزواحف وشبه من الطيور وشبه من الثدييات، وهي غريبة عجيبة، لكن هل هذا البلاتيبوس يعطي المح ويغذي جنينه على المح؟ الجواب : نعم. مع أنه ثديي، وذلك لأنه بدائي وقريب من النشأة، ولم يجر عليه تطور كثير. والبلاتيبوس وآكل النمل الشوكي هما الثدييان الوحيدان البيوضان، وبقية الثدييات ولودة. وبما أن البلاتيبوس بيوض فهو بهذا الإعتبار زاحف، لكنه يرضع أبناءه، إذن هو ثديي، ولكن لديه منقار يشبه منقر البط، اذن هو طير. لقد قام هذا الكائن بخربطة كبيرة. فهو كائن بدائي لم يجر عليه كثير تطور، اذن من الواضح أن هذا المسار الذي سار به البلاتيبوس قد سارت فيه الثدييات. 

الرد : هل هذا كلام يصدر من عالم؟ أن تكون ذات المسلك الواحد متخلفة وذات المسلكين والثلاثة مسالك متطورة؟ تستطيع أن تقلب الحسبة ببساطة وتقول هذا أوفر ما دام يحل المشكلة! ألم يقولوا عن العصب الحائر أنه إسراف؟ إذن المسلكين إسراف والمسلك الواحد توفير ما دام أنه يؤدي الغرض بجدارة! وهذه إحدى صور تناقضاتهم العقلية مع الأسف.. مرة التوفير أحسن ومرة الإسراف أحسن! إرسوا لكم على بر ..

هل هذا كلام عالم؟ أليسوا رأسماليين هدفهم التوفير؟ إذن صاحب المسلك الواحد هو الأوفر، إذن هو الأكثر تطوراً.

تناقضات بالهبل في داخل هذه النظرية العجيبة. بل إن هذا الحيوان هو كاسر النظرية وكاسر التصنيفات، لأنه يجمع ما بين شبهه بالطيور والزواحف والثدييات في مخلوق واحد، هذا لكي يكون عبرة للتطوريين، بأن الله قادر على كل شيء. نظرية التطور تعتمد على أساسين كبيرين، هما الجيولوجيا وتصنيف الحيوانات، والبلاتيبوس يكسر هذا التصنيف غير العلمي وغيره أيضا من الكائنات، لم تعد كلمة ثدييات كلمة فاصلة، فهو ثديي يرضع ويبيض، فلم لا يسمى بيّاضا بدلا من ثديي؟

كيف يكون تصميميا متخلف وهو يجمع كل هذه الميزات في مخلوق واحد وذو مسلك واحد ويبيض ويرضع؟ هيا صنّفوه، عندما عجزوا عن تصنيفه قالوا بدائي! مع انه يعيش في هذا الزمن! إذن هذه معضلة تصنيفية تؤيد كلامنا على أن تصنيف الأنواع أصلا مسألة غير علمية، لأنه لا يمكن إيجاد تصنيف علمي لها، إنها تصنيفات تعريفية ليس إلا، فكل الأصناف هذه مبنية على ملاحظة شيء مشترك بينها، وإلا فلا تشابه بين أي مخلوق ومخلوق آخر بمعنى التشابه الكامل، لأن لكلٍّ وظيفته التي يؤديها، وما شأنه ببقية المخلوقات ذات الوظائف المختلفة؟ إذن داروين بنى نظريته على أساس خاطئ غير علمي، هو أخذها ببداهة أن الأصناف التي صنّفت قبله هي التي تمثل الأنواع الحية، وسمى كتابه أصل الأنواع، لكن إذا كانت الأنواع أصلا مشكوك فيها، فهل يبقى معنى لأصلها؟ إن كتابه مبني على أساس هارٍ.

لننظر إلى التصنيفات : نجد الجمع بينها يثير الضحك أحيانا، فالنخيل والنجيل من فصيلة واحدة! أي شيء له جذع واحد وله غصون ممتدة يسمى نخليات، بينما نخيل جوز الهند يختلف عن نخيل البلح، لا في ثماره ولا بيئته ولا تغذيته، فالأول ينتج ماء ودهن، والثاني ينتج سكر. الطيور لها مناقير وأجنحة وتطير، والخفاش ماذا عنه؟ لا منقار له ولا ريش ويطير ويلد! لماذا صنفوه من الثدييات ولم يصنفوه من الطيور مع أن مواصفاته أقرب للطيور؟ ما الذي يُخرج حوتا من البحر له نفس شكل السمكة ويقال أنه من الثدييات، بينما الثدييات تعيش على اليابسة؟ لماذا اُهملت حياة الحوت وشكله وجسمه ونُظِر إلى هل هو يلد أم يبيض؟ على أي أساس؟ إنها تصنيفات انتقائية يُهتم بها ويُهمل الباقي، مثلما أُخرِج الخفاش من الطيور لأنه يلد.

وهذا الحيوان (البلاتيبوس) ما تصنيفه؟ يبيض ويرضع ومنقاره كالبط ويحفر كالقندس! ثم كيف يكون بدائيا وهو يجمع صفات متطوّرين؟ الجامع لعدة ميزات يسمى متطور وليس بدائي، هذا مثل السيارة المتطورة التي تجمع عدة سيارات، تستطيع أن تقلبها بيك أب وتستطيع أن تقلبها مراتب، وتجعلها سيارة نقل أو سيارة عائلية، هذه متطورة وليست بدائية. هذه أصول فنونهم كرأسماليين.

حتى تصنيف الخضار والفواكة لا يخلو من عدم الدقة، فعلى أي أساس سميت الفواكة فواكة؟ التمر حلو، لماذا لا يسمى فاكهة؟ ما الفرق بين التمرة وحبة الزيتون؟ الفرق هائل، بينما هناك تشابه، فكلاهما يُسقى بماء واحد. القرع والكوسة من نفس الفصيلة، لكن هناك فرق بينهما كبير، فكيف يُجمعان في نوع واحد؟ هل الجامع بينهما أنهما يتمددان؟ لماذا لا يوضع العنب معهما؟ لماذا هو من فصيلة أخرى؟ التصنيف إذن ليس على أساس علمي، بل على أساس عامّي أدبي، وداروين بنى نظريته على هذا التصنيف العامي الأدبي، إذن سقطت علمية النظرية..

على أي أساس صنفت القطط والنمور والأُسود في فصيلة واحدة؟ لا يوجد أساس، فقط يجمعها مثلا الافتراس، بينما طريقة الافتراس تختلف. الكلب والذئب والثعلب والضبع يصيدون بأفواههم، بينما القط والأسد والنمر وغيرها تصطاد بأيديها، من الذي قَصَرَ الكلب على استخدام الفم فقط وقَصَرَ النمر على استخدام الكف فقط؟ هذا هو التوازن الذي أراده الله. الدب له خطمٌ طويل ويستخدم يديه، لكنه ثقيل الوزن وبطيء الحركة. الدب أيضا كيف يُصنّف نمط تغذيته؟ هل هو نباتي أم حيواني؟ الدب يعيش أكثر السنة على النباتات والعسل، حتى يأتي موسم أسماك السلمون فيصطادها. إذن هذه تصنيفات تقريبية وليست علمية، ونظرية التطور بُنيت على أساس هذه التصنيفات، إذن سقطت نظرية التطور لأنها بنيت على جدار مِلحيّ، هذا بالنسبة للعاقل المنصف، أما المُكابر فيقابل هذا الكلام بضحك واستهجان.  

إذا تأملت كل الكائنات الحية تجد كل نوع مستقل ويؤدي وظيفة لا يؤديها إلا هو، فمنطقيا كيف يكون بعضها متولد من بعض؟ المنطق يؤكد أنها موجودة هكذا من الأساس لأجل هذه الأغراض والوظائف.

(الدقيقة : 42) هنا يأتي الدكتور لمثال أكثر روعة حسب تعبيره، ويقدّم له بأنه يوجد مرض يدعى إنعدام القزحية، وهي التي تسمح للبؤبؤ بالتقلص والإنفراج، وهو مرض نادر لكنه موجود، ويرثه الطفل من أمه، وبسبب عدم وجود القزحية يصبح البؤبؤ كبيرا ولا يكاد يتقلص، وبهذا يصبح النظر تقريبا أقرب إلى العمى، نظرة ضبابية ورؤية أشياء غير متميزة، والمصاب بهذا المرض يصبح شبه أعمى. هذا المرض سببه جين مورَّث من الأم. وفي عام 1992م توصل علماء الوراثة إلى معرفة المسبب لهذا المرض، والذي هو الجين المسمى pax6. وفي عام 1994 م وبالصدفة كان العلماء يدرسون ألوفا من ذبابات الفاكهة (الدروسوفيلا) ليعرفوا سبب وجود بعض العيوب الخلقية في الأعضاء وشكلها في الذبابة، لكنهم تفاجأوا أثناء دراستهم أن بعض الذبابات تولد تقريبا بنفس المرض، ويسمونه في الذباب بـ eyeless، سببه أحد الجينات، وعند البحث عن هذا الجين وجدوا أنه pax6. كيف عرفوا هذا؟ عرفوه من خلال التسلسلات، فطالما أنه نفس التسلسل إذن هو الجين نفسه. نفس هذه القطعة من الـ DNA موجودة هنا وموجودة هناك، والمعروف أن كل كائن حي يوجد فيه DNA.

إذن المرض هنا هو نفسه المرض هناك، والجين هنا هو نفسه الجين هناك، ماذا يعني هذا الكلام؟ إنها قضية تطورية، فعبر التاريخ أنت كإنسان والذبابة قَدِمتم من أصل واحد، وتحملون نفس المشاكل، و لديكم نفس المخطط الجيني.

الرد : ماذا عن بقية الحيوانات بين الدروسوفيلا والإنسان؟ هل لا تصاب بهذا المرض؟ أم أن الدراسة كانت فقط بالصدفة حول هذه الحشرة؟ وكيف أمكن معرفة أن هذا الجين بالذات هو في نفس الموقع هنا وهناك بالرغم من اختلاف عدد الكروموسومات بين الإنسان والدروسوفيلا؟ وكذلك اختلاف تركيب العين، فالذباب لديه عيون مركبة وليس عينا مفردة. ثم كل ما قدمه الدكتور على أنه أدلة ليست بأدلة، هي مجرد قرائن ملفوفة الأعناق لكي تكون قرائن. لا يوجد دليل على وجود التطور بمعنى الدليل، هذه تشابهات. كل الكائنات الحية تبصر ولها عيون، وطبيعي أن تصيبها أمراض بينها تشابه، لأن وظيفة العين هي نفسها هنا وهناك، كذلك نجد ذباب أعمى وإنسان أعمى، إذن هذا متطور من هذا! الذباب والإنسان لهما أعين، إذن هذا متطور من هذا! وهكذا..

إثبات التطور سيكون بأقل جهد وعناء من هذا البحث الجيني الدقيق ..

(الدقيقة : 44) يتحدث الدكتور أن هذه الدائرة الجينية pax6 عالمية، لا تختص بالإنسان لوحده، ولذلك قبل أن يكتشف مرض الـ eyeless كان العلماء يعتقدون إلى ما قبل 20 سنة، أن العين كعضو في سائر الكائنات تطورت ملايين المرات، وأن العين نشأت نشأة معينة في كائن، ثم سلكت سبيلها في التطور، ثم نشأت عين أخرى وسلكت سبيلها التطوري هي الأخرى، ولكن بعد اكتشاف هذه الحقائق، أصبح هذا مرفوضا، وأن الصحيح هو أن كل عيون الكائنات نشأت من عين واحدة، عين بسيطة جدا، نشأت قبل مليار سنة، وهذه العين البدائية هي التي تطورت عنها ومنها كل عيون الكائنات الحية، وهذا ما يفسّر وجود عيب في عين ذبابة هو نفسه العيب موجود في عين الإنسان الأرقى منها، بسبب الجين ذاته صاحب التركيب ذاته.

الرد : أليست فكرة العين واحدة في كل الأحياء؟ إذا كانت الفكرة واحدة فطبيعي أن تتشابه آفاتها. لو كانت عيون الحيوانات تختلف فيما بينها وبين الإنسان في فكرتها، و وجد تشابه في مرض، لجاز أن يكون هذا جاء من التطور، لكن الفكرة واحدة، إذن الآفات متشابهة ما دامت الفكرة واحدة، مثل فكرة المصباح الكهربائي، فهي مختلفة في أشكالها ومقاساتها لكنها متشابهة في مشكلاتها وآفاتها وطريقة تغذيتها بالكهرباء.

هذا إقرار بأن العين ظهرت دفعة واحدة. والإنسان هو الأعلى تطورا، فهل هو الأفضل إبصارا؟ طبعا لا، والدكتور نفسه طعن في عين الإنسان وضحك من تصميمها وسخر منها، فأين التطور؟ هل هو كلام فقط؟ هل التطور العقلي أرقى من التطور الجسمي؟ بمقاييس من؟ ثم : تخيل لو لم تحصل الصدفة وتنشأ العين وتتطور، هل ستكون هناك حياة أصلا ؟ ثم : عيون الحشرات عيون مركبة، لو فقأت واحدة يبقى غيرها كثير، وهي ترى بشكل جانبي عند كثير من الحشرات، أيها أفضل : هي أم عين هذا الإنسان المتطور جدا؟ أين هي نظرية التطور؟ نجدها تحضر وتغيب، مثلها مثل الانتخاب الطبيعي الذي يحضر ويغيب كما يشاء، فيغيّر كل شيء في الكائن الحي إلا شيئا بسيطا يتركه لكي يكتشفه التطوريون فيما بعد. هو غيّر كل شيء، فلماذا لم يغيّر هذا الشيء البسيط؟ والحِمْل يكون أكبر على المؤمنين بالله، فإله التطوريين أصلا غير مقدّس مع أنه على كل شيء قدير، وإن زعموا عكس ذلك، لكن إله المؤمنين الذي يقول كن فيكون وقادر على كل شيء والعالم بكل شيء، كيف يُخطئ وهو القائل (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)؟ بل كيف يحتاج للتطوير وهو الذي يقول كن فيكون؟ أليس هذا مطعن في عقيدة المؤمن؟ أن يقلل من قدرة الله وعلمه؟

(حتى نهاية الحلقة) يتحدث الدكتور هنا عن جينات هوكس Hox Genes ، يسمونها الجينات العالمية، التي نال من اكتشفوها جائزة نوبل، ويستحقون ذلك حسب رأي الدكتور. هذه الجينات عبارة عن مفاتيح عامة تحكّمية، تعمل بنفس الكيفية في كائنات كثيرة، المثير في موضوعها أنها تقوم بأعمال غير متوقعة منها على الإطلاق، اذ يوجد جين من جيناتها يعمل على مستوى الأعضاء ويتحكم بالعضو، بحيث يحدد هذا الجين متى يتكون هذا العضو وأين يكون مكانه في الجسم. جين صغير جدا يكون مسؤول عن تكون الكبد وموقعها، واليد وموقعها، والعين وموقعها، إلخ .. هذا الأمر لم يكن لأحد أن يصدّقه على الإطلاق، ولكن هذا ما ثبت علميا عن جينات هوكس.

وكون كائنات كثيرة ومختلفة ومتمايزة تشترك في الجينات ذاتها، وهذا من أكبر أدلة نظرية التطور، أدى إلى نشوء علم جديد يدعى إيفو ديفو Evo-Devo . وهنا يوجد تنبؤ خطير، وهو أنه لو أخذنا جينا من جينات هوكس من حيوان ووضعناه في حيوان آخر، مثلاً أخذناه من فأر (كائن متقدم) ووضعناه في ذبابة (كائن أكثر بدائية) فسوف يعمل الجين. بمعنى لو أخذنا الجين الذي يصنع العين للفأر، فسوف يصنع هذا الجين العين للذبابة. ولو أخذنا الجين الذي يصنع الساق للفأر ، فسوف يصنع نفس الجين الساق لفراشة.

ويذكر الدكتور أن التطوريين قبل 30 سنة أدركوا أن التطور لا يعمل على المستوى الظاهري، بل على المستوى الجيني. وهذا ما يسميه التطوريون بالسمكرة، فهي تتم على الجينات. وذلك لضمان المراكمة، وهكذا يتم التطور.

الرد: هذا يدل على عدم معرفة التطوريين للجينات معرفة كاملة، ما الجديد في جينات هوكس؟ وهل هذا دليل للتطور أن يجدوا شيئا مشتركا بين الأحياء؟ ما أكثر المشتركات، السكر يأخذه الفأر والإنسان ويعمل في كريات دم الإنسان مثل ما يعمل في كريات دم الفأر، لأنها كلها لها نفس التركيبة، لكن الاختلاف في شعورها ووظيفتها وعقلها، هذا هو الاختلاف بين الأحياء.

التطور إذن كما يقول التطوريون يعمل على الأجيال القادمة وليست على الكائن نفسه، أي أن أولاده أهم منه، على عكس المثل الذي يقول (إذا جاك الطوفان دوس ابنك تحت رجليك). أليس النوع هو صاحب المشكلة؟ ألم يسمّ داوكينز كتابه بالجين الأناني؟ هذا جين مضحّي يشتغل بداخل الكائن لأجل الآخرين والأجيال القادمة، فالإنسان يُسرف ويدمر البيئة غير عابئ بالأجيال القادمة، إلا جيناته فهي حريصة فقط على الأجيال القادمة، أما صاحب الفضل عليها بالمعيشة فلا تقدّم له أية سمكرة، مع انه في أمسّ الحاجة لهذه السمكرة! هذا كلام غير مقنع. إنها محاولة تهرب ليس إلا. هل هناك حل بدون شعور بالمشكلة؟ هذه من مخادعات التطوريين حتى لا يقال لهم : أرونا إنساناً أو حيواناً أجرى الانتخاب الطبيعي سمكرة على جسمه للأفضل. خصوصا و هم يقولون أن معاناة الآباء ليس لها أي قيمة وراثية لدى الأبناء، إذن كيف تُسمكر؟ إنها لا تنطلق ولا حتى من مشكلة الشخص، فعمال السفن لا يلدون أطفالاً بأيدي خشنة، إذن ما الدافع للسمكرة؟ أبناء المصارعين لا يلدون أطفالا يحلون المشكلة بأجسام قوية وعضلية، إذن هي تسمكر ماذا وبدافع ماذا؟

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق