الاثنين، 4 يونيو 2018

سلسلة الردود على سلسلة نظرية التطور للدكتور عدنان إبراهيم - الحلقة 26



(الدقيقة : 21 الثانية : 30) في بداية الحلقة، يذكر الدكتور أنه سيجيب عن سؤال تردّد غير مرة، وهو لماذا كل هذا الاهتمام بنظرية التطور؟ هل تستحق نظرية التطور كل هذا الاهتمام المطوّل والجدّي؟ يجيب الدكتور أنها  تستحق طبعا، لأسباب: أحد هذه الأسباب هو التأثير الهائل الذي مارسته النظرية - ولا تزال – في نطاقات علمية مختلفة، كالتشريح والنُّسج و وظائف الأعضاء وعلم الأعصاب والدماغ، وحتى الصيدلة وتحضير الأدوية، فضلاً عن الأحياء والتاريخ الطبيعي وهو ميدانها الأصلي، وكذلك علم النفس التطوري وعلم الاجتماع والتاريخ وفلسفة الأخلاق والفلسفة السياسية، إلى غير هذه المجالات. فهي نظرية لم تترك نطاقا علميا أو ميدانا فكريا إلا ومارست تأثيرها الواضح فيه وعليه.

والسبب الثاني – وما هو أخطر – (من وجهة نظر المتدينين، بالذات المؤمنين الموحدين أصحاب الديانات التوحيدية) هو انعكاس النظرية على اللاهوت والعقيدة، وبالذات مسألة الإيمان بالله تبارك وتعالى، كموجد وخالق للكائنات الحية بالذات، فتأثير النظرية في هذا المجال كان ساحقا ومخيفا، لأنه بمجرد فهم مدلول هذه النظرية بشكل صحيح، بالذات فيما يتعلق بآلية الإنتخاب الطبيعي، سيُدرك أن هذه النظرية تتعارض على طول الخط مع الفهم السائد والشائع لمفهوم الخلق في اللاهوت الكتابي واللاهوت الإسلامي، وهي تتعارض مع الفهم السائد للخلقوية.

ويذكر الدكتور ما قاله برتراند راسل بخصوص نظرية التطور، من أن اللاهوتيين كانوا عبر العصور يعتمدون على الدوام في مسألة إثبات وجود الله على أدلة من طابع منطقي، يقصد المنطق الصوري الأرسطوطاليسي، ولكن علماء المنطق المعاصرين قد كفّوا عن الاعتقاد بجدوى وصلاحية هذا المنطق. وهذا لوجود صور جديدة من المنطق، منها المنطق الرمزي الذي كان راسل أحد رواده. ويستثني راسل قائلا أن هناك دليلا ليس من طبيعة منطقية محض، بل له جهة علمية، وهو دليل التصميم. المسمى في اللاهوت الديني بدليل العناية أو الدليل الغائي أو برهان النظم، وهو من أقوى البراهين والأدلة على وجود الله وأحسنها حسب تعبير راسل، ولا يساويه بقوته إعتراضا عليه إلا نظرية التطور بالإنتخاب الطبيعي. ويذكر الدكتور أن راسل قال بأن دليل التصميم كاد أن يكون مقنعا لي لولا أن نظرية داروين نقضت هذا الدليل.

ثم تكلم الدكتور مطولاً عن ضرورة الإهتمام بدراسة النظرية مبينا الأسباب لذلك، مما لا يوجد داعي للتعليق عليه، ويمكن مراجعة فيديو الحلقة لمتابعة ذلك.

الرد : إذا كان الانتخاب الطبيعي والإنساني أيضا لم يستطيعا أن يُبقيا النماذج الجيدة ويطوّراها في مجالات كالأدب والأخلاق، فكيف نصدّق وجود التطور في الطبيعة بينما هو مع الإنسان الذي يريد أن يتطور لا يتيّسر له دوماً؟ دائما الأدب الجيد هو القديم، واللوحات والرسومات الأقدم هي الأفضل والأغلى، لو كان هناك تطوّر لكانت أخلاق هذا الجيل أفضل من أخلاق الجيل السابق، وهكذا، وأعمالهم الأدبية وفنونهم ومهاراتهم أفضل، وهذا عكس الواقع في أكثر الحالات. أم أن الانتخاب الطبيعي لا يعمل إلا على القرد والسمكة والإنسان؟ في الإبداع الفني والأدبي لا نجد أي نقطة تقدم أو تطور للأفضل، دائما الآداب والفنون القديمة هي الأفضل، إذن هذا التقدم المرتبط بالزمن من الحُمق تعميمه على كل المجالات، هو فقط مناسب في الأمور التراكمية، مثل الحضارة والصناعة ووسائل الاتصال والنقل، فهذه كلما تقدم الزمن نستفيد، لكن الشِّعر لا علاقة له بتقدم الزمن، والأخلاق لا علاقة لها بتقدم الزمن، لأنها ليست تراكمية، وكذلك الأحياء. إذن الأحياء لا يدخلها التطور. العلم تراكمي، إذن يدخل ويعمل فيه التطور الزمني، وصناعة الآلات والأجهزة تدخل فيه، لكن الصّلاح لا يدخل فيه، لأنه مرتبط بإرادة الشخص، فمهما عُلِّم لا يعني انه سيكون صالحاً. الذكاء أيضا لا علاقة له بالتطور، لأنه ليس تراكميا، لكن مثل جمع المال له علاقة بالزمن، وتتراكم الثروة في الأسر الغنية عبر الزمن، لكن الذكاء لا يتراكم.

الدراسات الغربية أدخلت التطور في كل مجال كبديل ناقص عن الإله، كعادتهم في تعميم الجزء على الكل، فهم لا يستطيعون أن يقدموا بديل كامل عن الإله، فاكتفوا بهذا البديل الناقص، نتيجة عجز وليس حبا في أن يوجد إله، وسبب نقصه أنه لا يؤصل للأساسات، فالتطوري لا يناقش كيف بدأت الخلية الأولى ومن أوجدها، وكيف وجدت البيضة الكونية التي انفجرت وخرجت منها النجوم والمجرات بشكل مضحك، بل يكتفي بما بعد، على الأقل أن يكون الإله بعيدا عن تصوير خلقنا وأشكال الحياة من حولنا، فالإله بعيد وليس في الواقع، ولا حتى في واقع الطبيعة، ولا يتدخل، والصراع هو الحكم، والبقاء للأقوى، ولا يرعانا الله ولا يحمينا ولا يرزقنا، لأن القوانين هي التي تفعل ذلك، وهذا كفر بحق الله، بقي أن يكفر بأن الله موجود ويكون كفرا كاملا، وهو شرك، لأن التطوري جعل إلها يحسن التدبير غير الله، فهو الذي يغيّر ويبدل ويبقي الأفضل ويزيل العاهات والعيوب، وهو الإنتخاب الطبيعي كبديل عن الإله، وهذا شرك، لأن الكفر جحود والشرك تعويض وبديل. ولأنه لا يمكن أن يكفر أحد فقط بدون بديل، بل يحتاج بديل، لذا سوف يضطر أن يشرك مع الله أحدا يتولى ما كفره من مهام الله وأعماله. الله هو الخالق والمصور، فالمؤمن بالله المؤمن بالتطور يؤمن بالخالق ولكن لا يؤمن بالمصوّر، أي يعطل صفة التصوير ويبدلها بشريك لله في عمله وهو الانتخاب الطبيعي.

كل هذا قد يحصل ببساطة وبنية حسنة من بعض المؤمنين، على أساس أنه يحترم العلماء ولقولهم له أن التطور لا يتعارض مع إيمانك، فقبلها ببساطة. أي مؤمن بالتطور لا يؤمن بأن الله هو المصور، بل الإنتخاب الطبيعي، والذي أعطى الأحياء أشكالها وقدراتها وألوانها إلى غير ذلك، وهذا يجعله من المعطلة الذين يعطلون بعض صفات الله.

كل ما سبق جيد بالنسبة للتطوريين الملاحدة، وهي فرصة للتلبيس على المؤمنين بوجود إله وإعطائهم فرصة ولو مجالا ضيقا يبقى فيه إلههم، وأما الملحد فله في الأصل تصورات غير مُلزمة، كأن يؤمن أن اللاشيء قد يأتي بالشيء، وأن المادة المظلمة هي التي أوجدت البيضة، أو الأكوان المتعددة وما إلى ذلك، لهم جنونهم في محاولة النفي الكامل للإله. لكن فكرة التطور تجعل نفسها غير متطرفة، وسطا بين المؤمنين والملاحدة، وإن كانت تشير إلى طريق الملاحدة، فمن شاء أن يُبقي الإله في زاويته الضيقة فلا مشكلة، وهذا أَدَرجُ لتسويقها على أهل الديانات بحيث يبذلون مجهودهم في الجمع والتوفيق بين وجود إله وبين التطور، ولو بإهمال نصوص وعسف نصوص، ونستطيع أن نسمّيهم بأنهم عصريون ويحترمون العلم، لأنه إذا آمنت بالتطور فأنت قد أخذت نصف الإلحاد.

من الخلية الأولى وما بعدها أنت ملحد، ومنها وما قبلها أنت مؤمن، وانظر أيهما أهم : لا شك أن ما بعد الخلية أهم مما قبلها عند أغلب الناس. هذا بالضبط ما فكر فيه مُسوّقو النظرية وداعموها من الملاحدة، فهم يريدون أن يكتفوا فقط بنصف ملاحدة والبقية تأتي لاحقا عندما يستطيعون أن يجدوا تفسيرا ولو شبه مقنع يفسّر من أوجد البيضتان الاصليتان : بيضة الكون وبيضة الحياة، وهذا طبعا كله هراء ملاحدة، فلا بيضة ولا يحزنون.

نظرية التطور تتطابق مع فهم اللادينيين واللاأدريين، والذين منهم داروين، اللاأدري، و هم من صور الملاحدة. لسان حالهم يقول : بما أنكم كلكم تؤمنون بالتطور سواء في الكون أو الأحياء أو في الأخلاق أو في المفاهيم الإنسانية، فأنتم متوحدون الآن على المهم، صحيح أن منكم من لا يزال يؤمن بإله منزوٍ قبل بدء التطور قبل مليارات السنين وليس له وجود ولا عمل في الواقع، لأن التطور هو الذي يعمل، وبعضكم لا أدريين وبعضكم ملاحدة، لكن أنتم متفقون على المهم، ومختلفون على غير المهم، وهذا جيد بالنسبة لتفكيرهم.

والطريق أصلاً على الإلحاد، فإذا الله غير موجود في حياتنا بل وفي تكوننا بل منذ أن فقست بيضة الحياة تخلى عنا، فالطريق إلى الالحاد موجود، فالله لا يكلؤنا في الليل والنهار ولا يراقبنا، فلو أنه كان يراقب لتدخل، بل إن قانون البقاء للأقوى هو ما أبقانا وليس الله، وهذه الحيوانات والنباتات الله لم يبدعها بهذا الشكل، بل الانتخاب الطبيعي العبقري هو الذي صوّرنا وأحسن تصويرنا، هكذا تكون عقيدة المؤمن بالتطور : الله غير موجود إلا في الماضي السحيق جدا، ويكاد ينقرض، تعالى الله عما يزعمون، والذي يقول (وهو معكم إينما كنت) (هو الله الخالق البارئ المصور) (يصوركم في الأرحام كيف يشاء) وهو الذي خلق آدم بيده (قال ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) .

قالوا : على الأقل ننحي الإله عن الساحة، لكن لا يستطيعون أن يلغوه، لذلك نظرية التطور ليست فقط في الأحياء، بل هي نظرة التطور وليست نظرية، لأن وجود الكون يفسرونه بعمليات تطورية وليست فقط الأحياء. بل الأرض بهذا الشكل نتيجة للتطور، والنجوم نتيجة للتطور، وبالتالي الأخلاق والتاريخ والفلسفة والآداب كلها خاضعة للتطور ما دامت النجوم والمجرات خاضعة للتطور، إذن هي نظرية كل شيء، القاصرة على أن تكون نظرية بديلة عن الإله بالكامل، ليس حبا في الإله بل لنقص الفكرة عندهم، فهم لا يستطيعون أن يقدموا من أين جاءت البيضة الكونية التي فقست منها المجرات والنجوم، ولا من أين جاءت الخلية الأولى التي فقست منها كل صور الحياة. يكتفون بالدجاجة ولا يسألون عن البيضة ولا عن أيهما جاء أولا. إذن هي نظرية كل شيء ومع ذلك هي نظرية ناقصة، وغير قادرة على أن تكون بديلا لوجود إله، ولم يستطيعوا أن يقدموا نظرية تكون بديلة عن الإله، فاكتفوا بالخير الذي تقدمه نظرية التطور. فهي فسّرت لهم كيف تطور الكون وكيف تطورت الحياة، بمعزل عن الإله، وهذا ربح جيد بالنسبة لعقلية ملحدة، لكنهم نسوا أنهم لم يستطيعوا أن يقدموا نظرية بديلة عن وجود الإله، والنظرية الناقصة لا قيمة لها.   

لقد صاروا يدرّسون تطور الفكر والأخلاق بل حتى تكوّن الكون كله بأنه عبارة عن تطور، ولا يوجد شيء غير التطور، مثل ما أنه لم يكن يوجد شيء إلا إرادة القوة النتشوية في زمن ما، أو الكبت الجنسي في زمن ما، أو الإقتصاد ورأس المال في زمن ما، الآن نحن في زمن التطور نظرية كل شيء، وهذا التخبط يدل على أن العقلية الملحدة متخبطة، لأنها تبحث دائما عن شيء واحد يفسّرون به كل شيء، مع أنهم يدعون أنهم ملاحدة، والله واحد. أنظر إلى الحاجة الفطرية إلى وجود إله واحد حتى عند الملاحدة، جعلتهم يبحثون عن سبب واحد لأشياء متعددة. الفطرة هي دافعهم لهذا التوحّد الفكري، لكن كلما حمّلوا كل شيء على فكرة واحدة، تجدها مع الزمن والضغط عليها تحترق، فيبحثون عن فكرة أخرى يحمّلون عليها كل شيء، وهكذا بطريقة مضحكة يتخبّط الفكر الغربي الحديث. العجيب أن الملاحدة يعيبون على المؤمنين أنهم يضعون كل شيء على سبب واحد، لكن المؤمنين يعلّقون على اله قدير وعليم، أما هذه الأفكار والمقترحات فهي اله عقيم ، لذلك يزيغون عنها كلما انفضحت إلى فكرة أخرى من تلك الآلهة الآفلة.

هؤلاء السفسطائيون الجدد يذكروننا بالسفسطائيين القدماء، كانوا يحاولون أن يعيدوا كل شيء إلى سبب واحد، ومن نتائج سفسطتهم فكرة العناصر الأربعة، الذي أدى تبنيها في الحضارة الإسلامية والغربية إلى التأخر الشديد في تقدم الطب، بل لا تزال بقايا هذه الفكرة السقيمة عند البعض. كانوا حينها يرونها نظرية كل شيء، لذلك تدهور الطب.

من ناحية أخرى، إذا قلنا أن التطور هو عكازة الإلحاد، وبالتالي يدعمها الملاحدة وبعضهم يزوّر لأجلها، قيل : هذا تحامل وكلام غير علمي، وها هم يثبتون أن برتراند رسل على جلالة قدره وعظمة فكره الواسع الكبير عندهم يقول أنه لولا نظرية تشارلز داروين لكان مؤمنا، بل حتى داروين نفسه يقول أنه خسر إيمانه بسبب هذه النظرية. إذن هي نظرية الملاحدة وعكّازتهم، والملاحدة عبارة عن شريحة اجتماعية، إذن هي نظرية أيديولوجية وليست علمية، لكنها تتمسح بالعلم، وما دام أن الإلحاد يخدم الرأسمالية ولا شك في ذلك، إذن الرأسمالية هي التي تحرّك وتدفع وتموّل التطور (و رائحة الفكر الرأسمالي تفوح من هذه النظرية كما بيّنا سابقا) لأجل أن ينتشر الإلحاد ويكفُر الناس بربهم مثلما حصل لبرتراند راسل وداوكينز وغيرهم، كل هؤلاء معتمدون على نظرية داروين كمبرّر لكفرهم بالله، والملاحدة الجدد سيحتاجون للنظرية، إذن من الواجب دعمها، إذن أبحاثها ليست نقية 100%، والسبب هو حُمّى الدعم والحماس من قبل شريحة الملاحدة والمستفيدين من الإلحاد، بدليل أنهم يميلون إلى المنع وسحق كل من يقف في وجهها، بحجة أنه غير علمي، حتى وصل الأمر إلى طرد أساتذة من الجامعات وتهديدهم بحجة أنه إنسان غير علمي، بينما هو في الحقيقة إنسان لا يدعم أيديولوجيتهم (هواهم). و كل ملحد عبر الزمن سيحتاج إلى هذه النظرية كمبرر لكفره بحجة أنها علمية، بينما هي لا علمية ولا يحزنون، وليس لها ولا تجربة واحدة سوى أحافير مزوّرة، وتكيّفات طبيعية تزول بزوال المؤثر ينسبونها زوراً للتطور.

(الدقيقة : 38 الثانية : 5) يتحدث الدكتور عن حلقة مهمة في المسار التطوري، وهي متحجرة إيدا، التي دعاها احد العلماء بأنها الأعجوبة الثامنة، التي انتشر صيتها عام 2009 في المانيا، قريبا من بحيرة ميسيل بفرانكفورت، وهي حفرية تقريبا شبه كاملة، حتى الأمعاء والأسنان والشعر على الذيل والأظافر موجودة فيها، ما عدا ساق واحدة مفقودة، وهذا يعادل نسبة 95%، وبمقارنتها مع الحفرية العالمية لوسي، التي ترقى الى 32 مليون عام، فهي كاملة بنسبة 40% - 45% فقط.

ويحذر الدكتور من المبالغات الاعلامية في المجلات والصحف والتي تدعي أن ايدا هي الحلقة المفقودة، ويكتمل بها سجل الانسان التطوري، وهذا غير صحيح. وبالعودة الى الحفرية ايدا، فقد اكتشفها باحث عن الحفريات هاوٍ وليس متخصصا، فهو لم يدرك المغزى العلمي لهذه الاحفورة، اخذ هذا الهاوي الاحفورة واحتفظ بها في بيته، هذا حدث عام 1983، ثم تسربت معلومات عنها واهتم بها استاذ في جامعة أوسلو، وتم التفاوض على شراءها وكان المبلغ الذي دفع فيها اكبر مبلغ دفع على أحفورة، بقيمة مليون دولار، دفعها متحف التاريخ الطبيعي في اوسلو، ولم يعلن عنها الا في عام 2009، بعد ان استكمل العلماء الدراسات والاختبارات العلمية على هذه الاحفورة، استمرت اكثر من سنتين، ولم يعلن عنها في اوسلو، بل في مؤتمر علمي في الولايات المتحدة الامريكية، وهي حلقة حقيقية تؤكد ان التطور عملية تعمل وتشتغل.

من أهم صفات هذه الحفرية أنها تمتلك في يديها إبهامين متقابلين، وهذه الصفة تختص بها القرود والقرود العليا في الرئيسات، كذلك من اهم صفاتها ان لها أسنان، والأسنان تستطيع أن تنبئ عما اذا كان هذا الحيوان ثديي ام لا، وهل هو من الرئيسات أم لا، وعن نمط حياته الغذائي، وعن عمر الحيوان، ومن خلال أسنان إيدا عرف العلماء أنها ماتت عن عمر يتراوح بين 9 و 10 أشهر. ولها ذيل بفقراته المعروفة، وهي كائن حبلي طبعا، وعمر الأحفورة يصل إلى 47 مليون سنة، أي أنها أقدم من لوسي، أي أنها ظهرت بعد انقراض الديناصورات بـ 10 ملايين سنة، أي ظهرت في العصر الأيوسيني. كما أن أصابعها تنتهي بأظافر، مثل الرئيسات، ومن خلال أسنانها اكتشفوا ان نمطها الغذائي كان نباتيا، بالذات على الفواكه، ويقترح أحد العلماء ان موتها قد يكون بسبب أنها كانت تحاول ان تشرب من بحيرة ميسيل فغرقت ونزلت الى قاع هذه البحيرة، وهذه البحيرة تحتفظ بعدد كبير من الأحافير المتنوعة من الأفاعي القديمة والأحصنة القديمة، وأكثر هذه الحفريات كاملة، وفيها أيضا حفرية لأكبر نملة عاشت على وجه الأرض، وكذلك بعض أنواع الرئيسات، وبعض أنواع التماسيح، فهي بحيرة عظيمة قدمت روائع الحفريات.

يرى علماء التطور أن ايدا تقع وسيطة بين البروزيميات، وهي نوع من الرئيسات تتميز بأدمغة صغيرة وتعتبر الاجداد البعيدة لليموريات، وبين أشباه الانسان (الانثروبويدز) التي ينطوي تحتها الانسان في الأخير، والسعادين، والقرود العليا، أي أن ايدا حلقة وسيطة بين فرع البروزيميات وفرع الأنثروبويدز. وبالتالي فهي بعكس ما يروج له الإعلاميين ليست الجد المباشر للإنسان ولا لسلفه، فهي لا تقع على خط تطور الانسان المباشر، لذلك سماها بعض العلماء بالعمة الكبرى.

ويتحدث الدكتور عن أهم المراجع للتوسع حول ايدا، مثل كتاب العالم البريطاني كولن تدج، بعنوان: " The Link، الحلقة، الكشف عن سلفنا المبكر" ، وعمل على هذا الكتاب السير ديفيد اتنبره التطوري المشهور فيلما وثائقيا.

الرد : هل كانت بحيرة ميسيل موجودة منذ 47 مليون سنة؟ أين التغيرات المناخية والأهوال التي حصلت والتي يتحدثون عنها كثيرا؟ وأين العصر الجليدي؟ أم أن تلك موجة يفضّل تشغيلها في موضوع آخر؟ بحيرة عمرها 47 مليون سنة ولم يتغير مكانها ولا ماؤها ولا الأحياء فيها! أين ذهب العصر الجليدي والنيازك والتغير المناخي والصفائح التكتونية المتصادمة؟ فقط جاءت إيدا لتشرب من هذه البحيرة الزلال قبل 47 مليون سنة فغرقت فيها وبقيت على حالها دون أن ينقص منها أي عظم، بل ولا حتى أمعائها ولا شعرها، لدينا أمعاء عمرها 47 مليون سنة لم تتغير، يا سلام .. كل هذا خدمة لهذه النظرية المحبوبة.

و الأروع من هذا هو بحيرة ميسيل، معرض ميسيل للأحافير الكاملة والنادرة، وهي قريبة من يد التطوريين، تاريخ العالم موجود في هذه البحيرة، أما بقية العالم فلا يوجد! لماذا لم يجدوا ديناصورات فيها أيضا؟ أم أن ذلك سيأتي في الحلقة القادمة؟ على هذا فالأحافير ليست دليلا علميا، فلا تتعبوا أنفسكم. فهي عرضة للتزوير من هذه الشريحة الملحدة المتعطشة لما يثبت عدم وجود الله.

بالنسبة لأحفورة إيدا كما هو واضح في صورها، نجد أن عظام الساعد غير متناسبة مع الهيكل، فتبدو عريضة وقصيرة أكثر من اللازم، كذلك الجمجمة حيث أن حجمها كبير ومستدير بالنسبة لبقية الجسم، وإذا قارناها بهيكل عظمي لليمور، نجد التناسب واضحا ومقبولا، رأس إيدا كبير ومفلطح، مع أن ذيل إيدا تقريبا بنفس فقرات ذيل الليمور، فهي كأنها ليمورية محرّفة حتى تكون حلقة وسيطة. كأن إيدا تريد أن توضح كيف تحول الديناصور إلى الرئيسات، فيديها القصيرتان ورأسها توحي أنها قادمة من الديناصور، والمسألة كلها مسألة تركيب، تستطيع أن تقدم أحافير مزورة من خلال التركيب. ويبقى دور الرسامين والنحاتين ومصممي الفوتوشوب والأجسام الثلاثية الأبعاد، ثم يأتي دور الإعلام والصحافة لتتحول إلى حقيقة. لهذا نحن نشك في أي أحفورة، لأنها قابلة للتزوير، فمن الممكن أن تكون هذه الأحفورة لليمور لكن جرى تعديلها بعض الشيء لتؤدي الغرض.

(الدقيقة : 41 الثانية : 20) يتحدث الدكتور عن حلقة من الحلقات التي توصف بأنها "حية"، وهي طائر الهدسن، يعيش في المستنقعات في امريكا الجنوبية. والتماسيح هناك هي تقريبا الملوك لهذه المستنقعات، ومستعدة للانقضاض على أي كائن حي، فما بالك بالكتاكيت والطيور الصغيرة؟ لذلك احتاج هذا الطائر الى التشبث بالأشجار. ومن العجيب في هذا الطائر انه يوجد في نهاية جناحيه مخالب، وهذا يعني انه حلقة انتقالية، ومن الصعب أن يقال أنه لا يوجد تطور، بل يوجد تطور، فهو ليس زاحفا، ولكنه ليس طائرا تاما، فالطائر الحديث لا يملك مخالب في نهاية جناحيه، بينما هو يمتلك مخالب ليتشبث بها في فروع الاشجار.

هذا بحد ذاته يُفهِم ويدل على أن الجناحين في الأصل يدان تم تعديلهما، هذا هو التطور، وطائر الهدسن يؤكد أن الطيور تطورت عن الزواحف التي لها أطراف بنهايتها مخالب، والانتخاب الطبيعي استبقاها في الهدسن، لأنها في مثل هذه البيئة والظروف تكون لازمة ومهمة.

الرد : ما دامت المخالب هي الأساس، فلماذا لم تظهر في أنواع أخرى من الطيور؟ هذه مجرد خاصية لتتناسب مع وظيفة هذا الطائر الذي يطير في المستنقعات حتى يستطيع أن يتعلق بأفرع نباتات المستنقعات. وهو يطير طيرانا منخفضا، ولا توجد اشجار يجلس عليها، وهو طائر صياد. كل طائر له خصائص، مثل ما نرى في طائر الخفاش، له وظيفة يؤديها. والنسر الذي يأكل العظام : لماذا لا يأكل إلا عظاما، مع أنه يستطيع أن يأكل اللحم؟ إنها وظيفة موكلة به. وإلا فاللحم ألين من العظام وأكثر بروتين، بينما نسور أخرى تأكل اللحم فقط. هذه الاختلافات بين الأنواع ليس لأن أصلها واحد وتطورت، بل لأن لكل منها وظيفة، وبدونها لا يقوم التوازن البيئي أصلا. ونظرية التطور مضادة تماما لفكرة التوازن البيئي، لأنها لا تعير اهتماما للتوازن، مثلما صاحب المصنع لا يعير اهتماما بتوازنات السوق والمجتمع، كل همه أن يأتي بمنتج جديد يتلافى الأخطاء السابقة. بينما نظريتنا عن الوظيفة والتسخير مناسبة جدا للتوازن البيئي.

تطبيق التطور على الأحياء فكرة خاطئة، لأن الأحياء يحتاج بقاؤها إلى التوازن البيئي، والتوازن يجعل لكل نوع وظيفة يقوم بها، لو انقرض أي نوع أو تطور لتأثرت الوظيفة وبالتالي تأثر التوازن كله، وتدمّرت حياة الآخرين.

افترض التطوريون سيناريو التطور ثم استدلوا عليه بوجود المخالب في هذا الطائر، وأنه منحدر من الزواحف، حسنا، وماذا عن البلاتيبوس ذو المنقار؟ هل انحدر من البط؟ أم البط انحدر منه؟ أم أنه انحدر من القندس؟ أم أن القندس انحدر منه؟ كما أنه يبيض ويرضع أبنائه، فهل هو منحدر من الطيور أم من الثدييات؟ حماقة الانحدارات هذه وكأن الله عاجز على أن يخلق ما يشاء، هذه تؤدي إلى عدم الفهم، لأنك ستجد تناقضات كثيرة تضطر للإلتفاف عنها، لأنك صاحب قضية مرتبطة بالدين والمجتمع، أما نظرية الوظيفة فهي تفسّر من الواقع وتوصفه، وليست نظرية تاريخية كنظرية التطور، فأيهما أقرب للعلمية والمنهج العلمي : من يؤيد التوازن البيئي أم من لا يؤيده؟ هذا إذا كان التاريخ كله غير علمي وليس من العلوم الخالصة أساسا.

هذا الطائر يقوم بوظيفة لا يقوم بها غيره، فمثلا لو كان يسبح مثل البط لاقتنصته التماسيح، لكنه يطير طيرانا منخفضا بين الأعشاب المائية، فيحتاج هذه المخالب لكي يتعلق على الأعشاب المائية ويدافع بها عن نفسه وقد يستخدمها في الصيد أيضا وفي إبعاد الأغصان عن بعضها، حتى يجد الفرائس المختفية بين الأعشاب. ويفر من التماسيح أول ما يراها. وظيفته هي صيد الأسماك والعوالق المائية في المستنقعات.

التطوريون يتمسكون بالآليات، فبما أنه يملك مخالب اذن هو من بقايا الزواحف، لكننا نجد مثل هذه الآليات تشترك فيها حشرات مع ثدييات مع طيور مع أنواع أخرى، إذن الإرتباط بالآلية وكأنها ميكنة صناعية تشير إلى التاريخ، هذا منهج خاطئ. فالحشرات تطير مثلما الطيور تطير، لم يضعوا تاريخا لطيران الحشرات ولا من أين جاءت ولا ماذا كانت قبل، لكن يضعون تاريخا طويلا عريضا للطيور والزواحف لأنها سوف تكون مقدمة للإنسان. عجائب المخلوقات نجدها بشكل أكبر في الحشرات أكثر من الثدييات، فتوجد حشرة تدافع عن نفسها بالماء المغلي، ونجد حشرات مضيئة في الليل، هل توجد طيور أو ثدييات مضيئة؟ وبعض الحشرات تستخدم الصعق الكهربائي، ولا نجد هذا في الطيور ولا الثدييات، وتتلون بعضها مع لون البيئة مثلما الحرباء تتلون مع البيئة، بينما الحرباء من الزواحف، فهل تطورت الحرباء من هذه الحشرات؟ طبعا لا يقولون هذا، مع أنه احتمال وارد حسب منطقهم، أم أن الحشرات المتلونة تطورت من الحرباء؟ وقعنا في حيص بيص، ما داموا يفصلون في الآلية المتشابهة في مجال، عليهم أن يفصلوا في مجالات أخرى، وإلا أصبحوا بلا منهج، ما ان تفعّل الكل أو تلغي الكل، من الخطأ التمسك بالميكانيكية المعينة. كل هذا غير مهم لأن نظرتهم تتجه للإنسان، هذه الآليات من أين جاءت ولماذا لم تتقدم في التطور كتركيزهم على مخالب هذا الطائر؟ طبعا هي نظرية موجهة ولها هدف، والعلم لا يُوجَّه بل يُتبَع.

الطبيعة لا يمكن أن تُصنّف تصنيفا دقيقا، لأننا أمام خالق قادر على كل شيء، في الطبيعة دائما نواجه استثناءات.

هذا الطائر لم يحوي مخالب ليثبت نظرية التطور، بل هي متعلقة بوظيفته التي لا يقوم بها إلا هو. البلاتيبوس مثلا كاسر للتصنيفات التي تتبناها الداروينية، لأنه ثديي وبيّاض وله منقار يشبه منقار البط ويشبه القندس وله فرو وغير ذلك من الاختلافات، إذن فليفعّلوا هذه التشابهات وليحكموا من اين انحدر. الله يخلق ما يشاء، مثلما قلنا عن طيران الخفاش البارع وجناحاه اللذان بلا ريش. لو كان الأمر راجع إلى المهندسين لقالوا أن مثل هذا مستحيل. إذن كل التصنيفات في الطبيعة من أجل التقريب وليست دقيقة ولا يمكن أن تكون دقيقة يوما من الأيام. إذن نحن أمام طبيعة لا نفهمها لأننا لا نستطيع أن نصنّفها، وما دام أنه لا يمكن التصنيف بشكل دقيق، فهذا بحد ذاته يسقط نظرية التطور، لأن عمادها الأساسي هو التصنيفات: الرخويات، القشريات، الزواحف، البرمائيات، الطيور، الثدييات، الرئيسيات، الخ .. وكل نوع يعرفونه بعلامات. والمشكلة هي في كثرة الاستثناءات في الطبيعة التي تجعل التصنيف الدقيق غير ممكن، مما يشير إلى حقيقة لا يريدونها، وهي خلق كل نوع على حدة، وحتى لو تشابه مع نوع آخر فلا يعني هذا أن بينهما صلة، لأن وجود النوع جاء بناء على الوظيفة التي سيقوم بها، والشكل أيضا له علاقة، والقدرة والإمكانات أيضا. فالحمار والحصان مثلا ليس احدهما منحدراً من الآخر، وإن كان بينهما تشابه، وأحيانا تزاوج، هذا كله بسبب قرب الوظائف من بعضها.

(حتى آخر الحلقة) يتحدث الدكتور عن حيوان البلاتيبوس أو منقار البط، ويتحدث عن صفاته العجيبة التي كل واحدة منها تابعة لتصنيف في المملكة الحيوانية.

الرد : سبق الحديث عن البلاتيبوس المحيّر والذي يفنّد كل فكرة التمسك بالميكانيكية المعيّنة كالريش والمخالب والاصابع الخ. والتي بنيت عليها النظرية في نظرتها للاحياء في حلقات ماضية. النظرية الاعمى الذي يتلمس الاشكال والوظائف والميكانيكية، فيجد أن هذا مثل هذا إذن هذا قادم من هذا، وليس العكس، تبعا للسيناريو، ثم يقع في مشكلة مثل البلاتيبوس فيرفع يده ويتجه لموضوع آخر لإثبات التطور ويقسم بالعلم أنه حقيقة.

هناك تعليق واحد :

  1. الله يرضى عليك يا ورّاق ويزيدك فهم وعلم ويزيدنا معك , الله يعطيك ألف عافية يا رب , استمر نحنا معك
    من الجمل التي أعجبتني في المقالة:

    "هل كانت بحيرة ميسيل موجودة منذ 47 مليون سنة؟ "

    "فهل هو منحدر من الطيور أم من الثدييات؟ حماقة الانحدارات هذه وكأن الله عاجز على أن يخلق ما يشاء، هذه تؤدي إلى عدم الفهم؟

    "افترض التطوريون سيناريو التطور ثم استدلوا عليه بوجود المخالب في هذا الطائر"

    "هذا الطائر يقوم بوظيفة لا يقوم بها غيره"

    "وما دام أنه لا يمكن التصنيف بشكل دقيق، فهذا بحد ذاته يسقط نظرية التطور، لأن عمادها الأساسي هو التصنيفات"

    شكراً لك أستاذ ورّاق , بارك الله بك ونفع بك

    ردحذف