يقول ماركس وبعض المفكرين والمؤرخين أن الظروف هي
التي تصنع البطل ، وليس البطل من يصنع الظروف ، فكرومويل في الثورة الانجليزية :
لو لم يوجد كرومويل لوجد غيره ، و كذلك غاندي ، لو لم يوجد لوجد غيره .. وهكذا ..
فكرة ماركس غير صحيحة ، لو كانت الظروف هي التي
صنعت غاندي لوجد أكثر من غاندي ، بعدد المستعمرات البريطانية ، لأن الظروف تتشابه
: دول فقيرة تبتزها دول غنية ومليئة بالافواه الجائعة . كان غاندي يقاوم الظروف
ويرفض دعوات الثورة المسلحة من شعبه ، و يعتزل ويصوم اذا حدث عنف ، و تعب حتى اقنع الهنود بأفكاره عن المقاومة
السلمية (أي طوّع الظروف) . لو كانت الظروف هي التي تصنع البطل ×؛ لأخترعت السيارة
من قديم ، لأن الظروف تحتاج إلى السيارة و إلى التطعيم وإلى الطائرة الهيلكوبتر
وغيرها ..
هذا غير ان كلمة "ظروف" عائمة و غير
محددة ، ولا يستطيع ماركس وغيره تحديد هذه الظروف بالضبط . بحيث لو اعدنا نفس
الظروف لأنتجت نفس البطل . الحقيقة هي أن الإنسان هو الشيء الوحيد الفعّال ، و شخص
واحد يستطيع ان يشحذ همم أمة كاملة ويخرجها من الهزيمة الى النصر ، أي يصنع الظروف
. والعكس صحيح : يستطيع شخص على قمة أمة أن يورطها و يدهورها ، أين الظروف لتخرج
بطلا ينقذ الأندلس إبان سقوطها ؟ إنها لم تفعل ، مع الحاجة لوجوده !
كم من النتائج والحلول والابتكارات غائبة عن
الوجود بسبب غياب البطل وليس الظروف ، حتى الآن . و هي نفس فكرة : الحاجة أم
الاختراع ، و هذا ليس صحيحا دائما ؛ فأكثر الاختراعات قام بها أشخاص او أمم أقل
حاجة وأغنى من غيرها .
إنها فكرة مادية و إلحادية لا تنظر الى الانسان
في داخله ، بل تنظر الى الظروف المادية حوله ، لتبرر فكرة النشوء والإرتقاء ، و
تحيل كل شيء إلى الظروف ، فالظروف هي التي خلقت الإنسان و طوّرته من خلال الصدف
التي يعبّرون عنها بالظروف ، وبالتالي الإنسان هو مفعول به وليس فاعلاً دائما ، كل
شيء ابن الظروف ، والظروف ابنة من ؟ الجواب : ابنة الظروف ، و هكذا .. المهم ألا
يوجد إله .
في الحقيقة كل انسان هو نسخة لا تتكرر ابدا ،
فكيف يقول : لو لم يوجد كرومويل لوجد غيره ؟ اي مثله ؟ هذا لا يمكن ؛ لأنه لا يوجد
إنسان مثل إنسان آخر . وكونه لا يوجد إنسان مثل الآخر ، هذا يُسقط تعلق الماديين
بالظروف ، لأن الظروف قد تتشابه لكن الإنسان لا يتشابه ابدا .
وقد يوجد المثقف والواعي في بيئة متخلفة ، والعكس
بالعكس . فأين الظروف ؟
كل التغيرات التي حدثت في العالم بدأها أفراد
عاندوا الظروف ، وحياة الإنسان كلها معاندة للظروف وحل للمشكلات ، فكيف يكون ابن
الظروف وهو لا يعيش حتى يغيّر في الظروف وإلا لهلك ؟ فهو يعاند الحر والبرد والجوع
والخطر ويتخلص من الظروف بالظروف ، هذه حياة الانسان كلها ، فكيف يكون ابن الظروف
؟
الظروف تدمر الانسان وليست نطوره ، ولو سلم نفسه
للظروف لهلك بسهولة . لا أن يتطور ويتقدم . العكس تماما هو الصحيح . كل شيء معاكس
للحقيقة تماما هو قعر الغباء .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق