الانسان يتعامل بمستويات ثلاث : مستوى علمي ،
ومستوى فني جمالي ، ومستوى إثارة . الفن هو موظف جميل ، و يمكن إستخدامه في عدة
مجالات، للحماسة مثلا، و للفخر وغيرها ، وتحتاج للاسلوب الجمالي إذا اردت ان تؤثر
في الناس او تنقل مشاعرهم أو تجذبهم لشيء ما او تريد تشهيره أو تثبيته ، الدعايات
التجارية مثلا تركز على الاسلوب الجمالي اكثر من الاسلوب العلمي .
وبالنسبة للمدارس الفنية الواقعية ، والتي تقول
بأن هدف الفن هو نقل الواقع ، هو ليس كذلك ، فالواقع ليس دائما جميل، فالذي ينقل
الواقع بعيوبه ، هو الآن يغيّر هدف الفن و ربطه بالقبح . الفن ملازم للجمال، بأي
شكل من الأشكال. و إلا فلن يكون فناً .
لكن متى يكون نقل الواقع فنياً ؟ اذا تم نقل الطبيعة
التي خلقها الله كما هي ، مثل الصور البرناسية الشعرية التي تصور الطبيعة ، كحركة الطيور
والحمام، وكيف تنفش ريشها وكيف ترعى صغارها. فإذا جاء شاعر يصف هذا ، سيكون كلامه
جميلا، مع أنه قام بنقل حرفي واقعي . لأن الطبيعة جميلة. وهذا الذي يؤكد أنه لا
يوجد فن بلا جمال . لكن فنان او رسام او شاعر ينقل لنا صور من بيئة صناعية ، فينقل
حياته اليومية . كأن يقطع إشارة المرور أو يذهب إلى الخيّاط ، إذا استمر في ذلك
بان القبح ، قد تقول في المرة الأولى أنه اتى بجديد ، ولكن عندما يستمر يظهر القبح
والملل . وهنا يحتاج الى تعويض للفاقد الجمالي ، بدقة التفاصيل او براعة التشبيه،
حتى لا يموت الموضوع بالكامل و يتحول الى مقطع فيديو عن الواقع الملل ، لأن كل
إنسان يحمل في داخله عدم رضا بالواقع.
بينما الطبيعة نفسها دائما تعطي جمالا، ولا ننس
ان الجمال نوعان : جمال معنوي و جمال مادي. شكل و مضمون. لا بد ان يكون للإثنين
نصيب . و في اغلب الاحيان يغلب احد الإثنين على الآخر. فيمكن لأحد أن يمتدح رذيلة
، ولكن باسلوب فني شكلي بارع جدا من أجل
ان يتجاوز النقص المعنوي او المضمون الذي لديه. فلو كان يمدح رذيلة ولكن بأسلوب
ركيك لما نفع ذلك ، مثلما فعل أبو نواس في مدحه الإدمان والشذوذ وغيرها .
الأسلوب العلمي الواقعي يصف الاشياء كما هي ،
بدون النظر الى جمالها او قبحها ، والاسلوب الفني او الادبي يبحث عن الجمال في
الواقع ، واذا لم يجده ذهب الى الخيال أو الطبيعة . حتى افعال الانسان ، مثل بناء
منزل : فالمبنى والهيكل والمنافع ، هذا اسلوب علمي ، والنقوش والزينة والالوان ، هذا
من فرع الجمال .
الاسلوب الادبي الجمالي يجذب الناس ، وهناك اسلوب
آخر للجذب ، وهو الإثارة . وهو غير مرتبط لا بجمال ولا بقبح، بل أكثر ما يكون
مرتبطاً بغير المعتاد أو قليل الحدوث أو غريب أو ممنوع. سواء ممنوع ديني او
اجتماعي أو غيره . مثل انجذاب الناس للغرائب والعجائب كأطباق طائرة او فضائية او
سحرة أو حل الألغاز والجرائم والتحقيقات أو مصاصي الدماء ، هذا كله داخل في
الإثارة، وليس مرتبطا بالجمال.
نقاط التواصل مع الاخرين عبر هذه الاساليب الثلاث
: الواقعي ، أو الفني الجمالي ، أو الإثارة. والآن الإعلام اصبح يكثـّف الإثارة ،
فسحب الانتباه عن المجالين الواقعي و الجمالي ، خصوصا بعد التلفزيون والسينما.
الاعتماد على الاثارة وحدها بلا جمال ولا حقيقة ،
كما هو حاصل في كثير من الأفلام ، ينتهي إلى شعور ممض بالملل ، وبدل أن يكون الفن
تطهيراً كما قال ارسطو، اصبح تلويثاً .
الرياضة مثلا تحوي على التعصب والكراهية أكثر ما
يكون ، بدليل أن مشجعي الكرة ليسوا على نطاق معين ، فحتى الاطفال و أشخاص بعيدين
عن المجال يشجعون ، ولا يُصدّق احد إذا قال انه لا يشجع أي فريق ، ثم تعتمد على
الإثارة ، و في الاقل القليل تعتمد على الفن . و الدليل على تعصبها أن المباريات
الودية والخيرية ليس فيها أي حماس.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق