السبت، 14 نوفمبر 2015

حول علمية المنطق وأقسامه

حيث لا منطق اذن لا دليل . اذا انتفى المنطق لا ينفع الدليل، في أي قضية . (قانون) مثلا نظرية التطور، انتفى فيها المنطق، لأنها تُرجع نظاما ومعقدا وغائيا الى الصدف و الطفرات، ولأنها تخالف منطق التوازن البيئي . هذا فقط على سبيل المثال لا الحصر، اذن لا تفيد فيها الاحافير والادلة. مهما أعطَيت من بينات لا قيمة للبينات ما دام الأمر غير منطقي. مثلاً عربة حجمها لا يستطيع ان يحمل الا حصاناً واحدا، ويأتيك مجموعة من الشهود الثقات وخبراء أو متخصصون في الأحصنة والعربات يحلفون أنهم رأوها تحمل عشرة أحصنة ! دون أي تغيير فيها، وحتى لو زاد عدد الشهود أكثر ، فهذا لا يفيد.

وهذا يقودنا إلى علمية المنطق ومعيارية المنطق، والمنطق نفسه دليل على نفسه، والعلم لا يكون دليلا لنفي العلم (قانون) . الحقيقة تترابط مع الحقيقة ولا تنفيها.

وهذا يقودنا إلى تقسيم المنطق ، فهو عبارة عن :

1-  منطق كبير ، مثل أن الجهات الأصلية اربعة. والعلاقة بين الاصغر والاكبر ، والكل والجزء، وأن اليمين عكسه الشمال، وان الشرق عكسه الغرب، وأن 1+1=2. هذا علم ثابت لا يمكن لأي ادلة ان تنفيه. ولو ضاع هذا لضاع العقل كله وضاع العلم معه . وهو لا يتحمل سؤال لماذا ولا يمكن تفسيره هو بذاته. وهو ثابت ، واذا امكن تغيير الثابت فما قيمة الثبوت ؟ واذا أمكن تغيير العلم فما قيمة العلم ؟ اقصد العلم الثابت. من قال لك أنه يمكن أن يكون 4+4=7 لا يمكن أن نطالبه بأدلة ، وإلا فقدنا العقل الأساسي مثله كما فقده هو. هذا يُردّ تلقائيا بالمنطق الكبير، و يقال له : وفّر جهودك لأمور يقبلها المنطق الكبير، أي إعقل اولاً ثم ادرس، لأن من يتجرأ على المنطق الكبير فقدَ أساس عقله. فاقد المنطق الكبير مجنون كبير، ويحتاج ان يرجع الى الاساس ثم ينطلق بما يمكن دراسته من امور تتعلق بالمنطق الصغير، و هي مجالات العلم والبحث والتأكد والتثبت. ومن يقدم تجاوزات على المنطق الكبير لا يمكن قبوله ولا على شكل نظرية، بل هو في مجال التخريف، مثل العالِم الذي يدعي ان 2+2=5 ويعلن ذلك للملأ على قميصه وقمصان اتباعه، ويقبلونه كصاحب نظرية، مع أنه بروفيسور. هو يقول انه يمكن ، و من ساعة قوله أن ذلك ممكن فقدَ أساس المنطق البشري، لأنه تجرأ على المنطق الكبير أو العقل الأساسي. ومن يفعل هذا فقد فقدَ عقله بخصوص ذلك الشيء. العلم الحقيقي لا يتعارض ابدا مع المنطق الكبير، لأنه هو وسيلته أصلا، وبدونه يصبح الانسان مجنونا. والفضائل منطقية منطقا كبيرا، لأنها من الحق، مثل عدم الظلم وعدم السرقة وعدم الكذب، ولو صارت بشكل عام عند الكل لتدمّرت الحياة، وهذا لا يعني ان اساسها المصلحة كما يتوهم الماديون، لأنها تخدم المصلحة العامة، و كلمة "مصلحة" اذا أُطلقت واهتم بها الناس فهم يقصدون المصلحة الخاصة، والتي هي دائما ضد المصلحة العامة، والاخلاق تخدم المصلحة العامة، ومن هو المسؤول عن المصلحة العامة ما دام الجميع مشغول بمصالحه الخاصة ؟ حتى الدول نفسها مشغولة بمصالحها الخاصة ! اذن الاخلاق هي المسؤولة عن المصلحة العامة، والله وضع هذه الغريزة لكي تبقى الحياة. ولو زالت الاخلاق نهائيا لزالت الحياة نهائيا.
والمعجزات هي كسر لمنطق كبير، لهذا صارت معجزات، لأنها كسرت منطقا كبيرا، فعصا موسى كسرت منطقا كبيرا اذ تحولت العصا الى حية حقيقية أكلت ادوات السحرة ثم عادت كعصا، وهذا لا يمكن أن يكون في العادة في المنطق الكبير ولا الصغير، ومثلها إحياء الموتى وانشقاق البحر والنوم لثلاثمائة سنة. وعصي السحرة كسرت منطقا صغيرا، بحيث تستطيع جعل شيء يتحرك كأنه حية، باستعمال الزئبق او غيره من وسائل الخفة والبراعة والتأثير. العقل ليس نتيجة احتكاك بالطبيعة فقط، هناك منطق كبير مأخوذ من الطبيعة بالتجربة والاستقراء، مثل الشمال والجنوب. الحيوان يستفيد من المنطق بما ينفع بقاؤه وغريزته فقط، ولا يتعداه الى غير غرائزه، ويستطيع العد كما تعرف الماعز ان احد ابناءها مفقود، ولو اقبل على الحيوان عدة خصوم لهرب بسرعة اكبر مما لو كان واحدا، والقط يميز بين الانسان الطفل والانسان الكبير، وهكذا . كما أن المنطق الكبير يمكن ان يتفرع منه نوع نسميه "منطقا أكبر" سيأتي تفصيله لاحقا.  

2-  المنطق الصغير، يمكن أن تسأل معه لماذا، ويمكن شرح الاسباب. وقابل للأخذ والرد والأدلة والنقاشات والاثباتات، مثل أن يقود عجوز في التسعين طائرة حربية، أو يشارك في مباراة ملاكمة وينتصر، ففي العادة هذا لا يحدث، لكنه قد يحدث. اعمى مثلا يلعب بلاي ستيشن، هذه يردّها المنطق الكبير، لأنه يحتاج الى نظر، والنظر معدوم. لكن شخص كبير ومريض يقوم برحلة حول العالم، هذه يردّها المنطق الصغير (الاعتياد) ، أو أن محاربا يغلب فرقة كاملة من المحاربين، هذا يرده المنطق الصغير ولا يتعارض مع المنطق الكبير. المنطق الصغير يحتاج لكمّ كبير من الأدلة، وهو لم يخرج عن المنطق الكبير. وبالتالي كل شيء لم يخرج عن المنطق الكبير يحتاج الى ادلة وتجارب تثبته، لكن ما يتعارض مع المنطق الكبير مردود ولا تفيد معه الادلة ولا التجارب. والمنطق الصغير هو الذي يُستغرب فيه حدوث الاشياء، مثل ابريق راسل الذي يدور حول المريخ، هذا يرده المنطق الصغير، لأنه لا يتعارض مع المنطق الكبير، والابريق مصنوع بشري لغرض بشري والفضاء بين المريخ والارض ليس فيه بشر، لكن أن يوجد الكون وينظّم ويوازن بهذا الابداع الغائي التركيبي المعقّد من تلقاء نفسه و من لا شيء ! فهذا يعارض المنطق الكبير. والكاذبون بالعادة يجرُؤون على المنطق الصغير، وهو بالعادة من المبالغات، ولا يجرؤ على المنطق الكبير الا الملاحدة .

ابريق راسل يقبله المنطق الكبير و يرفضه المنطق الصغير، لكن مسألة وجود اله يحتّمها المنطق الكبير ولا يستطيع ان يردها المنطق الصغير، و اي شيء يحتّمه المنطق الكبير لا يستطيع ان يردّه المنطق الصغير. وجود الابريق هذا لا يقدم ولا يؤخر، لا علاقة له بوجود الكون، لكن الاله له علاقة بحتمية السببية، لو قال راسل ان هذا الابريق اله لاقترب من المنطق الكبير ويكون بيننا وبينه كلام.  

3-  المنطق الجمعي أ- (منطق جمعي عام) ، مثل : ليس من المنطقي ان تذهب الى المحكمة بلباس البحر، وليس من المنطقي ان تأخذ ادوات غيرك بدون استئذان، وليس من المنطقي ان تستقبل الناس بلا تحية، هذا المنطق حدده المجتمع.

ب‌-(منطق جمعي نسبي) يختلف من مجتمع الى آخر، فعند بعض المجتمعات ليس من المنطق ان تخرج ولا تلبس شيئا على رأسك، وعند مجتمع آخر ليس من المنطقي ان تخرج الى الناس وعلى رأسك شيء. هذا منطق نسبي . وقد يكون المنطق الجمعي النسبي خاطئا احيانا، وتقل نسبة الخطأ في المنطق الجمعي العام، لأن فيه اتفاق بشري حوله. ولا يعتبر المنطق الجمعي العام من المنطق الكبير دائما، فقد يتعارض معه، مثل ان المنطق الجمعي العام يعظّم الأثرياء والاغنياء ويحتقر الفقراء ويحسم النتيجة في العادة للقوي، مع أنه قد ينتصر الضعيف على القوي. ويعظّم الماديات اكثر من المعنويات، وأمثال الشعوب هي مثال للمنطق الجمعي العام. مثل (ان لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب) و (تغدّا به قبل ان يتعشى بك) و (ما حك جلدك مثل ظفرك) و (الكلام اللين يغلب على الحق البيّن) و (اذا لم تستطع ان تبتسم فلا تفتح متجرا) وغيرها ، وهي غالبا تقدم الماديات على المعنويات.

4-   المعلومات، وهي قابلة للصواب والخطأ والقبول والرد. والمنطق هو نوع خاص من المعلومات القياسية، مثل ان تأخذ قطعة من الخشب لتقيس بها طول بقية الاخشاب. فطول الخشبة التي طولها متر تقريبا هي معلومة تقيس بها بقية المعلومات، لكن أن السماء زرقاء ليست معلومة قياسية، وكذلك أن البحر يحوي اسماكا، هذه ليست معلومة قياسية. و كل معلومة يمكن جعلها قياسية تتحول الى منطق، فإذا وجدنا بحرا لا أسماك فيه نقول أن هذا غريب وليس منطقي، نقصد المنطق الصغير، وإلا فالمنطق الكبير لا يمنع ان يوجد بحر بلا اسماك لسبب ما، كالبحر الميت مثلا بسبب شدة ملوحته. ويمكن تقسيم المعلومات الى معلومات قياسية، ومعلومات غير قياسية.

و كل هذه الاجزاء مستودعة في الذاكرة ..

وعندما تقول عن شيء أنه غير منطقي، فأنت تكون بين هذه الأنواع الثلاثة، الأول هو المُلزم لأنه علم، أما البقية فيجوز فيها النقاش والاحتمالات. معارضة المنطق الكبير هي معارضة للعلم والعقل رأسا. مثلا أن توجد حياة من تلقاء نفسها من موات ، هذا غير منطقي ، أن يُوجد الشيء ذاته من لا شيء ، هذا غير منطقي ، أن يوجد كائن حي وحيد ثم يتطور ، هذا غير منطقي ، لأن الحي يحتاج الى الأحياء الاخرى ليتوازن ، وهكذا . المنطق الكبير ينسف اكثر نظريات الماديين، ونسفه علمي لأنه هو علم بذاته ، بل هو اساس العلم.

حيث لا أخلاق فلا دين .

***
الله برمج كل الخلق على الحق من الأساس, فلا يُقبل غير الحق، وهذا أساس الخلق. والله يستطيع أن يكسر هذه البرمجة لأنه خالقها, ونتيجة لهذه البرمجة نتج العقل المنطقي الكبير. إن الله برمج برمجة أن الجزء أصغر من الكل، هو خلقها هكذا. لهذا نحن نقول لا يمكن أن يكون الجزء أكبر من الكل، لكن هل الله لا يستطيع تغييرها ؟ طبعاً يستطيع .

نحن لا نستطيع أن ندرك شيئاً إنكسر من العقل الكبير، سنقول : لا نستطيع أن نفهم ! لماذا لا نستطيع فهمه؟ لأنه مخالف لخلقة الشعور، لا يعرفه الشعور ولا يفهمه , وسيسبب رعباً , هذا الكسر لا يُنتج العظة أو أي شيء آخر, فقط الرعب, و يُنتج فقدان العقل مثلما صُعق موسى، فهذا ليس شيء مفيد لك. أي أن شعور موسى مبرمج على آلا يرى الله في الدنيا، هذه هي الحكاية. قال تعالى( قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) . الجبل نفسه غير مبرمج على أن يرى الله، أي أنت يا موسى سوف تتفتت مثلما تفتت الجبل عندما تراني ، هذا هو المؤدى، لأنك لن تتحمل, لماذا لن تتحمل ؟ لأنك غير مبرمج . وهذا مثل إدراك اللانهائي ، لم نبرمج عليه , ولاحظ كيف يثير الرعب ، ولو تفكر فيه أكثر ستصاب بالجنون .

أيضاً مثلما تفكر في الزمن و تتعمق فيه، سيصيبك الرعب والجنون، التفكير فيه مخيف، لابد أن تنشغل عنه. أيضاً عندما تفكر في اللامحدود وتحاول الدخول فيه سوف تحترق, كذلك الماهيات, والروح, والأنا , من أنا؟ فكر فيها، سوف تتعب، فقط اسأل نفسك من أنا؟ ما أنا؟ هنا انرَعَبَ الفلاسفة، ومن هنا قالوا - مبالغةً – أن الإغراق في الفلسفة تؤدي إلى الجنون, لأن الإنسان يدخل فيما ليس له, أي أن الشعور لم يُبرمج على هذه الأمور, لم يُخلق هكذا، إنها أمور ليست لك .

إذن نحن على ماذا بُرمجنا؟ نحن بُرمجنا على الحق، والله خلق السماوات والأرض بالحق، ونفخ في أرواحنا هذا الحق, وأُلهمنا كيف ندرك هذا الحق، فالحق يقتضي أن لا أكون أنا أنت ولا تكون أنت أنا . الحق يقتضي أن 1+1=2 ، وأن الواحد كيان مستقل والواحد كيان مستقل , ليس هذا هذا وليس هذا هذا . الحق علمنا أن هناك شيء اسمه بعيد وشيء اسمه قريب، أي على النسبية. نحن بُرمجنا على الحق النسبي ، ولم نُبرمج على الحق المطلق، المطلق هو اللانهائي، وهنا منطقة الرعب , هي ليست لنا ، فقط النسبي ، مثل أن هذا أبعد من هذا وهذا أطول من هذا .

كل تعامل عقولنا هو في النسبي وليس في المطلق , المطلق الذي عُلمنا إياه هو الذي لا نستطيع أن نجيب عنه لماذا, لكننا نتعامل فيه، مثل إحساسنا بوجودنا ومثل تمييزاتنا، فنميّز أن هذا شارع، وأن سيارة واحدة مرت في الشارع، وأنها بالإتجاه الفلاني، وشكلها كذا ولونها كذا, هذه المعرفة نفسها ليست كذباً، إنها حق، ولا يجوز التشكيك فيها، لكن من أين أتت؟ لا ندري , لو فكرنا فيها سيصيبنا نفس الرعب. إذن شعوراتنا وتمييزاتنا مبرمجة على الحق، ولو خرج شيء عن الحق فسيسبب لنا فقداناً لوجودنا، لأن وجودنا مبني على هذه التمييزات .

الطبيعة الخارجية مبرمجة فينا، لا كمعلومات بل مثل برمجة الشعور, مثل ما أن المنشار مبرمج على قص الأخشاب، فلا يقول المنشار أنني احتككت بالطبيعة وأصبحت أقص أخشاباً من تعلمي ! لا ، بل هو مبرمج على قص الأخشاب, إذا أدركت هذا، عرفت أن الإنسان مثل ما أن له شريط الدي إن أي الذي ينظم جسمه، فله شريط روحي ينظم عقله وفهمه ، هذا هو الدي إن أي الشعوري .

الحيوان لديه مثل هذا الشريط أيضاً، لكنه قصير ومحدد ومرتبط بحياته فقط ، لهذا لم يُحمّل الحيوان أمانة و مسئوليات ، ولم يُختبر , لكننا لا نعرف شيئاً إلا الحق والحقيقة . إذا سُئلت ما هي المعرفة ، قل هي الحق , ولا نستطيع أن نعرف غير الحق .

هل تستطيع أن تعرف الصناعي؟ هل تستطيع أن تعرف الشر؟ ما هو الشر ؟ الحقيقة أننا لا نعرفه إلا من خلال الخير، نقول عن الذي أضرّ بالخير شر، لكن ما هو الشر ؟ نحن لا نعلم ما هو , لأننا لم نبرمج عليه، فقط  نعرفه من خلال الطبيعي، والطبيعي هو الحق. نحن مبرمجين على الحق، والله خلق السماوات والأرض بالحق, والله هو الحق، ومادام أن الله هو الحق، فالله لن يغير قوانينه.

إذن لا يمكن أن يكون الله ثالث ثلاثة ، ولا يمكن أن يجيز على نفسه الظلم لأنه يفعل ما يشاء كما يقول بعضهم، ولا يمكن أن يكون الناس في الجنة غير هؤلاء الموجودين في الدنيا، فالجنة أيضاً بالحق، ففيها جهات أربع وشعور بالبرد وشعور بالحر، وفيها الإحساس بالمتعة وفيها الزواج ، قال تعالى : (ولهم فيها أزواج مطهرة) ، وفيها أكل و شرب، وفيها جلوس ورؤيا، وفيها شكر، أي أن الشعور موجود .

لهذا الله لا يعاملنا في الجنة بغير هذه القوانين ، لأن قضية الخلق كلها مبنية على الحق. إذن الإختبار بالحق، والنتيجة تكون أيضاً بالحق، والله أخبر عن هذا فقال : ( والوزن يومئذ الحق ). فالحق هو الذي خُلقت عليه السموات والأرض، وهو الذي توزن عليه الأعمال، وتحسم فيه النتائج. والجميع يعرفون الحق، بل لا يعرفون غيره، انتبه لهذه النقطة.

لذلك البشر مدانون، فليس لديهم إلا معرفة واحدة هي معرفة الحق، هو الذي يستطيعون أن يفهموه، لذلك الفهم مرتبط بالحق, فعندما لا تفهم فأنت لن تفهم. إذا جاءك شخص متناقض ستقول لن أفهمه، مع أنه يتبع مصالحه، لكنك لا تفهمه، لماذا لا تفهمه؟ لأنه على الباطل والصناعي, لكن لو كان على حق ستفهمه. عندما يقول لك شخص أن الشيء الفلاني في المكان الفلاني، وأن الشيء الفلاني في المكان الفلاني، ستفهم عليه، لكن لما يقول لك شخص أن الشيء الواحد في مكانين ! هل تستطيع أن تفهم ؟ لن تستطيع، لأنه خارج البرمجة، هذا خارج الفطرة التي أنت عليها.

خِلقة الشعور مبرمجة على آلا يرى الله في الدنيا , فلما طلب موسى أن يرى الله ، فليس أن الله خائف منه ولا يريده أن يراه، بل لأنه غير مبرمج على أن يرى الله، أي أن فطرتك يا موسى هكذا، مثلما أن موسى لم يستطع صبراً مع الخضر، لأن لديه علماً ليس عنده, ربما يوم القيامة تتبدل قوانين من المنطق الكبير لدينا فتصبح منطق صغير، الله قادر على تبديلها ,هذا ما نستطيع فهمه في هذا الموضوع الكبير .

حقائق العلم مثل الرياضيات تعتبر منطق كبير، وكذلك الأضداد، مثل فوق وتحت يمين ويسار طويل وقصير قريب وبعيد وغيرها أبيض واسود ، ونور وظلام ، وموت وحياة، كلها منطق كبير, لا يمكن أن يعمل العقل بدون وجودها، فعلى أساسه قامت النسبيات. هذه كلها أساسات وليست فقط القوانين الثلاث المنطقية التي قالها أرسطو.

المنطق الكبير عبارة عن تمييزات , و كلها إلهامية لا تستطيع أن تعرف من أين جاءت , كيف ميّزنا أن هذا طويل وأن هذا قصير ؟ كان بالإمكان أن لا تدرك هذا التمييز! لذلك هناك أشياء موجودة نحن لا نميزها. لأن عقولنا لم تبرمج على تمييزها ، مثل الجن والشياطين ، هي موجودة ولكن لم نبرمج على تمييزها، مثلما أننا لم نبرمج على رؤية الله . الشيطان ندرك تأثيره ونسمع وسوسته ، ولكننا لا نراه ! أين هو ؟ سلّط أشعة مثلا، لن تجده، لأن علمنا مربوط بتمييزاتنا، وتمييزاتنا مربوطة ببرمجة الشعور الأساسية، هذه هي معرفتنا فقط.

الأعمى مثلاً لا يرى الطويل والقصير، لكنه يميزهما، فلو فتح عيناً أو زرع عيناً، فسيدرك التمييز ويرى الطويل والقصير والأبيض والأسود ويميز بينهما، هذا ليس مكتسباً ، لأن البرمجة موجودة أساساً.

أنت كإنسان مبرمج على أن ترى أشياء ولا ترى أشياء، مبرمج على أن تميز أشياء ولا تميز أشياء. أنت لست مبرمج على تمييز كل شيء، يقول تعالى (ألم نجعل له عينين)، أي لديك عينين لترى بهما، وأذنين لتسمع بهما، وأنت مبرمج على ذلك. لو لم يُرَد لك ذلك لما وُجدت لك عينين وأذنين. ليست الخلية الأولى من اكتشف السمع وصمّمت الأذن لتسمع كما يقول الملاحدة والداروينيون ! الأمر ليس كذلك، بل إن شعورك مستعد لفهم ما تأتي به الأذن.

لديك قناة العين مثلاً، انظر التمييزات التي تأتي منها، لا تُعدّ . لو لم تكن العين موجودة, لما رأينا كل الذي أمامنا ولما أعملنا فيه عقولنا. انظر حاسة الأذن مثلاً، ماذا تميّز من الاصوات، وهكذا في بقية الحواس. بعبارة أخرى : يُراد لك أن تدخل إليك تلك المعلومات التي جُهزت لها "هذه" الحواس، أنت مُجهز "بهذه" الحواس لتلتقط " هذه" المعلومات، وتقف هنا.

والدليل على وجود هذا الاستعداد، هو وجود الأداة من قبل الولادة ، فالأداة مجهزة فيك، أي أنت مجهّز لكي تعرف، لكن بهذا الشكل فقط، لا أن تعرف المستحيل أو اللامحدود أو أن تعرف الأصول والماهيات. ليست لدينا أذن أو عين لمعرفة الماهيات ، لو كان لدينا لاستطعنا ذلك. لا توجد ماهية عرفها العلم أو يمكن أن يعرفها، بما في ذلك النفس والروح، لا يمكن له أن يفهمها.

هل نحن تعلمنا اللون الأحمر مثلاً وأنه يختلف عن الأصفر؟ هل تعلمناها كتعليم وتجارب، أم كملاحظة ضاغطة بقوة تحس و ترى وجود الفرق وقمنا بتسميته فقط ؟ فسمّينا هذا أصفر وهذا أحمر ؟ نستطيع أن نبدل هذا الاسم بهذا الاسم وانتهينا. حتى لو لم تعرف اسم اللون الاحمر مثلا فإنك ستحس بوجوده وتنتظر اسمه فقط لكي تميزه عن غيره. فهل انت تعلمت اللون الأحمر أم تعلمت اسمه ؟ قال تعالى (وعلم آدم الاسماء كلها) أي أن آدم مُمَيِّز ، لكن الله علمه أسماء الأشياء، أي اسماء تمييزاته، حتى يستطيع أن يفكّر ويتكلم.

الله إذن هو من علمنا وليس نحن، قال تعالى (علّم الإنسان ما لم يعلم). إذن الحكاية حكاية تمييز ضاغط علينا، وهذا التمييز للون مثلا نحن مجهزون له بالعين والمخ، والشعور مجهّز لبرمجة هذه المعلومات والتفاهم معها, وتحويلها إلى عقل. إذن نحن لدينا نوافذ، و كأن الإنسان يعيش في غرفة مظلمة، ولكن له نوافذ معينة يرى منها. الفتحات التي يرى منها العالم الخارجي هي التي تحدّد علمه، لذلك علمه قاصر. قال تعالى (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).

ربما يقول المادي : هذا غير صحيح ، نستطيع أن نعرف كل شيء ! لكن المسألة مسألة وقت و جهد ! نقول له يا أخي أنت لديك نوافذ معينة، ولكي أُثبت لك أن علمك قاصر، اقول لك أن هناك أشياء لا يمكن أن تعرفها ، وانت تقر بهذا، أنك لا يمكن أن تعرفها، وهذا إثبات عليك. إذن سيظل علم الانسان قاصر، والسبب أنك تجد أشياء ليس لك أي معرفة فيها ولا تستطيع معرفتها .

   ***

الإنسان مهما مرت به الأيام ، لن يعرف ما هي الحياة ، وما هو الوعي ، لأن الإنسان ليست لديه حواس تخدم في معرفة هذه الأشياء، وبالتالي شعوره غير مبرمج على أن يعرف هذه الأشياء. بل لو عرفنا لتدمرنا ربما، ربما تفجرت خلايانا. مثلما اندّك الجبل لمّا تجلى الله له، الجبل لم يتبرمج على أن يرى ربه. إذن يجب ألا ندّعي أن الإنسان يمكن أن يعرف كل شيء ، ونحن أنفسنا لا  نعرف لماذا 1+1=2. كيف سنعرف إذن كل شيء ؟ نحن لا نعرف ما هي أنفسنا ! عندما تقول "أنا" من تقصد ؟ عظم الورك أم أظفر الإصبع الصغير؟ أم الشعرة رقم 100,000 في رأسك ؟ أم الفكرة الفلانية التي تعتقدها ؟ أم أنت اليوم ؟ أم أنت بالأمس ؟ أم أنت قبل قليل ؟ من هو أنت ؟ لا تدري، ولا يمكن أن تدري، ويعرف الماديون أنهم لا يمكن أن يدرون ، إذن لماذا يكذبون ؟ لماذا يقولون أن العلم ممكن أن يعرف كل شيء ؟

اذن هذه هي الحكاية : الإنسان بُرمِج بشعور مبني على الحق ، ولا شيء غير الحق، فكيف يكفر بالحق؟ حتى السارق أو القاتل يحاول أن يلامس حق أو يلوي حق لكي يقدّم تبريرا لما يفعل، لأنه لا يمكن أن يَفهم أحد إلا بالحق، فيقول السارق مثلا : " أنا لي حق عند هؤلاء الأغنياء ! هؤلاء لم يعطوني ! هم لن يرحموني ! " أي يبحث عن حق من أجل أن يعتدي، لأنه لا شيء يُفهَم إلا بالحق.

الكذب نفسه نتيجة لوجود الحق، أي أن الكذب هو بحق، في الكذب أنت لا تكذب بباطل، بل تكذب بحق، لكن تضعه فوق الموضوع، فتسرق و تقول ليس أنا من سرق، بل هذا هو السارق. أي أنت تعترف أن السرقة غلط، وهنا كذبت، كذبت يعني أنك نقلت الحق أو تحجّجت بالحق، أي تستعمل الحق، والفضيلة جزء من الحق.

الكذب قطع، والكذب في المثال السابق يعني القطع بين السارق والسرقة، فأتيت بشخص بريء و وضعته مكانك، لذلك الصناعي هو قطع. هذه هي الحكاية .

نحن ليس لنا إلا نافذة واحدة نرى منها ليس إلا ، فلماذا الإغترار بقليل من كشوف جغرافية أو كشوفات علمية ليقال بعدها : سوف نصنع الحياة ؟! هل تصنع شيئا لا تعرفه ؟ وليس لديك أي معلومة عنه ؟ لكي تصنع لا بد من معرفة، لكن أين هي تلك المعرفة الصغيرة على الأقل ؟ نريد خطوة واحدة في هذا المجال ؟! لا توجد . فكيف تدّعي شيئا عجزت البشرية كلها أن تخطو خطوة صغيرة فيه ولا أساس عندك له وليس لديك شيء عنه ؟ هل عندك حواس تحس بها الأرواح ؟ ليست لديك . هل عندك حاسة لإدراك اللا منتهي في الأشياء ؟ ليست لديك. هل عندك حاسة تعرف الغيب الذي لم يكن بعد ؟ لا توجد عين أو أذن أو قَدَم لهذا الشيء ، ليس لديك أداة. إن التقنية قوّت الحواس الموجودة، ولكنها لم تضف علينا أي حاسة جديدة.

الأدوات تدلّك على البرمجة، والبرمجة تُوجّه للأدوات، بحيث لو أزلنا الأداة فالبرمجة موجودة. مثلا شخص لم يرَ أبدا في حياته، لو فجأة انفتحت عيناه سيميّز تماما كما نميّز. الشخص قد يولد أعمى، لكن شعوره ليس بأعمى، يستطيع أن يميز الألوان، لأن شعوره موجود، مثلما أن المقطوعة يده يحاول أن يحرّك يده المقطوعة ليتناول الأشياء، لأنه توجد في الشعور برمجة تدعى تحريك اليد. ويحلم في منامه بيد سليمة.

مثلما عُرف الدي ان أي المادي، لا بد أن يُعرف الدي ان أي المعنوي، إذ أن بينهما ترابط . وهنا سؤال : كيف عرفت تحريك يدك ؟ كيف لم تنس تحريك يدك ؟ لماذا لم تحرّك شيئا آخر عندما حاولت تحريكها ؟ الطفل الصغير لماذا يحرّك يده للتناول ؟ لماذا لم يحرك قدمه ؟ الطفل يحرّك يده اليمنى مع رجله اليسرى والعكس، كأنه يمشي، مع أنه لم يمش بعد.

الآن بالإمكان تحريك اليد الإصطناعية التي تُركّب مكان اليد المبتورة من خلال الإشارات العصبية، لكن هذه الاشارات العصبية تابعة لإشارات شعورية، أعطت الأوامر للمخ أن يعطي اليد أمرا بالتحريك، ولو قطعنا اليد فالأوامر ستأتي من المخ، ولكنها لن تصل، وحتى لو تعطل المخ، تظل قدرة المخ على إعطاء الأوامر موجودة، فلو عمل المخ مرة أخرى فسيعطي الأوامر مرة أخرى. إذن المخ ليس نهاية المطاف. النبات ليس له مخ ! وها هو يتحرك ويتغذى ويعمل ! أين مخ النبات ؟

 ***

كل شيء يدل على الله، الفضيلة تدل عليه، وكل شيء يدل عليه، لذلك هو الصمد، هو الأول وهو الآخر، وهو الحق، ولأن كل شيء بدأ بالحق فسوف ينتهي أيضا بالحق، هذه رحلتنا في هذه الحياة، وبغير هذا لا نفهم، ربنا لم يخلق شيئا عبثا، بل أعطى كل شيء خلقه، وخلق كل شيء بقَدَرَ ، لاحظ كلمة "قَدَرْ" ، قَدَرْ يعني أن فيها منطق وتقدير وقصد وقَدْر معيّن .

هل نقول أن هناك "منطقا اكبر" ؟ يبدو ذلك ، هناك منطق أكبر حتى الله نفسه شاء ألا يكسره، لأنه هو الحق، وخلق الخلق بالحق، والتمييز يكون في هذا المنطق الأكبر.

المنطق الأكبر حتى المعجزات لم تطله ، فلم يجعل موسى مثلا شريرا وبنفس الوقت ينتصر وينصر الحق، ولم يجعل الحق يُنصر بباطل، و لم يجعل أبا جهل مرسولاً بدين الإسلام وينجح ويهتدون الناس، بل جعل الإنسان الفاضل محمد، وليس أبا جهل. ولم يجعل عيسى هو، لأن هذا ليس منطق. الله خلق الأشياء لكي تكون أشياء.

والله أحد كما قال عن نفسه (قل هو الله أحد). وإذا قلت "أحد" أي منفصل عن غيره. وبذلك تسقط نظرية وحدة الوجود، التي تقول بأن الله هو الطبيعة وهو قوانين الطبيعة، وأنه حالٌّ في كل مكان، و حالٌّ في الماء الذي تشربه، و في الأخير حالٌّ في الإنسان، وهذا هو المقصد أصلا من النظرية. لذلك الحلاج وغلاة الصوفية يقولون "أنا هو وهو أنا" ، و في الأخير أصبح الحلاج إلها ، يقول "أنا الله ، حلّ فيّ"! وغلاة الصوفية عندهم هذه الحلولية. وكذلك قدمها سبينوزا ربما ليؤكد على أن اليهود شعب الله المختار وأنهم أبناء الله.

كذلك ليس الله عيسى وهو بنفس الوقت الروح القدس، لأنه لا يمكن أن تأتي بالمنطق، بهذا أنت ضربت القانون الأول من منطق أرسطو، أن الشيء هو الشيء.

الله يكسر بعض المنطق لكن هناك منطق شاء ألا يكسره حتى يوم القيامة وما بعده. (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) .

من الممكن أن يكون هناك نسخة أخرى شبيهة بك جدا، لكن لا يمكن أن تكون بنفس المعنوي لديك، هذا سيكون شيئا مرعبا جدا، وهذا ليس فقط كسرٌ للمنطق، بل هو كسرٌ لشيء أعمق، كسرٌ للمنطق الأكبر. وهذا لا يفيدنا إطلاقا ولا نعرف له. المنطق الأكبر لا يمكن أن يتغير لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا يمكن أن يكون أصحاب الجنة يدخلون النار أو يدخل أصحاب النار الجنة.

سقراط قال أن المعرفة هي تذكّر، لكنها في الحقيقة تمييز. تمييزٌ يضغط عليك، أعتقد أن هذا هو الفرق بين رؤيتي و رؤية سقراط للمعرفة، فهو يقول أن المعلومات موجودة من عالم المثل، ثم ولدنا بالحياة ونسيناها. إن عالم المثل الذي يتحدث الإغريق عنه هو مثل عالمنا بالضبط، لكن بشكل أفضل، فعندهم تفاح لكن تفاح أفضل، لا يخرب. والكرسي مثلا يوجد كرسي في عالم المثل أفضل منه.

منطلقات الفلسفة اليونانية لا اقدّرها كثيرا ، لأنها مرتبطة بالميثولوجيا والدين الاغريقي، لم تستطع ان تتحرر منه، ولم تستطع ان تقدّم المنهج العلمي . لذلك سقراط لم يبتعد كثيرا عن أفلاطون. أفلاطون كرّس نظرية عالم المثل بشكل حاد. كما إن الاغريق لم يبتكروا عالم المثل ، بل دينهم يصوّر لهم ذلك، فدينهم متعدد الآلهة، والآلهة لديهم كراسي مثل البشر، و آلهة الصيد ديانا تصيد مثل البشر، وهكذا.

سقراط عندما قدم نظريته عن المعرفة بأن المعلومات كلها موجودة فيه، نسي أن المعلومات مبنية على منطق ليس كله موجود بالداخل. عملية التفكير تنتج المعرفة، أي أعطيك معلومات ثم تستنتج منها، فهل الإنسان أجرى التفكير أيضا في عالم المثل ؟ هل مرّ في نفس الظروف ؟ إن ظروف الحياة التي نحن فيها مختلفة عن عالم المثل، كأنك يا سقراط تقول أن الإنسان ولد في الأرض ومات وعاش مرة أخرى وتذكر المعلومات التي مر فيها ! مع أنه لم يعش بنفس الظروف ! حتى هذه خطأ. هي أشبه بالتناسخ. هو وقع في معضلة. صحيح أنه لاحظ أن لدينا أساس للمعرفة، لكنه ربطها بعالم المثل وقال أنها تذكّر.

كون البشر يحبون الموسيقى مثلا ويتذوقونها، هذه أيضا معرفة، من أين أتتهم ؟ ما هي الأداة التي جعلتهم يحبون الموسيقى؟

المنطق الأكبر هو المنطق الفطري المودع فينا، والمنطق الكبير هو المكتسب من التمييز، والخاضع للعلم والذي نفكر فيه ونتأكد منه هو المنطق الصغير، والذي نتعايش فيه مع الناس هو المنطق الجمعي.

الفرق بين المنطق الأكبر والكبير هو ان الأكبر لا يمكن أن يُكسر، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بينما الكبير يمكن أن يُكسر بالمعجزات الالهية. والمنطق الأكبر هو الذي غير قابل للبحث ولا التجارب.

المنطق الكبير يمكن أن يقسم لقسمين : منطق أكبر، ومنطق كبير. هو داخل في الكبير بالنسبة لنا في هذه الحياة الدنيا على هذه الأرض ، وهو كله منطق كبير، فكون أن الباطل لا يمكن أن يكون أفضل من الحق، هذا نسميه منطقا كبيرا، لكن لو تحققنا منه نجد أنه من المنطق الأكبر أيضا والذي لا يتغير إطلاقا. لكن كون الأرض تجذب الأشياء، فهذا منطق كبير، لكنه ليس منطقاً اكبر.

المنطق الكبير ينقسم لقسمين : قسم قابل للتغير بقدرة الله فقط على شكل معجزات او قيام الساعة (الكبير) ، و قسم غير قابل للتغير لا في الدنيا ولا في الاخرة (الأكبر) .

الله قال (يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم) ولم يقل يا ابراهيم اجعل النار والحرارة أفضل لك من البرودة. بمعنى آخر : لا توجد معجزة غيّرت الإنسان نفسه، بل تغيّر الأشياء. والله لم يجعل لرجل قلبين، وهذا من المنطق الأكبر الذي لا يتغير، يعني أن الله وضع قوانين لله وشاء ألا يكسرها ، و وضع قوانين للطبيعة. قوانين المنطق الأكبر هي قوانين لله لا يمكن تغييرها، بينما قوانين الطبيعة من الممكن أن تتغير.

قوانين المنطق الأكبر لا تُكسر بالمعجزات، لأن كسرها باطل، مع أنه على كل شيء قدير، فالله هو الحق، وما يفعله هو الحق. لا يمكن أن يحب الله المتكبرين أو الفاسقين او الظالمين، لا في الدنيا ولا في الآخرة. قال تعالى (ولا يظلم ربك احدا) ، ولكن الله يستطيع إيقاف البحر لكي يمر موسى ومن معه، ويستطيع أن يحيي الموتى بعد أن صاروا ترابا وعظاما، والله على كل شيء قدير.

في قوله تعالى (لا يسأل عما يفعل و هم يسألون) لا تعني دكتاتورية كما يتصور البعض ، بل لأنه يعرفهم وهم لا يعرفونه، الذي يعلم هو من يستطيع أن يحاكم من لا يعلم. أنت لا يمكن أن تعلمني أبدا ، وأنا استطيع أن اعلم كل شيء عنك، فأنا الذي أقيّمك، أنت محتاج لي وأنا غير محتاج لك.

نحن ليس لدينا خاصية أن نعرف شيئا لم يكن، في الزمان أو المكان، وليست لدينا حواس تعين على هذا الشيء، إلا بالاستقراء وبناء على ما سبق فقط، علمُنا كله مبني على السابق وليس على المستقبل، فنعرف الماضي ونقيس عليه ونتوقع المستقبل بناء عليه.

قانون السببية مثلا يعتبر من المنطق الكبير، ومنطقيا لو قلت أن كل شيء سببه شيء ، وهذا أيضا سببه شيء، فمنطقيا ستقف عند سبب واحد. وإلا فستستمر، أي أن السببية لها حد، وليست مطلقة، إذا أطلقتها فستستمر، وبالتالي لا تكون السببية حقيقة. إذن السببية من المنطق الكبير، لأنه منطقيا يقف عند حد لازم، لا بد ان يكون هناك آخر للسببية.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق