الأحد، 8 نوفمبر 2015

حول وهم السحر, وحفظ الله لفطرة الإنسان من الضلال


"مسائك سعيد استاذ الوراق
http://alwarraq0.blogspot.com/2012/12/blog-post_8459.html?m=1 …
ممكن أسألك شنو معنى السحر بالوهم في هذا المقال في سحر المحبة مثلاالمسحور لا يعرف بأنه مسحور في حب أحد مثلا فكيف يحدث الوهم"

الرد:
نجد في القرآن أن السحر عبارة عن وهم وليس حقيقة, فنجد آيات مثل {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} ومعنى هذا أنها لا تسعى حقيقة وليست أفاعي حقيقية، وقوله تعالى {إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} وكون الساحر لا يفلح أي أنه لا يقدم حقائق لأن من يقدم حقائق قد يفلح أحياناً أما الكاذب فلا يفلح أبداً، وقوله تعالى {ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} وهذه كلمة تحقير للسحر أي أنهم لم يأتوا بحقائق وإنما بأكاذيب سيبطلها الله لأنها باطلة.

أما ما ذكر في الآية {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } فسياق الآية حول ما تعلموه من الملكين هاروت وماروت وليس عن السحر نفسه، وإلا لما اقتضت الحال للعطف لو كان شيئاً واحداً هو السحر والشيء لا يعطف على نفسه إلا بسياق التعظيم مثل {تلك آيات القرآن وكتاب مبين}, أما هنا فلا تعظيم للسحر ولا لعلم الفتنة. ثم إن الملكين قالوا عن أنفسهم أنهم فتنة ولم يقولوا أنهم سحرة، وإشعال الفتنة نوع من الفنون، فهناك من هو بارع أكثر في إشعال الفتن، هذا غير أنهم لم يعلموهم كيف يجمعون بين المرء وزوجه وإنما فقط التفريق.

لو كان السحرة يقدمون حقائق فلماذا يشنع عليهم في القرآن والأحاديث؟ والرسول صلى الله عليه وسلم قال: من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد. فهذا يعني أن ما سيخبره باطل؛ لأن الحق واحد والأباطيل متنوعة.

سحر الوهم كثير جدا ومتنوع وفي كل مجال فهو الذي يوجد في الإعلام والسياسة والفن والعلم...الخ، فهو ليس عملاً خاصاً بأحد.. والرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن من البيان لسحرا. فيؤخذ الإنسان باللهجة والكلام والتأثير والصور فيفعل مالم يكن يفعل، ويقبل مالم يكن يقبل، ويرفض مالم يكن يرفض، فالساحر يزيف ليصنع مثل الحقيقي، فالألعاب السحرية بالنسبة لمن لم يكتشفها يصدقها ويراها حقيقية، لو كان الساحر يعلم الغيب لاستكثر من الخير ونفع نفسه قبل غيره ولدفع عن نفسه الضرر، لكن لا يعلم الغيب إلا الله.

ثم إن المتوهم لا يدري أنه متوهم وإلا لما كان يسمى متوهماً، وكل إنسان واقع في وهم أو أوهام يعرفها إذا اكتشفها وإلا لن يعرفها، لكن السحر كعمل ينتج محبة ويجعل أحدا يحب آخر فلا أستطيع أن أفهمه إلا إن كان فيه مؤثرات وأكاذيب وخداع وسوف يكتشفها الشعور في يوم ما، لأن المحبة الحقيقية مرتبطة بالفضائل، والفضائل مرتبطة بالله، فكيف يجعل الساحر أحداً يحب آخر غير مرتبط بالفضائل؟! هذا طريق إلى الله، وطريق الله محفوظ من تلاعب السحرة وغيرهم، لأن الطريق إلى الله هو طريق المحبة أصلاً، وأتكلم عن الحب بمعناه الواسع وليس حباً بين زوجين فقط، فالقرآن ذكر لنا الأنبياء لكي نحبهم على فضائلهم لنقتدي بهم ليقبلنا الله فنكون ممن أحبهم الله ويحبونه.

السحر والشعوذة أعمال غير محترمة حتى عند غير المسلمين. ثم لماذا لا يجعل الساحر الناس يحبونه؟ أليس هو أولى؟ فمن يحب ساحراً؟ من يحبه وهو كذاب واستغلالي؟! وكونه يستطيع جعلنا نحب أناساً لا يستحقون الحب فهو يخلّ بمقياس الشعور الذي يدل على الله، والله يحفظ كل شيء يدل عليه، فكما حفظ القرآن فقد حفظ شعور الإنسان من التيه والضلال، فيتيه عقل الإنسان ولا يتيه شعوره، والشعور من الآيات الدالة على الله، ونحن نعرف الله بالعقل وبالإحساس وهو الفطرة، لهذا يتعذب الإنسان كلما ابتعد عن طريق الله، فكيف يتعذب وهو يتمتع بشهواته؟ فهذا يدل أن عقله شيء وشعوره شيء آخر.. قال تعالى {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}.

الشعور -وأقصد دوائره العليا- هو جانب فطري حفظه الله لمن أراد أن يستقيم، كما قال تعالى {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} وهو الذي سمى فجورها بالمنكر وتقواها بالمعروف أي متعارف عند كل الناس، إذن هو موجود عند كل الناس، والشعور نفسه لا يستطيع الشخص نفسه أن يتحكم به فكيف يتحكم غيره به؟ فإذا كان يتحكم به بهذا الشكل فليجعله يحب الشيطان أو يحب الباطل، والله لا يسلّم هذه المنطقة للناس، فهذا هو السراج الوحيد في داخلنا، وهو النور الداخلي الذي يكتمل بالنور الخارجي الذي هو القرآن، لأن كل ما حول الإنسان سحر وأوهام وظلمات بعضها فوق بعض والمُضلات كثيرة، فلابد من وجود شيء ثابت لا يتأثر بالأوهام.

وجهة النظر هذه أقرب إلى إفراد الله بأمور الغيب وجعل الضر والنفع بيد الله وهو أهل التقوى وأهل المغفرة، وتزيل المخاوف والهواجس من غير الله، فالله هو الضار وهو النافع وحده بالغيب وهو المستحق للخشية وحده في أمور الغيب، ولا يضر بالغيب ولا ينفع إلا الله، والله قطع الطريق عندما قال {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} والغيب هو ما سوى الشهادة، والشهادة هي الواقع الذي يحكمه القوانين ويمكن أن يتعلمه الإنسان. إذن يكفينا قوله تعالى {ولا يفلح الساحر حيث أتى} وقال {كيد ساحر} ولم يقل سحر ساحر، فالكيد هو الذي يضر وليس السحر نفسه، مثلما قال {ومن شر النفاثات في العقد} وليس من شر ما في العقد، وهذا يدل على قوة تأثير الساحر أو الساحرة وليس قوة السحر نفسه.. فإذا قلنا ساحر فيعني دجال أو موهِّم أو مخيِّل كما أخبرنا القرآن. والله أعلم..


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق