الأحد، 17 يوليو 2011

الإلحاد و القرآن "التوضيح لشبهات تثار حول القرآن .."


غالب النقد الذي يوجهه الملحدون للقرآن لا يلامس الأعماق ، بل هو على سطح العقل ، وبهذه الطريقة من النقد لا يرغب أي شاعر أو أديب أن يُقيَّم ما كتبه بمثل هذا التفكير ، فلن يرضى أي أديب بهذا النقد الذي يشبه نقد الفقهاء للشعراء ، فكيف إذا كان موجهاً لكتاب منزل ؟ وهذا النقد يفقتر للشمولية، فهو مبني على مقتطفات سطحية (أي من سطح النص) من عقل مجرد ينظر للقرآن ككتاب للعلوم ، كالنظر إلى اختلاف الضمير في الخطاب ونحو ذلك .

كان على الملحدين أن يثبتوا خطأ التوجه العام وخطأ الأفكار وعدم مطابقتها للإنسان بمشاعره وعقله وعدم مطابقتها لمشاكل الفلسفة ومشاكل الإنسان، وإن استطاعوا ذلك فسوف نكون معهم .


وهنا سنستعرض بعض الشبهات المطروحة :

آية { ان ربكم الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} (الأعراف 54) ، وآية { وسع كرسيه السماوات والأرض}(البقرة 255) ، وآية { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} (هود 7)


يقول الملحدون: أن هذه الآيات وأمثالها تدل على خضوع الله للقوانين الطبيعية ، فكونه يجلس على كرسي يعني أنه خاضع لقانون الجاذبية ، وكون أن عرشه على الماء ، والماء مادي محسوس فالعرش إذاً محسوس فيكون الله مادياً بناء على هذه الآيات، وهذا يدل على وجود خالق آخر قبل الله قد خلق هذه القوانين وأنه يخضع لها كما نخضع لها نحن وليس هو من خلقها.

الرد : مسألة خضوع الله للقوانين هذا استنتاج لم يقره القرآن ، لأن الله خالق للقوانين ، ولو أقر ذلك الخضوع في القرآن لكان هذا الاستنتاج صحيحاً وسقطت الحجة بأن الله خالق للقوانين وغير خاضع لها ، أما أن يكون الخضوع من استنتاج عقل ملحد بالإنسان قبل أن يلحد بالله فهذا لا يعنينا وتبقى وجهة نظر نحترمها ولا نطبقها .

الله يقول: {على ما يشاء قدير} والخاضع للقوانين ليس على ما يشاء قدير ، أي أن الله ينفي ما يحاول الملحدون إثباته، فالاحتجاج هذا يشبه قول : أن الله مضطر للغة ليخاطبنا بها ، فهذا يعني أنه خاضع لقوانين اللغة وإعرابها ، والبدو يتحكمون به لغوياً ، فهذا هو المنطق الذي بُني عليه الانتقاد السابق ، وتستطيعون أن تقولوا أيضاً أنه خاضع لقوانين الرياضيات والأعداد ...الخ 

والحقيقة أنه ليس كل من استمعل شيئاً أو منطقاً فيعني أنه خاضع له ، مثلاً من يستطع أن يجاريني في منطقي ويأخذني على قدر عقلي .. فلا يعني هذا أنه خاضع لمنطقي ذلك ، وليس كل من جارى أحداً في شيء يعني أنه خاضعاً له .

وإذا ذكر القرآن شيئاً من ذلك كمجيء الله وحمل العرش والجلوس عليه والقدم واليد والعين .. فهذا من باب التقريب للأفهام ، وإلا الآية تقول : { ليس كمثله شيء } ، فلو تخيلنا أن القرآن لا يستخدم هذه التعبيرات التي تشبه ما نعرف من أشكال وقوانين فكيف ستصل إلينا مضامينها ؟ وأنتم عندما تتخيلون العرش وقدوم الملَك صفاً صفاً فإنكم ترسمون صورة في أذهانكم عن العرش عن طريق التمثيل ، بينما الله يقول {ليس كمثله شيء} ، إذاً لماذا شبَّه ومثَّل؟ لقد شبَّه ومثَّل للتقريب . ونفى المثيل له لحقيقة عدم وجود مثله ، فليس كمثله شيء في كل شيء لا في عرشه ولا في ذاته ولا في وجوده .

ولو كان القرآن بلغة لا تفهم ولا تعرفها الأذهان سيكون حينها غير مبين ، وآية {ليس كمثله شيء} تزيل اللبس عن كل هذه الأشياء، فهو ليس مثلنا في أشكالنا ولا في خضوعنا للقوانين ولا بطريقتنا في المعرفة .

ألم تروا عالماً كبيراً وهو يبسِّط أموراً معقدة للناس العاديين؟ سوف يبحث عن أقرب شيء يعرفونه ، حتى لو لم يكن مطابقاً تماماً لما يريد ، فالقرآن أراد الله له أن يكون بلسان عربي مبين ، أي بنفس طريقة البيان العربي ، من تمثيل وتجسيدات وتشبيهات واستعارات ومجازات ، فأي نقد لطريقة بيان القرآن يجب أن يُوجَّه للبيان العربي واللغة العربية ، فالشاعر العربي يقول:


وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع 

سيأتي نقدكم المجرد ليخطئه ، فأي أظافر للمنايا ؟! فهذه مخالفة للعلم ! فعليه أن يقول : "إذا مات الميت" حتى يصح علمياً ، وهكذا العقل المجرد لا يصلح أن يفرض على الإنسان بكل جوانبه ، في حين يصلح أن يفرض على المادة في كل جوانبها ، والملاحدة ليس عندهم إلا العقل المجرد ، وما سواه غير مقبول ، فيصلح للحديث عن المادة فقط وليس عن الإنسان . وطريقتهم في التفكير تصلح للتعامل مع الآلات وليس مع البشر ، ليس بسبب الضعف ، بل بسبب اختلاف الطبيعة .


-------------------- 



آية { قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} (الرعد 27(
يقول الملحدون: أن الله يتدخل في هداية وإضلال الناس ، فمن يرد الله إضلاله فسوف يضل ، ثم سيعاقب الضالين في الآخرة وهو من قد أضلهم بمشيئته . وهذا هو القدر كما يصفه المؤمنون ، فأين العدل الإلهي في هذا القدر؟


الرد: أما مسألة القدر فالعدل الإلهي يتجلى في إعطاء حرية الإرادة والاختيار التي نتمتع بها وندركها ونحسها .
انتقادات الملحدين للإيمان كلها تدور في الشأن الإلهي وليس في الشأن الإنساني للدين ، والسبب هو المنطقية والمطابقة بين الدين والإنسان ، لهذا يبتعدون عن هذا المحور ويتجهون إلى محور الإله والدار الآخرة؛ لأنه خارج عن المنطق البشري، فالله قد احتفظ بأسراره لنفسه {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً} .

فيطبقون المبدأ البشري على الشأن الإلهي ويعتبرونها هي نقطة الضعف في الدين ، ويطرحون الأسئلة وراء الأسئلة للإنسان المؤمن وهو نفسه لا يعرف شيئاً عنها ، فهو يعرف ما يتعلق به ، ولا يعرف ما يتعلق بالله ، المؤمن يقول اسألوني عن نفسي ، وهم يقولون له نسألك عن إلهك . وكل هذه الأسئلة التي يتعب الملحد في جمعها وعرضها ويظن أنها ستدمر إيمان المؤمن ، هي عديمة القيمة عند المؤمن ، لأنه يعرف أنه لا يستطيع أن يعرف هو ولا غيره ولا حاجة لهذه المعرفة . 

ونحن بشر ولسنا آلهة ولن نكون آلهة يوماً من الأيام كما يتمنى الملحد ، فهذا شأن الألوهية وليس شأن البشرية في كيفية خلقه وعقابه وإدارة الكون وماذا يقدر ويكتب ولماذا يرسل رسولاً واحداً وليس أكثر وكيف يوحي إلى جبريل وما هي الطريقة التي أوصل بها الوحي إلى رسوله هل هي عبر الإيميل أو الموجات الكهرومغناطيسية ...الخ ! ولماذا لم يجعل البشر على لغة واحدة ولماذا يخلق الكون ولماذا يوجد البراكين والزلالزل ، ولماذا يخلق أطفال مشوهين ، وكأن السؤال للخالق وليس للمخلوق !

فإذا كان الرسول وهو أعلم من المسلم يقول : (إنما أنا بشر يوحى إلي) ، ويقول: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت علام الغيوب) ، وأنتم تسألون عن الغيوب ، علم الغيوب لا تعنينا قدر ما يعنينا أن نفهم سر وجودنا وغاية وجودنا وطريق الاستقامة الذي تبحث عنه كل نفس ، فالملحد يدعي أنه واقعي وعلمي بينما أسئلته عن الإله كلها سفسطائية وغير واقعية ، هذه الأسئلة لا تشغل بال البشر كما تشغل بال الملحد .
فالمؤمنون غير مشغولين بالذات الإلهية قدر ما هم مشغولين بعيوبهم ، والعاقل هو المنشغل بما يخصه ، والموظف الجيد مشغول بعمله وليس بعمل مديره ، فهذه القفزة الإلحادية تثير الاستغراب ، وتزيد المؤمن إيماناً من أن الملاحدة عجزوا أن يخترقوا الإيمان من حيث منفعة الشخص ومطابقته لطبيعة الإنسان وواقعه وحل للمعضلات الفلسفية والنفسية ، وابتعدوا عن هذا المجال ، إلى مجال الأسئلة التعجيزية .

المسلم يكفيه أن يعلم أن الله عادل لتقفل باب الأسئلة التي تطرحونها ، فالله عادل ولا يجبرنا على الشر، وأعطانا حرية مطلقة ووضح لنا طريق الخير وطريق الشر ، فهذه تكفينا ، ومن بعدها يأتي دورنا في العمل الصالح وليس في طرح الأسئلة عن العالم الآخر، ونحن لم نعرف حتى عالَمَنا، والباقي هو من علم الله وليس من علمنا ، لأننا في الحقيقة لا نعلم شيئاً ، فأنتم تعيشون حياة لا تعلمون منها أي شيء ، فكيف نطالب أن نعلم ما فوق الواقع والحياة ونحن لم نعلم الحياة التي نعيشها ؟! كل هذه الأسئلة يكفي فيها {ولا يظلم ربك أحداً } .

لماذا لا تتساءلون مثل هذه الأسئلة في أساسات إلحادكم وعقيدته : كيف تمت الصدف العمياء؟ وكيف أدت إلى ظهور الحياة والعقل والإنسان ؟ بل لا تريدوننا أن نطرح هذه الأسئلة ، ولا تريدون أن نسأل كيف تولد الإنسان من قرد ؟ والقرد من نسخ سابقة إلى سمكة في البحر ؟! مع أن هذا في نطاق العقل وخاضع للقوانين ، كيف تبني الصدف كل هذا بينما الصدف تدمر ؟؟ من يطرح هذا السؤال سيأتيه التقريع والزجر ويقال له اذهب واقرأ واعرف الصدفة والداروينية كما هي حتى تستطيع أن تناقش ، أي كما نعرفها نحن لا كما هي هي .


-------------------- 
 


آية {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }(هود 1-2-3)

يقول الملحدون : لو كان القرآن كلام الله لما تغير الضمير في قوله {ألَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } فهنا المتحدث يكون محمد وليس الله ، وهذا يدل على أن كاتب القرآن هو محمد .



الرد: إذا كتبت أم لابنتها وقالت: "اذهبي إلى أم الجيران وقولي لها إنني أنا بنت فلانة وأحمل إليك بشرى منها وتحذير عن بعض الأشياء" ، لمن يكون هذا الخطاب؟ هل هو للبنت أم لأمها ؟! هل ستقول البنت أنها هي التي كتبت هذا الخطاب؟!

ثم تغير الضمائر في الخطاب في القرآن هذا باب واسع وله دروس في كتب البلاغة يمكن الرجوع إليها ، وهو من أسرار بلاغة القرآن وإيجازه وإعجازه ، والعربي لا يواجه مشكلة في فهم هذا ، والعرب من آمن منهم ومن لم يؤمن كلهم عظموا بلاغة القرآن وخطابه ، بدليل أنهم لم يحاولوا تقليده ، سواء عن قصد لأجل التحدي أو من دون قصد ، فلم نجد كلاماً عربياً يشبه القرآن ، وهذه نقطة تستحق التأمل .

ونذكر هنا الدكتور طه حسين - والذي كان ربما من المتشككين في القرآن - عندما قال : "أن كل كلام اللغة العربية شعر أو نثر أو قرآن" مما يدل أن القرآن متميز ، وهذا هو التراث الأدبي العربي الجاهلي منه وغير الجاهلي لا نجد فيه أي شيء يشبه القرآن .

وإن قلتم أن المعلقات الشعرية الجاهلية لا يوجد مثلها ، فهذا خطأ ، لأنه يوجد مثلها ، وهي عبارة عن منتقيات من شعر يشبهها ، فكل ما في الأمر أنها اكتسبت شهرة خاصة لأسباب متعددة ، والرواة أنفسهم على اختلاف في تصنيفها . 

وأحاديث الرسول أيضاً نجد كلاماً يشبهها ، أما القرآن فلا نجد ، بل وزورت أحاديث كثيرة على الرسول ولا يمكن تمييزها بسهولة ، فمن زوروا الأحاديث لماذا لم يزوروا على القرآن ؟؟ وكيف يكون القرآن كلام محمد والأحاديث كلام محمد أيضاً ؟؟ فكيف يكون له مستويين في الكلام ؟؟
والرجل كما يقال أسلوب ، فلا يستطيع أن ينفصل عن أسلوبه مستخدماً أسلوباً آخر مختلفاً تماماً عن الأول !! وهذا ينطبق على كل إنسان، فأسلوب المتنبي معروف، وأسلوب نزار قباني معروف، وأسلوب شكسبير معروف ...الخ ، وكل البشر يتبعون أسلوباً واحداً لا يستطيعون غيره ، وهل يستطيع أحدكم أن يكتب بأسلوبين مختلفين تماماً ؟ بحيث يكون شخصيتين لا نستطيع أن نجد بينهما تشابه ؟؟ هذا مستحيل .. فكيف لا يكون مستحيلاً على محمد وهو بشر ؟!
ثم محمد صاحب الأسلوبين في نظركم كيف يكون أحد أسلوبيه معجز والآخر سهل التقليد وعادي؟! بينما الآخر لا يمكن تقليده؟ ولماذا لم يستمر على الأسلوب المعجز ؟؟

هناك تحدٍ لا يزال قائماً في القرآن بأن يأتوا بقرآن مثله ، أو بعشر آيات ، أو بآية واحدة حتى ، وليس التحدي لشخص واحد ، بل أقترح عليك أن يجتمع كل ملاحدة العرب ليتعاونوا ويقبلوا تحدي القرآن ، فلن يستطيعوا، بل لن يحاولوا ذلك ! 
فلو كان بالإمكان لاستطاع مسيلمة وفصحاء اليمامة أن يوجدوا قرآنا ًمضاداً خصوصاً أنهم في نفس الفترة اللغوية التي عاش فيها محمد ، وخصوصاً وأن الرجل ادعى النبوة مع النبية سجاح التي معها فصحاء تميم (وتميم شطر العرب) أصحاب اللغة النقية التي لم تختلط بالأجانب والتي يحتج بها النحويون ، أين مصاحف مدعي النبوة على كثرتهم؟ 


ولا تقولوا أن الإسلام محى تلك المصاحف بحجة أن التاريخ يكتبه المنتصر ، لأنهم لم يستطعيوا أن يمحوا أشعار الذين هجوا الرسول بشخصه وهجوا أبو بكر وسخروا من القدر ومن البعث كما يقول ابن الزبعرة :
حياة ثم موت ثم بعث .... حديث خرافة يا أم عمرو

وما ينسب من قرآن مضحك لمسيلمة أشك أنه فعلاً قاله ..

ألا يكفي هذا دليلاً على صحة القرآن الذي تنتقدونه وتقللون شأنه؟ لماذا لا تصنعون مثله وتكونوا أفضل من مسيلمة وسجاح ؟ وبما أنه سيئ في نظركم فقرآنكم يجب أن يكون أفضل منه ..

ولا تحتجوا بالمنع فلن يمنعكم أحد ، فها أنتم تسبون القرآن ولم يمنعكم أحد ، فيا لها من معجزة في التحدي على كثرة الكارهين للإسلام من العرب وغيرهم ، فلا توجد أي محاولة جارية لقبول التحدي ، لقد قال الله : { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} ، فالله قال: {ولن تفعلوا} مع أن كلكم عرب تستطيعون أن تتكلموا بنفس الحروف والكلمات ، فليس التحدي على خلق من عدم ، بل كتابة بالقلم .

أما كتاب الأقدس البهائي فهو مجرد تحريف للقرآن والإسلام ، وخارج من عباءة الإسلام ومتطفل عليه ، لأجل إقامة دولة اليهود وهو مدعوم من الماسونية والصهيونية ، فلا يكتمل الدين عنده إلا بقيام ملكوت إسرائيل في القدس وعلى العالم .

أما القرآن فهو لم يحاكي أسلوباً سابقاً ، فعلى من يحاول أن يأتي بقرآن أن يتميز كما تميز القرآن ، وأن يحتوي على إعجازات علمية وغيبية كما احتوى القرآن، وألا يقل عنه في النظم والبلاغة والتأثير والجمال ...إلى آخره من مميزات القرآن .

وأيضاً نطلب من الملحدين العرب إن لم يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن أن يردوا على الإعجاز العلمي في القرآن ، فعليكم أن تثبتوا خطأه وتفندوا الآيات المعجزة بدلاً من رمي التهم على القرآن من بعيد .


-------------------- 
 


آية {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف 179)

يقول الملحدون:هكذا يعرض لنا القرآن أن التفكير يكون بالقلب وليس بالعقل ، وهذا أمر بسيط يعرفه البشر فكيف لله الذي يعلم الغيب ألا يعرفه؟

الرد: كل الثقافات والشعوب تنسب الوعي والمشاعر والفهم إلى القلب ، ثم إن كلمة "قلب" من قلب الشيء تعني لبه وجوهره ومركزه ، وربط العقل بالدماغ ليس عليه دليل ، فالدماغ مادي والعقل غير مادي ، ويجب أن تحدد مادية الشيء أولا حتى تحدد مكانه المادي ، والفهم والوعي والأفكار والمشاعر ليست مادية .

حتى في تأثر الناس بالأحاسيس والعواطف تجدون أنهم لا يشيرون إلى أمدغتهم بل يشيرون إلى صدورهم ، لا أحد يُفهَّم من خارجه ، فإذا لم يعمل قلبه على الفهم فلن يفهم ، فأنا أو أي شخص يتمنى أن يفهم كلامه بالقلب وليس بالعقل ، فبالعقل المجرد ستقولون أنه قال كذا وكذا وكذا ... بالتحديد ، لكن الفهم بالقلب يكون بفتح آفاق تشغِّل العقل المجرد بقصد التأكد والتثبيت .

فالفهم العقلي المجرد يصلح للماديات فقط ، وأنتم تتعاملون بهذا العقل الميكانيكي مع المعنويات التي لا تتسع اللغة لها ، وتقفون عند حرفية اللفظ ، والمعنويات موجودة في الإنسان ولن تثبتوا ماديتها ، وبهذه الطريقة في الفهم يكون لكم قلوب لا تفقهون بها ، في حين لكم عقول تلمُّون بها ، فالتفكير وتحريك المشاعر وفتح الآفاق لا يفيد مع من يعمل بعقل مجرد ، مدخلات ومخرجات مادية كالحاسب الآلي .

{قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول} و قال كفار اليهود {قلوبنا غلف} يعني طلبوا من نبيهم ألا يخاطب قلوبهم بل يخاطب عقولهم ، لأن الفقه لا يعني المعرفة الظاهرية فقط ، بل يعني الوصول إلى الجذور المعنوية والدوافع والغايات ، أي ربط بين المحدود المادي والمطلق المعنوي ، هكذا يكون فقهاً ، أما الوقوف عند حد الظاهرة فهذا لا يعني فقهاً أو إدراكاً ، ويمكن تسميته بالإلمام العقلي ، فالإلمام بالشيء أو المكان هو الاقتراب منه وعدم الدخول فيه .

وإذا قسى القلب وطبع عليه كثرة الذنوب بالإصرار وعناد الشعور فسيضعف تأثير المشاعر والإيحاء والمَشَاهِد والنعم ومصائب الآخرين ومرور الزمن والموت...الخ ، فلا تؤثر في قرار الإنسان ولا تفكيره ، فيغدو من هو كذلك مركزاً على العقل ومتبلداً شعورياً ، وهو ما أسميه حالة "التخشب" أو "الران" بحيث يغدو الإنسان عقلاً مجرداً فقط يفكر بالمضار الخاصة والمنافع الخاصة ولا يستطيع أن يفهم غيرها ، ويأخذ طريقه للبرود المادي .

وفعلاً لن يعرف أحد الله بعقله المجرد فلابد من عمل الإحساس والقلب ، فلا أحد يقول أن الإيمان بالعقل وحده ، فالإيمان السليم هو توازن بين القلب والعقل .
و الملاحدة الذين يقرون بشيء اسمه الحب والذين لم تتخلف قلوبهم بالكامل ، يعرفون أن الحب ليس عملاً عقلياً ، إذاً ماذا سيكون ؟؟ سيكون عملاً حسياً أو قلبياً ، والحب إيمان وليس منطق ، هذا مثال على عمل القلب ، لأن المحب يقول أنه أدرى الناس بحبيبه وإن لم يملك أدلة عقلية كاملة ، والمرأة عموماً معروفة بهذا الفقه القلبي الذي قلما يخطئ ، فكيف بامرأة تتبنى الإلحاد أن نعلِّمها عمل القلب واحترام الإحساس حتى لو عاكس العقل؟!
وتبقى الآية معجزة بحد ذاتها ..



-------------------- 

يستعرض الملحدون آيات يرونها مكررة في القرآن وبعضها كأنها نسخ لصق مثل:
ما قاله قوم نوح{قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}
ما قاله قوم ثمود{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}
ما قاله قوم شعيب{وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ}
ما قاله قوم صالح{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ}
ما قاله قوم شعيب{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}
{قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}
{وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}
ما قاله نوح{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}
ماقاله هود{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}
ماقاله نوح{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
ما قاله هود{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}


الرد: هذا التكرار والتشابه بسبب تكرر وتشابه الكافرين في كل زمان ومكان ، ولا فرق بين كفرة اليوم وكفرة قريش وكفرة عاد وثمود ، فخطابهم مادي واحد ، وهو خطاب من لا يريد أن يعرف ، ويريد أن يغلق قلبه حتى لا يعرف بإحساسه ، عليكم أن تسألوا أصحابكم ؛ لأنهم هم سبب هذا التكرار ، وهم من تشابهت قلوبهم ، فالنقد كان يجب أن يوجه لهم ، فهم سبب كل تكرر في القرآن ، لأن القرآن يستعرض أمماً كثيرة ومتشابهة في طريقة تفكيرها وتخريجها لكفرها ، فلو اختلفت ردودهم لاختلفت الآيات التي تتكلم عنهم !


-------------------- 
 


آية {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} ( الغاشية آية 20 )
يقول الملحدون: هذا يدل على أن الأرض مسطحة في نظر القرآن ، فالمفروض أن يقول (وإلى الأرض كيف كورت) .


الرد: هذا مجرد انتقاء مغرض، لأنكم تعلمون الآية التي تقول : {والأرض بعد ذلك دحاها} ودحو الشيء يجعله كرة أو مشبهاً للكرة، مثل دحو الكيس بالملابس أو القطن .
وآية : {يكور الليل على النهار} فالليل والنهار محيطان بالأرض ، أي أن الأرض كرة ، لهذا فأي شيء يحيط الأرض سوف يتكور ، كأن تلف خيطاً على كرة فسوف تكور هذا الخيط .. وهذه كله تعلمونه ولكنكم تخفونه ..
وبنفس الوقت الأرض تبدو لنا مسطحة ونحن نتعامل معها على هذا الأساس لضخامتها ، ونحن محتاجيبن لكونها مسطحة ، فكون الله سطحها لنا بفضل منه وجعلها ضخمة لنتعامل معها كأنها مسطحة ، ولو كانت صغيرة الحجم لم نرها مسطحة ، ونكون كمن يعيش على جبل ! ، وكل كرة لها سطح ، فلا خطأ في الأولى ولا في الثانية بل كلاهما صحيح .



-------------------- 



آية { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} الرعد 2.
يقول الملحدون: أن السماء فضاء فكيف ترفع بأعمدة ؟ فستكون الآية إعجازاً لو قال أنه رفع الأرض بغير أعمدة..0 


الرد : ليست السماء مجرد فضاء ، فهل ننسى النجوم والكواكب والمجرات ؟ ثم فكرة أنه فضاء تعداها العلم ، فالإعجاز أنه قال : { بغير عمد ترونها } ، أليست الجاذبية أعمدة تثبت الكواكب في مداراتها ؟ بل أن هناك قوى أخرى غير الجاذبية ، فالفضاء مليء بالروابط المغناطيسية والكهربائية ...الخ وهي لا ترى ، {بغير عمد ترونها} فهذا يثبت أن هناك عمد لا ترى لكنها موجودة .


-------------------- 



آية {ووجدها تغرب في عين حمئة } (الكهف )
يقول الملحدون: أن القرآن لم يفهم الغروب، فهو يعتبر أن الشمس تنزل على الأرض أثناء الغروب وبالتالي تحمى عيون الماء عندما تغطس الشمس فيها ، وهذا يدل على أن القرآن ليس من عند إله بل من عند محمد الذي لم يعرف حقيقة دوران الأرض على الشمس .


الرد: هذا المأخذ هو أقوى ما ترون أنه علمي على القرآن وليس بعده شيء ، متناسين أن القرآن يفسر بعضه بعضاً ويوضح بعضه بعضاً ، فالنقد الانتقائي الجزئي لا يكشف عن الحقيقة بسعتها قدر ما يكشف حقيقة صاحبها ، القرآن الذي قال عن الشمس والقمر وغيرهما من الكواكب {وكل في فلك يسبحون} ولم يقل: في عين حمئة يغطسون ، بل قال في فلك ، والفلك في السماء وليس على الأرض .
{والشمس تجري لمستقر لها } والعلم أثبت أن الشمس غير ثابتة ، وقال أيضاً {وجُمع الشمس والقمر} ومعروف فلكياً أن القمر يقترب من الشمس بمقدار ضئيل كل عام تبعاً للتوسع الكوني الذي أخبر به القرآن {والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسوعون} ، فلو كان قصد القرآن أنها تغرب في عين ماء لما قال {وجمع الشمس والقمر} بل كان سيقول : (وجمعت الشمس والأرض) .

الشمس نار لو نزلت في عين ماء لانطفأت ، وهذا يستطيع أن يدركه الطفل ، انظروا إلى الشمس عند بحيرة أو بحر لحظة الغروب ، فسترون وكأنها تغطس في هذا الماء ، والقرآن تكلم عن ذي القرنين بلسانه فهو رآها تغرب في عين حمئة ، وليس كلاماً من الله عن الشمس ،  بل بموجب فهم ذي القرنين، وأما كلام الله عن الشمس فهو السابق، فكيف يقول القرآن أنها تسبح في الفلك ثم يقول أنها تأتي كل يوم لتغطس في عين حمئة؟! 

ثم أن القرآن تكلم عن المشرقين والمغربين ، فأين العين الحمئة؟ بل تحدث عن المشارق والمغارب مما يثبت كروية الأرض ودورانها ، بينما كان القدماء يتصورون أن للشمس مشرق واحد ومغرب واحد ، فهل المغارب هذه كلها عيون حمئة ؟! أم أن العين الحمئة تتنقل حول الكرة الأرضية لتصنع المغارب؟ واضح أن القرآن لم يقصد إلا أن يعبر عما رأى ذي القرنين ، وأنتم وجدتموها فرصة .



-------------------- 



يقول الملحدون: أن الديانات تقوم باسمها الحروب والنزاعات ، هذا سوى أنها مليئة بالعيوب والأخطاء العلمية، أما العلم فهو الوحيد الخالي من العيوب ولا يبنى على عنصرية و نزاعات وحرب وقتل ، حتى الأخلاق والتقويم السلوكي للانسان والعلاقات الزوجية فسرها العلم ووضع حلاً منطقياً لها . ولو كان الله موجود وهو يعلم الغيب لماذا لم يسبق ويتفوق على البشر علماً ؟!


الرد : أنتم تتحدثون عن مشكلات أخلاقية ، فكيف يكون حلها علمياً ؟ بل يجب أن يكون حلها أخلاقياً ، أم أن الحكاية هروب عن الأخلاق ؟! أريد أن أفهم ما دخل العلم في قضايا السلوك والمجتمع ؟ هل اكتشف شيئاً في هذا الخصوص؟ أنتم كمن يمطط بالونة هي العلم ويغطي بها كل العالم ، فإذا غطت ناحية ظهرت الناحية الأخرى .

منطقياً لماذا يُحشر العلم ؟؟ فاختزال الإنسان بمعادلات الكيمياء والهندسة والميكانيكا وعلم الطاقة والفلك والجيولوجيا والبيولوجيا...الخ، كل هذه ما دخلها بالإنسان؟؟ هذه علوم تتعلق بالمادة ، فهذا الحشر غير العلمي هو ما يثير العجب والضحك ، فيظهر اكتشاف جغرافي أو جيولوجي أو كيميائي أو فلكي .. ثم يصرخ الملاحدة : "جاء زمن العلم .. اخرجوا الدين !! "
وكأن القضية جيولوجية أو فلكية يتصارع عليها! أو حشرة لا نعرف كم عدد بيضها أو أرجلها؟!

فلو كان كل دين يحارب الآخر لانقرضت الأديان ولم يبق إلا ديناً واحداً . فعندما يتصالح أهل المدينة ذوي الأديان المختلفة ، يتصالحون باسم الدين ، وعندما يتحاربون كذلك يكون باسم الدين ، مثلما تقوم حروب باسم الديمقراطية والحرية والليبرالية ونشر السلام، ونشبت حروب طويلة تحت اسمها ..

فهي شعارات مُستَغَلَّة ، وأنتم تستغلون العلم كشعار يراد منه سقوط الدين وليس تعظيماً للعلم، مستغلين النجاح الذي حققه العلم في القرون الأخيرة ، وهذا شعار جداً مضحك ، لأن الشعارات كانت أخلاقية أو دينية تريد أن تقدم أفضل مما هو موجود ، وكان الدين يعرض نفسه كبديل أفضل من دين موجود ، أو هكذا ينظر إليه..
أما أن نقدم مكنسة كهربائية.. ونكتشف كم يحتاج البعوض ليفقس بيضه.. واكتشاف فايروس يسبب مرضاً.. ومقعد متحرك يخرج بك للحديقة ...الخ ، وتقدم كبديل للدين والأخلاق؟؟

ويصرخ الملاحدة في إنسان العصر: لم لا تعظم هذه الأشياء؟! لماذا لا تقدس الميكروسكوب بدلاً من المحراب؟! لماذا لا تقدس العلماء وتضع صورهم بغرفة نومك؟ لماذا تستمتع بمنظر الغروب ولا تستمتع بالقمر الصناعي؟؟! لماذا تستهين بهذا الريموت كنترول الذي في يدك وتحذفه يميناً وشمالاً ؟ أليس شيئاً عظيماً؟ هل استطاع الأنبياء والشعراء أن يصنعوا مثله؟؟ لماذا تقرأ في كتب التاريخ وأمامك عصارة تصنع العصير بخمس دقائق ؟؟!

فالفشل يلاحق أصحاب هذا الشعار، ويبقى الإنسان هو الإنسان يتغزل بمنظر الغروب منذ الأزل حتى الآن غيرعابئ بصور العلماء ولا مختبرات الذرة ولا الأقمار الصناعية، بل ينظر باشمئزاز للأبخرة والعوادم والنفايات الكيماوية الكريهة والأشكال المصنوعة غير الجميلة، ويراها نشازاً على الطبيعة،
ويبحث عن مكان عذري ليقضي رحلته فيه خالياً من أسلاك الكهرباء وآثار السيارات والعلب الفارغة، ويحن إلى البساطة والسلام والإيمان ، ومستعد لبيع هذه الآلات المزعجة لينعم بحياة ملؤها الحب والوئام، حتى لو عصر هذه العصير بيده وحتى لو أشعل النار بالحطب ..
ومشغول بقضايا الدين والأخلاق والحب والإنسانية ، ولا يستطيع أن يبدلها بقوارير المختبرات ، لأنها أشياء مادية لا يستطيع أن يعظمها ، فهو يفرح لأنها حلت له مشكلة مادية فرحاً مؤقتاً يعلم أنه ليس هو الحل المطلق الذي يحتاجه فعلاً ، فيجب الوقوف عن طرح هذا البديل المضحك ؛ لأن الإنسان تمر به لحظات لا تساوي عنده الدنيا بما فيها (من متع وعلم وكنوز) جناح بعوضة .


العلم ليست غاية الإنسان كما تتوهمون، وليست الوفرة المادية غايته كما تظنون بما أنكم ماديون ، فهذا الوهم الذي استمر لقرنين وملأ المصحات بالمرضى يجب أن ينتهي ، فالحكاية هي وهم العلم وصنم العلم الذي يجب أن يرجع إلى مكانه الطبيعي ، لأن الناس منذ وجدوا يعرفون العلم ويقدرون قيمته وليس هو أمراً جديداً ، ولكنهم لم يجعلوه صنماً يوماً من الأيام ، لأنه لا يستطيع أن يحل كل مشكلات الإنسان .


فالإنسان له طبيعتان (مادية ومعنوية) وليست طبيعة واحدة ، وطبيعته المعنوية أثمن من طبيعته المادية ، فالعلم يحل بعض المشاكل المادية وينتج مشاكل جديدة أصعب من الأولى ، لكنه لا يحل المشاكل المعنوية ولا يعرفها وليست من اختصاصه ، فأن يتفاهم الإنسان مع أسرته ويتبدل الخصام بالمحبة والإيثار لأثمن عليه من أن تبدل سيارته القديمة بسيارة جديدة ، فأن تحل مشكلة الوحشة و الفراغ الداخلي في الإنسان أثمن من أجهزة تريح جسده وتضر ذلك الجسد أيضاً بالأخير. 

العقلية المادية المجردة لا تصلح لفهم الإنسان ولا التعامل معه ولا لفهم الأخلاق ولا الدين {لهم قلوب لا يفقهون بها } ، بل تصلح لفهم المادة ، بالتالي العلم المادي لا يصلح لفهم الإنسان هو أيضاً ، لأن مجاله هو المادة .

أما إذا كنتم تسمون كلام دوركايم وفرويد ونحوهم علماً فهذه هي المصيبة والكارثة العلمية ، لأنها مجرد أفكار ملحدة مغرضة ليس عليها دليل علمي، فضلاً عن كونها تثير الاشمئزار ، لكن إذا كنتم تسمونها علماً فهذا سيؤدي لتمييع مفهوم العلم الواضح ، وهذا مأخذ علمي شديد على الفكر المادي الإلحادي ، ألا وهو الاستهتار بالعلم وتعريفه ، فما تشاؤون تسمونه علماً ، ومالا تشاؤون تسمونه وهماً وخرافة، كيف تكون الداروينية والفرويدية بمستوى واحد مع قوانين الحرارة وقوانين الطفو ؟؟! 

هنا الاستغلال والخديعة ، وما تَمَسَّح أحد بشيء إلا كان يستغله ، وبهذا لا يوجد أحد يحتقر العلم مثل الملاحدة ، ونظريتهم المادية ، هذا فضلاً عن التزوير المتكرر للعلم والذي لم يعرف إلا عندهم .
   

الإلحاد و الإيمان و الأخلاق "تعليق على سامي لبيب في موضوع : مفهوم الأخلاق فى الدين بين البرجماتية والنفعية والإزدواجية ."

اقتباس: 


مفهوم الأخلاق فى الدين بين البرجماتية والنفعية والإزدواجية .

تعتبر الأخلاق أول إبداع فكرى إنساني لصياغة منظومة سلوكية تنظم العلاقات داخل الجماعة البشرية .. فلم تتواجد الحاجة للأخلاق لدى الإنسان إلا مع أول تجمع بشرى ينتسب إليه لتكون الأخلاق هي حل لإشكالية معادلة الأمان والصراع في ذات الوقت

الرد: وماذا يفعل القانون وما شأنه اذاً ؟ ولماذا لم تتحول الاخلاق الى قوانين الزامية مثل القوانين التشريعية ما دام انها وضعت لحل مشكلات ؟ 
 اقتباس: فيتحقق الأمان من خلال ملاذ يحتضنه ويحميه من قوى الطبيعة ولا سبيل سوى الإنسجام معه ويتواجد الصراع كجدلية حتمية الحياة والوجود التى لا مفر منها .

الرد: إذاً ما فائدة الاخلاق ما دامت الحتمية هي للصراع وليست للاخلاق ؟ اذا الاخلاق هي اختراع فاشل . لانها لم توقف الصراع الحتمي . 

اقتباس: تتشكل الملامح الأخلاقية والسلوكية كنتاج طبيعي لتطور الإنسان المعرفي والحضاري وتعبير عن محصلة قوى وعلاقات المجتمع الإنتاجية مُترجما ً منظور القوى والنخب المهيمنة و مؤكدا ً مصالحها ومؤمنا ً لوجودها .

الرد: لا يبدو انه يتكلم هنا عن الاخلاق ، بل عن المدنية والسلوكات الاجتماعية ، المادي ينظر الى كل شيء غير المادة على انه اخلاق ، ولا يذكر شيئا عن المدنية والسلوك المدني ، الذي يسميه ايضا اخلاق ! لا بد من التفريق بين الاخلاق والسلوك المدني حتى نبتعد عن الترهل في المفهوم . فهناك مشكلة كبيرة في فهم الاخلاق .

اقتباس: الأديان تدعى أنها أنتجت المنظومة الأخلاقية و أنها جاءت من السماء وفق إرادات إلهية هكذا هو فكرها , ولها أن تدعى ما يحلو لها ولكنها لن تخرج عن إرادات بشرية لتمرير مصالح النخبة والملاك من خلال صياغة حزمة من السلوكيات المُراد إتباعها ولكي تضمن لها الردع نسبتها إلى الآلهة التي تبغي هكذا سلوك فيكون العقوق مُجلب لغضب وانتقام الآلهة وصب جام لعناتها ... الأخلاق منتوج بشرى وليس له أي علاقة بالسماء فالسماء لا تجلب سوى المطر !..بينما الأخلاق منتوج الأرض .

الأخلاق في الأديان مُنتج بشرى لحما ً ودما ً ولم تنفرد به الأديان المتعارف عليها بل نحن أمام وعي الإنسان ورؤيته لعلاقاته مع الآخر فتمتزج رؤى معتقدات ومجتمعات بشرية لتخلق منظومة أخلاقية تعبر عن رؤية اجتماعية لنسيج إنساني متقارب النشاط الاقتصادي والاجتماعي والطبقي , و سنجد تراث رائع من القيم الأخلاقية التي تعاملت معها شعوب أرض الرافدين والنيل والصين والهند تتفوق في مفرداتها عن أخلاقيات البداوة ويمكن معرفة سبب هذا من تأثير الطبيعة على تشكيل الإنسان لأخلاقه و سلوكه وقد يحتاج هذا الأمر لبحث آخر .

الرد: ما زلنا في الخلط : كل شيء غير مادي هو اخلاقي . التنظيمات الاجتماعية والقانون والقانون الملزم والقانون غير الملزم ، كلها يسميها المادي اخلاقاً ! المحكمة عند المادي هي دار الاخلاق ! لهذا يقول ان الاخلاق انتجها المجتمع وأن كتب القانون هي كتب اخلاق من وجهة نظره ، وبدلا من كلية الحقوق يجب ان تسمى كلية الاخلاق ! وعلى خجل فلو شاء لقال ان الدول هي التي تضع الاخلاق لانها هي التي غالبا تضع التشريعات ، وبالتالي فالحكام جميعهم اخلاقيون لانهم يضعون الانظمة والقوانين لتنظيم علاقات الناس . هذا الكلام ترجمة بلسان حال الكاتب بموجب ما يقول . وتعميم لفكرته وتوضيح لها .  
اقتباس:
 الخطورة في الرؤية الأخلاقية التي تصدرها الأديان تكمن في أنها تُثبت رؤية الإنسان القديم تحت دعوى أن هكذا هي رؤية الإله لتسقطها على الواقع المعاصر بكل وطأتها لتصدر سلوكيات وأخلاق تجاوزها الإنسان المعاصر فتصيبه بالتجمد بل التشوه الحضاري والإنساني ... ولكن الأشد الخطورة هو أن الرؤية الأخلاقية في التناول الديني وقفت عند طفولة الإنسان وفرضت منهجها وفلسفتها ورؤيتها فتبدو كمنظومة نفعية برجماتية تطالها الازدواجية غير نابعة عن فهم حضاري وحس إنساني يتوافق مع إنسان العصر الحديث.. لأنها منظومة أخلاقية تفتقد الحرية و تبنى ذاتها على القهر وتحسس الاختلاف .

الرد: على هذا فالإنسان تطور عن فكرة العدل والرحمة والصبر والكرم والشجاعة والتضحية والصدق والعفاف ، وهذا غير صحيح : ما زال الناس يتغنون بهذه الاخلاق التي مع الاسف قديمة ، وهنا مغالطة كبيرة يرددها الالحاد دائما ، وهي ان الانسان تغير ، وهذا توهيم ، ما تغير هو ادوات حياته فقط . 

لا يوجد انسان قديم وانسان حديث وكانه موديلات من السيارات ! هذه فكرة تطورية خيالية لا مكان لها في الواقع . الانسان هو الانسان بشحمه ولحمه وعقله وعواطفه وما يحب وما يكره ، كل ما في الامر هو انه تغير في وسائل الحياة ، وهذا شيء موجود في كل زمان وفي كل حضارة ، ولا قيمة حقيقية له تنعكس على داخل الانسان مهما حاول المادي ان يشبع الموضوع ..

ولا يستطيع صاحب المقال ان يثبت هذا التغيّر جذريا – اقصد بيولوجيا او قيميا او عقليا ، لا هو ولا اساتذته في الغرب -  ، بل سيثبته قشريا ، و تغير القشور لا يعني تغير الجواهر . فأنت تغير في ملابسك ولا يعني انك تغيرت ، وتطبخ على النار او بالالة الكهربية ، وهذا لا يعني انك تغيرت ، او تعيش في مرور منظم او في مرور عشوائي ، ولا يعني انك تغيرت .

تركب الطائرة او تركب الجمل ، ولا يعني انك تغيرت ، هذا تغير في الادوات والوسائل لا يصل الى الصميم . ولا يؤثر عليه ولا حتى بدرجة واحدة . فتغير سلوك اجتماعي لا يعني تغير الخـُلـُق نفسه ، مراعاة للدقة وعدم الخلط .

وكثرة الانحلال والعري في الغرب لا يعني ان فضيلة العفاف غير موجودة في النفوس ، ولكنها تقمع كأي فضيلة ، وهناك من يريد لها ذلك . ان دخول رجل بشكل مفاجئ على مومس وهي عارية يجعلها ترتبك وربما تغطي جسمها ، ثم تعود لتكشف كما يريد انصار الرذيلة .

انت هو انت ، سواء عشت في خيمة في الصحراء او عشت في قلب مدينة عصرية . اذا قلنا تغير الانسان ، هذا يعني انه اصبح شيء اخر ، لا يمكنه ان يكون مثل الاول أو يفهمه الاول لو عاد فهذا خيال علمي وليس واقعاً . وفكرة تغير الانسان فكرة ساقطة ولا يعتمد عليها منطقيا . 
اقتباس: 
*العصا والجزرة ..البرجماتية والنفعية .

الأخلاق حسب الموروث الديني لا يكون لها قائمة إلا بحصر الفكر الإنساني ما بين العصا والجزرة .. فأنت تُقدم على الفعل الأخلاقي الجيد لتنال الجزرة وسينهال على رأسك بالعصا إذا انحرفت عنه .. فيكون الفعل الأخلاقي مبنى على الترهيب أو الترغيب.

الرد: هذا غير صحيح ، الايمان مبني على الاخلاق ، وليست الاخلاق مبنية على الايمان ، فعن طريق الاخلاق تصل الى الايمان ، الاخلاق نفسها مبنية على حب الفضيلة ، فلا يؤمن ايمانا حقيقيا الا من احبَّ الاخلاق ، ولو كانت العصا والجزرة لآمن الجميع ، فلماذا انت لم تابه بالترهيب ولا بالجزرة ؟ 

أنا مؤمن لأني احب الاخلاق والايمان والفضيلة ، وانت ملحد لانك تحب المصلحة العاجلة ، ولو انا احببت المصلحة العاجلة فسوف استطيع ان افكر مثل تفكيرك ، وهذا الذي يجعلني لا احب ان اكون ملحدا ، واحب ان يوجد اله عادل يقدّر حبي له ، الملحد يحب المتعة العاجلة ولا يحب ان يوجد احد يحول بينه وبينها او يحاسبه على الاخلاق ان كانت حسنة او سيئة ، ومن ينوي ليفعل الاخلاق الحسنة يحب ان يوجد من يحاسبه عليها ، ومن كان العكس فالعكس .

لهذا السبب لم ينفع معك الترهيب والترغيب الديني ، وانا لم ينفع معي الترغيب والترهيب الالحادي . أنا استطيع ان اكون ملحدا ولكني لا احب ، وانت تستطيع ان تكون مؤمنا ولكنك لا تحب ، أنا أحب الأخلاق اذاً يناسبني الدين ، لأنه قائم عليها ، وأنت تحب المصلحة المادية العاجلة وتفضلها على ما سواها ، وهذا يناسبه الالحاد المادي  ، لانه لا يوجد فيه بند يدعو إلى الأخلاق . بل على العكس .  
اقتباس:
ليس هناك قناعة فكرية للإنسان الديني بأهمية الفعل الأخلاقي بعيدا ً عن سياسة العصا أو الجزرة كما يُمارس الملحدون واللادينيون أفعالهم الأخلاقية فهم لا ينتظرون من وراء سلوكهم الأخلاقي ثواب أو عقاب بل يفرضه درجة تطورهم الحضاري والإنساني والمصالح المشتركة .



الرد: الكلام غير صحيح من الجهتين : فقد ذكرتُ ان الحب هو دافع المؤمن ، والملحد مادي ومصلحي ، فلا يتناسب مع تفكيره ان يفعل اشياء لا فائدة منها ، وهي الاخلاق إلا إذا كانت فيها مصالح ، وهذا هو النفاق ؛ أن تفعل الفعل ليس لأجله بل لما وراءه من مصالح وطبقة اجتماعية وما الى ذلك ، اي ان الملحد لا يحس بجمال الاخلاق بل يحس بمنفعتها ، وهو بشكل عام لا يعترف بالجمال ؛ لان الجمال ليس ذو قيمة مادية إلا من باب النفاق الاجتماعي والمصلحي ، وبما أن الاخلاق مصالح ، إذا الجمال مصالح ، وكل شيء مصالح في مصالح ، وانا لا احب ان اكون هكذا حتى ولو كنت عابد بقر و لي دين يشجع على الفضيلة بذاتها .

الثواب والعقاب دليل على احترام الفضيلة و علو شأنها ، الدين لا يريد ان نمارس الفضيلة لاجل الثواب والعقاب ، بل لأجلها : (يحبهم ويحبونه) ، لكن لو لم يرتِّب ثوابا وعقابا لقال الناس : ليست الفضيلة ذات قيمة ! ولو كان لها قيمة لترتب عليها ثواب وعقاب واله قادر على كل شيء !!

المؤمن قبل ان يؤمن يدفعه حب الجمال والفضيلة والانسانية والعقل والعلم ، وعن طريقها يعرف الدين ، ثم يعتنق الدين ، ثم يتقبل ما فيه من ثواب وعقاب . وليست البداية من الثواب والعقاب يرتبها دين لا يعرفه ولا يثق به ، فليس لها قيمة . 

أنا مسلم ، والمسيحية تقول : اذا لم تعترف بالمسيح يسوع الابن المخلص فإنك سوف تحرم من الحياة الابدية ، هذ التهديد لا يخيفني مع انه كبير لأني لا أعتقد ان عيسى ابن الله ولكن عبده ورسوله كبقية الانبياء ، ولو كان كلامك صحيحاً لكان اي تهديد من اي دين سيرعبنا . بل ان المؤمن يؤمن وهو لا يعرف العقوبات والثوابات إلا فيما بعد ، و لاحظ ان هذه الثوابات والعقابات واسبابها لا يتقيد الناس بها كثيرا بقدر تقيدهم بالايمان ، وهذا الدليل ينقض كل الفكرة الالحادية في ان المؤمن آمن وعمل الاخلاق بسبب الترهيب والترغيب .. 

في الحقيقة أن الواقع هو عكس ذلك ، فما أكثر مخالفات المسلمين لاشياء كثيرة ترتبت عليها عقوبات قد يتعرضون لها ، وثوابات قد يحرموا انفسهم منها ، ولكنهم لا يختلفون على الايمان بالله الخيّر . ولو كان الثواب والعقاب هو السبب لكان تركيز المؤمنين عليها ولما فرطوا في هذا الجانب ، اذاً التهمة باطلة وغير دقيقة كعادة الفكر الملحد في عدم دقتها . بل الحقيقة ان الملحد هو الخاضع للترهيب والترغيب ، والشيطان يخوفه على مصالحه ومتعه ، مع انه سيتركها قبل ان تتركه . هذا اذا حصل عليها فعلاً : (ذلكم الشيطان يخوف اولياؤه)..

فالملحد يخاف ان يفتقر من الزكاة ، ويخاف ان يجوع من الصوم ، ويخاف من الالتزام بالاخلاق ان تتضرر مصالحه . والمصلحة عند الملحد وهم كبير ، يراه في المستقبل ولا يراه في الحاضر : (يعدهم الشيطان ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا ) . 

ومن يرفض فكرة الثواب والعقاب بسبب لا اخلاقيتها ، فيجب ان يعمم رفضها على كل المستويات ، فلا يجب معاقبة المجرمين ، ولا أن يتم تربية الابناء على مبدأ الثواب و العقاب ، وعليها يجب ان تلغى حتى جائزة نوبل ، لانها تشجع وهي عبارة عن ثواب . 

المادي يخالف مبادئه عندما يفعل افعال اخلاقية وليست تجارية ، وهو يخالف الالحاد حينئذ ، والمؤمن يخالف دينه اذا فعل افعال لا اخلاقية . لن يكون الناس كلهم مؤمنين يوما من الايام ، ولن يكونوا كلهم ملحدين يوما من الايام ، اذا كل الادلة والترهيب والترغيب والاغراء ، كلها غير قادرة على اجبار الناس على خط واحد ، اذا لا يتحكم بهم شيء سوى اختيارهم .

انت ترى الالحاد حسنا فألحدت ، وأنا ارى الايمان حسنا فآمنت ، ليس قدرا ان يكون المؤمن مؤمنا والملحد ملحدا ، بل التغيير وارد حسب الرؤية . وما دام هناك مؤمنون يخرجون الى الالحاد ، والعكس ايضا ، اذا ليس الترهيب والترغيب هو من جعل الناس يؤمنون أو يلحدون أو ينتقلون الى دين اخر ، بدليل وجود من يلحدون بعد ايمانهم ..

ولو كان كلامك صحيحا لتجمع الناس كلهم على أكثر الاديان ترهيبا وترغيبا . في الواقع : لم ينفع معهم الترغيب والترهيب ، اذا ما الذي يحرك الناس ؟ ليس العقل ولا العلم ولا الترهيب ولا الترغيب ، بل هو الرغبة والاختيار وتطويع الاشياء الاخرى لهما بما فيها العقل ، فالملحد له منطق والمؤمن له منطق ، الملحد له متع والمؤمن له متع ..

وإذا تكلمنا عن الايمان نتكلم عمن يتبناه فعلا لا عمن هو هويته . ولماذا المؤمن يتكلم عن الايمان بانه شيء جميل وجليل ؟ لماذا لا يقول ان فيه مكاسب مستقبلية ؟ اذاً انت تقوّل المؤمن ما لم يقله ، ولو كانت المصلحة هي سبب الايمان لقالها المؤمن . ومن همّه الاول المصلحة لا يفرط بها عاجلة لاجل مصلحة آجلة .

الملحد لا يمدح الالحاد بل يسب الدين ، وهذه اول علامة على فشل المنهج الالحادي ، أنه لا يجعل المنتمي اليه يحبه ، لان الشعور الانساني هو مع الخير والاخلاق والايمان ، والحب هو حركة الشعور الانساني . المؤمن اكثر سرورا وابتهاجا بايمانه من الملحد بإلحاده ، وهذا واضح على كل المستويات ، اذا الحب هو سبب الايمان وليس الترغيب والترهيب .

وكلامك دليل على الملحدين ان الاخلاق لا تطبّق لذاتها بل ليظهر بالمظهر الحضاري ، وليكسب سمعة ومصالحا عند الناس ، وهذا الاعتراف كافي بأن الإلحاد لا يريد الاخلاق لذاتها ، بل لما وراءها من مصالح ومنافع . 
اقتباس:
الأخلاق هي ضمير إنساني تشكل من استقباح أفعال محددة لأنها تضر بالطرف الآخر وتؤذيه أو تجلب له الخير ولا تكون الأخلاق كما في الإسلام مثلا ً عبارة عن قانون للعقوبات والمكافآت الدنيوية والأخروية، فالمسلم يعمل الخير حسب المفهوم الإسلامي كي يفوز بالجنة فقط ويتجنب الشر كي ينجو من النار .. ولا أعتقد أن أحداً سيجعل كتاب قانون العقوبات مرجعا ً له في الأخلاق.

الرد: هذا غير صحيح ، هذا الحصر ظلم وتجني وبلا دليل منطقي ، فأنت تحصر اي مؤمن أنه لا يفعل اي خلق الا لاجل الثواب والعقاب ، وتقول فقط بلا علم ! وكأنك دخلت في دواخل كل الناس ، إن هذا ما تريده أن يكون ! ولكنه ليس ما هو كائن !

المؤمن يعرف ان ربه يحب الخير وهذا يدفع المؤمن لان يحب الخير لذاته . لاحظ أن الثواب والعقاب ليس قانونا محددا دقيقا ، بل هو قابل للتاويل ، لدرجة انك من الممكن ان تختلف على اوضح الاشياء من خير او شر مع احد ، ولا تستطيع ان تقنعه بالكامل بأن هذا خير وذاك شر !

لو كان المؤمن يعمل لاجل الثواب والعقاب ، لكان الخير والشر محددان بدقة لديه ، بل حتى القرآن لم يحدد بدقة ، فهو يستعمل العموم : (الذين امنوا وعملوا الصالحات ) ( الله لا يحب المفسدين) ، (ولهم اجر عظيم) ، (ولهم عذب شديد)  .

من يستطيع ان يحدد بدقة ان عملا ما اقوم به هو خير او شر ؟ لا ننس التاويلات التي لا حد لها . وما دام ان الخير والشر غير محددان بدقة ، سيكون الثواب والعقاب غير محددين ايضا . اذا ليس هما اجندة العمل لدى المؤمن ،فالأجندة تحتاج إلى شيء واضح ومفصّل ..

  الاجندة هي ان يحب الخير وان يجتهد في فهمه ، ويكره الشر ويجتهد في فهمه ، وقد يخطئ وقد يصيب ، ولكن المعوّل هو النية . لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب الخير ويكره الشر والافساد ويعتقد ذلك ، ثم يبدأ حياته ليس بدافع الترهيب والترغيب ، لانه لم يحدد اصلا ما هو الخير وما هو الشر ، بدرجة دقيقة وواضحة .

المؤمن الحقيقي لا يفكر بالثواب والعقاب ، لانه يثق بعدالة ربه وأن رضوانه كافي ، وهذا بدافع الحب لا بدافع الترغيب ، فإذا كان هدفك رضا احد ويكفيك ذلك ، دون النظر إلى ما يمكن ان يعطيك بالمقابل ، فسيكون دافعك الحب ، والمؤمن لا يمسك ورقة وقلم ويحسب ماذا كسب من الحسنات او السيئات ، و ماذا ينتظره من الترغيب والترهيب .

المؤمن الحقيقي يعيش حياته بتلقائية مثل غيره .ويفعل الخير بتلقائية ويجتنب الشر بتلقائية ، فهو ليس روبوتا يعبّأ بالتعليمات والبرمجة كما يتصور الملحد ، لدرجة ان المؤمن يفعل بنية خير ومن حوله يتهمونه بالشر احيانا ، ومع ذلك يصرّ على وجهة نظره . مما يدل على عدم امكانية تحديد الخير والشر والاولويات فيهما .

المؤمن الحقيقي يعرف ان الاخلاق والصالحات والسيئات ليست قوانين محددة ، بل ان النية هي التي تعطيها قيمتها من خير او شر ، فتستطيع ان تعمل شرا من خلال خلق خيّر كالصدق مثلاً ، عندما تفضح أحدا وتفشي سراً ، وكذلك تكذب لأجل الخير أحيانا ، ولو صدقت لأضررت بالناس في بعض المواضع . 

هذه هي اخلاق المؤمن الحقيقي وليست قوالب يستطيع ان يفعلها الصادق والمنافق . هذه الاخلاق هي التي يراها المادي : القوالب . وهنا نقطة هامة جدا في التفريق بين اخلاق المؤمن واخلاق الملحد : اخلاق الملحد مرتبطة بالقوالب فقط ، لان الناس لا يعرفون نيتك ، ولكن اخلاق المؤمن الحقيقي معتمدة على نية الخير ، لسبب بسيط وهو ان الله يعرف نيتك .  

الترهيب والترغيب يا عزيزي له هدف ! سؤال لك منطقيا : لماذا الله يرغبنا بالخير ويرهبنا من الشر ؟ السؤال لك ! ما مصلحته ؟ هذا لكي نفهم ان الله يحب الاخلاق ويكره سوء الاخلاق ، والمؤمن يحب الله ، وبالتالي يحب ما يحبه الله . وما احب المؤمن الله إلا لأن الله يحب الخير والاخلاق ، وهكذا يستقطب الايمان كل من يحب الخير والاخلاق ، فأنا شخصيا لو علمت أن الله لا يحب الاخلاق ، لكنت في عذاب شديد ، ولما اعتنقت الايمان .


لا أعرف الله إلا من خلال الاخلاق . وها أنا ذا وجدته اكثر من يهتم بالاخلاق لدرجة انه يعذب عليها ويجازي عليها ،  بل هي قصة الايمان فقط ، كل حكاية الايمان هي اخلاق فقط ، من يفعلها يكافأ عليها ، ومن يهملها يعاقب عليها ، وهذا بالضبط هو ما أريد ولا ارضى بأقل من ذلك وليس هناك أكثر من ذلك اكراما للاخلاق، لا ارضى بإله لا يثيب الأخلاقيين ولا يعاقب سيئي الاخلاق ويساوي بين الجلاد والضحية ، كإله اللادينيين . 

ولا أرضى ان يكون مستقبل الضحية والجلاد إلى كومة التراب الالحادية التي لا جمال فيها ولا أخلاقية . تلك الكومة التي تقول للإنسان : افعل ما تشاء فمصيرك إلى كومة تراب ولا شيء بعد ذلك ، إنها كومة لا اخلاقية .

المؤمن ينتظر مستقبل اخلاقي بعد الموت ، والملحد لا ينتظر مستقبلا اخلاقيا بعد الموت . فأي المستقبلين يدعو للفضيلة اكثر ؟ وايهما يشجع على الرذيلة ؟ وايهما اجمل وايهما اقبح ؟


اقتباس: الخوف من الله هو جزء لا يتجزأ من العقيدة الإيمانية، والمؤمن الحقيقي لا يمكنه أن يأمن بطش إلهه بأي شكل من الأشكال وهذا طبعاً لا يكفي، فالعقوبات الوحشية الدنيوية تنتظر من لم يخافوا بشكل كافٍ من عقوبات الآخرة... والطمع بالجنة هو الشطر الثاني من المعادلة .

أسأل مرة أخرى، أين الأخلاق في الرشوة والترهيب ؟
فمثلا عندما نتناول مساعدة المحتاجين والفقراء سنجد أن فلسفة الفكر الديني في دعوته للمساعدة تتكئ على منظور تُعطى لتأخذ المقابل فالحسنة بعشرة أمثالها في مفهوم برجماتي بحت وهنا يكون للجزرة فعل العطاء ..

الرد: أنت اخترمت مفهوم الاخلاق في سياق نقدك للدين من حيث لا تدري ! أسألك : ما هي الاخلاق من حيث علاقتها بين اي طرفين ؟ اليست اخذ وعطاء ؟ اذا كنت انت كريما معي ، اي اخلاقي ، وكنت انا كريما معك ، اي اخلاقي ايضا ، ثم ازددت كرما معي ، اليس الواجب الاخلاقي ان يزداد كرمي معك ؟ هذا هو التسلسل الاخلاقي .

الفرق بين ان تكون الاخلاق مصلحية أو ان تكون خيريّة (مبنية على حب الخير) هو أنني لا انتظر منك الرد ، ولم اعمل الخير لأجل الرد ! ولكنك إذا كنت أخلاقيا فسوف ترد . ولكني اذا اوقفتُ الخير لاني لم اجد ردا ، هنا صرتُ اعمل لاجل مصلحة . وهنا الفرق بين اخلاق المؤمن واخلاق الملحد ..

أنت إذا لم يـُرَد معروفك بمثله وأفضل فإنك توقف معروفك ، بناء على قانون المصلحة المحرك لك . وهذا هو السبب الذي اخرجكم عن الايمان اصلا ، لانكم تقولون انكم صليتم ودعوتم ولم تستفيدوا ، اي توقفت الاخلاق المصلحية بينكم وبين الله ، والسبب هو ، لهذا كان الجزاء هو الكفر به لأنه لم يحقق للملحد كل ما يريد .

وهكذا أثبتت الاحصاءات أن أغلب الملحدين ألحدوا لهذا السبب ، لسبب : لماذا نعطي ولا نُعطَى ! اي : إيمانه السابق كان إيمانا مصلحياً ، إيمانا بالمصلحة وليس ايمانا بالله . بمعنى ان الملحد من عجينة مصلحية اساسا .  
اقتباس: كما أنك لا تقدم شيئا ً للفقير بل تقدم بما أنعم الله عليك .. أي أنك وسيلة لمنح الفقير حاجته وليس الفقير كإنسان طرف أصيل في هذه المعادلة فأنت مكلف بالمنح وإن كان يبدو بالطبع بشكل اختياري ولكن لا يكون حال الفقير بذي أهمية في توجيه فكرك نحو العطاء لذا نجد الفقراء يستكينون لهذا المنهج الفكري ويطالبون الأغنياء بقولهم " لله يا محسنين " أو يقول " أعطني مما أعطاك الله " .
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع علِيم ) . سورة البقرة : الآية 261
( والذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهروهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) . سورة التوبة الآية 34 ـ 35

الرد: الاسلام فتح بابا للفقير على الغني ، ليعطي سؤاله وجها ادبيا ارفع من التسول ، وهو ان المال ليس مالي ولا مالك بل هو مال الله ، والله يبتليك به مثل ما ابتلاني بالفقر ، وهذا لعمري هو التكريم للفقير وليس اهانة له ! وحفظا لوجه السائل المضطر ، أما من يسأل ملحدا ، فانه يقول : اعطني من مالك انت الذي تعبت انت عليه ، بذكائك وقدرتك ، وما أنا إلا ضعيف لاجئ إليك ، اي الصورتين اجمل واحفظ لماء وجه السائل ؟

هي الحنيفة عين الله تكلؤها *** فكلما حاولوا تشويهها شاهوا

أن تطلب وأنت تملك وليجة ، خير من ان تطلب وانت لا وليجة لك . فالفقير الذي يطلب مساعدة من صاحب الشركة التي يعمل بها ، أحفظ لماء وجهه من ان يسأل من مدير شركة اخرى لا علاقة له به . لانه يوجد قاسم مشترك بينهما وهو خدمة هذه الشركة وان له يد مهما كانت قصيرة في تنمية مال الشركة . وهنا القاسم المشترك هو الايمان بالله .  
اقتباس: 
 هذه الرؤية تُصدر لنا بأننا أمام علاقة نفعية مرصودة ومأمولة فالعطاء والإنفاق أمامه سبعمائة حبة بل هناك مضاعفات أكثر من قبل الإله , أما الشح عن العطاء فسيجلب العذاب .. إذن نحن أمام تكليف وصفقات بينما يكون التعاطف مع الفقير في حد ذاته كمحتوى إنساني خارج المعادلة وغير وارد .

الرد: لماذا كل هذا ؟ اليس لاجل الفقير ؟ كيف غابت عن بالك ؟ هذا التشجيع والتحفيز ألا يعني الاهتمام بالشيء ؟ ما بالك تفكر هكذا ؟ إذا قلت ان دولة تعاقب من ينتهك حقوق العمال باي شكل من الاشكال ، ومستعدة لسجن شخص يحتجز جواز سفر عاملة قدمت معه وعلى مسؤوليته بثمان وعشرين سنة ، ستقول : أنه هكذا ترعى حقوق العمال !! 

ولكن يأتي الإسلام ويرعى حقوق الفقراء ليس فقط في التعذيب كما هو في السجن الطويل الغير انساني في مثال الدولة السابق والذي يقضي على شبابه بالكامل ويحرم اولاده منه ، بل بالتشجيع والمحافظة ، ثم تقول : انه يهمل الفقير !!! فيا لهذا المنطق العجيب المتناقض ! ويا للهوى العاصف للعقل من قواعده !! هكذا من يفكر بطريقة الكراهية : يقلب الحسن إلى سيء ، والسيء إلى حسن .

ولعلمك : أتحدى ان تحضر اي نظام او دين اعتنى بالفقراء والضعفاء مثل القرآن . القرآن يا عزيزي نظر إلى الحياة من خلال الضعفاء ، والمادية وكل المجتمعات والايديولوجيات تنظر للإنسان والحياة من خلال الأقوياء . وهنا روعة القرآن التي لا ينافسها احد ..

اقرأ لينتشه ماذا يقول عن الضعفاء والاقوياء وهو إمامكم . اقرأ عن الراسمالية وهل هي تنطلق من الغني او من الفقير ، وعن فكرة الداروينية الاجتماعية التي تبرر انسحاق الضعيف امام القوي ، والتي تعتبر ان الضعف عيبا يجب التخلص منه أو من اصحابه حتى يتكون المجتمع القوي . 

وللديموقراطية هل تنطلق من الضعيف والفقير ام من الغني قوي الحضور والاعلام والمال والاصوات الكثيرة ؟ حرّم الربا لاجلهم ، والزم بالزكاة لاجلهم ، وشجع على الصدقات لاجلهم ، وجعل كفارات الذنوب لصالحهم ولم يجعلها لمحمد ولا لرجال الدين ولا للمساجد ودور العبادة ولا حتى الكعبة ، بل انه يراعي خواطرهم حين قسمة اي مال يحضره الفقراء بأن يعطوا من اي مال يحضرون قسمته ..

ويذكرنا الله بقصة اصحاب الجنة الذين اقسموا ليصرمنها مصبحين ، وكيف عاقبلهم الله باحراق جنتهم لاجل منعهم للفقراء ، ويراعي حفظ كرامتهم ، القرآن هو محامي الفقراء في هذا العالم اللاهث وراء الاقوياء : ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) ، (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة : 79] ..

إن الله يسخر من الساخرين على صدقات الضعفاء ، ولا يسخر من فقير متبرع إلا نذل كامل النذالة ، ومغرور بغناه . بل ان بعض الفلسفات الغربية المادية يتطرف لى حد وجوب التخلص من الضعفاء اصلاً ، كما صرح بذلك نيتشه ، وكما طبقت ذلك النازية .

بل ان رد السائل بلطف افضل من اعطائه الصدقة تتبعها المنّة والأذى . هو الدين الذي يجعل الضعيف امير الركب ، وانظر عن كلامه في الوالدين ، لقد تكلم عنهما عند حالة الضعف وليس في القوة : (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ..إلخ) .. هي نفس العناية وجّهت للاسرى والمملوكين..

إذاً الاسلام الحقيقي (وليس المزيف) هو الدين الوحيد الذي ينظر للمجتمع اول ما ينظر من خلال الضعفاء ، لهذا لم اجد نظاما اخلاقيا يشفي او يروي حسّي الاخلاقي مثل الاسلام ، ولهذا انا مسلم ، البشر لا يستطيعون ان يعتنوا بالضعفاء لأن أعينهم دائما على القوة والاقوياء ، فيضيع الضعفاء بين الارجل ، لكن العناية الالهية لم تضيعهم ..

أنا وأنت وكل شخص نعرف المشاهير من الاقوياء والعظماء على مر التاريخ ، في الحاضر والماضي ، لكننا لا نعرف الضعفاء ولا نهتم بحفظ اسمائهم .