الخميس، 3 يوليو 2014

محبة الله والخوف من غضبه قبل الرغبة بالجنة والفرار من النار



الرغب والرهب هو الدرجة الثانية في العلاقة مع الله وليست الدرجة الأولى ، لهذا قال تعالى للعرب : ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم ) ، فهو يخاطبهم بعقلية المصلحة التي يعرفونها كتجار، لكن العلاقة إذا اكتملت ونضجت تصبح المصلحة و دفع المضرة شيئاً ثانوياً بعد المحبة والخوف من عدم الرضا ؛ لأنه لا يوجد شيء أكبر من الله ولا أهم من الله ، لأن الله يقول : ( ورضوان من الله أكبر ) ، أي أكبر من الجنة ، ويقول عن المؤمنين : ( إنما نطعمكم لوجه الله ) ولم يقولوا: لأجل الجنة التي عند الله.
وإذا كان الهدف هو دخول الجنة والبعد عن النار فقط، إذن ماذا يبقى لله بعد دخول المؤمنين الجنة؟ هل سينشغلون في الجنة ويتركون شكر الله وذكره لأنهم وصلوا إلى غايتهم؟!
الإنسان لا يحب أن يحب ابناؤه جائزته وعطاءه أكثر منه ، فكيف نرضى لله ما لا نرضاه لأنفسنا ؟ نعم ندعوه رغباً ورهبا، وندعوه لوجهه أيضاً ، والله أكبر من رغبنا و رهبنا، والله قال عن عباده : (يحبهم ويحبونه) ، ولم يذكر الجنة، ولم يقل : يحبون جنتي . وإذا كانت غاية العبادة هي البعد عن الأضرار وطلب المصالح ، و النار شيء مادي والجنة كذلك ، فهذا يثير سؤال : هل هذا قريب من الوثنية أم لا ؟ وهل يمكن أن نسميه عبادة الجنة ذات النعيم المادي ؟ وإذا كانت هذه هي علاقتنا بالله : أليست هذه علاقة مصلحية ؟ فالمصلحة مرتبطة بالمادة ! وهل يليق أن تكون علاقتنا بالله مصلحية فقط ؟ وإذا كان العلماني يعبد ملذات الدنيا، فسيقول عن المؤمن أنه يعبد ملذات الآخرة ! ويكون الفرق بينهما زمنيا فقط ! لكن سورة الإخلاص تـُفهمنا أن عبادة الله لا تنحرف إلى ما عنده، بل إليه وحده : ( الله الصمد ) .
 و كل شيء لله أصلاً، فالمطلوب هو عبادة الله وليس عبادة مخلوقاته، فالجنة والنار من مخلوقاته، مثلما الأوثان من مخلوقاته، وهذا داخل في التوحيد أن لا نعبد غير الله مما يُدَّعى أنهم آلهة، وكذلك لا نعبد مخلوقات الله كالجنة والنار أو الدنيا بحيث أن تكون هي مقصودنا الأول،  لأن الله يجب أن يكون هو المقصود الأول والآخر، كما سمى نفسه : الأول والآخر،  سبحانه، لأن معنى "الصمد" أي المقصود، والله هو الصمد، وليست الرغبة أو الرهبة ، ولا الجنة ، بل الله أكبر حتى من الجنة و رغبتنا فيها. والله يقول : (اعبدوا الله) و كونك تعبد الله لماذا؟ لله، لأنه الله، وليس أعبده فقط لأن عنده جنة ونار ! هذه نظرة مادية لا تليق بحق الله.

أفرض أنه سبحانه لم يعد بجنة ولا بنار ، فهل لا نشكره و لا نعبده؟؟ تعظيم الله لا يكون كتعظيم حاكم دنيوي عنده قصر وعنده سجن..
لكننا محتاجون فعلاً للنجاة من جهنم ودخول الجنة، لأننا بشر ولا نستغني أبداً عن عطاء الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، لكن الجنة ليست هي صَمَدًنا، فصَمَدُنا هو الله، وحبنا هو الله. لو سألك أحد: هل البساتين الجميلة والأنهار والنعيم أفضل عندك من الله؟؟ لقلت: لا، إذن علينا أن نحقق هذا، نعم نحن نحبها لكنها ليست أحبّ عندنا من الله ، ونخاف النار ولكن ليس كخوفنا من مقت الله، هذا ما يجب أن يكون و نعتقده.
والترغيب والترهيب في الدرجة الثانية من أهداف العبادة ، لأنه لو أنكر شخص وأدعى أنه لا يهتم لا بالرهبة ولا بالرغبة  لكنه يحب الله ومشغول بذلك ، سيكون هذا سوء أدب مع الله وعدم اهتمام بما عنده أيضاً وكأنه مستغني عنه، فلا بد من التوازن ، نحن نريد ما عند الله، لكننا نحب الله أكثر من الحور العين والبساتين وأكثر من أنهار العسل واللبن ، أم أننا نحبها أكثر من الله ؟ هل يليق في التعامل مع الله أن نفضل عليه الزرابي المبثوثة والأكواب والأباريق والثياب التي من استبرق؟ وتكون أهم من الله ؟  هذا لا يليق ! فالمسافر الجائع يفرح إذا نزل بكريمٍ قدّم له الطعام والشراب، لكنه هل سيمدح الطعام والشراب أم سيمدح الكريم ويحبه ؟ على هذا إذن فكيف نحب طعام الله وشرابه وجنته أكثر منه؟ وكيف نخاف من ناره لأنها تحرق جلودنا أكثر من خوفنا من بغضه لنا؟
نحن أرواح و مادة، والأرواح مُقدَّمة على المادة، لهذا فحب الله في الدرجة الأولى لأنه من الروح ، والرغبة بالجنة والخوف من النار درجة ثانية لأنه تابع للجسد ، و كل إنسان روحُه أهمّ من جسده، ولهذا قال تعالى: ( ورضوان من الله أكبر ) أي أكبر من دخولهم الجنة، والقرآن ذكر الأمرين : محبة الله ، والتحفيز بذكر الجنة والتخويف من النار  لكي يكون الجانبين المادي والمعنوي يحفز بعضه بعضا، وهذا من رحمة الله وتوسيعه عليهم ، لأن هناك أناس ماديون لا يفهمون إلا بحِسبة المصالح والضرر فقط، فحتى هؤلاء لم يحرمهم الله من الدخول في دينه على رجاء أن يدركوا بعدَ أن يعتنقوا الإسلام معنى أن الله أكبر، أي أكبر من الجنة والنار والمصالح الدنيوية والأخروية وهو الأول والآخر.
 أصل اختيار الدين قائمٌ على المحبة والإعجاب قبل النظر في المصالح ، وأي شخص جديد في الدخول في الإسلام لن يقول أنه دخل الدين لأنه خائف من النار أو راغب في المصلحة ، فالتصديق لم يأت بدافع مصلحي، فالتصديق أخلاق، والمصلحة مرتبطة بالجسم، سيقول لك : لقد أعجبني هذا الدين وأحسست بصدقه وتلقائيته، وأن العلاقة فيه مباشرة مع الله وغير ذلك من الصفات الحسنة، ثم بعد أن يتعلم على الإسلام أكثر ويعرف المحرمات يبدأ بالخوف كلما فعل معصية ويطمع بالثواب كلما عمل حسنة .

هناك 8 تعليقات :

  1. بارك الله فيكم على هذا الموضع المفيد

    ردحذف
  2. السلام عليكم ...جزاك الله خيرا...أحاول جاهدا أن أنفك عن شخصيتي المصلحية فعندما تحولت للدين شعرت أني مصلحي أيضا لأني كنت أبحث عن السعادة و راحة البال ..الواضح أني أجهل معنى الدين و أهميته فهلا شرحت لي أهمية الدين و عظمة الله و أهمية وجود إله... ربما السؤال غريب لكن نفسيتي المادية طغت كثيرا و أربد أن أتعلم الدين بحق

    أبو أسامة

    ردحذف
  3. أعتذر عن ما كتبته سابقا من تساؤلات عن أهمية الدين و الله و سبحان الله عن ما وصفت فهذا والله من شدة الكبر و الخبث في نفسي و أستغفر الله و أتوب إليه

    أبو أسامة

    ردحذف
    الردود
    1. اخي العزيز ابا اسامة ، أنت لم تخطئ فيما طلبت، بل طلبت التنوير وعبادة الله على بصيرة، لكن اسئلتك واسعة وكبيرة، وإن كنت تحب ان تقرأ كتبا للناس أكثر من القرآن، فما المشكلة إذا كنت تبحث فيها عن القرآن وعن الله، لعلك تقرا في هذه المدونة، فأغلبها يدور حول اسئلتك نفسها، وهي التي أسميها الاسئلة الكبرى، متأكد أنك سوف تجد إجاباتك إن شاء الله في ثنايا هذه المدونة، لكن إقرأ أكثر وأكثر، وإذا بدا لك سؤال فاطرحه ، وليس في طرح السؤال خطأ، ولا تشعر أنك تأثم، لأن الله امرك ان تبحث عن الحقيقة وتعبده على بصيرة، بعد أن تكون قد أطفأت كل شكوكك. واضح ان فيك خيرا لكنه يبحث عن الطريق والصراط ، فارجوك ان تستجيب لهذا الدافع ، لأن هذا من اعماق شعورك يريد ان يصل إلى ربه بكل صفاء، استجب الى فطرتك وسوف يعينك الله ويسدد خطواتك اليه . لقد كنتُ في مثل حالتك وأطرح نفس اسئلتك، فكان هذه المدونة إجابة عن أسئلتي لنفسي بشكل عام، كذلك الردود والحوارات ،فيها فائدة ، رغم طولها .

      حذف
    2. أخي الوراق... والله أني إرتحت كثيرا منذ بدأت قراءتي هنا.. و تحسنت كثيرا جدا و الحمدلله.. لكن بصراحة بعدما بدأت بقراءة القرآن وجدت أنه يجيب على أسألتي لكن ما زلت أواجه صعوبة بالإستمرار و الفهم.. العجيب بصراحة أني كلما قرأت مقالات عن الإيمان و الفهم العقلي للدين دفعني ذلك أكثر لقراءة القرآن.

      أبو أسامة

      حذف
    3. الحمد لله أنك قرأت والحمد لله أنك ارتحت ، ولكن ليست هذه نهاية المشوار، (اهدنا الصراط المستقيم) كلمة نكررها في كل صلة، مثل ما كررها الرسول، أي اننا في رحلة بحث دائم عن الصواب والحق، في العموميات و في الجزئيات. وأكرر نصيحتي السابقة لك : إقرأ أكثر خصوصا في هذه المدونة، سوف تجد اجابات او مفاتيح تساعدك على الفهم اكثر لقضايا الدين والحياة والانسان. أنا يبدو لي أن فهم الإنسان أولا قبل فهم الدين، لأن الدين جاء للإنسان، فلا بد أن نعرف معالم هذا الإنسان ثم معالم هذا الدين. حينها نكون على بينة، فنستطيع أن نردّ أي كلام خاطئ وافكار خاطئة ونقبل الصواب. لأن الشعور بالصواب يجب أن يكون من داخلنا وليس مملى علينا من خارجنا.

      وشكرا لك فقد اشعرتني بجدوى لما أكتبه. فكل ما اكتبه هو منطلق من القرآن ويعود إلى القرآن ويحاول فهم القرآن. القرآن هو الثابت، الذي أحاول ان اصبغه على المتغير. مصداقا لقوله تعالى (اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم). وعدم وجود الثابت يعني الضياع والتخبط، وبالتالي العود على بدء. وهكذا تكون حياة الناس بدون القرآن.

      واطرح أسئلتك حتى نستفيد كلنا إن شاء الله. وتأكد أن عملنا هذا فيه ثواب وأجر من الله سبحانه وتعالى بإذن الله.

      حذف
  4. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    الحمدلله رب العالمين. صدقت فوالله أني كنت أمر بفترة صعبة جدا. و الذي جعلني أبدأ بالتفكير هو نوبات الهلع و الضيق و الإكتئاب لأني كنت (في الظاهر ملتزما من لحية و كلام منمق و إلخ) فكنت في حيرة و هي أنه لماذا أنا مكتئب و قليل التوفيق رغم أني مسلم. ثم بعد ثمانية أشهر من البحث و محاسبة النفس حتى دارت في نفسي أسألة عميقة جدا كادت أن تودي بي للإلحاد رغم أن حقيقة وجود الخلق كانت باستمرار تبعدني عن الإلحاد و كان عقلي يؤلمني بمجرد وجود هذه الفكرة برأسي لأنه لو فسرت كل شيء بطريقة منطقية لا يمكن أن تفسر وجود الخلق حولنا بدون خالق لأنه لابد أن يكون للطبيعة أو أي موجد للخلق قرار و تفكير و تدبير لكي يكون كل شيء على حالته و وجود الروح و العواطف قضت على نظرية الإلحاد في رأسي.. ثم بعدها بدأت بقراءة القرآن لأفهم فبدأت بأسرار الكون و الظواهر الطبيعية لأن هذا ليس بالغيب و إنما محسوس و مشاهد.. فتيقنت أنه لا أحد يلم بجميع مناحي الكون إلا خالقها. ثم بدأت أتفكر بالسنن الكونية و الحكمة من الخلق حتى أن الأكل و الشرب لم تعد عادات بل أصبحت مكان للتفكر و التدبر. بصراحة للوهلة الأولى يبدو الكون و ما يحدث فيه و كأنه عشوائي لأننا في الحقيقة نحن المشوشين و مقطوعي الأفكار... ثم بدأ كل شئ يبدو منطقيا و مرتبا. ثم عرضت نفسي على القرآن لأرى كيف يشرح مشكلتي فوالله أن كل آية فيه أصبحت تدلني على نفسي . رغم أني قرأت القرآن مرات كثيرة لكن عندما قرأته هذه المرة بحثا عن الحق وجدته و رأيته بقلبي واضحا جليا حتى أنه أصبح أوضح من إبصاري للمحسوسات. الحقيقة أن الطريق للحق ليس الحق نفسه لكن تغيير طريقة التفكير و النظر للأشياء بمنظور صادق ثم تظهر الحقيقة واضحة جدا.. أعتقد أن ما قلته أنت صحيح بخصوص فهم الإنسان قبل فهم الدين لأني بدأت أفهم القرآن بعدما أرجعت نفسي لفطرتي .

    بصراحة هناك فيديو إسمه العلامات مدته ساعة او ساعتين تقريبا مترجم للعربية ساعدني كثيرا. أيضا هناك مقولة لأحد الصحابة رضي الله عنهم ساعدتني جدا عندما قال كنا نتعلم الإيمان قبل أن نتعلم القرآن فلما قرأنا القرآن إزددنا به إيمانا. و ما وجدته هو أن العلم وحده لا يكفي للإيمان و إنما الإيمان يحتاج إلى تدبر و تفكر وصدق مع النفس.

    و جزاك الله الفردوس الأعلى... الرجاء أن تتواصل معي على هذا التعليق مبدأيا إذا كان هنا ما أستطيع مساعدتك به.

    أبو أسامة

    ردحذف
    الردود
    1. حياك الله اخي ابا اسامة ، وحمدا لله على ان جهودك وبحثك عن الحق وصراط الله المستقيم بدأت تثمر، وإلى الأمام ومزيدا من التوفيق إن شاء الله. وشكرا على دعاءك لي ، واسأل الله أن يشملنا جميعا ببركته، وشكرا على عرضك المساعدة ايضا، واصل قراءة القرآن و في هذه المدونة وغيرها ، لأنك والحمد لله بدأت على اساسات سليمة، توّج هذا بتجديد إسلامك من جديد، كما تقول أنك لم تكن تعرف الإسلام على حقيقته، أسلم نفسك لله وليكن الله مولاك. (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

      حذف