المسيحية تتجه للمضمون اكثر من الشكل كما هو معلوم ، اذا قارناها باليهودية التي تهتم بالشكل دون المضمون . الاسلام دين الوسط يجمع بين الاثنين . و الاساس دائما هو المضمون وليس الشكل ، ولا قيمة لمضمون بدون شكل ، هل يكون احد كريم لكن بدون اي مظاهر او افعال للكرم ؟ لا يكون ، وهل يكون كريماً اذا اهتم بظاهر الكرم ولا يحمل مضمونه الحقيقي سوى البخل ؟ طبعا لا . لكن حملَ مضمون الكرم أهون من بخيل يدّعي الكرم ، وعلى هذا فقِسْ ، إذا كان أمامنا شكل بلا فضيلة أو فضيلة بلا شكل ، فالثاني على الاقل احسن من الاول ، لأنه على الأقل عنده الأساس لكنه ناقص ، و بالتالي تكون غير المحجبة مثلا و الممتلئة بالعفاف أفضل من المحجبة الممتلئة بالفسق ، و أفضل منهما جميعا المحجبة الممتلئة بالعفاف ..
و فعلا : ما قيمة حجاب لامراة قلبها سافر و عينها زائغة و نفسها خبيثة يهمها الإغراء وإعجاب الرجال ؟ و ما قيمة عفاف لامراة بملابس شبه عارية ؟ لأنها ان كانت عفيفة فالذي فعلته لا يتناسب مع العفاف ، وكيف تنوي شيئا و تفعل لوازم ضده ؟
و الخلاصة : ان الاكتفاء بأحد الضدين (الشكل أو المضمون) باطل . ما قيمة أن يكون عندك اخلاق لكنك لا تصلي ؟ من أخلاقك مع الخالق أن تصلّي شكراً له ، على نعمه وخوفا منه و رجاء له ، لأن الاخلاق إعطاءُ كل ذي حق حقه ، إذن اخلاقه ناقصة .
هذا العَوَرْ والتطرف ملازمان للبشرية منذ القدم ، و نجده في فهم الديانات : إما تطرف في المشاعر أو تطرف في المظاهر .. و الحقيقة انه لا يكفي أحدهما عن الاخر .. لا أحد يستطيع ان يمشي برجل واحدة ، بل يمشي بقدمين متضادتين بالموقع والحركة .
علينا ان نخلص من هذه الإشكالية ، على الاقل من حيث القيمة ، فلا نعترف بشكل بلا مضمون ، ولا مضمون بلا شكل .. ولا نعترف بكرم دون فعل ولا بكرم دون نية وفضيلة . وعلى ذلك فقس . حتى إسلام بلا مضمون ، ماذا يفيد ؟ ومضمون إسلام بلا شكل ولا فعل ماذا يفيد ؟ القرآن يكرر (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) لم يكتفي باحدهما ، لأنه يظل هناك نقص . إنها ثنائية النية والعمل .. والتي يشترط لها التواءم والاتفاق ..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق