المصدر
: (الرد على من قال بفناء الجنة والنار ، لابن تيمية)
الفرق
بين بقاء الجنة والنار
"الفرق بين
بقاء الجنة، والنار، شرعا، وعقلا" فأما شرعا، فمن وجوه:
أحدها: أن الله
أخبر ببقاء نعيم الجنة ودوامه، وأنه لا نفاد له ولا انقطاع في غير موضع من كتابه،
كما أخبر أن أهل الجنة لا يخرجون منها، وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل
أخبر أن أهلها لا يخرجون منها.
الرد :
من
المعلوم ان الشيخ الألباني خالف ابن تيمية في مسألة فناء النار ، وقال بخلودها..
و هل "لا
يخرجون" لا تعني البقاء ؟ كما أخبر تعالى عن أهل النار أنهم خالدون فيها ،
بمعنى أنها خالدة معهم. مثلما أن أهل الجنة خالدون فيها. و خطاب الخلود الأبدي ورد
على الاثنتين الجنة و النار، فكيف نقول بفناء إحداهما وخلود الأخرى ؟ و إذا قلنا
بفناء النار أو خروج أهلها منها ، يكون هذا عكس للتخويف الذي أراده الله، مما يسهل
المعصية بحجة أننا لن ندخل النار إلا أياما معدودات، ولكن إذا عرف الإنسان انه قد
يكون خالدا في النار أبدا، سيحصل له خوف قوي يصده عن طريق الشيطان والكفر. ولهذا
في القرآن يتكرر التخويف من الخلود في عذاب النار، لأجل الزجر. ولئلا يفتح الشيطان
أي أمل، لأن الشيطان يعدهم و يُمنّيهم، ومن ضمن ما يمنيهم أنهم لن يدخلوا النار
الا اياما معدودات، وأن النار مصيرها أن تفنى، و أن رحمة الله سبقت عذابه.
الأساس هو النية
وليس الفعل هو الأساس، وقد يخطئ الإنسان بحسن نية، وقد يغلبه هواه ويستغفر الله
ويندم. المهم هو القلب السليم وعكسه هو القلب المريض. والقلب يعني النية الأساسية.
القول بفناء
النار خلاف للقرآن .وقال تعالى (ولقد ذرأنا لجهنم)، وهذا يعني أن النار ليست دار
إصلاحية يتطهرون فيها ثم يدخلون إلى الجنة كلٌّ حسب محكوميته ! و الشيطان أيضا
خالد فيها، فهل سينتهي عذاب الشيطان إذا فنيت النار؟ أم أنه سيعود إلى الجنة بعد
أن يتطهر؟ من يريد الإصلاح هو المحتاج لإصلاح الفاسدين، والله غني عن العالمين.
وهذا من النظرة العلمانية الداخلة في الدين، أن تقاس الآخرة على الدنيا. عرضَ الله
عليهم الصلاح و الهدى، فرفضوا واستحبوا العمى على الهدى، فكيف يصلحهم بالتطهير
الناريّ وقد رفضوا أصلا؟ هل يصلحهم رغماً عنهم ؟ أم هل يرحم ملعونين؟ وكيف يرحمهم
وقد لعنهم؟
ثم أليس اللعن هو
الطرد و الإبعاد عن رحمة الله ؟ ومن حكم الله عليهم بالعذاب فقد لعنهم، وكل أمةٍ
تلعنُ الأمة التي قبلها في النار. فالرحمة ليست شاملة، واللعن استثناء بأنه إبعاد
عن الرحمة.
الثاني: أنه أخبر
بما يدل على أنه ليس بمؤيد في عدة آيات.
الرد :
الله اخبر
عن الجنة والنار، بنفس الخبر، فكيف صارت الجنة هي الخالدة والنار غير خالدة؟
الثالث: أن النار
لم يذكره فيها شيء يدل على الدوام.
الرد :
وماذا بعد
قوله تعالى: (خالدين فيها أبدا ما دامت السموات والأرض) ؟
الرابع: إن النار
قيدها بقوله: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} ، وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا
مَا شَاءَ اللَّهُ} وقوله: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا
شَاءَ رَبُّكَ} ، فهذه ثلاث آيات تقتضي قضية مؤقتة، أو معلقة على شرط، وذاك دائم
مطلق، ليس بمؤقت ولا معلق.
الرد :
قوله (إلا
ما شاء ربك) وردت في الجنة أيضا، وقال (وما هم بخارجين منها) عن النار ، وقال (الَّذِي
يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا(13) ) ، فما
معنى أنهم لا يموتون ولا يخرجون من النار؟ وقوله (لابثين فيها أحقابا) المقصد منها
التكثير وليس التقليل كما تصور، لأن الحقبة هي أطول فترة زمنية يستطيع العقل أن
يتصورها. ولاحظ ليست حقبة ولا حقبتين، بل أحقاب. أي ما لا يُعدّ من الزمن .
وما دام أن كلمة
(الا ما شاء الله) وردت في الجنة والنار، اذن حكمهما واحد، واعتباره أن كلمة (الا
ما شاء الله) دليل على فناء النار، لابد ان يتخذها دليلا على فناء الجنة ايضا ،
لأنها وردت في كليهما. وهذا ما كان يقوله الجهمية بفناء الجنة والنار. بينما هو
اتخذها دليلا على فناء النار وسكت عن ورودها في وصف الجنة.
الخامس: أنه قد ثبت
أنه يدخل الجنة من ينشأه في الآخرة لها ويدخلها من دخل النار أولا ، ويدخلها
الأولاد بعمل الآباء ، فثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيرا، وأما النار فلا يعذب
أحد بذنوبه، فلا تقاس هذه بهذه.
الرد:
لو كان
الابناء يدخلون الجنة بعمل اباءهم، لدخلها ابن نوح الذي غرق في الطوفان، ولكان
ابنه أولى أن يدخل الجنة من أولاد غيره، لأن نوحا دعا ربه فيه، و كافح في سبيل
الله ألف سنة إلا خمسين عاما، فعمله يكفي لدخول أجيال من أبنائه وأحفاده إلى
الجنة، ودعوة الأنبياء مستجابة في الأساس.
وقال تعالى (وأن ليس
للإنسان إلا ما سعى)، وقال (ولا تزر وازرة وزر أخرى). و كون الله يخلق أحدا ويُدخله
الجنة، لا يعني الاستنتاج الذي ذهب اليه ابن تيمية بأن الجنة يدخلها من لم يعمل خيراً،
هذا استنتاج غير منطقي. فأشجار الجنة لم تعمل خيرا، ومع ذلك دخلتها، وكذلك حورها و
ولدانها لم تعمل خيرا من قبل و لم تـُمتحن، فإن كان يدخلها احد من أهل الدنيا بلا
عمل، يكون كلامه صحيحاً.
السادس: أن الجنة
من مقتضى رحمته ومغفرته، والنار من عذابه، وقد قال: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي
أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} .
وقال: {اعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
وقال: {رَبَّكَ
لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} .
فالنعيم من موجب
أسمائه التي هي من لوازم ذاته فيجب داومه بدوام معاني أسمائه وصفاته. و أما العذاب
فإنما هو من مخلوقاته، والمخلوق قد يكون له انتهاء مثل الدنيا وغيرها، لاسيما
مخلوق خلق تتعلق بغيره.
الرد :
هنا يبدو
أن ابن تيمية يتكلم بكلام المعتزلة، في تقسيمهم للصفات الإلهية إلى مخلوقة وغير
مخلوقة.مع أنه معارض لهم فيما نعرف، فجعل الإنعام من الصفات الذاتية لأنها مستمرة،
بينما العذاب مخلوق! فالصفة المستمرة عند المعتزلة ذاتية ،كالعلم والسمع والبصر،
والصفات التي قد تكون أو لا تكون يعتبرونها مخلوقة، و من هنا اعتبروا الكلام صفة
مخلوقة وبالتالي القرآن مخلوق عندهم، مع أن من أسماء الله : الجبار و المنتقم.
ومثل ما أن من أسمائه المنعم و الرحيم.
السابع: أنه قد
أخبر أن رحمته وسعت كل شيء، وأنه {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} ، وقال:
"سبقت رحمتي غضبي" "وغلبت رحمتي غضبي" .
وهذا عموم، وإطلاق،
فإذا قـُدِّر عذابٌ لا آخر له، لم يكن هناك رحمة البتة.
الرد :
نعم، إذا
كنا نقرّ باللعن، والله لعن، واللعن معناه الطرد عن الرحمة، ولا يمكن أن تكون هناك
رحمة شاملة للمفسد والمصلح وللخيّر والشرير، ولو كانت الرحمة مطلقة لشملت إبليس أيضا،
فهو عبارة عن مذنب. هذا ليس من العدل ولا
من الحق، والآخرة دار الحق، والحق يقتضي أن يأخذ كلٌّ جزاءه، والرحمة مثل التوبة،
والتوبة رحمة في الدنيا، ومن ستـُقبل التوبة منه هو من جاء بقلب سليم، وله أخطاء
وذنوب لم يكن يحبها حتى ولا يطمئن لها، ويتمنى أن يتوب عنها، فالتوبة هي رحمة في
الدنيا، والمغفرة رحمة في الآخرة، والمغفرة في الآخرة رحمة لمن لم تكتمل شروط
التوبة عليه في الدنيا, وإلا لماذا يتوب الله عمن أساء؟ مع أن له حق في أن ينتقم
منه لو لم تكن رحمة؟ هذا لأنه كتب على نفسه الرحمة لمن يستحقها من المسيئين،
منطقيا ليس كل مسيء يستحق الرحمة، وإلا لما كان هناك حق ولا باطل. وبالتالي يتساوى
الحق والباطل، وهذا ما تنادي به العلمانية والمادية و الإلحاد وعدم التفريق بين
الخير والشر.
الثامن: أنه قد ثبت
مع رحمته الواسعة أنه حكيم، والحكيم إنما يخلق لحكمته العامة، كما ذكر حكمته في
غير موضع ، فإذا قدر أنه يعذب من يعذب لحكمة كان هذا ممكنا، توجد في الدنيا
العقوبات الشرعية فيها حكمة، وكذلك ما يقدره من المصائب فيها حكم عظيمة، فيها
تطهير من الذنوب، وتزكية للنفوس، وزجر عنها في المستقبل للفاعل ولغيره، ففيها
عبرة، والجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب، ولهذا قال في الحديث الصحيح: "إنهم
يحسبون بعد خلاصهم من الصراط على قنطرة بين الجنة والنار، فإذا هذبوا ونقوا أذن
لهم في دخول الجنة" .
والنفوس الشريرة
الظالمة التي ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه لا يصلح أن تسكن دار
السلام التي تنافي الكذب والظلم والشر، فإذا عذبوا بالنار عذابا يخلص نفوسهم من
ذلك الشر كان هذا معقولا في الحكمة كما يوجد في تعذيب الدنيا، وخلق من فيه شر يزول بالتعذيب من تمام الحكمة،
وأما خلق نفوس تعمل الشر في الدنيا وفي الآخرة لا تكون إلا في العذاب، فهذا تناقض
يظهر فيه من مناقضة الحكمة والرحمة ما لا يظهر في غيره.
الرد :
الآخرة هي
دار الفصل بين الحق والباطل وبين الأخيار والأشرار، و مختارو الخير و مختارو الشر،
وهذا هو الحق، والآخرة دار الحق، وسيعود كل شيء إلى وضعه بعد أن كان مختلطاً في
الدنيا، فلا يمكن أن يعود أهل الشر الذين استحبوا الباطل على الحق، ويعودوا ويجلسوا
في الجنة مع من اختاروا الخير أصلا وكانوا مظلومين في الدنيا ومشفقين.
اجتماع الحق مع
الباطل في الجنة لا يمكن، لأن أي اجتماع بين الحق والباطل من الباطل، وستكون
الدنيا تكررت في الآخرة، وهذه فكرة علمانية دنيوية لا تنطبق على الآخرة، وهي دار
الفصل.
وكيف يقول أن
الشر في النفوس الظالمة يذهب عنها الشر والظلم بالتطهير بالنار، بينما الله يقول
(ولو رُدوا لعادوا لما نُهوا عنه) ؟ هذا دليل واضح من القرآن أن النار لا تكفي
للتطهير.
والقرآن يقول أن
هناك نفوسا خلقت لجهنم، ولا يفيد فيها حتى عذاب جهنم، قال تعالى (ولقد ذرأنا لجهنم
كثيرا من الجن والإنس) ، وقال أيضا عن نفس تلك النفوس : (ولو رُدوا لعادوا لما
نهوا عنه) هذا كلام الله، والله أحكم الحكماء. ولا يصح أن نسقط الحكمة كما نراها
في الدنيا على عالم الغيب، وإلا لوقعنا في إشكالات كثيرة، من مثل : لماذا يخلق
الله العصاة وهو يعلم أنهم سيعصون؟ الله أحكم و أعلم وأعدل، فهو لم يظلم أحداً،
ومنحهم الإختيار. ولا يُهلك أحداً إلا على بينة. وحتى لو لم نعلم الحكمة يبقى الله
أحكم، هذا ما نعتقده، ولا نسقط عقولنا على حكمة الله.
ابن تيمية الان
يقدِّم العقل على النقل مع أنه يرفضه. ويكره الفلسفة وهو يتفلسف الآن، و يكره منهج
المعتزلة وينهج منهجهم في تقسيم الصفات!
شؤون الدنيا و حكمة
الدنيا خاصة بالدنيا، و ابن تيمية لا زال يقيس على الدنيا بناء على قوله : (كما هو
عذاب الدنيا). هذا غير أن العذاب عقلياً ليس مُخلِّصاً من الشر بالضرورة، وليس كل
من عُذّب تاب. حتى لو كان العذاب في الدنيا، فكثير من المجرمين و العصاة يعذّبون و
يعودون إلى الجريمة مرة أخرى ..
ولو كان التعذيب
يُطهّر من الذنوب، لكان عذاب قوم عاد و لوط وغيرهم مطهّراً لهم أو مخفّفا من
ذنوبهم، لكن الله يقول (ولعذاب الآخرة أكبر). إذن سقطت فكرة التعذيب لأجل التطهير،
والقرآن ذكر أن العذاب هو حق و جزاءٌ وِفَاق لما فعلوه و اختاروه، فهم اختاروا
سبيل الضلال على بينة، و سبيل الضلالة يؤدي إلى جهنم. ولم يذكر القرآن أن العذاب
من أجل التطهير، وإلا لكانت النار كافية لتطهير ذنوب الجميع بما فيهم إبليس.
و فكرة التطهير
بالعذاب فكرة دنيوية مادية لا نجدها في القرآن، ويتبنى المجتمع الدنيوي هذه الفكرة
لأنه يخاف من تكرار الجريمة و يستفيد من الشخص إذا صلح، و هذه الحكمة التي يقصدها
ابن تيمية، وهي حكمة مجتمع دنيوي،لا تنطبق على الآخرة ولا على الله، فهو غني عن
الناس. والله هو الحق، والآخرة مطهرة عن الباطل، لأن الله سيجمع الباطل فيركمه في
جهنم كما ذكرت الآية، ولا يكون هناك أي باطل. هذا بعد المغفرة والشفاعة. حينها
يتحقق الفصل بين الحق والباطل، والله سمى الآخرة دار الفصل ولم يسمها دار الإصلاح
أو التطهير. والجنة والنار تشيران إلى الفصل بين شيئين.
إننا نجد في ذكر
عذاب النار في القرآن : (جزاءً وفاقا)، لأن من يُسجن أو يُعاقب في الدنيا يُعتبر
أنه أخذ حقه من العقاب و انتهى الأمر ويبدأ من جديد، ولا يُحاسب على الذنوب
السابقة. أما الآخرة فهي دار الحق وليست دار الإصلاح، لأن الإصلاح انتهت فرصته
بالموت، فقد قال تعالى (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ
الآنَ) .
لا إصلاح بعد
الموت، ولو كانت النار إصلاحاً لما تمنى الكفار أن يعودوا للدنيا ليعملوا صالحا.
بل لتمنوا أن ينقضي وقت التعذيب وينتهي بسرعة.
وقال تعالى
(وقالوا يا مالك ليقض علينا ربك) فأجابهم (قال إنكم ماكثون). فلو كانت للتطهير لما
قال أن أهلها خالدون فيها. في الآخرة الباطل له مكان يحتويه والحق له مكان يحتويه.
هذا، ولا تصح نسبة القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإن الراجح عنده أبديتها وعدم فنائها، وقد نص على ذلك رحمه الله في أكثر من موضع من كتبه، فقد قال رحمه الله تعالى في كتابه: درء تعارض العقل والنقل: وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يعذبون، ليس لذلك آخر...
ردحذفوقال رحمه الله أيضاً في كتابه: بيان تلبيس الجهمية: وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين، كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها. اهـ
وانظر كلام شيخ الإسلام أيضاً في مجموع الفتاوى (8/304)، (18/307) وفي غير ما موضع من كتبه الأخرى.
وسبب الغلط على شيخ الإسلام ونسبة القول بفناء النار إليه أن ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح) قد ذكر الأقوال في فناء النار وعدمه، وأشار إلى أن ابن تيمية قد حكى بعض هذه الأقوال، والتي منها القول بفناء النار، وليس في ذلك ما يدل على نسبة هذا القول الباطل لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد حكى هذه الأقوال غيره من أهل السنة والجماعة كشارح الطحاوية، وحكاية شيخ الإسلام لأقوال الطوائف مشحونة بها مؤلفاته، ولكن للرد عليها لا لتقريرها، وهذا واضح ولا يحتاج إلى مزيد بيان.
وأما الإمام ابن القيم، فإنه له قولين: الأول مال فيه إلى القول بفناء النار، وقواه وأيده بالأدلة، وذلك في كتابه (حادي الأرواح) (وشفاء العليل) كما أنه توقف في المسألة في كتابه (الصواعق المرسلة) القول الثاني لابن القيم، وهو الموافق لمذهب أهل السنة هو القول بأبدية النار وعدم فنائها، وذكر ذلك منصوصاً عليه في كتابيه (الوابل الصيب) و(طريق الهجرتين).
هذا المقطع من كتاب ابن تيمية نفسه بعنوان (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) ، وقد استعرض الاراء الثلاثة ورجّح أدلة خلود الجنة ، لكنّه قدم ثمانية ادلة لم ينسبها لأحد، يُفهم منها ترجيح فناء النار، مع انه لم يرجح نصا، لكنه قدّم الادلة التي يُفهم منها ترجيح فناء النار، وهي التي قمت بالرد عليها في هذا الموضوع، وهذه الأدلة لم ينسبها لأحد، مثل ادلة ترجيح عدم خلود الجنة لم ينسبها لأحد، مع أن العنوان (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) ، وفعلا هو صرّح في مواضع أخرى بأن عقيدة اهل الاسلام عدم فناء الجنة والنار، وبنفس الوقت نجد هذا الترجيح الذي يشير الى ميله لفناء النار، فكيف يتم الجمع بينهما ؟ ولا ندري ايها المتقدم وايها المتأخر، لكنه لم يصرّح بتبرّيه من استنتاجاته هذه التي تشير الى ميله لفكرة عدم خلود النار.
حذفهذا غير كلام الحافظ السبكي في رسالته (الإعتبار ببقاء الجنة و النار) حيث يناقش السبكي رسالة تؤيد فناء النار، ويقتبس منها كلاما هو نفسه نصاً الموجود في رسالة ابن تيمية، فراجع الرسالتين.
وهذا تلميذه ابن القيم يميل كما تقول الى فناء النار في كتابيه حادي الارواح وشفاء العليل، بينما توقف في المسألة في كتابه الصواعق المرسلة.
كذلك ذكر محقق الرسالة أن بعض العلماء ذهب الى ان الشيخ يميل الى القول بفناء النار، منهم السفاريني وصديق حسن خان والألوسي (طبعة دار بلنسية) وقال المحقق أنه حتى ولو مال الشيخ لهذا الرأي فهو مسبوق إليه ويعتبر مجتهدا وليس مبتدعا. أعد قراءة رسالته هذه وسوف تفهم مثلما فهموا عن ميله لهذا القول في هذه الرسالة دون غيرها، ولم يتبرأ منها قبل موته.
وعلى العموم انا اردّ على الفكرة والاستنتاجات التي ذكرها عن فناء النار ، بغض النظر عن قائلها. وشكرا لك.
اقتباس:
ردحذف"وعلى العموم انا اردّ على الفكرة والاستنتاجات التي ذكرها عن فناء النار ، بغض النظر عن قائلها"
الرد:
معذرة منك أ. وراق أنت لا تستطيع تأكيد ميل ابن تيمية رحمه الله لمسألة فناء النار، ولا أحد يستطيع لخلو الشواهد، ونعلم جميعنا طريقة شيخ الإسلام في تقديم الأقوال، ومع ذلك كله اتهمت الشيخ بالقول بخلق صفات الله وميله للمعتزلة تارة أخرى ثم تأتي وتقول أنا أرد على الفكرة والاستنتاجات!!
تشخصنت على ابن تيمية رحمه الله دون تأكيد مطلق لنسبة صحة أقواله، وتعرف أن فكرة التلميذ ليست دائما كفكرة الأستاذ ومع ذلك أوردتها ضده عند استشهادك بحادي الأرواح لابن القيم رحمه الله.
سامحنا وسامحك الله وغفر لنا ولك..
تلميذك الدائم المحب
الرجل ذكر ثمانية ادلة مستنبطة عن فناء النار ، ولا يذكر لمن هذه الآراء، ولم يرد عليها ، ويضعها في كتابه ، ولم يتبرأ منها، وهذا تلميذه يقول مثل هذا الكلام، ولم يقل نصاً أن النار لا تفنى، وهو لم يرد على من قال بفناء النار، مع أن عنوان الرسالة (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) ، وقال أن أهل الاسلام أجمعوا أن الجنة والنار لا تفنيان، عليك أن تقدّم لنا ردا صريحا منه يبرّؤه من هذا الكلام وأنا معك على طول. خصوصا وان هذا له ما يؤيده وهو تلميذه ابن القيم الذي يرى بفناء النار، وايضا تلميذه يشهد ان شيخه ابن تيمية مال الى فناء النار ، وقال في كتاب آخر انه توقف في المسألة ، فمرة يميل ومرة يتوقف، وهذا لا يعني أنه ضد فناء النار، فهل نكون نحن اعرف بالشيخ من تلميذه ؟ أم ان شهادته مجروحة ؟ كل هذا يجب ان ترد عليه ، أنا لا أتهجم على احد ، ولكني أنتقد ما كُتِب، سواء قاله ابن تيمية أو غيره ، أنا أرد على الفكرة. لو كان غير ابن تيمية لقلت ببساطة أنه مال لفناء النار، نحن لا نقدّس أحداً. وابن تيمية بشر مثل غيره يخطئ ويصيب، و كل انسان له حسناته وله سيئاته.
حذفوابن تيمية هو من ذكر في رسالته أن صفة العذاب مخلوقة ، لأنها ليست من لوازم ذات الله ، وبالتالي العذاب مخلوق، والمخلوق له انتهاء. وهذا كلام المعتزلة، و قد استدركتُ وقلتُ أنه فيما نعرفه أنه يخالفهم ، لكنه هذه المرة وافقهم ، بنصّه .
يا اخي ابن تيمية لما جاء يتكلم عن النار بعد ان اثبت دوام نعيم الجنة ، قال : "الفرق بين بقاء الجنة والنار" ، ثم أورد النقاط الثمان التي واضح أنها ترجّح فناء النار، وجعلها آخر الرسالة وختامها. و الدليل الكبير أنه يقول : (الفرق بين فناء الجنة وفناء النار) أي ليس حكمهما واحدا عنده، وإلا لم يكن بينهما فرق، ويكون حكمهما واحدا، فكيف تأتي لتبرؤه من شيء قد قاله وشهد عليه تلميذه ؟
لاحظ أنه قال (الفرق بين بقاء الجنة والنار شرعا وعقلا) أي أن هذا كلامه هو ، ولم يقل (الأدلة على دوام النار) ايضا ، بل قال (الفرق) .. فهل تريد أن تبرئ أحدا من شيء قاله حتى لا يكون يخطئ ولا خطأ واحدا ؟ ابن تيمية مجتهد وليس معصوما، ورسالته أمامك واقرأها.
هذه العبارة : "وأما النار وعذابها فلم يخبر ببقاء ذلك، بل أخبر أن أهلها لا يخرجون منها." هي من كلام ابن تيمية في نفس الرسالة. الشخص الذي يكتب كلاما ولا يحيله لأحد ولا يرد عليه ويمهّد له ايضا من كلامه، فكيف لا يكون كلامه ولا ينسب له ؟ اذن ينسب لمن ؟
اقرأ هذه العبارة أيضا : الخامس: أنه قد ثبت أنه يدخل الجنة من ينشأه في الآخرة لها ويدخلها من دخل النار أولا ، ويدخلها الأولاد بعمل الآباء ، "فثبت أن الجنة يدخلها من لم يعمل خيرا" ، وأما النار فلا يعذب أحد بذنوبه، فلا تقاس هذه بهذه.
مع أنه الله يقول (وأن ليس لإنسان إلا ما سعى) فكيف يدخلها الاولاد بعمل الاباء ؟
واقرا هذه العبارة أيضا : "فالنعيم من موجب أسمائه التي هي من لوازم ذاته فيجب داومه بدوام معاني أسمائه وصفاته. و أما العذاب فإنما هو من مخلوقاته، والمخلوق قد يكون له انتهاء مثل الدنيا وغيرها، لاسيما مخلوق خلق تتعلق بغيره."
المعتزلة هم من يقسمون الصفات الى صفات ذات وصفات فعل ، أي مخلوقة، وهنا وافقهم. أنا لا أقول من عندي شيئا.
وانظر ماذا يقول عن قسمته للتعذيب ، فتعذيب بحكمة مثل العقوبات الشرعية في الدنيا، وتعذيب بلا حكمة، وهو التعذيب الدائم : "وأما خلق نفوس تعمل الشر في الدنيا وفي الآخرة لا تكون إلا في العذاب، فهذا تناقض يظهر فيه من مناقضة الحكمة والرحمة ما لا يظهر في غيره." هذه العبارة تعترض على أن يكون هناك نفوس تعمل الشر في الدنيا ولو ردت في الآخرة لعملت الشر ، بأن هذا ليس من الحكمة، أن يُخلقوا فضلا على أن يعذّبوا عذابا مستمرا، وهذا مخالفة للنص القرآني الذي يقول (خالدين فيها أبدا) ، والذي يقول (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) . واضح أن العذاب ن وجهة نظره ليس دائنا ، لأنه لو دام لصار على غير حكمة ولا رحمة، وحاشا الله سبحانه وتعالى وهو ارحم الراحمين.
ما زلت أقول لك أني انقل كلامه من رسالته، وكلٌّ يؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذه القبر كما قال الإمام مالك. أما قولك أن هذه هي طريقة الشيخ ، فكيف تكون طريقة الشيخ ؟ أن ينقل كلام غيره ولا يرد عليه ؟ هل هذه طريقته؟ هذا غير أنه لم تأتي هذه النقاط في سياق النقل ، بل قدّم لها بقوله بعد أن تكلم عن دوام الجنة (الفرق بين بقاء الجنة وبقاء النار) ثم ساقها ، ولم يرد عليها، أي أنها له ، و جل من لا يخطئ، و قد رد العلماء على هذه الأفكار بردود كثيرة، هو اثبت في الرسالة دوام الجنة ، لكنه لم يثبت دوام النار، وساق ثمان نقاط تدل على فناء النار، فكيف تأتي لتقول أن الشيخ لا يقول بفناء النار ؟ وحجتك أن هذه هي طريقة الشيخ ؟
وفي الاخير لن تتاثر مكانة الشيخ ومجهوداته إذا قلنا أنه اجتهد في مسألة وأخطأ فيها. وشكرا لك..