الأربعاء، 21 مايو 2014

التعلم الحقيقي عكس السائد



التعلم يأتي بالحاجة وليس بالتعبئة كما يفعلون في المدارس، فليست الذاكرة وعاء نملأه بما نشاء متى مانشاء. عندما تكون هناك حاجة يكون السؤال ثمين والجواب أثمن، و أي شي فيه مهارة حتى تعرفه تحتاج الى أن تقوم بتجريبه، لهذا لا يمكن لأحد أن يتعلم ميكانيكا بشكل نظري، أو تعلم الهندسة الحقيقية بالنظري. لو معلومات الأكاديميين تنقل الى التجريبيين لوجدت معرفة حقيقية ، فالمعرفة التي فيها مهارة تحتاج الى التطبيق العملي والتجريب ، لكن هناك موضوعات لا تحتاج الى تجريب ، مثلما لو تسمع لقصة أو شعر ..الخ. و تحويل النظري الى عملي بحد ذاته هذا يحتاج الى دراسة، فالماء يكذب الغطاس، فالتعلم الحقيقي يكون من العملي الى النظري، وهنا يكون للأستاذ قيمة .

التعليم النظري يضعف شخصية المتعلم ويحسسه بالغباء والضعف وتكثر اسئلته، لأن الأستاذ يتكلم عن أمور كثيرة بدون ملامسة وكلها وصفية، والطالب يكون تحت رحمة شرح الأستاذ وعباراته الوصفية ويقف عند أول ماقاله الأستاذ ولا يستطيع مسايرته.

 التعلم يحتاج الى موازنة الشعور مع الواقع وتكوين فتحات جديدة للشعور.

من الخطأ فكرة: ابدأ من حيث ما انتهى الآخرون، فمن سيفعل هذا سيأخذ النتائج دون أن يعرف كيف تم التوصل لها، وهذا مايسمى بالتعليم المعلب أو التعليم المغلف ، وهو تعليم يعتمد على الحفظ ، وهو يحسسك بالضعف وعدم الانطلاق .

نسبة ما أضافه الأكاديميون في العلم أقل بكثير مما أضافه التجريبيون، والعلماء الحقيقيون هم العلماء الموسوعيون الذين بدأو من الصفر. وحتى العلم الحديث لن يطوره الأكاديميون، وسيحتاج الى علماء تجريبيين موسوعيين يبدؤون من الصفر ، حتى أبحاث الجامعات والابتكارات أكثرها لطلاب و لهواة وليست لمختصين ، ثم تستفيد منهم الشركات لاحقا.

نقل المعرفة يحتاج الى تلميس الشعور لهذه المعرفة ، لكن هذا التلميس يختلف من موضوع الى موضوع، فهناك أمور يكفيها المشاهدة ، وأمور تحتاج الى سماع، وأمور تحتاج الى ملامسة وتجريب ، فمثلا حينما نتكلم عن وصف حيوان من الأفضل أن أشاهده بدلا من وصفه، لكن حينما أقول مثلا أن فلان توفي في مدينة كذا فلن يحتاج الى مشاهدة مكان الوفاة، وحينما أتكلم عن مقطوعه موسيقية لابد من السماع .


و أجمل تعليم هو مايكون فيه تناسق بين النظري والعملي ، والأساس فيه العملي ، وهكذا يتم التعليم الحقيقي. وأي متعلم حقيقي عليه أن لا يفكر بالإتقان والنجاح على أنه هو الغاية فقط.

 الذي يبدأ من الصفر سيكون لديه معرفة مؤسسة ، فمثلا حينما تعرف أصول اللغة وجذورها ستكون أقدر على الإبداع اللغوي ممن يعرف اللغة بشكلها النهائي، فالذي يعرف أصل كلمة "سبب" وهو من حبل الخيمة أفضل ممن يعرف كلمة سبب بمعنى علّة، والذي يعرف أن أصل كلمة شجن هو الغصن أفضل ممن يعرف معنى كلمة شجن بشكلها النهائي وهي أسى وحزن, وحينها أي كلمة تقولها تعرف معناها. الطفل يحتاج الى يبدأ بالتعليم من الصفر، وهو يتعلم المشي واللعب والجري والكرة بشكل عملي وبنفسه، لكنه يحتاج الى بعض التوجيهات، وهكذا يجب أن يكون بقية تعلمه .



هناك 3 تعليقات :

  1. حفظك الله أستاذ الوراق و فتح عليك
    هناك مسألة لو سمحت أن تكتب لي فيها و هي مسألة التعايش بين المذاهب الاسلامية و هل هناك مذهب هو الحق و هل يجب أن تفند أباطيل المذاهب و من الذي يفندها ؟! بارك الله في علمك و عملك

    ردحذف
    الردود
    1. قال تعالى : (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء) في الأساس فكرة التمذهب خاطئة، لأن هذا القرآن موجود وبين أيدينا، والقرآن يجمّع ولا يفرّق، ولم يختلفوا على القرآن بقدر ما اختلفوا على آراءهم والأحاديث التي يبدون بعضها ويخفون بعضها، ويركزون على بعضها ويهملون بعضها، والآراء أيضا.

      التمذهب أساسا هو إتباع وجهة نظر عن الدين كيف نتناوله وكيف ننظر إليه. ومهما تسأل من علماء لا بد أن تجد شيئا من الإختلاف فيما بينهم، هذا الإختلاف إذا تهيأت الظروف له أن يكبر سيتحول إلى مذهب أو مذيهب، لأن فكرة التمذهب هي إتباع بدون بصيرة، والإتباع بدون بصيرة مخالف للقرآن. قال تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) هذه سبيلي أي هذا منهجي ومنهج المسلم الحق، أي لا يقبل شيئا إلا عن بصيرة واقتناع وعدم تناقض، أي نور ووضوح وليس ثقة فقط. بحيث لا يتبقى لديه أسئلة مكتومة، أو اعتراض صامت. والبصيرة هي التي تصنع الإنسان المؤمن الواثق بعقله ودينه والمستعد لأي نقاش وجدال، لأنه أصبح هو صاحب الفكرة، حتى لو كان أخذها من غيره، فهو أخذها على بصيرة وصارت جزءا منه. فالإتباع يكون على نوعين : إما إتباع على بصيرة، أو إتباع على ثقة. إلا إذا كان التمذهب على بصيرة كاملة وهذا نادرا ما يكون.

      التمذهب في حقيقته يؤدي إلى التفرق، والتفرق يصنع العداوة، وعداوة الإخوان تؤدي إلى الضعف. والله يقول (وكونوا عباد الله إخوانا) ويقول (إنما المؤمنون إخوة). لكن هذه المذاهب ضاربة في القدم ومنتشرة بين الناس ومن الصعب زحزحتها أو إزالتها بالهجوم عليها، لكن ينفع التذكير بالأصل والجامع، وهو القرآن وأساسات الإسلام، لأنهم سيعتبرون أي نقد موجه لهم هجوما عليهم. والله تعالى يقول (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) ولم يقل هاجموهم واكشفوا أخطائهم، وأسلوب الأنبياء في الدعوة يركز على ما عندهم من بديل ومشتركات، وليس على نقد وتجريح وتخطئة معتقدات من يدعونهم إلا في أساساتهم بخصوص عبودية الله، ولم يدخلوا في التفاصيل، كما قال تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) فالتركيز على المشتركات أولى وأجمع من التركيز على الإختلافات. وهذا منهج القرآن لمن أراد أن يتبع القرآن. حتى المشركين خاطبهم الله بسؤال عن المشترك (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون). فالتفرقة بسبب الدين أو المذهب هذه من أسباب الصراع والمشاكل في العالم كله، فما بالك بين مسلمين يؤمنون بإله واحد ويتوجهون إلى قبلة واحدة؟ وحرية الأديان والمعتقد من المبادئ الأساسية لإتفاقية حقوق الإنسان، والقرآن نفسه يقر بهذا قبل هذه الإتفاقية ويقول (لا إكراه في الدين) و(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وهكذا يجب أن تكون نظرة المسلم الداعي، يبحث عن نقاط الإتفاق وليس عن نقاط الإختلاف، حتى مع غير المسلمين، كما فعل القرآن، وسوف تجد دائما أن هناك مشتركات مع المسيحي ومع اليهودي والهندوسي وغيرهم، تكاد تنعدم المشتركات العقدية فقط مع الملحد لأنه لا يقر بوجود إله أصلا، لكنك تجد معه مشتركات إنسانية ومدنية، فالإنسان محترم في دين الإسلام أيا كان ما لم يعتدي.

      والمسلم بموجب القرآن متعايش مع غير المسلمين حتى، ورسول الله تعايش مع قريش 13 سنة ولم يعتدي عليهم، لكنهم هم من اعتدوا وطردوا المؤمنين من أموالهم وأهليهم، وما كانت غزوة بدر وفتح مكة إلا جزاء لإعتدائهم وتآمرهم، أي دفع أذى، لأن الله لا يحب المعتدين. هل رأيت اليسر والتسامح والتعايش الذي يقدمه القرآن؟ هل المذاهب تقدّم مثله؟ قال تعالى (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولدي دين) هنا قوة الإيمان، أن تستطيع أن تتعايش وتحافظ على الحق الذي عندك ولا يجرفك الطوفان.

      كلمة مذاهب تعني الذهاب ومأخوذة من الذهاب، والذهاب إبتعاد عن الأصل، ألا تلاحظ أنه كلما يمر عليها الزمن كلما تتشقق أكثر إلى مذاهب وشيع جديدة؟ فهو قد كان مذهبا واحدا ثم تحول إلى مذاهب مختلفة، مع أن الأصل أن يبقى الدين ثابتا، لا أن يتطور ويتشقق، لأن الوثيقة الاساسية المعتمدة في الدين هي القرآن، وهي ثابتة لا تتطور، لو كان الدين يجب أن يتطور مع الزمن لأنزل الله أنبياء لكل فترة. ألا تلاحظ أن المذاهب سريعة التأثر وتتأثر بالبيئة؟ حتى قالوا عن الشافعي أن فتاواه اختلفت في مصر عن فتاواه السابقة في العراق، فهل الدين تغير؟ الذي يتغير إذن هو النظرة للدين وهي مجهود شخصي، لهذا نقول أن التمذهب هو إتباع لرأي شخص أو أشخاص، أي كيف ينظر للدين في هذا الظرف وهذا الزمان وهذا المكان ..

      يتبع

      حذف
    2. الله لن يسألنا عن المذاهب، بل عن آياته. الله يخاطب الكفار في جهنم يقول لهم (ألم تكن آياتي تتلى عليكم) ولم يقل المذاهب. اذن حبل الله هو هذا الكتاب العظيم، وهو الذي سوف نُسأل عنه هل اتبعناه وتدبرناه، ومعنى التدبر هو الإتباع، أن يكون أمامنا ونحن دبره، أم أننا أوّلناه وفسّرناه كما نريد ونسخناه وغلّبنا السنة عليه وما إلى ذلك؟ ليس هجر القرآن بعدم قرآءته بل بعدم إتباعه، أو إتباعه جزئيا. اذن عليك أن تنظر أي المذاهب سواء الموجودة أو المندثرة، أيها أقرب للقرآن بدون تأويل ولا تغيير، سوف تجد أن كل مذهب فيه شيء من إتباع القرآن لا يخلو. لكن أيها الذي اتبع القرآن بالكامل كما أنزل؟ بدون إدخال منهج بشري عليه؟ هذا هو المطلوب.

      أما من يسمون بالقرآنيين، فهؤلاء أدخلوا منهجا صنعوه من خارج القرآن وأقحموه على القرآن. فافترضوا أن ألفاظ القرآن لا ترادف فيها، وإذا وجدوا ترادفا ذهبوا إلى تأويله. لم يتبعوا إحالات القرآن كإحالته على العقل وعلى الرسول و على المعروف والمنكر وعلى اللغة العربية، بل هم لا يثقون بقواميس اللغة العربية كلها، ويفسرون ألفاظ القرآن من القرآن وكأنه لا توجد لغة عربية أنزله الله بها. ولا يثقون بكل التراث، حتى التراث الجغرافي واللغوي والأدبي، فهل هذا إتباع للقرآن؟

      أما موضوع الأحاديث والسنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام هو أول من أُمِرَ أن يتّبع ما أنزل عليه من ربه، والله سماه رسولا ولم يسمّه مشرعا، لأن الحكم لله وحده، والشرع حكم، والله أمرنا بإتباع حكمته. في الأخير : كل ما نسب للرسول يجب أن نعرضه على ما أمرنا نحن وهو بإتباعه وهو القرآن، فما وافقه ولم يتعارض معه فهو صحيح وواجب الإتباع. أما ما ناقض القرآن فيجب التثبت والتروي، لأن الله أنزل القرآن وأحكم آياته وحفظه بنفسه ولم يوكل حفظه لأحد، وأمر الرسول والمسلمين كلهم بإتباعه بشكل كامل، بنصه وتوجهه واهتماماته وإحالاته، وأمر أن يكون القرآن مهيمنا على الدين كله، والمهيمن يستحق أن يُعرض عليه كل شيء، سواء ورد أم لم يرد، وهو مهيمن على الديانات الأخرى أيضا. وحكمة رسول الله إذا ورد منها ما يتفق مع القرآن فهذا نور على نور، ورسول الله يعلمنا الكتاب والحكمة، بشرط ألا يناقض ما نُسِبَ له كلام رب العالمين المحفوظ. قال تعالى (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) وحاشا رسول الله أن يتقوّل ما يخالف به كلام ربه وهو الذي خُلُقُه القرآن والله أثنى على خُلُقِه وقال (وإنك لعلى خلق عظيم) وأُمِرَ باتباعه وعدم مخالفته، ومن الإتباع عدم المخالفة.

      والمسلمون كلما اقتربوا من القرآن كلما اتفقوا وصلحت حياتهم حتى مع غير المسلمين، وصلحت آخرتهم. هذا الكلام العظيم كتاب الله الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. وهذا لا يعني رفض أي مذهب بالكامل، بل بنفس الأسلوب : يُعرض على كتاب الله ويؤخذ ما فيه من الحكمة. فالحكمة ضالة المؤمن كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكذلك الإنطلاق من المُتَّفَقات.

      نحن أمة مسلمة برغم فرقها ومذاهبها، إلا أنهم تجمعهم قبلة واحدة وشهادة لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكن بينهم إختلافات تزداد وتنقص تبعا لتراكمات من التاريخ والسياسة والجغرافيا والجهل وما إلى ذلك. فعلى هذا الأساس ينبغي قبول الآخر وتحبيبهم بالجامع وهو القرآن والتركيز عليه، هذا الأسلوب أفضل من أسلوب التجريح والتجريح المتبادل الذي يزيد من الهوة. قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) وقال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) أي يذكرهم بالجامع فيما بينهم، أنهم يؤمنون بالله الاله الواحد وبؤمنون بالرسول الواحد والدين الواحد، وأنهم أخوة، وأن عليهم أن يعتصموا بحبل الله وهو القرآن وما والاه.

      وما كثرة المذاهب وتشققها إلا بسبب البعد عن القرآن وإتباعه، لهذا سيقول الرسول يوم القيامة (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)، لهذا كثير من المذاهب والفرق لا ترتبط بالقرآن، لأنه يحد من إنطلاقتهم ويجمعهم مع غيرهم، فيركزون على شواذ الروايات وشواذ الآراء من العلماء والفقهاء السابقين، ثم لماذا توجد مذاهب أصلا؟ إلا بسبب فكرة أن القرآن ناقص، وإذا قلنا أن القرآن ناقص وهو كلام الله، إذن كأننا نتهم الله بأنه ناقص حاشاه سبحانه. الله يقول (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) ألا يكفي هذا للهداية؟ وإذا اتبعناه ألن نصل إلى التي هي أقوم؟ ألا يكفينا أن نصل إلى مرحلة "التي هي أقوم"؟ هل أخبرنا الله أن القرآن ناقص ويحتاج لتكميل آراء ومذاهب؟ طبعا لا، الله أخبرنا العكس، بأن القرآن كامل ودينه كامل ولم يفرط في الكتاب من شيء. إذن هناك خطأ في الفهم منّا كبشر، وحاشا أن يكون الخطأ من الله. و كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون كما ورد عن رسول الله.

      يا ترى هل الله يريد لنا هذا التشقق والابتعاد الذي جاء نتيجة للمذاهب والتعصب؟ طبعا لا، بل كان يريد منا أن نكون أخوة.

      حذف