الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

رد على شبهة أن الله ظالم (5)

حوار مع أحد زوار المدونة :

"على العكس تماماّ كلامك منطقي جدا ولكن ثمة امور لااستطيع ان اتجاهلها وهي فكره كل الاديان تتفق عليها الا وهي الدعاء هل ان دعوت سيستجيب لي الخالق هذا الدعاء فهي من الامور الحسيه التي تنسف الالحاد ولكن كثير هم الذين تركوا الدين لان الخالق لم يستجيب لرغباتهم بالدنيا كنوع من الانتقام منه فهل ان دعوت ولم يستجيب دعائي ليس دليل على عدم وجوده كيف ذالك وانتم تقولون انه يستجيب للدعاء تحياتي ارجوا ان لا تتاخر بالرد واعتذر عن ركاكه الكلمات فانا امر بظرف مؤلم"

عندما نأتي بدليل حسي لا يمكن أن يتطرق إليه الشك، هنا لا داعي للإيمان ، و وقتها لا قيمة للإيمان ، هذا من ناحية .

لن تؤمن ما دمت تطالب بدليل حسي، لأنك لن تجده. الله جعلنا بين خيارين كلاهما قابل لأن يوجد له تبريرات وأدلة، فينظر ماذا نختار : الطريق الذي يؤدي للخير وهو الايمان بالله ، ام الطريق المؤدي للشر (بغلاف المصلحة) ، وهو الالحاد .

ثم : أنت تنظر إلى أن الإلحاد هو الاساس، ولن تخرج منه الا اذا جاءك دليل حسي ، بأي حق جعلت الالحاد هو الاساس ؟ مع أن العقل مع الايمان بوجود اله وليس مع الالحاد ، فضلا عن الاحساس . ليس عجيبا ان يؤمن الانسان، بل العجيب ان يلحد!

أما مسألة ربط الايمان بالله بإجابته للدعاء ، فهذا أولاً استكبار على الله واختبار له ، مع أن الذي يختبر هو الله وليس العبد. ثانيا : افرض انك دعوته وأجاب لك مرة ، سيأتيك الشك مرة اخرى ، ستقول : يجب أن يجيب كل مرة حتى يزول الشك عني ، واذا اجاب لك كل مرة، فمنطقيا سيجيب لكل من يدعونه في كل مرة يدعونه ! اذ يوجد غيرك من الداعين ، فهل هذا معقول ؟ هذا خادم وليس إله ! ثم : هذا يريد شيئا وهذا يريد عكسه، وهذا يريد ان يدمّر هذا ! فكيف تتم الامور ؟ رجل يدعو الله ان يكون غنيا ، و آخر يدعو ان يكون هذا الداعي فقيرا ! من سيستجاب له ؟ (إنما يتقبل الله من المتقين). اذن فكرة اشتراط ان يجيب الاله لنا في كل مرة ندعوه فكرة خاطئة منطقيا قبل ان تكون خاطئة اخلاقيا مع الله ، وغير قابلة للوجود .

اذن نخرج الى فكرة انه يجيب ما يشاء لمن يشاء ، و يؤجل ما يشاء ، أو لا يستجيب اذا كان شرا ، بالتالي ضاع اختبارك المنشود و دليلك الحسي . اذن هذا الطلب أصبح باطلا ، أن تختبر الله بالدعاء، فإن اجاب فهو موجود وان لم يجب فهو غير موجود ! وهي فكرة لا تصمد امام العقل، ودوافعها عاطفية و انانية.

لن يقدم الله ادلة حسية كاملة، لأنه يختبر النفوس الشفافة التي تحب الخير وتهفو إليه، ويطالبهم بالإيمان، وهو يدع فرصة للذين يثّاقلون الى الارض والواقع ان يجدوا مبررات كي يزدادوا كفرا لكفرهم . الله لم يطالب المؤمنين بالقطع العلمي، فهناك فرق بين العلم والايمان. والله يقول (كلا سوف تعلمون) ويقول (كلا لو تعلمون علم اليقين ، لترون الجحيم ، ثم لترونها عين اليقين) ، وهذا يعني عدم وجود علم اليقين بالكامل في الدنيا ، وقال تعالى (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) ، وقال عن الكافرين (الظانين بالله ظن السوء ، عليهم دائرة السوء) وهنا دقة ، أي الجميع يظن . اذن ماذا بقي ؟ بقي الاختيار وطيبة النفس من رداءتها، فالنفس الطيبة تحب ان يوجد اله عادل وتحب ان تشكره، والنفوس الرديئة تحب ألا يكون اله وان تكون الامور فوضى وبطش للاقوى وبلا حساب. هذه هي الحكاية، مع ان العقل والمنطق مع النفوس الخيرة، والشطحات والجنون مع النفوس المنحرفة.

اما قوله تعالى (ادعوني استجب لكم) وقوله (أمن يجيب المضطر اذا دعاه) فالدعاء لا يعني استجابة الطلبات بالكامل، لأن الله يقول في آية أخرى (وآتاكم من كل ما سألتموه) ولم يقل : كل ما سألتموه . و قال (إنما يتقبل الله من المتقين)، وهذا تخصيص. والله يقول عن اصحاب الجحيم (فادعوا وما دعاء الكافرين الا في ضلال) ، اذن من الخطأ الزعم أن الله يجيب طلبات الجميع . هذا لا يجوز لا عقلا ولا نصا ولا واقعا، الله فعال لما يريد هو وليس لما نريد، لأن الله احكم واعلم. و اذا كانت فكرتك هذه عن الدعاء موجودة في الاديان، فهي غير موجودة في الاسلام الحقيقي .

القرآن لا يُفهم من آية واحدة. هذا غير أن اية (ادعوني استجب لكم) لا تدل بالضرورة على انها اجابة طلبات، مثلما حين تدعو أحدا ، ليس شرطا أن تطلب منه شيئا، فالدعاء نداء. واذا كان الله سيجيب دعوات كل من يدعوه، لم يعد الها وليس له من الأمر شيء ! سبحانه وتعالى عن هذا ، لأن طلباتهم ستتحكم به ، وهذا غير وارد ، قال تعالى (ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات والارض) وقال (ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير وكان الانسان عجولا) .

لكن المؤمن يلمس اجابة الله لدعائه ولطفه وحنانه، حتى في احلك الظروف، لأن الله جعل مع العسر يسرا . وما لم يجبه الله يدري المؤمن ان الله لم يُضِعه ولن يضيّعه، سواء في الدنيا او الاخرة. قال تعالى (نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع اجر المحسنين ، ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا و كانوا يتقون) ، أي ان من لم يستجب لهم لا يُضِيع أجرهم. ولكن إذا أنت آمنت بالله حقا وسلمت نفسك له ، وهذا المهم في الامر ، سوف تلمس بنفسك أن الله معك، ويجيب لك كثيرا من دعاءك، ويرزقك من حيث لا تدعو، و ربما لا يجيب دعاءك لأنه كان فيه ضررك، و سوف تعلم ان عدم اجابته لك هي خير لك، من واقع حياتك، وهذا ما حصل ويحصل لي.

ثم إن تحديد إجابة الدعاء بزمن، هذا غير دقيق ولا حكيم . قد تدعو الله وتقول لم يجبني ! هل انتهت حياتك حتى تقول انه لم يستجب ؟ ربما يأتيك ما تطلبه و أكثر ، لكن بعد مدة، لأن الله يفعل ما يشاء هو وليس ما نشاء نحن. قال تعالى (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ، ألا إن نصر الله قريب).

الله ليس بابا نويل ، يوزع الهدايا بلا حساب. الله شديد العقاب وشديد الحساب ، ويستحق الخوف والخشية، و هو لطيف وجميل وعظيم بنفس الوقت. لا يُختبر على طريقة العواطف الفجّة. الله نحن من نحتاجه وليس هو من يحتاجنا. الله يستحق الوقار والتعامل بالحسنى ، (وما قدروا الله حق قدره) .

هذه النظرة المائعة لأب يدلّل ابنائه ، فكرة خاطئة جدا عن الله ، فالله هو الحنون واللطيف ، و هو المرعب والمدمر، وهو النافع وهو الضار. لهذا اكثر من يلحدون يلحدون بدوافع عاطفية، وبالتالي هم عاطفيين وليسوا عقلانيين ، لسان حالهم يقول "لماذا طلبته ولم يعطني ! اذن سأنتقم منه وأكون ملحدا" و كأنها قضايا كيدية !

كونك تنتقم من شيء فهذا يدل على انه موجود . هناك طريقان للالحاد : الطريق العاطفي وهو الاكثر ، والاخر العقلاني وهو القليل، ان وجد اصلا, لأن العقل السليم لا يمشي مع الالحاد ابدا ، ويحتاج لعمليات غير منطقية وكسر للمنطق وتزييف للحقائق، ولا يستمر، مثال ذلك انتوني فلو، زعيم الملاحدة في زمنه، الذي تراجع بعد ان جرّب الحياة لثمانين سنة من البحث والفلسفة.

هذا ما عندي ، وشكرا جزيلا ..

هناك تعليقان (2) :

  1. العقل يرفض الايمان بشي لايوجد عليه ادله حسيه والعقل ايضا من خلاله اخطوا خطوات للالحاد لقد تطرقت في ردك لعدم وجود دلائل حسيه على وجود خالق لان ذالك يفقد الايمان رونقه وبريقه وزخاريفه ولمعاته !! وتضعنا امام تناقضات غريبه كيف اؤمن بخالق طالما انه لايوجد دلائل حسيه على وجوده وانا لم الحد لامور نفسيه وعاطفيه انا متطلع واعمل العقل في هكذا مواضيع هل يعقل هناك خالق يتحكم بمالي ورزقي وانا استيقض باكرا لاذهب للعمل ومراجعه املاكي وترتيب المال وتوزيعها للعاملين في شركاتي ثم تقولون هذا من الخالق ! هذه سرقة حقوق انا اتعب واعمل ثم تقولون هذا من فضل خالق السما والكون! الا ترا ذالك تهريج ومزح ه سخيفه ثم مالداعي لهذه الاختبارات لكي يرا نصبر او لا نصبر طالما انه يعلم النتيجه مسبقا فهذا يعتبر سيناريو معد مسبقا من قبل خالق ونحن ممثلين ملتزمين بالنص فقط ! لماذا هذا التعتيم على وجوده ليظهر لنا لكي نؤمن به فالحقيقه لاتقبل الشك والجدال فيها . فالحق الذي يجوبه الشك والريبه ولو واحد بالميه هذا ليس بحق هناك نسبه عاليه من الالحاد حول العالم ناهيك عن الاديان المختلفه التي تقول انها حق وكلها تضرب بعضها البعض بحروب شعوا قاسيه والخالق يتفرج ويلزم الصمت !وتطلب مني الايمان في ظل هذه المعمعه والضوضاء دون ادله حسيه حاسمه حقيقيه فان طلبت مني هذا فانت تطلب مستحيلا

    ردحذف