يريد البعض اثناء نقاشه و نقده ، ان يتم تهميش
التفاصيل ، مع ان الكل ينبني من التفاصيل ، و صدق من قال : الشيطان في التفاصيل .
انه يريد ان تبقى الصورة التي قدمها على
حالها ، دون اعادة ترتيب ، مع ان هذا الترتيب قد يكون هو الحقيقي ، و ليس شرطا ان
ترتيب الصورة كما قدمه هو الترتيب السليم ، ثم بعد هذا والاسوا منه ، أنه لا يريد
ولا مناقشة التفاصيل ! كأنه يقول : اقبل كل شيء اقوله كما هو جملة وتفصيلا ! فلا
تمس الترتيبة التي اقدمها وايضا لا تدخل في تفاصيلها !! اذن كيف يكون الحوار ؟
هذا الاسلوب ، اسميه اسلوب الصخرة الملساء
المصمتة . فـ"اقبلها كما هي او ابتعد عنها ، فأجزاءها ممنوعة ، وكتلتها
ممنوعة من باب اولى " .. و لا شك ان هذه الفكرة استعلائية وهي في مضمونها
ترفض الحوار جملة و تفصيلا ، و ان كانت تقبله بالظاهر ، ما دام يتزحلق على اطرافها
ولا يمس داخلها ..
هذه النظرة للحوار ، اسميها بالنظرة
اليمينية ، طريقة الحوار اليميني ، حيث يبدو الاشمئزاز منذ اللحظة التي يمس فيها
تركيب الصورة كما يريدون . و يمكن تسميته ايضا بحوار المزاج . او حوار : "اتفق
معي ثم حاورني" .. او يسمى : حوار القوة .
و مع احترامي لوجهة نظرهم ، انا اعتبر هذا
النوع (الحوار اليميني) هو اسوأ انواع الحوار و الابعد عن البحث عن الحقيقة ؛ لانه
يرى ان الحقيقة هي ما يقدمه هو ليس الا ، على انها مسلمات ، فالحوار مثلا حول محنة
الشعب الفلسطيني و قضية الشرق الاوسط ، تبدأ عند الغرب اليميني بمسلمات ، و هي حق
اسرائيل في البقاء ، وأن الشعب الفلسطيني عربي ، والعرب لهم بلاد كثيرة ، و رفض
فكرة الارهاب - ليدخلوا فيها اي نوع من المقاومة - ، و الاعتراف بآلام اليهود
واحراق 6 ملايين في المانيا ..
اقبل هذه المسلمات ثم ناقش الغرب اليميني
في القضية ، مع ان كل المشاكل هي في هذه المسلمات الخاطئة .. لكن اي مساس لهذه
المسلمات يعتبر الحوار لاغي من جهتهم .
حوار الاقوياء هذا ، يحوّل الحوار الى
تفاوض ولا يجعله حوارا . و عالم الافكار لا معنى للقوة فيه ، فهو ليس مثل عالم
الاقتصاد او السياسة ..
في عالم الافكار لا توجد مسلمات ، الا ما
يتفق عليه الطرفان بموجب العقل المشترك . نعم لي الحق في تفكيك الصورة واعادة
تركيبها ، و للطرف الاخر الحق ايضا في ذلك ، فيفكك الصورة التي ركـّبتها و يعيد
ترتيبها ، والحوار مستمر دون التعرض لحق اي احد من المتحاورين في ابداء رايه .. يستطيع
غيري ان يسمي حواري بالحوار الراديكالي ان شاء ، كل هذا لا يهم ، المهم ألاّ اقبل
مسلـّمة مفروضة علي دون اقتنع و احس بها انا . هذا هو الحوار الاكثر حرية ..
نعم أنا ارفض طريقة الحوار اليميني .. و
كل حر في تفكيره يرفض هذه الطريقة . لانها تحمل املاءات في داخلها ..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق