السبت، 19 مايو 2012

اللادينيون والملاحدة : اتجاه معاكس بلا صدام ..


انكار وجود الاله هو كل ما فعله الملحد .. و الانكار لا يحتاج الى بحث .. إن الوجود هو الذي يحتاج الى بحث في العادة .. اي ان طلب الراحة يناسب من ينكر وجود الشيء اكثر من مناسبته لمن يثبت وجود الشيء .. فأن تقول : لا يوجد شيء في تلك الغرفة ، اسهل من ان تقول : يوجد فيها كذا و كذا و كذا .. النفي اسهل من الاثبات ، والملحد اختار الاسهل في البحث والتفكير ..

و في كتاب انتوني فلو : يوجد اله .. تلك الرحلة العقلية قد بدأت من الإلحاد ، و قد كان إمام الملحدين في زمنه ، ثم وصلت رحلته الى اثبات وجود سبب للوجود .. اذن رحلته بدأت من الاسهل الى الاصعب .. تناميا مع زيادة علمه وعقله و خبرته .. و اللادينيين في العادة هم الاكثر علماء من الملاحدة .. و على راسهم اينشتاين الذي يقدمه الإعلام كأكبر عقلية زارت الكرة الارضية .. فهل هو لم يبحث ايضا و لم يبلغ مستوى بحثه ما وصل اليه الملاحدة ؟

و ما دام انتوني فلو ملحدا في الاصل ، فماذا يقول الملحد عن بحثه الطويل الذي توصل به لوجود اله ؟ المفترض ان العكس هو الذي يكون ، اي ان يبدأ بوجود اله ، الى ان يثبت عدم وجود اله .. و لكن ما حدث هو العكس .. و هذا مثال على سهولة كلمة : لا يوجد ، و صعوبة كلمة : يوجد .. و يقولون في الامثال : الكسلان يعلم الغيب ..

العلماء الذين بحثوا ليكتشفوا وجود الجراثيم او الفيروسات ، هم بدأوا من : " لا يوجد جراثيم"  .. اي بدأوا من الاسهل الى الاصعب .. و منهج ديكارت ، وهو اساس العلم ، يبدأ من الشك ، اي نقض الوجود ، ثم يبحث لكي يثبت الموجودات ..

اذن الالحاد يقف وراء خط بداية السباق – و ليس خط نهايته - في مجال العقل و العلم .. الالحاد نقطة بداية و ليس نقطة نهاية .. فلا توجد نقطة نهاية تنتهي بالعدم .. إن العدم يصلح نقطة بداية .. اذن الالحاد في منطقة بدائية و ليست متقدمة في سلم البحث العقلي .. 

لا يصلح ان تقول لأحد ، و ليس من المعتاد عقليا .. ان تقول : ابحث لكي تكتشف لا شيء !! .. اذن الالحاد ليس مجالا للسباق العقلي .. أم ان تقول له : ابحث لكي تكتشف شيئا ؟!! ايهما اصح و الاقرب لطبيعة العقل ؟؟

هذا هو الالحاد ببساطة تكوينه : بحثٌ عن اللاشيء .. و رحلة الى العدم .. وهذا ليس من مجال مغامرات العقل البشري اصلا الذي اعتاد ان يبحث عن موجودات و ليس عن معدومات .. اذن يُتـَوصَّل الى الالحاد بسهولة : اكره الدين و اخرج منه ، تكن ملحدا .. ولا داعي لرحلة عقلية طويلة ..

إن الاثبات هو الذي يحتاج الى مجهود ، اما النفي والانكار فلا يحتاج إلا الى اتباع هوى نفس .. و ان قال احد للملحد : يوجد اله ، يقول له : احضره لكي اراه .. فأنا لن ابحث عنه لأني لا اريد تعاليمه ، لانها ضد رغباتي ..

كل شيء يحتاج الى اثبات ، ولا يوقفنا عن طلب الاثبات الا معارضته للمنطق .. و وجود اله لا يعارض المنطق ، اذن هو مجال بحث ، بل يؤيده .. اذن الواجب على صاحب العقل ان يتأكد .. على الملحد ان يثبت ان فكرة وجود اله غير منطقية .. اذا فعل هذا ساغ له ان يقول : لا تبحث عن اله ، لان فكرة وجوده غير منطقية .. و ما دام العكس هو الموجود ، اذن التوقف عن البحث عن اله هو توقف عقلي بهذا الخصوص ، ولا يوقف العقل في بحثه عن الموجودات الا الهوى والرغبة ، التي يتعارض معها اثبات وجود ذلك الاله ..

و لو كان البحث عن مـُوجـِد غير منطقي ، لما اضطر الملاحدة الى فكرة الصدفة كتعويض عن الاله .. و هي فكرة غير منطقية ولا واقعية .. ولهذا بدأوا يتهربون منها مؤخرا ..

الحقيقة أن الملحد خالف المنطق ، و كل بحثه هو ان يرقـّع هذه المخالفات ، من خلال التحايل و الانتقال مرة ، والاهمال مرة ، و التركيز مرة .. لهذا اقول ان اثبات وجود اله ليس اثبات وجود اله فقط ، بل اثبات للعقلانية ، وهذا امر يتعلق بكل من يريد ان ينتسب الى العقل .. فمن يثبت وجود موجد عاقل ، سيثق الناس باحترامه للمنطق و يثقوا بعقلانيته .. لان هذا اكبر دليل على احترامه للعقل والمنطق ..

اما من يـُرجـِع الى الصدفة ما لا تحتمله ، فهذا لا يجعل الناس يثقون به ، لانه سيُرجع اشياء اخرى بنفس الطريقة الى مسببات لا تحتملها ..      

لو اراد شخص ان ينفي وجود شيء ، والآخر يريد اثبات ذلك الشيء الغير موجود ، فأيهما سينشدّ العقل اليه اكثر ؟ الناس يستطيعون ان يتحملوا متابعة من يريد ان يثبت وجود شيء ، و لكنهم لا يفعلون ذلك مع من يريد ان ينفي وجود شيء .. و الملحد أيضا يعلـّق آماله على العلم لكي يثبت له شيئا و ليس لينفيه ..

مشكلة الملحد الحقيقية هي مع الدين و ليست مع المنطق .. هذا في الاساس .. لكن المنطق صار يقف مع الدين ، فاضطر الى محاربة المنطق و التحايل عليه ، مثلما فعل مع الاخلاق عندما اتفقت مع الدين ، والان بدأ يحارب العلم لأنه بدأ يخون الملحدين و يقترب الى فكرة الدين ..

يستطيع الملحد ان يقول : يوجد اله ، ولكنه غير الهة الاديان ، كما يقول اللاديني . لكن سيـُقال له : انت اثبتّ إلها موجودا ، و نفيت الاديان كمعبـِّر عن الاله ، اذن انت تتفق مع الاديان في وجود اله ! و الملحد لا يريد اي اتفاق مع الدين ، لأن كل اتفاق يجر منطقيا الى اتفاق اخر .. و سيُسأل :  ما هو البديل اذن ؟ و لماذا توقف بحثك ؟؟  الملحد يريد ان يبتعد عن الفكرة من الاساس .. لشدة كراهيته للدين .. فهو لا يتحمل وجود اله غير الهة الاديان .. فالالحاد اكثر راديكالية من اللادينية ..

ثم هل يستطيع العقل ان يبحث مباشرة عن عدم وجود ؟ العقل لا يبحث الا عن موجود . و اذا قيل : كيف يتم النفي اذن ، و هو موجود في حياتنا ؟ اقول : انه يتحقق باثبات شيء موجود اخر .. 

الالحاد اذن بريء من العقل والعلم كبراءة الذئب من دم يوسف .. لأن كل علم يتعلق بالموجود ، و الالحاد يتعلق بالمعدوم ..

وعندما يقول الملحد ان الاديان هي الدليل الوحيد على وجود الالهة .. هنا الان اسقط كل اللادينيين وكأنهم ليسوا موجودين .. !! الا يعلم انهم اثبتوا وجود اله من خلال العقل والعلم ؟؟ وليضف الى معلوماته : ان اللادينيين دليل اخر - عدا المؤمنين - على وجود اله .. ولا يليق ان يهمَّش وجودهم و وجهة نظرهم .. هذه حقيقة يجب اخذها في الاعتبار .. لتكون عبارة الملحد : لا يوجد دليل على الايمان الا المؤمنين و اللادينيين .. إلا إن كان الملحد ينكر وجودهم ولا يعتبر وجهة نظرهم شيئا يستحق الذكر ..

قد يقول الملحد : اما اذا ما فرضوا (اللادينيين) سبباً اول للخلق الذي قد يكون اله ، فهو افتراض الكسالى، اما اذا اردنا الاخذ بكلامهم ، فكيف سيثبت المسلم ان هذا الاله هو الله ، و قد تم دحض الدين الذي يدل عليه ؟

نقول : طبعا هو تم عنده ، وما تم عنده لا يعني انه تم عند غيره .. فانا مثلا تم عندي دحض الالحاد من جذوره ، و اصبح شيئا من الماضي ، ولكن لا يعني هذا عدم وجود ملحدين مؤمنين بعقيدتهم ..

ثم هذه تهمة جديدة للادينيين ، فهم كسالى و لا يفكرون !! و لماذا لا تكون هذه التهمة للملحدين ، فهي الاقرب منطقيا ان تلبسهم ؟ لان الكسلان دائما يقول : لا اعلم .. و لا يوجد .. ! هم لم يفترضوا و هم كسالى كما يقول عنهم .. هم بحثوا بعقول حرة ، و ليسوا منتمين لاي دين حتى يقول ان الايمان هو الذي دفعهم ، اذن هم النموذج المثالي للرد على الملحد .. والله اوجدهم لدحض حجج الملاحدة .. فهم يخدمون الايمان و هم غير مؤمنين ..   


وقد يقول الملحد : لانجد صداماً بين الملحدين واللادينيين ، لان اللادينيين لايفترضون اله معّرفاً بمسمى وصفات ورسل وكتب وأوامر ونواهي ( مما يعني أن المحصلة هي : لا اله )، كما ان اللاديني قد دحض الاديان فكيف يكون دليلاً عليها ؟!

نقول : نحن نتكلم عن فكرة عدم وجود اله ، و لسنا نتكلم عن الاديان .. و الملحد همه دحض الاديان !! اللادينييون دحضوا فكرة الملاحدة ! فلماذا لا يصادموهم ؟ ام ان الفكرة لا تهمهم ؟ فقط ان يدحضوا الاديان هو ما يهمهم ؟؟ اذن الملاحدة ليسوا مهتمين بمجال الفكر .. و الا لصادموا اللادينيين ! فهم يتعرضون لفكرتهم الجوهرية ويخطئونهم بالكامل فيها .. !!

هذا اكبر دليل على ان المسألة مسألة هوى و عداء خاص للدين ، و ليست المسألة مسألة فلسفة او بحث عن الحقيقة .. نعم اللادينييون لا يقرون بصحة الاديان كلها ، ولهذا لم يـُسـَمّوا مؤمنين بالدين .. فهم كافرون به ، وهذا موضوع اخر ..

نحن في موضوع وجود اله من عدمه .. و لسنا في موضوع صحة الاديان الموجودة ، و ايهّا اصح كموضوع ثالث لرحلة العقل .. فهذا موضوع يتناقش به المؤمنون دائما مع اللادينيين .. انا ارى ان اللادينيين فكروا ، و لكنهم توقفوا بعد اثبات وجود الاله ، بينما الملحد يرى انهم لم يفكروا ابدا و انهم كسالى ..

اما من يريد ان يثبت العدم ، فلا مجهود حقيقي له سوى محاربة الموجود ..

هذا اكبر دليل على ان الالحاد دافعه الهوى وليس المنطق .. ولو كان دافعه المنطق لناقش الالحاد كل من يعارض منطقه ، و ليس فقط اهل الاديان .. وهذه فضيحة كبرى على العقلية الالحادية .. التي تبين انها ليست الا مجرد هوى نفس و رغبة في الانفلات من كل قيد .. حتى ولو كان ذلك المنطق .. و اي شيء يرتبط باللاشيء يكون لا شيء ..  

الملحد في ورطة مع اللاديني ، فإن ناقشه تورط في منطقيته ، و ان تركه تورط في عدم منطقيته هو ، و عدم دفاعه عن فكرته بعدم وجود اله التي يثبتها اللاديني .. فهما متعاكسان .. و لكن بدون حوار .. 

هناك تعليق واحد :

  1. بدون كثرة فلسفة يمكن للملحدين ان يقضوا على الديانات بسهولة وهي فقط بفعل الأشياء التي يقول الدين انها مستحيلة .مثل القضاء على الموت او احياء شخص وهناك العديد من الأمثلة .

    ردحذف