مقتبس بتصرف من
جان بول سارتر : ما هو الأدب ؟
الكتابة
الادبية عند سارتر نوعان : شعر و نثر ، والنثر يصفه بأنه امبراطورية العلامات والدلالات
، بينما الشعر عبارة عن فن ، كالرسم والنحت والموسيقى .
سارتر
يفضل النثر على الشعر ، ويبدو انه كان ناقما من الاخير ، ويقول مقارنا بين النثر والشعر
: ان الكلمة في النثر تتميز عن الكلمة في الشعر ، فالكلمة في النثر اداة ، لكنها في
الشعر ليست كذلك ، انها الهة معبودة ..
سارتر
يرى ان الكلمة في الشعر لا يستطيع ان يتحكم بها الشاعر ، بينما الناثر يستطيع ان يستخدم
الكلمة ويستغلها في نصّه .
ويرى
أن الكلمة الشعرية عالم مصغر يحتوي عوالم جمة فيها ، و أن الشاعر فرد تائه في اراضيها
، بينما الكلمة النثرية يستعبدها الكاتب ويطوّعها لصالحه .
الرد :
لا يوجد شيء تسيطر عليه و
يمشي بأحكامك دون ان تحترم قوانينه ، هذه فكرة صبيانية ، فلو لم تحترم قوانين المرور
والحركة لاصطدمت بسيارتك في اول جدار ، ولو لم يحترم الطيار قوانين الطيران
والظروف الجوية لسقطت طائرته ، اذن الطائرة هي من يسيطر عليه وليس هو من يسيطر
عليها ، لأنه سمح لها ان تسيطر عليه استطاع ان يستفيد منها ..
فلسفة سارتر تدعو الى عدم
احترام اي شيء سوى رغبات الفرد و جعلها فوق كل القوانين والقيم والمتفقات ، و هذه
فلسفة رغباتية فجّة وغير ناضجة و منفلتة و تفضي الى عدم الاتقان والابداع ، ولا
تعتمد على اي منطق ، لأن من يطاوع هوى نفسه لن يصبر على اي تعب ، والثمار المفيدة
تحتاج الى تعب . هو لم ينظر للنثر والشعر من حيث قيمتهما وحاجة الناس لهما ، بل
نظر اليهما من حيث ما يتعبه وما لا يتعبه ! وايهما اكثر راحة له وعدم سيطرة عليه !
اساس فلسفة سارتر عبادة
الذات ، و جعلها محور الكون . وبما ان الذات غير معروفة صارت الرغبات محور الذات ،
والذات محور الكون .
اذا كان سارتر عجز عن
الشعر فليقل انه عجز عنه ، لا أن يذمه لانه عجز عنه ! وتقريره ان الكلمة في الشعر
تسيطر على الشخص هذا غير قابل للتعميم ، لان الشاعر الحقيقي يسيطر على الكلمة في
الشعر ، مثلما يسيطر سارتر عليها في النثر ..
وهناك نوعان من النثر :
نثر عادي يومي ، و نثر فني يشبه الشعر ، اذا كان يطلب السهل حتى يكون حرا فلن يكون
مبدعا ، الطفل وبائع العصير والكوّاي يفضلون النثر على الشعر في كلامهم مثل سارتر
، لانهم يسيطرون عليه أكثر من سيطرتهم على الكلمة الشعرية ، فهل هذا تعريف الحرية
عند سارتر ؟
يقول المتنبي معبرا عن
قدرته و طلاقته في الشعر وعدم وجود صعوبة مثل ما وجد سارتر :
انام ملء جفوني عن
شواردها .. ويسهر الخلق جراها ويختصم ..
وقالوا لابن الرومي : لم
لا تراجع شعرك ؟ فقال : لست بحاجة ، لأن كل ما في داخلي وضعته في هذا لشعر ، فاذا
راجعته فلن ازيد عليه ولن انقص .. بل هناك شعراء السليقة والارتجال و المحاورة
المباشرة ، فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه ..
سارتر خلط قدر نفسه بقدر
الشعر .. و بما انه صعب عليه صار رديئا ، كما فعل الثعلب مع عنقود العنب العالي ..
انت تكتب للناس ، فعليك ان تجعل القيمة في مدى نفع الناس
وحاجة الناس ، لا أن تكون انت القيمة . و اذا كان سارتر يكتب لسارتر ، فليقرأه
سارتر ، و كل وجودي مثله عليه ان يكتب لنفسه . لأنه ملتزم بقوانين نفسه وليس
ملتزما بقوانين الحياة ، و نفسه ليست حياة الناس بل حياته هو ، اذن فليقرأه هو
ويشاهده هو ..
وهذا ليس تحيزا ضده ،
منطق الاشياء يقول هكذا .. ما دام الوجودي لا ينطلق الا من قوانين ذاته و نظرته هو
للاشياء ، فهو يعترف ان الاخرين مختلفين ، وهو لم ينظر الى قوانينهم ولا رأى
رغباتهم ، بل نظر الى ذاته فقط ، اذن مجهوده يصلح ان تقرؤه ذاته . و هكذا نفهم ان
الوجودية هي انكفاء على الذات ، لهذا افضت الى العدمية لان ليس لها امتداد خارج
الذات ، و هي نتيجة لافراط في عبادة الذات ادى الى تقوقع الذات على الذات .
هو يتكلم بطريقة موضوعية
و بدافع ذاتي بحت في نفس الوقت ! لم يقل ان هذه هي قيمة الشعر عند ذاتي ، بل قال :
هذا هو حال الشعر ، و كأنه يتكلم عن الجميع ! وبالتالي فالوجودية لا تحترم الاخرين
، لأنها لا تراعي حالهم ولا مشاعرهم ولا ما يريدون و لا قيمهم ولا وجودهم حتى ولا
المنطق ولا العلم ، لأنها تنظر لوجود الفرد فقط و كأنه كون و اله بنفس الوقت . اذن
الفلسفة الوجودية هي تطرف في فكرة الفردية ، وهي من فلسفات الرأسمالية ، لان
الرأسمالي فرد او واحد في المئة يملك حقوق التسعة وتسعين ، لهذا تعظّمت الفردية في
الغرب ، وتطرفت بها وجودية سارتر ، وكانت مثل لسان الافعى الذي يزيد في طوله .
هي والليبرالية والعلمانية
فلسفات راسمالية ، فأي متضخم في الفردية هو وجودي ، وكأنه هو الكون والاله والقوانين
والشرائع والذوق والمثل والجمال وو ، و هذا نوع من الانفصام عن الواقع والشيزوفرينيا
..
لا توجد فلسفة في الفكر
الغربي السائد منفصلة و مستقلة ، كلها فلسفات مرتبطة بالراسمالية والاقلية
المسيطرة تخدم مصالحها ويروّج لها في إعلامها ، و كأنه لا يتفلسف الا هم ..
ويستحق ان تـُدرس الوجودية
من باب علم النفس ، لانها حالة مرضية ، لانها تخرج قيما ومنطقا غير موجودة لا
يعرفها الجميع و تخص الفرد وحده ، والناس تصف المجنون بمثل هذه الصفات ، بأنه يفكر
لوحده وبمنطق غير المنطق المعروف . وكثير من المرضى النفسيين الذين يعالَجون ،
حالتهم حالة وجودية متطرفة جدا ، ولا يعلم الاطباء بذلك .. فبما ان الواقع لم يسر
على مزاجه ، صنع لنفسه واقعا وهميا دونكيشوتيا يسير على مزاجه .. و هذا سبب العزلة
الذي تنتجه الوجودية .. فالافراط في الحرية هو افراط في الرغبات ، و افراط الرغبات
يؤدي الى الجنون ،
كذلك نجدهم يحبون ذاتهم و
شديدي الحرص على مصلحتهم ولهم منطق غريب و تقييمات شاذة ويميلون للعزلة والفردية والكآبة
. و هكذا مسالك الشيطان كلها تؤدي الى الجنون ، ومن لم يعبد الله عبد ذاته ..
الحرية المطلقة وهم من اوهام
الشيطان ، لان الحرية المطلقة لله فقط وليست للبشر المقيدين بالقيود المادية
والمعنوية .
ويقول
: أن وظيفة الشاعر نفس وظيفة الرسام ، فكما يمزج الرسام الألوان على اللوحة , يخيّل
لنا أن الشاعر يركّب جُملاً , وهذا زيف , إنه في الواقع يخلق عوالمه الكثيرة.
ويقول
: كلما عبّر كاتب النثر عن مشاعره زادها بياناً , وعلى العكس من ذلك إذا أصاب الشاعر
عواطفه في القصيدة أصبح لا يتعرف عليها , فالكلمات تأخذها , وتتشبع بها , وتمسخها
.
الرد :
هذا الفصل الحاد بين الشعر
والنثر غير منطقي ولا واقعي ، و هناك كتابات نثرية مجنحة يصعب الامساك بمضامينها ،
و هناك شعر واضح وقوي في تعبيره ومسيطر على الكلمة .. انها قدرات وطاقات
واستعدادات ، وليست المشكلة في الاسلوب والإهاب والقوالب كما يظن .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق