الخميس، 5 ديسمبر 2013

المتشابه والمحكم ..


المتشابه من الايات القرآنية هي التي تكون مجهولة ، مثل كهيعص و طسم وما شابهها ، و هذا نسميه تشابه دائم مستمر ، ايضا من نوع التشابه الاول : من هو ذو القرنين المقصود في القرآن ، أو اين سد ياجوج و مأجوج ، وأين هم ، واين عاشوا و اين بقاياهم ، الخ .. هذا كل تشابه مستمر .. وهي سيقت للعبرة وليس القصد هو تفاصيل الخبر ، فنؤمن بها كما هي دون أن نزيد ، لأنه لا معقب لكلمات الله ولم يأمرنا الله بالبحث عنها .. ومنها قوله تعالى (وقولوا حطة) ..

و هناك تشابه منقطع عندما تستعرض بقية القرآن ، وتـُحكّم ايات القران والعقل السليم حينها ينقطع التشابه ويزول اللبس ، مثل آية (واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) هذا التشابه تشابه منقطع لأنك اذا وصّلت المعنى ببقية القرآن انقطع التشابه ، فتعرف أن المقصود هم اؤلئك الكفار الذين اعتدوا وبغوا ، وليس كل غير مسلم ، لأن الله قال في آية اخرى (ولا تعتدوا) . وهذا نسميه : تشابه الايجاز . وأيضا مثل اية : (وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصارهم لما سمعوا الذكر) وقيل أنها تعني العين ، هذا من التشابه المنقطع بسبب الإيجاز . و مثلها آية (لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة ) ولأن السبب غير واضح في الاية ولا غيرها صار فرصة للتأويل من باب العين مثلا .. وقد يؤولها احد على معنى آخر ، و بناء على هذا فهناك اشياء لم تـُفصّل لأنها فصّلت في سياق آخر ، وأشياء لم تفصّل لأنها غير مهمة في قصد السياق ..

وهناك تشابه داخل في النوع الثاني نسميه تشابه العموم ، مثل قوله تعالى (واتقوا الله) ، فنجد أن مـُختلفَين كلاهما يستخدمها للآخر ، فيقول هذا له : اتق الله قد أخطأت وألزم الحق ، والآخر يقول له ايضا نفس الكلام .. فكلمة (اتق الله) و (إلزم الحق) لاجل شرحها تحتاج الكثير ، و أن تستعرض القرآن كله .. ومثلها كلمة (إيمان) فالكل يعتقد أنه هو المؤمن الحق ، فالعموميات فيها نوع من التشابه ، و هو من النوع المنقطع لمن أراد الحق ..   

عندما تجد عبارة غير مفصّلة و متشابهة ، يستغل البعض عدم تفصيلها لكي يؤولها لما يصلح له . ومن هنا يختلف التأويل باختلاف الرغبات والمعارف والثقافات . ثم ان الايات المتشابهة ليست هي اصل الدين ، فأم الكتاب هنّ المحكمات ، اذن الكتاب واضح .. فكل من يتبع المتشابه ويترك المحكم قد ينطبق عليه قوله تعالى ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) ، و الزيغ يعني الميل للدنيا عن الآخرة .

سبب وجود التشابه المنقطع هو الاضراب عن تفصيله و تركه بسبب الإيجاز ، لان له محدّدات في بقية الكلام  ، و لم يكن داعي للتفصيل اصلا ، والقرآن سمي كتابا ولم يسمى آية ، أي كله يكمّل بعضه ، وهو قطعة واحدة ، أما الآيات والسور والأحزاب فهذه لتسهيل وتحديد الموضع الذي تقرأ فيه ، فتسمية السور و ترقيم الاحزاب والاجزاء اجتهادية ، وبعض السور لها اكثر من اسم ..

فتجد القرآن يتكلم عن علاقة النبي بالكفار ومواقفهم منه و احساسه بمقتهم له وعدم فهمه الخ ، فيستعمل القران عبارة (ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر)  ، فيأتي من يؤلها على انها العين ! و هي فكرة بعيدة و منفصلة عن السياق .

مشكلة المتشابه هي من استحلاب معاني في جُمَل عرضية ليست هي المنصب عليها السياق . اما ما انصب عليه السياق فهو واضح و بيّن و محكم ولا تشابه فيه . و هذا يقع في كل كلام ، و هذا من مقومات اي نص وتصريح : اشتماله على محكم و متشابه ، لأن باب التشابه واسع ، و لأن التشابه يقيمُه طرحُ الاسئلة ، فطرح الاسئلة لا يقف . و النص يضعف ويتشعب وتضيع الفائدة منه اذا استمر في التفاصيل ، و صار غير نهائي وضاع القصد منه .فإذن الايجاز هو الذي يسبّب التشابه عند مثيري التشابه ..

من روعة القرآن أن ما أوجزه في موضع ، له تكملة وتوضيح  في موضع آخر ، أما ما لم ينْصَبّ عليه النص فليس من الضروري توضيح كل شيءفيه ، و إلا لضاع القصد في الاستطرادات ، فإيجاز القرآن غير مخلّ .

مثلا : مسؤول يقول قمنا بإنشاء بنية تحتية للبلد و استفدنا من مجهود الجميع الخ .. تتوقع ان هذا الكلام محكم ، بينما هو مليء بالتشابه .. فقمنا : يقصد من بـ قمنا ؟ هل هو ؟ أم المسؤول الاكبر منه ؟ ام بقية المسؤولين ؟ ثم : ماذا يقصد بالبنية التحتية ؟ وهل اشارات المرور تعتبر من البنية التحتية ام لا ؟ و هكذا .. الاشتباه يأتي عندما تُدخِل قصدا على قصد وسياقا على سياق ، لكن كلامه من حيث ما أراد هو ان يقول واضح ..

فهل نقول عن كلام هذا المسؤول انه حمّال وجوه ولا حجة فيه ؟ لن نقول هذا عن بشر ، فكيف نقوله عن رب العالمين ؟

لا يمكن جعل اي كلام محكما بالكامل ، لأنه لا يمكن لأي نص ألا يثار عليه اي تساؤل او اشتباه .. حتى لو جاء من شخص فاهم للقصد .. فهذه طبيعة اللغة و كل لغة .. وليس هذا عيبا في التعبير او نقصا في التوصيل ، اذ العيب يكون في مثير التشابه والباحث عنه ، ما دام المعنى المقصود واضح .. حتى آية محكمة ممكن أن تكون عند البعض متشابهة ، مثل اية (اذبحوا بقرة) جعلها هؤلاء المعاندون متشابهة مع أنها واضحة .

وليس فقط القرآن الذي يحمل المتشابه ، بل كل نص وفي أي لغة وفي أي زمن ، و يجب ان يقال هذا الشيء حتى لا يـُفهم أن وجود المتشابه في القرآن فقط ، فحتى الاحاديث فيها متشابه والشعر كذلك ، بل حتى التصريحات الرسمية التي يُراد لها الا يكون فيها متشابه يقع فيها متشابه ، والدساتير والقوانين ..  

القرآن هو النص الوحيد الذي لا يؤثـّر فيه التشابه ويهدي للتي هي أقوم . انظر الى شرح القصائد مثلا والنصوص الادبية تجد فيها اختلاف واخذ و رد لان فيها متشابه .  العجيب انه لم يُدرَّس في اي مجال للغة العربية او البلاغة عن الإحكام و التشابه و كيفية التعامل معه في أي نص !

التشابه ظاهرة لغوية و ليست قرآنية فقط ، و القرآن جاء بلسان عربي ، اي بطبيعة هذا اللسان كما هي .

والله قال( لا يعلم تاويله الا الله) اي يجب تركه ، و هذا بالنسبة للمتشابه المستمر ، والاية اشارت الى ان الراسخين في العلم يقولون : آمنا به كل من عند ربنا . الراسخ في العلم هو الذي يقول لا أدري ، فهذا من علم الغيب وعلم الغيب لله وحده ، ولا يؤثر في ايماني كوني لم اعرف هذه الجزئية ، لأن المحكم يكفيني .. لاحظ أن الله سبحانه لم يحدد عدد أصحاب الكهف في آية: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم) فهنا جاء الإيمان, فهذا من المواضع الإيمانية وكلما جاء الغيب جاء الإيمان, مثل ما هي الشجرة التي حرم على آدم وحواء الأكل منها فالله لم يحددها, ومن الخطأ الرجوع لكتب السابقين في مثل هذه المواضع لأن الله لم يقل ارجعوا لأهل الكتاب واسألوهم فيها بل قال عن أصحاب الكهف : (قل ربي اعلم بعدتهم) ففي مواضع الإيمان يجب أن يتوقف العقل, فيجب أن نتعلم متى نلجم العقل ومتى نطلقه وليس إما أن نطلقه دائما أو نلجمه دائما.  

لاحظ أن التشابه يُصنع من الاسئلة ، مثلما صنع بنو اسرائيل التشابه من محكم عندما قيل لهم : اذبحوا بقرة .. مثلما يقال : اذبح شاة للهدي .. فجعلوا يدققون ويثيرون التشابه : ما لونها و ما شيتها ، وما اوصافها ، .. حتى صار الوصول اليها صعب .. والله صعبها عليهم لأنهم أبوا إلا المتشابه وآثروه على المحكم الواضح .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق