الاثنين، 12 مايو 2014

لماذا الإنسان الطيب دائما يهان ويخدع ويستغله الناس؟ ألا يوجد حل لهذا؟


ملاحظة: يتردد في هذا المقال ذكر كلمة "الصناعي" وهي: كلمة تشمل كل الأفكار الباطلة سواء مقصودة أو غير مقصودة, والباطل لا أساس له في الطبيعة, لهذا نسمي الحق بـ"الطبيعي", وعليه فالشخص "الصناعي" أقصد به من يتبنى الأفكار الصناعية سواء بقصد أو بغير قصد, و هي في أساسها أفكار من صنع الشيطان مقحمة على الطبيعة. 

الناس الصناعيون يرون أن الإنسان الذي لا يمارس الصناعي من كذب وغدر وظلم وغيرها هو ضعيف, هم يرون أن القوة في الصناعي والضعف في الطبيعي, و يرون في الإنسان الطيب الذي ليس بارعا في المجالات الصناعية مجالاً حيوياً يريدون استثماره و استغلاله, فالصناعي نظرته للآخرين "شيئية" (أي أنهم يرون مثل هذا الإنسان الطيب شيئاً مفيداً يجب استثماره) وكثيراً ما يتجاهلون حتى حقوقه بسبب غلبة نظرتهم الشيئية على نظرتهم الإنسانية, فيبدو لعيونهم أنه روبوت أكثر مما كونه إنساناً! فيستغلون العامل المخلص مثلاً وينسون حتى أنه يجوع وبحاجة إلى الطعام! ويرون أنهم إذا لم يستغلوه هم فسيستغله غيرهم إذن هم أولى به, مثله مثل أي شيء مفيد وصلت إليه قبل غيرك!

إذا دخل الشخص الطيب في مجالات الصناعيين و احتقر الطبيعي الذي عنده سيهزمونه بلا شك وعليه أن يتحمل نتيجة خطئه,
 "إذا جاريت في خلق سفيها *** فأنت و من تجاريه سواء"
 فمهما كان الإنسان الطيب لن يستطيع أن يهزم الصناعيين ببذاءة لسانهم و قلة حيائهم, و لن يستطيع أن يكذب ويتآمر مثلهم. ومن هنا تتكون العقد النفسية: حين ندخل في مجالات الصناعيين نريد أن ننجح فيها.
 لهذا أقول أن العقد النفسية هي ذنوب، فنحن احتقرنا الطبيعي وصدقنا أن النجاح هو بالخط الصناعي وعندما كسرونا وغلبونا تكونت عندنا العقد.

حتى تهزم الصناعيين بمجالاتهم يجب أن تتبنى الخط الصناعي كله وتعيش فيه وهذا مالا يستطيعه الإنسان الطيب لأنه لا يريده, ولكن الإنسان الطيب يمتلك قوة جبارة لا يمتلكها الصناعيون و يستطيع أن يجعلهم يشعرون بالضعف و الانكسار, وهي قوة المجالات الطبيعية التي يعرفها ويبرع فيها أكثر منهم, والمثل يقول (اللي تربح فيه العب فيه),
فالطبيعي مثلا يعرف قيمة الأشياء ويقدرها لأنه شكور, لهذا هو يستغل الموجود أفضل منهم, فشيء يراه الصناعيون لا فائدة منه و يرمونه.. حين يستلمه الشخص الطبيعي و يعمل عليه سينبهر منه الصناعيون ويحسدونه عليه. لهذا إذا احترم الإنسان الطيب الطبيعي الذي عنده ولم يجرُّه الصناعيون لمجالاتهم بل هو يجرهم إليها سيهزمهم بسهولة. فمثلا حين تدخل مع شخص صناعي بحوار فكري تجده يحاول أن يسحبك إلى مجالاته الصناعية كالملاغاة و الحيل و البذاءة, ولن تهزمه بهذا, لكن إذا تجاهلت هذا وسحبته إلى مجالاتك الطبيعية كالمنطق و الالتزام بوضوح الفكرة وترابطها وأخلاقيتها ستغلبه بسهولة. فسحب الصناعيين إلى مجالاتك الطبيعية يهزمهم, ولا يُلجأ إلى العنف والوسائل الصناعية إلا في حال الضرورة كالدفاع عن النفس.

قبضة الطبيعي يجب أن يضعها أمامه ولا يفتح لهم صدره. التعاملات الأخلاقية الطبيعية يعتقد الصناعيون أنها ضعف, لكن في اعتقاد الطبيعيين أنها هي القوة الساحقة, مثل قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}, أليست هذه قوة تحويلية؟ ومثل عدم المقاطعة، فهم يخطئون عليك لكن لا تقاطعهم, هذه قوة وعدم تأثر, أي أن الإنسان الطبيعي المؤمن يحترم الإنسان فيهم ولكن ليس عنده اي احترام لأفكارهم الصناعية, فعندما يأتيك واشٍ ويقول لك أن فلاناً لا يحبك، فترسل رسالة عبر هذا الواشي أنك على العكس من ذلك وأنك تحبه! أليست هذه قوية بقوة الصفعة؟!

الطبيعي يدور حول الحق والحقيقة, أليس الحق قوة باعتراف الجميع؟ إذن لماذا نقول أن الطبيعي ليس فيه قوة؟ والله قال : {وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} مع أنهم بشر مثلهم بل و أقل إمكانات منهم, من أين هذه القوة؟ إنها من قوة الطبيعي (الحق).

الإنسان الطبيعي يدور حول الأخلاق, أليست الأخلاق قوة؟ لو لم تكن الأخلاق والحق قوة لما تقمصها الصناعيون و مثلوها ليأخذوا شيئاً من قوتها, الدين وحب الله أليس قوة؟ لهذا الصناعيون يتلبسون بها أحيانا حتى يأخذوا من قوتها. المعرفة الحقيقية أليست من اهتمام الإنسان الطبيعي؟ و ألم يقال أن المعرفة قوة؟
الإبداع أيضا مفتوح أمام الإنسان الطبيعي لأن ليس عنده أي قيود بشرية تمنعه من الإبداع والتحرر من النمطية ما لم يخالف أوامر الله. إذن كل أسباب القوة هي بيد الإنسان الطبيعي, فالإنسان الطبيعي هو من لديه العقل ويسير حسب المنطق, وتجد الصناعيين يتمسحون بالمنطق ويدعون العقلانية.

قوة الصناعي أصلاً هي بتقمص الطبيعي, إذن الطبيعي هو القوة, أليسوا يتقمصون المنطق والرحمة والدين والرأفة بالحيوان.., إذن تلك هي القوة وهي عالم الطبيعي, أي أن الصناعيين عالة على الطبيعي بالقوة! أليس الذكاء قوة؟ الطبيعي يرتبط بالحقيقة والمنطق السليم والأخلاق وقول الحق.. إذن سيكون ذكياً ورأيه صائب وكلامه صحيح. الصبر أليس من صفات الطبيعي؟ أليس الصبر قوة؟ الصناعيون ليس عندهم صبر. فالإنسان الطيب كل الأسلحة عنده لكن لا يستخدمها أو لا يقدِّر مفعولها.

المشكلة هي بالنظرة الآنية للقوة, القوة ليست آنية, فالإنسان لا يعيش لحظة واحدة بل لحظات كثيرة والنظرة الآنية للقوة من العجلة, فكل شيء يحتاج صبر حتى يعطي مفعوله.

هذا هو منهج القرآن, فالله قال: {إن الله مع الصابرين}, {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}, {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}, {وجادلهم بالتي هي أحسن}, {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}, {لا يريدون علوا في الأرض}. والقرآن يدعو للعبودية لله والتحرر من سيطرة أفكار الصناعيين وذوقهم ومزاجهم و نقدهم, فالمؤمن يهمه تقييم ربه وليس تقييمهم, و القرآن يدعو للتوكل على الله وعدم الخوف من الناس, كل هذه الاشياء تعطي القوة.

القرآن هو الذي كشف قوة الطبيعي: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه}, {إن الباطل كان زهوقا} {إِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} {وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة}, {فإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون}, {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}, {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}, أي أنهم لا يرون النبي كذاباً بل صادقاً وأقوى منهم. والقرآن أخبرنا عن نصر الله لعباده المؤمنين وأن الله سيقف معهم, وهذا يعطي شعوراً بالقوة, ويخبرنا عن نصره لأنبيائه من قبل وتدمير أعدائهم.

الإنسان الطبيعي المؤمن لا يظهر بمظهر المحارب أبداً بل يظهر للناس بوجهه الطيب, لكن هذا لا يعني أنه محارب نذل يختبئ ويظهر بالوجه الطيب, كلا ليس هكذا, لأنه لا يقصد الإساءة لهم بل نفعهم بكل الظروف, وبهذا هو يحرجهم ويكشف ضحالة عقولهم وقلة أخلاقهم لأنفسهم.

وهذا حقيقة صادمة لأن أكثر الناس يقولون أن الطيب ضعيف وساذج ويؤكل حقه و يغلب, والأمثال الشائعة كثيرة بهذا المعنى, مثل: "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب", "ومن لا يظلم الناس يُظلم", "إنما العاجز من لا يستبد", فيحسبون أن الظلم والاستبداد قوة بينما هو اختيار للضعف والموقف المحرج إذا نظرت للموضوع من الآخِر.

الخطاب الصناعي المكشوف يسبب نفوراً شديداً من الناس و رعباً, والصناعي الذي يعلن الصناعي على أنه هو الصواب لا يمكن أن يقبله أحد, مثل من يرى ان قتل الناس وتعذيبهم هو الصواب حتى لو لم يتعرضوا له, مثل هذا الصناعي فاشل و لا يبقى بسبب أنه أعلن الصناعي ولم يخبئه, لكن الصناعي الذي يجرم ويقتل ولكن يقول أنه يفعل ذلك من أجل السلام وأنه يحارب أناساً مجرمين وخطرين فهذا وضعه أخف من وضع الذي يعلن الصناعي على أنه هو الصواب ويفتخر فيه, فيفتخر بقتله للناس وتعذيبهم ونهب أموالهم, فالصناعي شيء كريه ومخجل ومن يعلنه ويفتخر به سيكون مصيره خوف من الناس منه و نفورهم وبالتالي ضعفه وتوحده.   

الصناعيون تأتيهم ضربات مؤلمة وقوية من الطبيعيين، لكنهم لا يخبروننا عن ألمهم بسبب قوتها, والشيء إذا تجاوز الحد لا يُذكر, فالتفوق المتجاوز للحد لا يذكره الناس عادة لأنه سيكون على حسابهم.

كثيراً ما يدعي الصناعيون السعادة ويبحثون عن المتعة, ومن أجل هذا يخسرون الكثير ويبذرون, بينما الطبيعي بأشياء قليلة يستطيع أن يكون سعيداً سعادة تجعل الصناعيين يغارون منه, فهم يرون أن أسباب السعادة عندهم أكثر منه ولكنهم ليسوا سعداء مثله, ومن يستهلك رصاصات أكثر من أجل صيد حمامة واحدة لا يجيد الصيد مثل من يصيدها بطلقة واحدة, وهذا ينطبق على المبذرين الذين يبحثون عن السعادة ولا يجدونها بينما الطبيعي بأقل القليل يسعد, إذن الصناعيون لا يعرفون فن السعادة رغم بحثهم الشديد عنها, والسعادة هي الشيء الوحيد الذي إذا طُلب لذاته هرب (وهذه تصلح أن تكون لغزا), لكن أن تطلب الاستقامة والخير ستتعثر بالسعادة في طريقك. الصناعيون يتخبطون ويسرفون بحثا عن السعادة ويضحون من أجلها و لا يحصلون عليها, وهذا من قوة الطبيعي فيرونه شخصا مثاليا وسعيدا و مستمتعا, بينما هم ضحوا بالكثير من أجل السعادة ولم يحصلوا عليها. الإنسان الطبيعي بأي مكان يستطيع أن يجد سعادة, لأن العبودية لله وليست للناس ولا للنفس هي أول شرط للسعادة, فالطبيعي عنده استعداد للسعادة وهذا شيء ليس عند الصناعيين ولا يعرفونه.

الطبيعي لا يأخذ من الصناعيين شيئاً ولا يتأثر بهم و هذه قوة بحد ذاتها, فيعجبون كيف لا يستلذ هذا بعالمنا ولا يحتاجنا بشيء؟! الاستغناء قوة, والتوكل على الله قوة, والارتباط بالحق ولو على حساب هوى النفس قوة, والصبر قوة, والتعلق بالحقائق قوة. 

إذا قال الطيب أنا سأصبر وأطيع الناس دائما حتى أرضيهم لن يفيده هذا بل سيستغلونه أكثر ويرمونه بعدما استهلكوه كما يرمون الحذاء إذا انقطع. لكن بما أنهم أهملوا الإنسان واحتقروه عليه أن يستغل هذا ويحترم هو الإنسان, حينها سيغلبهم.


هناك 3 تعليقات :

  1. كلام كلوو صح ومنطقي

    ردحذف
  2. تأثر الطبيعي لا يأتي من الصناعي الصرف فهو لا ينجرف وراء ما يعتقده لكن الخوف كل الخوف ممن يحمل الكثير من صفات الطبيعي و يحمل صفات من الصناعي كل التأثر و التأثير سيحدث الطبيعي و ربما اعتنق أفكاره لانه وجد فيه ما يشجعه لاعتناق طريقته في الحياة يقول انظر هو من جوانب كثيرة جيد لذلك يستحق ما وصل اليه رغم معرفته بجوانب الصناعة فيه

    ردحذف
    الردود
    1. كلامك هذا يؤيد ما قلناه في المقال عن أن الصناعي المغلف او المتلبس بالطبيعي ينخدع فيه كثير من الناس ، والانخداع به دليل على قوة الطبيعي ، لأن انخداعهم جاء من ثقتهم بهذا الغلاف وتأثرهم به. والأصل هو عدم الاختلاط في الاختيار ، لكنه يحدث ، لكن مع الاحتكاك والظروف والضغوط وتأثر المصالح سينحاز الى معدنه ويتبين، لهذا الله يبلو الناس بالخير والشر ليتبينوا على حقيقتهم (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) . وأشكرك على هذه الإضافة الجميلة.

      حذف