كل مختار للباطل (الصناعي) يعاني من ضعف حاد في التقييم,
أي ضعف عقل -إذا اعتبرنا التقييم أعلى مراتب العقل كما في سلم بلوم-, وعلى قدر
ازدياد الصناعي في الشخص وبعده عن إحساسه على قدر ضعف القدرة على التقييم. لهذا
يظهر من يلجؤون للتعويض عن هذا النقص الحاد في القدرة على التقييم ويبذلون طاقة
كبيرة جدا من أجل ذلك, وترى أصحاب هذا المرض عندهم قدرات عجيبة في الحفظ و يتعلمون
الكثير من العلوم لإخفاء ضحالة عقولهم, ولهذا قد يظهرون للناس بمظهر عباقرة و علماء,
لكنهم بسبب ضعف إحساسهم يُقبلون على أِشياء تافهة ويقضون فيها سنوات فيتعلمون الغث
والسمين دون تمييز بينها. وهم لا ينقصهم قدرات عقلية لكنه ينقصهم التقييم, والتقييم
مرتبط بالاختيار بين الخير أو إهمال الخير, وبسبب تهاونهم بمعرفة الخير والشر
تختلط عليهم الأمور وبالتالي يضعف التقييم, وإذا ضعف التقييم ضعفت الفائدة من
العقل.
يمكن أن أسمي هذا المرض مرض التعويض عن ضعف التقييم,
وكلما زاد ضعف التقييم كلما زادت الطاقة في التعويض, لهذا يظهر منهم عباقرة لكنهم
ليسوا عباقرة, لأن تميزهم جاء من الحفظ الكثير والنقل والجمع وليس من التقييم
والإبداع, فهم لا يقدمون جديدا, فينكشف ضعفهم حين يمارسون التحليل أو الربط أو
الإبداع أو تقديم بدائل أو التقييم, فترى ضعفا لا يقارن بالهالة التي حولهم, لهذا
هم عباقرة وليسوا عباقرة بنفس الوقت, و لضعف تقييمهم يستطيعون أن ينظموا أوقاتهم
ويقرؤون مثلا لساعات طويلة بمواضيع مملة, وهذا يجعلهم يتميزون عن غيرهم. وعند
هؤلاء عادة كم هائل من المعلومات لكن لا يعرفون كيف ينتجون منها شيئا, وإن أنتجوا
فما أنتجوه لا يتناسب مع ما لديهم من معلومات. و ينكشف ضعف عقل هؤلاء حين تتفاجأ
بأنهم لا يعرفون أِشياء بسيطة جدا بينما يعرفون أِشياء غاية في التعقيد والكثرة
والتشعب. وهذا في الحقيقة هو مرض المشاهير, ولا أقول كل المشاهير ولكن كثير من
المشاهير مصابون بهذا الداء, لأن المصابين بهذا المرض يسعون للتميز والحصول على
إعجاب الناس. هذه الحالة يمكن تسميتها بالدونكيشوتية الناجحة.
من علامات هذا المرض أن صاحبه ثائر الأعصاب وقلق, ودائما
يعاني من نظرات العقلاء ويخاف ممن لديه القدرة على التقييم. لهذا أكثر ما يخافه هؤلاء
الدونكيشوتيون الناجحون هو من اختار الاختيار الحسن, لأنه هو الذي يملك التقييم و
أكثر من يستطيع أن يكشف ضحالة عقولهم.
التقييم يعطي امتلاء داخلي واطمئنان, لهذا من لديه
القدرة على التقييم لا يجهد نفسه ليحصل على إعجاب الناس وتقييمهم الحسن, {يجعل لكم
نورا تمشون به} فالمؤمن معه نور يرى ويقيم به الأِشياء.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق