المطالبة بالدليل المادي تـُخرج الإنسان عن بقية مقوماته التي يـَعرف بها, فنحن لا نعرف بالعقل المجرد فقط ,عندنا شعور اقوى من العقل المجرد، هو الذي أقام الحضارة و ليس العقل المجرد. نحن لا نستطيع ان نعيش بالعقل المجرد وحده و المادي والملحد يعرفان هذا جيدا. هما يعيشان بالثقة وليس بالتأكد القطعي الثبوت ذو الادلة الكاملة ، وما الثقة إلا إيمان,
الإيمان هو الذي صنع العبقرية .. لو لم يؤمن المفكر أو العالم أو المخترع لم يفعل شيئا ، لأنه سيكون تحت رحمة العقل المجرد, الإيمان هو الذي صنع العظماء والشجعان والكرام, فعلوا أمورا لم يقم الدليل القطعي ليأكدها ، ولهذا تميزوا, أما أبو المادة فيقعد مع المادة, و يفقد شعوره الأنساني تدريجيا ويتحول الى التخشب والمادية .
هو يتصور انه عرف المادة, حتى المادة قائمة على الميتافيزيقا !! فأين المفر؟! حتى العقل نفسه ما هو؟ إنه ميتافيزيقا! صفات المادة (أو قوانينها) ماهي ؟ إنها غيبيات, فأين المفر ؟! الإنسان أكبر من أن يُحصَر بالتصرف بموجب العقل المجرد.
العقل ، الانسان ، الاخلاق ، المشاعر ، الله ، كلها ذات حكم واحد ، إما ان ينفيها المادي الملحد مجتمعة لافتقارها للدليل المادي ، او ان يقبلها مجتمعة بعد سقوط أهلية الدليل المادي ، لأن العقل الذي سيعالج الدليل هو غير مادي .
وهكذا يسقط طلب الدليل المادي و يكون ترديده مجرد عبث ، سيقال للمادي بكل سهولة : اثبت مادية العقل حتى نقدم لك دليلا على وجود الله والمشاعر والفضيلة والاخلاق والعقل ، لانها كلها لا تثبت بالدليل المادي .
اذن نحن بانتظار اثبات مادية العقل حتى نقدم لك الدليل المادي على وجود الله ، لان الدليل سيـُقدم له .. و ما يؤكد هذا هو ان هذه الامور الخمسة تسقط مع بعضها او تبقى مع بعضها ، فالمادية التي اسقطت وجود الله ، اسقطت معها وجود الانسان ، واسقطت معه وجود العقل ، و اكتفت بنُتَفٍ من العلم بطريقة متناقضة و سطحية جدا .. ومما يثبت ذلك بأن هذه الامور الخمسة غير مادية ، و من يتحول الى المادية سوف يسقطها بالحتمية .
الفلسفة المادية اسقطت وجود الاخلاق و اعتبرتها وسيلة مصالح مادية ليس الا ، كما اسقطت وجود الخير والشر على اعتبار انها لا تقر الا بوجود المادة وعلاقتنا بها وهي المصلحة ..
التلويح بالدليل المادي يعني اسقاط كل شيء غير مادي ، و اولها الانسان و عقله ، و لا تبقى الا المادة فقط .
حتى نطبق كلام الماديين والملاحدة و طريقتهم العجيبة في الفلسفة ، يجب ان يُزال الانسان نهائيا و لا يبق الا المادة والعلم المادي ! ترى من سيقيّمها حينئذ ؟ من سيحكم لمّا غابت غير الماديات ؟
و هكذا تقع الفلسفة المادية في اشكالية كبيرة ، فتكون مثل الحيّة التي تقتات من ذيلها ، و تـُحرق فكرها بفكرها . باعتماد الدليل المادي كحجة وحيدة ، هو بحد ذاته مُسقطٌ للعقل بعد ان اسقط الانسان .
لا احد يريد ان يخسر كل هذه الخسائر حتى يقتنع بما اقتنعوا به اقتناعا خارج عالم المنطق وعلى هامش العقل والانسان و مردود عليه بكل سهولة .. وعلى هذا فكل دعاوي الملحدين تغرد خارج نطاق العقل .
إن مسايرة الفكر المادي تعني الا نكون موجودين ، و نتحول الى حيوانات ، بل آلات ، ونحن و الحيوانات آلات ـ آلات بلا غاية ، مثلما تكلم داوكينز عن آلة الخفاش .
ان الفلسفة المادية لا تستحق ان تسمى فلسفة ؛ لانها متعثرة باثوابها . نحن نريد فلسفة للانسان ، و هم يقدمون فلسفة ما بعد ازالة الانسان ، هذا هو الفرق ، فلسفتهم صحيحة اذا ازلنا الانسان عن البشر ، و حينها لن تصح ايضا ؛ لانه لا يوجد عقل حتى يحكم .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق