الخميس، 25 أبريل 2013

دفاع عن المنطق والعلم ..



يهرب الماديون كالعادة الى العلم كملجأ ليختبئوا وراء عباءته لكي يثبتوا أن العلم لا منطق فيه ، و هذا هدم للعلم وليس تكريماً له ..

هم لا يريدون المنطق، و يريدون العلم شاهداً لهم ، و لو شاهد زور ، تبعاً لثقة الناس بالعلم ، كأنهم يقولون : إذا كنا نحن لا منطقيين، فالعلم لا منطقي أيضاً.. إذن دعونا من المنطق فهو يضايقنا كثيراً، وهذا العمل بحد ذاته غير منطقي ، لأن ثقة الناس بالعلم بسبب ثبوته ليس إلا ، فإذا تشكك الناس في ثبوت العلم فلن يعود مفيداً لهم كشاهد و ملجأ . إنهم يخربون بيوتهم بأيديهم، و هكذا رفضُ الإيمان بالله يهدم كل شيء ، حتى المنطق والعلم والأخلاق . 

المنطق العام هو علم أصلاً ، و أثبتته التجربة .. ليس صحيحاً أنه كلما وجدنا غلطة في فهم العلم و فهم السابقين له نلتفت للمنطق لنشكك فيه كله! بينما عقول الماديين هي الآن تعتمد عليه في الرد والنقاش !! وضع الماديين مثل من يكسر سلاحه بيده .. 

إذن علينا ألا نثق بكلامهم طالما أنهم يشككون في المنطق كله كما يحاولون أن يثبتوا ، في حين أنهم يعتمدون على المنطق في إثبات ادعاءاتهم! إنها جناية كبيرة على العقل البشري و عداوة واضحة له يتزعمها الفكر المادي الملحد.. لأنه اكتشف أن المنطق من ألد أعدائه ، فما عليه إلا أن يهدم المنطق و يشكك في العلم أيضا ، لأن الأخير بدأ أيضاً يقف في وجوههم .. وإذا سقط العلم و المنطق نجحت الحيوانية التي يدعون إليها ..

المنطق لا يهدمه شيء ، بل هو الذي يهدم، الوهم شيء والمنطق شيء آخر ، و جهل الناس بأمور كثيرة جعلهم يبنون لها منطقاً ، و متى ما اتضحت لهم الرؤية أعطوها المنطق الكامل لها ، فكون الإنسان لا يعرف أن الارض تدور حول الشمس و هو على سطح الأرض ، و لم يملك مناظير و لا سفناً فضائية ، فيرى الشمس وهي تنتقل من الشرق إلى الغرب ، و كذلك الكواكب ، فمنطقياً لم يخطئ ؛ لأنه اعتمد على وسائله ، بل حتى الآن يقولون : الشمس طلعت ، والشمس مالت إلى المغيب ، ولا يقولون أن الارض دارت حول الشمس ، و أشعرونا أن الشمس هي التي تغيب ..

لو قال أحد بكلام كوبرنيكوس بلا دليل لكان كلاماً غير منطقي ، و طبعاً غير علمي ، أما كوبرنيكوس فلم يهرطق ، بل قالها مع إثباتات ، أي أن كوبرنيكوس عدّل المعلومة و لم يعدّل المنطق ..

منطقياً : أي شيء تراه في السماء ويدور و يرتفع في الأفق و يختفي ، هل تقول أنك أنت الذي تدور و تختفي عنه؟ بينما هو ثابت ؟ هذا جنون ! و مخالفة المنطق جنون .. كوبنيكوس لم يغير هذه الحقيقة ، لو أن كوبرنيكوس غيّر من منطق أن أي شيء نراه يرتفع فوقنا و نتابع سيره و يختفي بأنها خطأ دائماً بما في ذلك الطائرة والطيور والقذيفة ، لكان كلام الماديين فعلاً صحيح في أن المنطق يتغير وأن كوبرنيكوس غيّر المنطق .. ولو كان كلامهم صحيحاً لكان الطائر الذي يطير فوق رؤوسنا يجب أن نقول عنه أنه ثابت و نحن الذين ندور حوله !! هل رأيت التهافت في النظرية المادية ؟ و مع هذا يردد هذه الكلمة كل الملاحدة تقريباً في أن العلم يغير المنطق كما فعل كوبرنيكوس ..

العلم يغيّر المعلومات أما المنطق فلا يُغيّر .. لأنه لا يسمى علماً أصلاً إلا من خلال المنطق .. و عندما أسأل أحداً عن تعريف العلم فسيقدّم لي تعريفاً يعتمد على المنطق! إذن المنطق هو الذي سمى العلم علماً .. أي أن المنطق هو المهيمن على العلم ، و نقول عن الشيء أنه علمي إذا قال المنطق ذلك و ليس العكس ..

لاحظ أن كل مشاكل الفلسفات الغربية مشاكل بديهيات ، يمرون عليها بسرعة دون تمحيص .. لهذا فالفلسفة الغربية من وجهة نظري ليست بالشيء العظيم .

كيف نستطيع أن نحدد الأشياء بدون المنطق؟

هناك مناطق لم يكتشفها العلم ، فهل كل ما لم يكتشفه العلم ، نلتفت على العلم و المنطق و نهدمهما؟ هناك ظواهر كثيرة لم يكتشفها العلم وتبدو متناقضة مثلما بدت الظواهر السابقة للسابقين ، فجاء العلم و وضحها ، المادة محكومة بقوانين ثابتة .. و ليس من المنطق و العلم أن نقول غير ذلك ، و من قال غير ذلك فهو يشكك في العلم ولا يحبه و له أهداف ميتافيزيقية ..

هذا الكلام كله ينطبق على عالم المادة فقط .. لا سحر في المادة و لا معجزات كما تحاول أن تفعل نظرية الكم التي تريد أن تثبت عدم المنطقية ، و تقول أن الجسيم يكون في مكانين في نفس الوقت ! هذا هراء بلا شك . المسألة مسألة سرعة فائقة لم تستطع قدراتنا أن تلاحقها .. ولو قبلنا هذه المعلومة الجزيئية فقط ، لصار العقل كله لاغياً .. ونتحول إلى بهائم كما يتمنون ..

المغالطة الخبيثة هي أنهم يفصلون بين العلم والمنطق في العادة ، لكنهم في قضية كوبرنيكوس جعلوهما شيئاً واحداً ، فقالوا كوبرنيكوس هدم المنطق ! بينما هو هدم المعلومة! بعبارة أخرى : يفصلون العلم عن المنطق متى شاؤوا ويدمجونهما متى شاؤوا ، على حسب المصلحة الإلحادية .. أي أنهم يتبعون الإلحاد ولا تبعون العلم .. 

لا يشكك في العقل إلا عدو العقل ، ولا يعادي العقل إلا من أثبت له العقل خطأه و خالف هواه .. من يرد أن يصيد في الظلام هو الذي يقمع العقل أو يشكك فيه، وهي ممارسة قديمة .. و على الاقل كانوا القدماء يقمعون العقل ، و لكن هؤلاء فاجؤونا بالتشكيك فيه! والعقل ليس إلا الحقيقة ، إذن هم أعداء الحقيقة ، ولا تـُعرف الحقيقة إلا بالعقل ..

إذن نحن مقبلون على عصر ظلام جديد ، و كلما كـُبِت العقل سُمّيت الفترة فترة ظلام ، و لا يعادي العقل إلا من له مآرب يكشفها العقل . و الملاحدة يتزعمون حرباً جديدة على العقل..  

لا سحر في المادة ولا معجزات ، بل قوانين ، علمنا منها ما علمنا و جهلنا ما جهلنا ، وهذا ما أشار إليه القرآن: {خلق السماوات والأرض بالحق} ، والحق يمكن الاستدلال عليه ، عاجلاً أو آجلاً ، والعلم الثابت حق ، حتى لو شكك الملاحدة اليهود مثل (بوبر) بثبوت العلم ..         

المنطق يشبه النور ، يريك الأشياء البعيدة غير واضحة ، فتصدر عليها أحكاماً تكون منطقية في لحظتها ، لكن إذا زادت المعلومات زاد المنطق .. فالنور أراك مثلاً جسماً أبيضاً من بعد له شكل المربع ، حتماً لن تقول أنه دجاجة ! ربما تقول أنه سيارة أو عربة قطار أو خيمة ، تقترب أكثر ، يتضح لك أنه سيارة ، و لكنك تخمن أي نوع من السيارات؟ فتعطيه الأقرب بالنسبة لمعلوماتك ، تقترب أكثر ، تجد أن بعض معلوماتك خطأ ، لكنه منطقي في حينه .. وهكذا نرى أنه بدون المنطق لا يوجد العلم أصلاً، ولا يمكن أن يوجد .

عندما قلت عن الشيء الذي رأيته من بعيد أنه خيمة مثلاً ، فأنت اعتبرتَ أنك في الصحراء و كثيراً ما توجد الخيام فيها ، ولكن لما اقتربت أكثر ، أصبحت هذه المعلومة خاطئة و صار الأنسب أنها سيارة . و هذه السيارة لم تقل أنها سيارة عسكرية لأنها بيضاء ، بل اعتبرت أنها سيارة أحد الرحالة ، فاقتربت أكثر ووجدت أنها سيارة إسعاف .

لو قلت من البداية أنها سيارة اسعاف ، فهل ستكون منطقياً؟؟ طبعا لا، بل ستكون ضربة حظ أو جنوناً أصاب ليس إلا..! فما بالك لو كانت هذه السيارة هي سيارة آيسكريم رغم أنه في الصحراء؟! لو قالها شخص منذ البداية سيكون مجنوناً !!

إذن المنطق لا يشكك فيه أبدا و لم يخطئ أبداً .. المعلومة تـُصحّح و لكن المنطق لا يـُصحّح .. حتى طريقة علاج القدماء كانت منطقية بموجب المعطيات التي لديهم، و لكنها لم تكن علمية .. 

المنطق ثابت و لا يتغير ، والتشكيك فيه ليس بهذه السهولة التي تشبه البراءة و إن كانت مآربها خبيثة .. و كلما عرفنا تفاصيل أدق ، كلما ألبسها المنطق ثوبها الأدق بدل الأقرب .. و لو تغيّر المنطق مرة واحدة، إذن يجب أن يـُلغى العقل كله ولا يُعتمد عليه حتى في إثبات هذه الحقيقة ، وهذا لم يحدث أبداً و لن يحدث ..

كل شيء غير منطقي هو غير علمي بالدرجة الاولى ، لا يمكن أن يكون الشيء علمياً وغير منطقي بنفس الوقت كما يحاول الملاحدة إقناعنا . هذه المحاولة تكفي لهدم كل شيء ، بل لا نستطيع أن نقتنع بكلامه بعد أن انهدمت عقولنا .. أم يريدوننا أن ناخذ المنطق إذا كان مناسباً لهم ونتركه إذا خالفهم؟ يبدو أن هذا هو المطلوب .. بحيث يخبروننا متى يجب أن نفكر ومتى يجب ألا نفكر وكيف نفكر وأي جوانب من المنطق نصدقها و أيها لا نصدقها !! 

إن مهمة من يشكك بالمنطق أن يخبرنا بالسليم منه و المعطوب ، ولكن كيف سيثبت السليم من المعطوب؟ طبعاً سيحتاج للمنطق ! إذن كيف سيثبت لنا أن هذا المنطق (وهو الميزان) غير معطوب؟ لا يهدم الشيء نفسه بنفسه ، لا تستطيع أن تكسر الفأس بالفأس نفسه . و العلم لوحده عبارة عن جنون غير مفهوم، ولم يتحول إلى علم إلا لمنطقيته .

لابد من قوة خارجية كي تهدم العقل ، و لا توجد قوة يملكها الإنسان إلا العقل، أنت تفهم العلم بالعقل ، والعلم الذي لم تفهمه هو ليس علما ً، بل هو نوع من المجهول ، لا كيان له إلا من خلال العقل .. تخيل طفلاً يقف أمام مختبر لا يعرف شيئاً عنه ، هو لا يملك إلا عقله ، و حتى تدخل التجربة إلى الطفل و تحوّلها إلى علم عنده لا بد من المنطق والعقل .

إذن العلم ليس كياناً مستقلاً ، ولو كان كذلك لعرفـَهُ المجنون غير المنطقي ، وليس العلم إذن إلا منطقاً ، وإلا سيبقى أشياء مجهولة ، مثل أن ينظر الطفل أو المجنون إلى تجربة في المختبر غير مشروحة ولا مـُدخـَلة في منطقه ..

أما اختلاف صور المنطق عند الناس فهذه ليست حجة ، لأن الجهل والمعرفة متفاوتة النسب بين الناس . بينما المنطق متفق عند الجميع إلا المجنون و صاحب الهوى الذي يضطر لمعاندة المنطق . و من هنا نفهم أن الهوى هو طريق الجنون ، لأنه يبعد الشخص عن المنطقية .

كل البشر يعرفون أن الجزء أصغر من الكل . و يعرفون أن الفوق فوق والتحت تحت ، واليمين يمين واليسار يسار ، و أن الطائرة أسرع من السيارة، و أنه لا حكم على شيء حكماً دقيقاً إلا بعد معرفته ، و أنه لا يحق لك أن تتـّهم إلا بدليل ، وهكذا .. منطق مشترك بين الناس و ثابت و أزلي .. بل إن العلم نفسه يشرح المنطق ، فكل الناس يعرفون منطق الجاذبية ، و لكنهم لم يعرفوا علميتها من خلال قوانين نيوتن .. و يعرفون منطقية الحركة والسرعة والطرد المركزي ، ولكنهم لم يكونوا يعرفون بعلميتها ، ولذلك هم يعتمدون على هذا المنطق في بنائهم وهندستهم .

وبالتالي فمن السخافة دعوى الملحدين بموت الفلسفة ، والفلسفة تعتمد على المنطق ، و إذا مات المنطق مات كل شيء بما فيه العلم ولم يـُفهم ، وإذا لم يـُفهم لم يكن شيئاً .



هناك تعليقان (2) :

  1. كلام جميل أخي الوراق،
    والأدهى مما قلته عن الملاحدة، أن المسلمين أنفسهم أو العامة منهم، يقولون أن الدين ليس فيه منطق، فبالنسبة لهم المنطق هو شيء يعارض الدين ، والدين يعارض المنطق !!!!
    وأعتقد أن المشكلة تكمن في فهم خاطئ للمنطق من جهة ، وجهل للدين من جهة أخرى.
    وأرى أن من عظمة القرآن وإعجازه، أن هناك آية تحسم في كل هذا، ويتجاهلها الكثيرون :
    يقول تعالى :
    "وما يعقلها إلا العالمون"
    هذا أكبر دليل على أن إعقال الشيئ واجب وذلك يعني تحكيم المنطق، وفي نفس الوقت لا يتأتى ذلك إلا بالعلم، فالعالم هو الذي يمكن أن يعقل الأشياء ، والجاهل لا يملك منطقا ولا يمكن أن يعقل الأشياء .
    ودمت بخير.

    ردحذف
  2. شكرا لك أخي العزيز .. وديع
    على هذا التعقيب الجميل والمفيد
    وبوركت زياراتك ومدوناتك .

    ردحذف