الاثنين، 19 ديسمبر 2016

متى نحكم بالأخلاقية ؟

الحكم على المجتمع الغربي أو غيره من المجتمعات بأنه أخلاقي مثل الحكم على نساء مجتمع يُلزِم بالحجاب بأنهن كلهن تحجبن بدافع الحشمة والعفة فقط. وهذا غير الواقع. إن هذه الأخلاق تتبين إذا سافرت هذه المرأة إلى بلاد ليس فيها تلك القوانين الاجتماعية المُلزمة من قبل السلطة. كذلك أفراد المجتمع الغربي، لا نحكم على اصطفافهم بالطابور والأمانة واتباع تعليمات المرور بدقة على أن دافعها اخلاقي، و نحن نعلم أن قوانينهم صارمة وليس فيها مجال للواسطة، مكرهٌ أخاك لا بطل، اذن أخلاق الشخص تُعرف عندما يكون في جو حر من القوانين الملزمة بذلك الخُلق، فالأخلاق تحتاج الحرية لكي تتبين، مثل العفو مع المقدرة، أما العفو بدون مقدرة فليس خُلقا بقدر ما هو مصلحة. أخلاق ابن المجتمع تتبين عندما يخرج عن المجتمع ويتعامل مع غيره. ومعروفٌ عن الغرب شعوبا وحكومات أنهم إذا خرجوا من مناطق تغطية قوانين بلادهم يفعلون ما يفعلون ويفسدون في الأرض، إلا قليلا منهم، فعلى مستوى الأفراد يديرون تجارة الرقيق والمخدرات والجنس الأبيض والجنس مع الاطفال مستغلين ظروفهم المعيشية، وكذلك بيع الاسلحة وتهريب الآثار والمخطوطات والتحف الأثرية من الدول المنكوبة والجاهلة والفقيرة، بدليل ان كثير من الدول العربية والاسلامية تطالب بإعادة آثارها المسروقة ومخطوطاتها من متاحف الغرب، مع تلكؤ تلك المتاحف ومحاولتها التخلص، كبوابة عشتار في المانيا والمسلات الفرعونية في واشنطن، بالقرب من البيت الابيض. وما تزال السرقة مستمرة، ولا تسأل عن 250 ألف مخطوطة عربية في الاسكوريال وغيرها من الاديرة والمتاحف. وأيا كان المبرر بشراء أو غيره، لا بد ان تبقى آثار كل بلد فيها، وان تعود آثار كل بلد أو أمة إليها، مع جواز الانتقال للمتاحف العالمية للعرض وأن تعود إلى منبتها، لا أن تأتي إلى البلد الأم لمجرد العرض ثم العودة.

وعلى مستوى الشركات والحكومات حدّث ولا حرج من استغلال الدول الفقيرة بدفن النفايات النووية الخطرة في بلادهم وابتزازهم بشراء السلع الأساسية بأثمان بخسة وتسويقها عليهم بأغلى ثمن بعد إنتاجها، واستغلال غاباتهم وأخشابهم وتدمير طبيعتهم، وتهديد العولمة للاقتصادات المحلية، وبيع الاسلحة ودعم أنظمة ضد الديموقراطية وإشاعة الفتن والحروب الطائفية والعنصرية إلى غير ذلك، وعلى رأسها الإستعمار الغربي، المباشر والغير مباشر. كذلك انتهاك سيادة الدول بالتجسس وغيره ، والقتل الجماعي بحجة مقاومة إرهابي او اثنين، مقابل مئة أو اكثر يموتون كضحايا حرب بطائرات بدون طيار حتى، تدار بالريموت كنترول عن بعد. فهل كل هذه السلوكيات أخلاق؟ لاحظ أنهم ابتعدوا عن منطقة تغطية القانون، فماذا فعلوا حكومات وأفراد ؟ شرٌ كثير وخير قليل، على شكل مساعدات محدودة تخدم أهداف معينة.

إنهم مثل وضع أطفال جالسين بأدب على مقاعدهم في الصف الدراسي ويأتي من يقول أنهم أخلاقيون، بينما هم خائفون من النظام والعقوبة. فلو غاب عنهم المدرس لن يبقى واحد منهم في مقعده.

صاحب الأخلاق يلتزم بأخلاقه، سواء في بلده أو في غيرها. فهل بعد هذا تظل كلمة الشيخ محمد عبده أن في الغرب إسلاما بلا مسلمين ؟ محمد عبده أعجب بتنظيمات إدارية وسلوكيات نابعة من تنظيمات وعقوبات يفرضها القانون، أو أخلاق تجارية، فهي ليست أخلاقا محضة. وهذه التنظيمات الديموقراطية صنعتها الرأسمالية لكي تحمي نفسها وتضمن حريتها خصوصا وأن كثيرا من أعضاءها من جاليات ليست من ارض البلد، كاليهود وغيرهم، فهمّها أن تحفظ حقوقها وحق المشاركة السياسية و حق التعبد وحرية الرأي والاعتقاد، وحرية رأس المال، وأن تسلم من التمييز العنصري أو الديني، والخوف من تسلط الديكتاتور على رؤوس أموالهم. لقد استفاد الناس في الغرب من هذه الاحترازات للواحد بالمئة من الشعب، بينما تضرروا من ناحية طغيان الرأسمالية على مجتمعاتهم كونها اكبر تأثيراً من رجال السياسة.

المسلمون اذن ليست مشكلتهم الأخلاقية نابعة من الدين وحده، مع العلم أن لديهم بعض الأفكار المغلوطة عن الدين، بدليل أن من ينتقل منهم ليعيش في الغرب سيلتزم بالأخلاق الغربية مثل غيره، مع أنه لم يغير دينه. هذا يدل على تأثير القانون والسلطة على سلوك الناس.

إن أكبر مؤثر في الأخلاق هو الوضع القانوني والديني والتراث الشعبي أو القَبَلي.

الوصف لمجتمع بأكمله بأنه أخلاقي وصف خاطئ، لأنه لا يمكن أن يكون الناس على اختيار واحد، فإذا وجدت ذلك المجتمع لا يرمي النفايات من زجاج السيارات ولا يبصق على الارض ولا يلقي بأعقاب السجائر في الشارع، فهذه صفات جميلة، لكن انظر ما الدافع لها. إذا عرفت أنه سيُذهب به إلى المحكمة إذا هو رمى أعقاب السجائر في الشارع، هنا يزول الحكم على ذلك المجتمع بأنه أخلاقي، فيكون شعب ملتزم رغما عنه بقوانين صارمة تحتاج إلى محامين و دوخة. اذن ليس من اللائق ان يعوّد الشخص نفسه أن يلقي شيئا على ارض الشارع مخافة ان يكون هناك مراقبٌ في أحد الأماكن فيتعرض لمخالفة.

وإن قيل أن ذلك المجتمع هو من أنتج تلك القوانين لأنه أخلاقي، فسنقول : لماذا يحتاج إذن إلى قوانين وعقوبات ومحاكم ؟ ولماذا لا يطبقها إذا خرج أو تعامل مع غير مجتمعه؟

لو قارنا بعجالة بين أخلاقيات المجتمع الغربي وأخلاقيات المجتمع العربي والمسلم، سنجد تفوقات هنا وتفوقات هناك، لكن ما الدافع لها ؟ وهذا هو المهم. ففي المجتمع الغربي نجد احترام الوقت والعمل والمواعيد والعلم والثقافة، وهي صفات جيدة بلا شك، لكن سنجد الكرم يتميز به العربي أكثر، وكذلك الشجاعة، وبالتالي الصبر، وكذلك المروءة والحشمة، والبعد عن المسكرات والقمار. ثم قضية احترام الوقت والمواعيد والعلم، واضح أن دوافعها مصلحية، وليست من صميم الأخلاق نفسها 100% . لكن الكرم والشجاعة والمروءة واحترام الجار والضيف، فالمصلحة تقلّ هنا، وتكثر الخسارة. فأي المجتمعين أقرب إلى الأخلاق المثالية؟

هناك تعليقان (2) :

  1. عربي يعيش بالغرب في امريكا وله خبره في مثل هذه الامور التي تتحدث عنها يقول هذا العربي ان هناك مؤسسه تدير الاعلام في امريكا وفي اوربا وهي حريصه على الاتي..اظهار الجانب الايجابي في مجتمعات الغرب والتكتم عن الجانب السلبي ويجب عمل برامج تظهر الحياه في الغرب وتستهدف العرب والمسلمين كأن يعملوا وثائقي عن عائله امريكيه وتصويرها وهي تلعب وتمرح وتضحك وتأكل المشاوي وكأنهم لايبكون وحياتهم خاليه من المشاكل او عمل فيلم رومنسي مع شخصين متجرد من الاخلاق ويتعداها ويصل الى قلة الادب مع اظهار ان هذا الشي جميل من خلال المنتاج والاخراج وتكرار هذه الافلام حتى يتقبلها العربي والمسلم اتفاق مع عرب او مسلمين منافقين بتقليد افلامهم وبرامجهم الغنائيه الساقطه مثل استار اكادمي وغيره وتلاحظ ان كل برنامج غربي يتم عمل نسخه منه عند العرب وبدعمهم بالمال. انشاء قنوات عربيه متخصصه بنقل هذه الافلام والبرامج مثل مجموعات ام بي سي. كل هذه الاشياء تدخل في اطار الحرب الفكريه ضدنا وهي مقصوده ومتعمده يدخلون في ذائقة الانسان ويبثون مايريده دون التقيد في حدود الاخلاق العامه يفسحون المجال لك لتشاهد وتستمتع يحاولون اشغالك بأمور الدنيا انههم يستعبدونك دون ان تدري. واسف على الاطاله اتمنى ياورق ان ترد على كلامي وتصحح لي ان كان هذا الكلام غلط او صح

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا على غيرتك على الاسلام ، لكن لا اظن انهم هم من يدفعون لنا، بل الحقيقة اننا نحن المبهورين بحضارتهم ودعايتهم و موضاتهم ، بغثّها وسمينها مع الأسف. الوضع السليم هو وضع من ينتقي ويعرّب ويٌأسلم ما يأخذه ويراه مناسبا لدينه وتراثه، لكن هذا قليل مع الاسف وبشكل عام وبتراجع، حتى نظرياتهم نأخذها بالقبول دون أن نمحّصها. عندما نرجع للأمة الإسلامية في زمن العباسيين مثلا، نجد أنهم ترجموا من الأمم وأخذوا ما يناسب ثقافتهم ودينهم، وأهملوا الباقي. في تعاملهم مع الثقافة اليونانية مثلا، ترجموا الكتب التي تكلمت عن المنطق والهندسة والطب، واهملوا ما يتكلم عن تعدد الالهة وخرافاتهم، ومع أنهم ترجموها إلا أنهم نقدوها، وخطّئوا ما رأوا أنه خطأ، واضافوا عليها. هذا يشكّل شخصية الناقل الذي يحترم وجوده و تراثه و دينه ومنفتح على الآخر، هي أفضل من شخصية المنسحق الذي يبتلع ما أمامه دون تمييز، وأفضل من المنغلق الذي لا يقبل أي تلاقح ثقافي مع الآخرين.

      حذف