الجمعة، 30 ديسمبر 2011

الزمن هو الحركة - 2 ..


ما نسميه حركة الشعور ، هو ارتباط بين الطبيعتين الداخلية والخارجية  ، باسترشاد من الذي أوجد الطبيعتين . و هي حركة انتقالية إلى ذلك المرشد والموجِد . أما الشعور فهو خالد .

وحركات الشعور هي ارتباط , فيرتبط الشعور بالطبيعة الخارجية و بالشعورات الأخرى و يرتبط بعقله . و الشعور أعجمي لا يحس بالواقع مباشرة ولا يعرفه ، ولا يعرف اللغة إلا عن طريق ما يصله من العقل عن العالم الخارجي ، و كل ما يأتي من هذا العالم يصل للشعور عن طريق العقل ؛ لأن الحواس مرتبطة بالعقل . و العقل لا يعرِف إلا المادة , فهو بحاجة إلى وسيط معرّف, يعرِف الطبيعتين, ليكون التعامل بينهما سليما .

ومن هنا الحاجة لتدخل السماء و الوحي , فلابد من التبصير (بصائر للناس), وبدون هذا الوسيط لا يتم الاندماج السليم بين الطبيعتين, فإما أن يطغى الشعور وحده وهو أعمى عن عالم المادة فينتج عنه الخرافة والإفراط في الروحانيات, وإما أن يطغى العقل فيتحول الإنسان إلى عقل مجرد و مادي فقط , وفي كلتا الحالتين يكون نصف الحقيقة غائب .

وهنا يحتاج الإنسان للقدوة كي يتعامل مع الحياة, والقدوة إن كان من أحد الطرفين فلابد أن يقود من يتبعه إليه, وإن كان هذا القدوة يجمع بين الطبيعتين بسلاسة وانسجام فسوف يجعل من يتبعه كذلك, ولن يكون هو كذلك إلا أن يكون مسترشدا بذلك الوسيط .

إذاً الزمن الشعوري هو ارتباط ، والزمن المادي هو حركة ؛ فالجزء المادي من الإنسان مرتبط بزمن الحركة , فخلاياه تشيخ بزمن الحركة , و كل شيء مادي يتأثر بالحركة , و عوامل التعرية والتحليل تغيّر من كل شيء مادي, والمادة في حركة مستمرة .

أما الزمن الشعوري فهو لا يتأثر بزمن الحركة ؛ بدليل أن شعور الإنسان لا يتغيّر مهما تغيّر عمره , وهذا لأن زمنه ارتباطي وليس حركي , فمثلاً : من يسافر لمدة يومين أو ثلاثة ويرجع ، يحس أنه عمل أشياء كثيرة ، وأن الزمن طويل .. بينما هو لا يحس بذلك لو كان على نمط حياته الروتينية , وهذا بسبب كثرة الارتباط .

بينما دقائق من الانتظار أحيانا تمر كأنها ساعات , ولو سألت هذا الشخص الذي يشعر بالملل ، لقال أنا لا أفعل شيئا , أي : أنا لا أرتبط , لكن لو كان معه رواية مثلا ، لمرّ وقت الانتظار و ربما تضايق بسبب انتهاء الوقت .

لهذا تمر الأسابيع والشهور على الناس ذوي الصبغة الروتينية سريعة , بينما اليوم عند الإنسان الشمولي و واسع الاهتمامات يَعْدل أسبوعا عند الإنسان النمطي , بحساب الزمن الشعوري الارتباطي .

وإذا قلت أن هذا المكان أكل عليه الدهر وشرب ، هذا يعني أنه أكلت عليه الحركة وشربت .. كما أن الموت بالنسبة للإنسان يقضي على الزمن الحركي ..

ومن المفترض أن يلبس الإنسان ساعتين : ساعة الزمن الشعوري بيمينه , وساعة الزمن الحركي بيساره , فاليمنى ترصد الحب ، لأنه ارتباط ، و تحمل أيضاً المعرفة وغيرها . واليسرى ترصد حركة الشمس.  فإذا تأخرت الساعة اليمنى بينما تقدمت الساعة اليسرى فالنتيجة ملل , فالعقل يرصد أن الزمن طويل بناء على الساعة أو الأيام والشهور , بينما ساعة الشعور لا ترصد شيئا ، لأنها لم يسجَّل عندها أي ارتباط .

لهذا أغلب الناس يحسون بمرور الوقت والأشهر والايام سريعا , ويتفاجئون أنهم دائما في آخر الشهر .. و تلازمهم عبارة :  "ما أسرع السنوات في هذا الزمن !! " يقول تعالى : {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة}.

اختلاف الزمن هذا هو الذي يفسر اختلاف الناس في وصف فترة زمنية , فبعضهم يقول : هذا الأسبوع طويل ، و بعضهم يقول انه مر بسرعة .
فعلى قدر ما يكون الارتباط كثيفاً و على مستوى اللحظة , على قدر ما تكون الحياة مليئة ولا تشعر بسرعة مرور الوقت ، فيعيش شخص ما عمرا ممتلئا, و آخر يعيش عمرا فارغا من الداخل ، فهو قصير مع أنه قد يكون طويلا في الزمن الحركي .

ويمكن تسمية هذين الزمنين بالزمن المعنوي والزمن المادي , فأيهما أثمن إذاً؟

وعندما تتدخل الساعة اليسرى (الزمن المادي)  باليمنى (الزمن المعنوي) يضطرب شعور الإنسان ؛ لعدم الانسجام بين الطبيعتين . وهذا ما يسبب كراهية الناس للالتزام بالأعمال ذات الزمن المحدد ؛ لأنه يحصل تضارب بين عمل الزمنين ؛ فمثلا شعور الإنسان يريد أن يستمتع بمتابعة الفيلم ، ولكن الساعة تشير إلى الثانية عشرة و لديه دوام في السادسة .. هنا تحدث نرفزة سببها التضارب الزمني . وما أكثر ما يحدث هذا التضارب , مسببا النكد في حياة الناس .

الذين يحترمون الشعور يكرهون حتى حمل الساعة و لوحات التقاويم ، و على العكس من ذلك يفعل الماديون  .وعلى هذا فمتابعة الساعة دائما هي علامة على الشخص العقلاني ، والعقلاني فقط هو شخص مادي.

الإنسان الشعوري يَنْسِب الزمن للارتباطات الشعورية أكثر من نسبه  للساعة و التقويم . فهو يؤرخ حسب الأحداث والمواقف البارزة ، أي الارتباطات .. أما العقلاني المجرد فهو يؤرخ بالساعة واليوم والشهر والسنة فقط .. وهذا ما يسبب صعوبة حفظ الأرقام والتواريخ ؛ لأن ليس لها علاقة بالزمن الارتباطي.

الزمن الارتباطي أهم عند الإنسان من الزمن المادي ؛ بدليل أنه من الممكن أن يفرط بالثاني لحساب الأول , ولا يندم على ذلك حتى ، فمن الممكن أن يتأخر عن موعد نومه أو أكله ، ولكنه يقول أنا استفدت و تعلمت شيئا ، أي ارتبطت .. وعلى هذا فاهتمام الحضارة الغربية بالمواعيد لا يعني أنه نابع من الشعور كأخلاق ، بل من العقل المجرد.

وهذا التفريق الزمني من الممكن أن يفسر الكثير من الظواهر البشرية المبهمة ، ولا أدل على ذلك من شعورك بعد قراءتك لهذا الموضوع على قيمة الزمن الارتباطي غير مكترث بالساعة التي بيدك ومرورها أثناء القراءة.

بسبب الزمن الشعوري يشعر المشتاق بطول الوقت لمن يحب , وربما يُقال له أنك لم تبتعد عنه إلا وقت قليل ، ربما ساعات ، لكنك تحس بأنه وقت طويل بسبب قلة الارتباط بهذا الشيء الذي يريده الشعور .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق