الأحد، 8 يناير 2012

الزمن هو الحركة - 3 ..


حركة الشمس هي إحدى الحركات في الكون ، والتي اختيرت لتكون مقياسا.

ربما يكون هناك شخصان مثلا ، كلاهما في عمر الخمسين و صحتهما جيدة ولا يعانيان من الأمراض .. لكن أحدهما أكثر شباباً و نشاطاً ونضارة من الآخر , فما السبب ؟

السبب هو إختلاف الناحية الطبيعية لأحدهما عن الآخر, و الزمن الطبيعي الذي فرّق بينهما , و بمعنى أدق : الحركة الطبيعية .

الحركة الشعورية أيضاً لها عمر , فالشعور له زمن مثلما أن الشمس لها زمن , فالشمس تجري لغاية ، والشعور يجري لنفس الغاية ، على انفصال بينهما . فبمجرد أن يتكلم هذان الشخصان مثلاً ، ستجد أن أحدهما أكبر , و هما لا يدريان عن أعمار بعضهما البعض , شعور الاول أكبر و الثاني أصغر , و السبب هو الشعور.

الشعور أيضاً له عمر ، لأن الجسم يحتاج للأشياء التي تعتمد على حركة الشمس , ويلاحظ دائماً أن الناس الذين يعيشون حياة روحانية خصبة و سعادة ، صحتهم أفضل وعمرهم أطول .

الجسد عندما يرتبط بالشعور أو بالذات , أي يحقق أهداف الشعور , و يصبح الجسد كله عبداً لله في هذه الحالة .. هنا تصبح حركاته طبيعية , و هي الحركة التي من أجلها وُجد جسد الإنسان .

و أي حركة للشعور تكون عن طريق الارتباط السليم بالطبيعة الخارجية , أو ارتباط المعنوي بالمادي .. ثم إن لهذا الشعور حركة بعد الموت لارتباط آخر ، لكنه لن يعرف الارتباط الاول حتى يسترشد بالارتباط الثاني ، إذاً هو يرتبط بالطبيعة لكي يكمل رحلته للارتباط بخالق الطبيعة ، و لذلك فهو يكبر و هو نشيط ايضا ..

لكن شخص لم يوظّف الجسد لحركة الشعور ، بل وظّفه لحركة الشمس ، فهنا هو يخالف ما وجد من أجله الجسد , فيتلف الجسد بسهولة , قال الله تعالى : [[وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا] {الفرقان:47}فالكلام هنا لجميع المخلوقات .

وقال تعالى : [قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا] {المزمل:2}
فالكلام للرسول صلى الله عليه وسلم , و معناه أنك لا بد أن تختلف أنت , لأن الحركة أو الزمن الذي تعتمد عليه مختلف عن بقية المخلوقات , فالإنسان لابد أن يختلف , لأن لديه شعور . والإنسان صاحب طبيعتين , طبيعة أرضية وطبيعة سماوية , فعندما تُوظَّف الطبيعة الأرضية من أجل الطبيعة السماوية ، سيختلف الإنسان عن بقية المخلوقات .

فالشخص الذي ينسب حركته إلى حركة الشمس دائماً يجد مشكلة مع الشخص الذي حركته تتبع حركة الشعور , لكن الشخص الذي حركته تتبع حركة الشعور تجده أثبت و تجده هو المحترم أكثر من الشخص الذي حركته تتبع حركة الشمس.

من هنا نعرف أن الشعور أرقى , فالشمس والأرض والجبال كلها خلقت من أجل هذا الإنسان , و أسمى ما في الإنسان هو الشعور , إذاً حركة الشعور أرقى من حركة الشمس , لأن حركة الشمس صنعت من أجله , لذلك من يتبع الشعور فهو يتبع الأساس و ليس الفرع , لذلك سيكون أرقى ممن يتبع حركة الشمس , فالحركة الشعورية تظل هي الأرقى.

في النسيان مثلاً , تلاحظ أن الأشياء التي تتعلق بـالعقل عمرها قصير وتـُنسى بسهولة , أما ما يتعلق بــالشعور فلا ينسى و يُختزن , وعمره طويل ، و في الحقيقة هو لا يزول ؛ بدليل أن أي شخصية مرت بحياتك حتى لو كانت قبل أربعين أو خمسين أو ستين سنة فهي لا تُنسى أبداً , فبمجرد مشاهدتك للشخص أو أن يذكر لك اسمه مباشرة فإنك تذكره , و أشد من ذلك أنك قد تنسى اسم الشخص لكنك ستعرف كل شيء وصل إليك من إشعاعه في ذلك الوقت قبل سنين طويلة و سوف تتعامل معه مباشرة , فتبتسم مثلاً إذا سمعت اسم شخص أو إذا رأيته , لأنك قد تكون عرفته في ذلك الوقت بروح فكاهية و لم تنساه , ولم تتساءل هل هو انسان جاد أم مرح ؟ أو هل هو إنسان عميق أم غير عميق؟ لا تتساءل عن ذلك مطلقا , بل تعرفه جيدا , و بدون أن تحتار أو تفكر في ذلك أصلاً , بل أن شعورك عنه يحضر مباشرة.

والإنسان الذي يتبع حركة شعوره ، من ناحية أخرى ، تجده هو الذي يتمتع بالإبداع .. مثلاً تجده غير مركـّز على نفس النقطة المطلوب التركيز عليها , بل يتبع شعوره هو , فيأخذ من هذه النقطة مثيرات ليس إلا , حتى يترجم و يبين ما عنده هو . فمن هنا يجد فائدة و متعة و يكون هناك تجديد في الكلام وغيره ..

أما إذا كان هناك التصاق وتثبيت وتركيز على شيء معين ، فهذا ليس من صفات الشعور .. و هذا الذي يجعل اثنان يحترمان الشعور و يعملان على أساسه , يعني أنهما يحترمان الشعور و يعيشان سنين طويلة دون أن يمل أحدهما من الآخر ..

وعدم الملل هو نتيجة لعدم وجود شيء صناعي مفروض عليهم , يعني أنهم يستمتعون بحرية شعورية و يتعاملون معها ويترجمونها فقط ، هذا كل ما في الأمر .. أما الأحداث والأشياء فهي مثيرات لهم فقط , و كأن كل واحد منهم يلقح أفكار الآخر حتى تخرج مشاعره ويستحثها , ولا يوجد بينهم أي خلافات ، لأنهم منطلقين من الشعور أصلاً ..

فالشعورات حاجاتها تتشابه أساساً , لكن متى يأتي الخلاف ؟ يأتي إذا دخل الصناعي ، أي إذا دخلت الرغبة والمصلحة المرتبطة بالوقت - الوقت الخارج عن الذات - .. هنا تبدأ المشكلة ، فحينما جاء هذا الوقت , جاءت حركة أخرى غير الحركة المعتادة , فأصبح هذا الشخص غريباً في هذه الحالة , و بما أنه غريب فهو إذاً مجهول , وبما انه مجهول إذاً هو مخيف , إذاً احذر , و هكذا تبدأ المشاكل .

إذا كان طرفان مع بعضهما ، مثلاً تلاميذ وأستاذ ، و بينهم رابط أو صلة من المحبة , لكن يطلب المدير من المعلم أن يضع اختبار للتلاميذ في هذه اللحظة , فالمعلم الآن خرج عن زمن المحبة الذي بينهم ، لأنه مأمور بأمر صناعي و يريد أن ينفذه , ولكن التلميذ لازال مرتبط بالزمن الطبيعي ، فيريد أن يتكلم و يريد أن يلعب و يريد أن يكمل القصة الفلانية إلخ , بينما المعلم تغير عليه فجأة وأصبح يفرض عليه شيء قادم من زمن آخر و ليس من زمن طبيعي .. فمثلاً يقول : عليك الآن أن تذاكر , و عليك أن تحل , عليك  الآن أن تصمت ولا تتكلم , الآن سيجرى اختبار إلخ ..  من هنا صار بينهما قطع , فالمعلم الآن قطع الحب ، بسبب أنه أدخل زمن آخر على الزمن الطبيعي الذي بينه وبينهم ..

كان بإمكان الطالب هذا أن يُجِيب ويحل الاختبار ويعمل كل شيء , لكن المشكلة أنك ألزمته بالآن , يعني أنك جئت بشيء لم يصل إليه من خلال زمنه الطبيعي الذي هو عليه الآن , ولم يأت في زمنه الطبيعي , بل إنه مفروض فرضاً بالقوة فسينقلب ويكون الطالب صناعي ، وأنت أيضاً انقلبت واصبحت صناعي ، وأصبح أحدهما لا يعرف الآخر , فقد حصل القطع , و تحتاج بعدها إلى إعادة طبيعية حتى ترجع المياه إلى مجاريها.

من الكلام السابق : لكي يستمر الحب ، لا تـُدخل عليه شيء من زمن آخر . سيستمر الحب بدون حصول أي مشكلة , يعني : لا للرغبات , وانظر هل سيستمر أم لا ؟ سيستمر بإذن الله .. إذا لا توجد أي مشكلة ، إلا إذا أُدخلت رغبة أخرى مرتبطة بزمن آخر , وهذا يعني أنه قد دخل زمن آخر ، و هنا الآن يوجد خطر على العلاقة .

الذي يتعرض أكثر للصناعي يتعب من المواعيد , فانظر متى يكون مناسباً له الوقت لأمر ما.. أما الطبيعي فليس عنده مشكلة ، فهو أسرع تهيئة ً , يعني : إذا كانت هناك علاقة بين المحبين , فالشخص الذي يعيش حياة طبيعية أكثر لا تجد عنده مشكلة في محبوبه أن يأتي , لكن الذي عنده صناعي هو الذي يتعب أكثر ، فتجده يفكر في التأخر عن الموعد , وهو الذي تجد عنده قلق و اكتئاب .. الشخص الذي تحت تأثير الصناعي هو الذي يتغير ، فيأتيه وقت غير مناسب له , و يحتاج لتهيئة طبيعية لتعود العلاقة إلى ما كانت عليه ..

هناك تعليق واحد :

  1. عذرا على فهمي البطيء..
    لكن مواقيت الصلاة و الصوم و الحج تعتمد على الزمن الحركي.. فالله الزمنا ان نصلي الصلوات في اوقات محددة فلا يمكن ان نصلي حسب رغبتنا او شعورنا.. مثلا نؤجل الصلاة نظرا لارتباطنا بشي اخر.. وايضا كلما كان الشخص يصلي الصلاة في اوقاتها كلما كان اقرب الى الله ..
    .. وهذا قياسا على مثال المعلم و تلاميذه..

    ردحذف