الأحد، 8 يناير 2012

عن النقد ..


 
الردود على نوعين : رد على الموضوع من الداخل ، والنوع الثاني : رد على الموضوع من الخارج . و من يعجز عن الرد من الداخل ، فسيتجه إلى الرد من الخارج . والرد من الخارج يشبه محاولة تغليف الرد بغلاف يتناسب مع ما يريده الرادّ ، معتقدا ان الغلاف سيحدد القيمة لهذا الرد كما يريد هو ، أي مثل من يضع الجواهر في كيس النفايات ؛ ومثل هذا التغليف لا يستمر طويلا ، فلا يستطيع احد ان يجعل الجواهر نفايات حقيقية .

أما الرد من الداخل فهو الذي يبين القيمة الحقيقية ، و لكنه لا يتناسب إلا مع عاشق الحقيقة و ليس مع صاحب الهوى والرغبة المسبقة . لذلك لا يرد صاحب الهوى ردا مقنعا ، فيلجأ إلى رد التغليف (الخارج) ، لعله يموّه على الآخرين حتى لا يكتشفوا ما اكتشفه ..

الرد من الخارج لا يعدو ان يكون نتيجة بلا سبب ، و تقييما بل ادلة ، و مؤثرات عاطفية ، ومحاولات توجيه بلا دليل ، سواء في منطلق الموضوع او في غايته . بما يشبه وضع القط في الكيس ، فلا يدري ماذا سيـُفعل به و أين سيوجّه ولا اين سيـُرمى .. هذا ما يسمّى بالنقد الرديء ، والذي اتمنى ان يرتفع مستوى كل الناقدين عنه إلى مستوى النقد داخل الموضوع .

# إن الفكرة كافية للحكم والتقييم .. بل النظرة احيانا تكون كافية عن الكلام ..

فعندما تسمع شخصا ينادي البائع بكلمات وقحة و بصوت عال ، وهو يقف مع بقية الزبائن المهذبين .. هل يحتاج هذا الشخص أن ندرس حياته وظروفه حتى يحق لنا ان نقول ان هذا الشخص وقح و احمق ؟؟

فعبدالله القصيمي مثلا ، نجد ذلك الشخص يردد – ومن مثله يضا - و بصوت عال : الشهوة الشهوة ، ولا شيء سوى الشهوة .. ! فهل اذا قلنا عنه انه مادي وشهواني الفكر دون التحدث عن واقع حياته ، فهل نكون مخطئين ؟ وهو يقولها بملء فيه ؟؟ !! وإذا كان غيـّر افكاره بعد ذلك ، فلماذا لم يغيـّر كتبه السابقة أو يسحبها ؟ هذا الوضع مثل وضع من يعطي عنوان المنزل لتوصيل الطلبات ، ثم يلومهم لأنهم لم ياتوا إليه في منزله الجديد !!

إذاً : لا بد من تحديث البيانات عند إجراء اي تغير، و هنا مسؤولية المؤلف الذي لا يريد ان تـُصدر عليه احكام من خلال كتاباته السابقة . و هذا الامر ينسحب على الافكار ايضا .. و حتى لو كان كاتبٌ ما غيـّر افكاره ، و لكن كتبه السابقة ما تزال موجودة ، فيحق للناقد ان ينتقد هذه الكتب و يصدر حكما عليها .. رغم معرفته بتغيير المؤلف لافكاره في كتب لاحقة .. لسبب ان هذه الكتب القديمة لا تزال مؤثرة في الناس .

أنا أحكم على الشخص الذي كتب هذا الكتاب ، على مبدأ : لكل حادث حديث .. و ليس على الشخص الذي غيّر افكاره .. فحديثه آخر .. وهذا بسبب أنها موجودة ولم يسحبها  ..

يجب علينا ان نبتعد عن الشخصنة كتابة ً، والشخصنة فهماً ايضا .. فأنا لا أنتقد (القصيمي – الشخص) ، فأنا لا أعرفه ولا يهمني .. انا أنتقد (القصيمي – الفكر) الموجود في تلك الكتب .

نيتشه كمثال آخر يقول بملء فيه ايضا و بصوت عال : سحقا للرحمة ! القوي يجب الا يشفق على الضعيف ، ينبغي قتل الابرياء ولو بدون ذنب ، لأن ذنبهم هو الضعف !! من يقول هذا الكلام : هل يحتاج إلى دراسة ، منذ اليونان إلى الآن ، لكي نقول انه متكبر وإرهابي الفكر ؟؟

ماذا ستفيد دراستنا ؟ هل سيخرج معنا جديد من هذه الكلمات ؟ هل سنفهم انه لطيف وخلوق وانساني ومتعاطف مثلا ؟

وإن كان للقصيمي او نيتشه - او ايا كان - كلامٌ آخر ، سابقا او لاحقا ، فأنا لست ملزماً به .. لأنني ما دمت انقد كتابا معينا ، و كلاما كتبه هو ، فأنا مرتبط بهذا النقد . و حتى ذلك الشخص الوقح الذي رأيته في السوق ، أنت تنتقده بموجب تلك الفترة الزمنية ، اي على مستند . قد يكون تغير و اصبح شخصا مهذبا ، وأنت لا تعرف ماذا جرى عليه لاحقا ، بينما أنت لا زلت تنعته بالوقح .. فهل في هذا ظلم لهذا الشخص ؟ طبعا لا .. لأنك معتمد على دليل .. وكما يقولون : لكل حادثة حديث ..

هناك تعليق واحد :

  1. لطالما استخدم المرء عقله في جميع أفعاله وردودها سيحدث تجديد للأفضل في معظم الأحيان..

    ردحذف