الأحد، 29 يناير 2012

حوار حول المادية (2)

ياسين :

إذا كان الانسان مكون من قسمين هما الجسدي المادي و الروحي, المادية استطاعت أن تجد أن الجانب المادي هو الذي يقوم بكل الوظائف عند الانسان بما فيها المشاعر و الأحاسيس (التي تعتبر من صلب الروحانيات) و تدعم فرضياتها بأدلة علمية.

الرد :

اين الادلة العلمية ؟ هذا ادعاء عريض ملصق بالعلم ظلماً ! اين هي المشاعر ؟ اين وجودها المادي ؟ نريد ان نرى شعور الحب والكراهية تحت المجهر لأنه مادي كما تزعمون ! أما أمنياتكم فتبقى لكم مع تقديري ..

يجب على المادية ان تحترم العلم لا ان تلصق به ما تشاء بلا دليل .. العلم عودنا على الاثباتات التي تقطع كل شك ، فاين هي هذه الاثباتات ؟

ما العلم عند الماديين الا حصان طروادة الخشبي ، يحمل في جوفه ايديولوجيته ، وما احبوا العلم الا لهذا الشيء ، اعتمادا على احترام الناس للعلم ، والعلم مسكين فلا مُدافع عنه .. مثله مثل الفضائل ، تـُستغل للرذائل و لا مدافع عنها .. 

ياسين :

أما عن الأخلاق . الأخلاق هي قوانين تحكم الجماعة لكي تمنع التصادم بين أفرادها و بالتالي تحافظ على بقاء الجماعة, أي أن الأخلاق ليست أمور غير مادية, و إذا نظرت لأخلاقيات الأمم ستجد أن الاختلاف بين أخلاقياتها منبعه اختلاف الظروف و التطور التاريخي للأمة.

الرد :

لماذا الاخلاق نفسها تسبب تصادماً ؟ الم تقم حرب البسوس لان الاخلاق انكسرت (حفظ الجوار وكرامة الكلمة) واستمرت 40 سنة ؟ وافنت كل مصالحهم المادية واجسادهم ايضا ؟ اذا هذا الزعم ليس صحيح .. بل اكثر الصراعات تقوم بسبب الاخلاق ، كما اشار الى ذلك المتنبي الحكيم :

ومراد النفوس اصغر من ان .. نتعادي فيه وان نتفانى (الأمور المادية) ..
غير ان الفتى يلاقي المنايا .. كالحات ولا يلاقي الهوانا (الأخلاق) ..

الم تسمع عن حروب الكرامة و ثوراتها ؟ هل دافعها مادي ؟ و هل يموت الناس من أجل ان يعيشوا ؟ هل يقتلون انفسهم لكي يبقى ابناؤهم ؟ اين الانانية المادية عندما يضحي الانسان بنفسه لاجل الاخر ، بل لاجل الفكرة ، وهذا كثير ما يحصل ؟ هل هذا بدافع من المصلحة المادية التي سينعم بها في قبره ؟ هذا تهافت ليس بعده تهافت ..

انت نفسك من الممكن ان تدخل في صراع خطير مع شخص لأنه أهانك في الشارع ، و تتضرر مصالحك المادية ، وربما جسمك و مالك ، لماذا هذا يكون ؟ هل لاجل المصلحة المادية ؟ من مصلحتك الا تعبأ بالامر ..

معذرة .. كل اطروحات الماديين غير مقنعة ولا تفسر الانسان ولا حتى الطبيعة ، وتفكير قليل كاف لاسقاطها .. لانهم يعتمدون على الهوى والرغبة ، والهوى ضعيف في الاساس ، لهذا طرحهم ضعيف ، و يعجب به صاحب الهوى فقط .. المادية مجرد فترة عابرة في افق التاريخ .. مثلما عبرت شقيقتها المادية الشيوعية اليسارية ..

ياسين :

و حتى الأديان إذا نظرت للأديان القديمة تجد أن الآلهة الأولى كانت مرتبطة بالجانب المادي للانسان مثل الطعام أو الظواهر الطبيعية, فتجد إله الخصوبة و إله الرعد و إله المطر و الكثير من هذه الآلهة, و مع تطور الفكر البشري تطورت معه الآلهة إلى أن وصلت إلى التوحيد و فيها أصبح الإله أكثر بعداً عن الصفات البشرية التي كانت موجودة عند الآلهة القديمة مثل الغيرة و الخيانة و الاشتهاء الجنسي.

الرد :

هذا غير صحيح ، فأنت تركت آلهة أخرى كآلهة الحكمة و الحب والمعرفة والجمال ، وهذا يعني ان حاجات الانسان ليست مادية فقط .. لو كانت حاجاته مادية فقط ، لاصبح مثل الحيوانات تماما ولم يتميز عنها بشيء ، ولا داعي للتميز اصلا ، و اذا نظرت الى ميزة الانسان عن الحيوان ، تجدها ميزات غير حيوانية ، فلو ان هم الانسان هو الاكل والجنس والنوم والامن والجماعة ، لكانوا مجموعة من القرود ، ولاستطاعوا ان يعيشوا كما استطاعت مجموعة القرود ان تعيش ..

البعد الانساني هو الذي ميز الانسان ، وهو مشكلة الانسان ، ولاجله يصاب بالهم والكآبة .. والقرود لا تحتاج إلى آلهة جمال ولا حب ولا علم ولا رحمة ، وتعيش باستمتاع دائم وليس لديها مصحات نفسية ..

انتم تريدون تجاهل امر لا يمكن تجاهله ، وتريدون دفنه ويطل برأسه كل مرة : تريدون دفن الانسان .. والابقاء على الحيوان .. الانسان له طبيعتان وليس طبيعة واحدة ، وغرائز الانسان على نوعين : دنيا و عليا ، وتعترفون بالدنيا ولا تعترفون بالعليا ، و تطل الأخيرة براسها في كل مرة لتثبت وجودها .. و لولاها لكان الناس قطيعا من الحيوان يعيش بسعادة كما تعيش القطعان..

انها الامانة اتي حملها الانسان ، ولهذا ينوء كاهله بها ، و يتألم من الداخل و يذرف دموعه بسببها .. (قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) .. لهذا السبب لم تنضج طبخة المادية البهيمية ولن تنضج ابدا ..

الماديون يحسبون ان معاناة الانسان من الضمير بسبب الدين و تعاليم المجتمع المفروضة عليهم رغما عنهم ، بينما هم لا يريدونها ابدا و يريدون ان يعيشوا مثل البهائم .. لكنهم هم من الزموهم بها !!  هذا تحليل سطحي ، فما الذي دفع الناس للبحث عن الدين ؟ و لماذا اطاعوا رجال الدين اصلا و هم ليسوا عليهم سلطة لو كانوا حيوانات و ماديين كما تتصورون ؟ اذا لم يجد الناس الدين والاخلاق ، اختلقوها اختلاقا .. الا يعني هذا ان لديهم غرائز اصيلة تتعلق بهذه الامور العليا ؟ ثم لماذا نجح رجال الدين والعرافون والكهنة بالتاثير على الناس ؟ لو لم تكن الحاجة موجودة عند الناس اصلا !

 الستم انتم تعترفون انه يجب ان يكون للانسان هدف سامي اكبر منه و من حاجاته حتى يستطيع مواصلة الحياة ؟ هذا اعتراف بالغرائز العليا ، كما ذكره دانيت وداوكينز ، الماديون الاساتذة ، وهذا يعني ان الانسان ليس حيوانا ، فالحيوان يستطيع ان يعيش بدون هدف سامي .. اذا انتم فرقتم بين الانسان والحيوان بالهدف السامي بأنفسكم .. و الهدف السامي امر معنوي و ليس مادي طبعا .. اذ لا يمكن ان يكون هناك هدف سامي و مادي بنفس الوقت ، فالثروة مثلا هدف ولكنه ليس سامي .. هناك اهداف مادية غير سامية و عادية جاهزة للتبني .. فلماذا اشتراط السامي ؟ كلمة سامي تعني انساني معنوي راقي و ليس مادي طبعا .. المادية تعاني من عدم وضوح الرؤية ..

حتى هيتشنز قبل وفاته يقول انه يتمنى لو انه عاش في سبيل هدف سامي يتبناه ..   

ليس هناك ما يلزم الناس بطاعة رجال الدين لو لم تكن كلمة الدين نفسها ذات وزن في شعورات البشر .. اذهب واقنع الناس بابريق راسل الذي لن يقتنع به احد ، لانه لن يلامس حاجة عندهم ..    

اما نقطة تطور الديانات من الالهة المتعددة الى التوحيد والاله الواحد ، فهذا منطقيا خاطئ ، فالمنطق هو التطور من العام الى التخصصات ، مثل ان يكون في المحل الجديد موظف واحد يقوم بكل العمليات ، فإذا تطور المحل يكون معه اشخاص اخرون كلٌ له جانب متخصص به ، وهكذا نقول ان المحل تطور .. اذا كلها افتراضات و ليتها منطقية على الاقل ..


ياسين :

نظرتك للفكر المادي أشبه بالوقوف أمام منزل يخرج منه بعض الأشخاص و تقول: (من المستحيل أن يكون هذه الجمع من الناس نتاج مجموعة من الأحجار الميتة) في المقابل هناك من يحسبون أنفسهم على الماديين يحاولون أن يعرفوا عدد الأشخاص داخل المنزل من خلال تعداد الأحجار الموجودة في جدران المنزل. و كلا الطريقتين خطأ لأنها تتعامل مع الموضوع بسطحية , بينما الفكر المادي الحقيقي يدخل إلى المنزل لاستطلاع ما يحدث هناك.

الرد :

لو دخل الفكر المادي البيت ، و صدق البيت كلامه ، لحسم الأمر .. و لما كان لأحد اي فرصة للادعاء ، لأن العلم الثابت الواضح كافي لاسكات الجميع .. ولكن زعم العلمية شيء و العلم شيء آخر .. الزعم لا يقنع بينما العلم يقنع .. لا أحد يجادل في فصائل الدم ، ولا في قوانين الفيزياء الثابتة ، ولا في صحة علم الرياضيات من خطئه .. أما ايديولوجية تلبس ثوب العلم ، كالذئب حينما لبس جلد الحمل ، فيحق للناس ان تتساءل و ان تتشكك ، لأن الشك هو اساس العلم ..

المادية كأنها تقول للناس : علي ان اقول وعليكم ان تصدقوا، فأنا ارتدي مريلة العلماء كما ترون لونها الاخضر .. وهذا كافي بحد ذاته .. الدين والعلم يعزي كل منهما الاخر على كثرة مستغليهما .   


ياسين :
على فكرة الجمال ليس موضوعاً غير مادي, بل إن الماديين فكروا في الجمال و حاولوا ان يجدوا تفاسير له و هناك الكثير من الدراسات حول الجمال,

الرد :

فكروا ! وعندهم الكثير من الدراسات !! هذا النوع من الادلة ليس ذا قيمة .. قل : اثبتوا علميا ، وإلا فسيظل ادعاء .. الكل يفكر يا عزيزي ، والكل يأوّل ! وليس فقط الماديون ! هل تسمون التأويل علماً ؟؟ لقد هان امر العلم ايضا .. وتحول الى وجهات نظر تعزّز بالاعلام والمريلات وشهادات الدكتوراه !

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق