الجمعة، 27 يناير 2012

من قوانين الطبيعة التي تنطبق على الإنسان وربطها بالعقل و الشعور


من قوانين الطبيعة المادية أن الفائض يملأ الفارغ , مثلما أن المكان الرطب يشبّع المكان الجاف , والمكان العالي يعبئ المكان المنخفض , والجبل يتفكك ويعبئ السهل , والشُّحْنات السالبة تعادلها الشحنات الموجبة .. وهكذا.
كذلك يحصل في الذَّوات, فالذات الممتلئة تعبئ الذات المحتاجة , وهذا عن طريق توصيلة تفهمها الذات ألا وهي قناة المحبة .

إذاً على الشخص أن يصلح ويطور نفسه ويطور عقله بارتباطه بذاته , ويصنع قنوات اتصال مع الآخرين . هذا ما عليه فقط وليس عليه شيء آخر , فلا يقول مثلا : أريد تغيير هذا الشيء في هذا الشخص , فهذا خطأ , لأن هذا تدخل من العقل في عمل غيبي , فالأمر ليس لك { ليس لك من الأمر شيء }, لأن الشعور شمولي أما العقل فليس شمولي , فقد تريد شيئاً وشعور الشخص يتعلم شيء آخر لم ترده أنت , لأنه مثل الماء ، فأنت تريد أن ترفعه لمكان عالٍ ، لكنه لا يطيعك لأنه سيذهب ليعبئ المنخفض أولا ، ثم يصعد للمرتفع . هنا قد يدخل عليك الشيطان ويقول :أنت تريد أن تنفع هذا الشخص لكنه لم يتغير ، إذاً لا فائدة من عملك فاتركه ، فالناس كما هم ولا أحد يتغير للأحسن , بدليل أنك حاولت أن تغير هذا ولم تستطع . هو في الحقيقة قد استفاد , ولكن ليس أنت من يحدد الفائدة ، ولا حتى هو , فلا أنت تدري ولا هو يدري .

كل هذا العمل في منطقة لا تصل إليها العقول ، حتى الشياطين لا تستطيع أن تدخلها ، وإلا لو كانت الشياطين تدخل كل شيء لمنعوا كل شيء ومنعوا الهداية ، فهي منطقة لا يستطيعون أن يدخلوها ، لكنهم يحذِّّرون العقل منها مسبقاً ، وإذا نجحوا عندها سيصدّ الإنسان ، وإلا فإنّه سيتأثّر , لأن الاحتكاك في الطبيعة يولّد التأثّر والتلاقح ، فما دام أن الذاتَين احتكّتا ببعض ، فإن الذات الكبيرة ستؤثر على الصغيرة .

فهذا قانون في الطبيعة : الأكبر يجذب الأصغر ، فإذا كنت الأكبر ستؤثر وإذا كنت الأصغر فستتأثّر ، إذاً (ليس لك من الأمر شيء ) ، الطبيعة تأخذ مجراها . العقل لا يحدد ماذا يحتاج ، لا منك ولا منه ، فقد يقول أنه احتاج للشيء الفلاني ، وتجد أنه أخذ غيره ، فـالشعور أخذ غير ما كان يريد العقل ، فإذاً تحديدات العقول ليست دقيقة .

النقطة المهمة في الموضوع : هو أنه مادام هناك احتكاك فهناك تأثر ، وإن كنت لا تستطيع أن تحدده وتحسبه بـالعقل ، لكنه موجود . لا عقلك ولا عقله ، فقد يقول هو أنني لم أستفد شيئاً ، وأنت تقول لم يستفد شيئاً ولم أرى تغيّرا عليه ، في الحقيقة هو أخذ شيئاً ، أشياءً من عمقها ودقّتها لا تنتبه لها ، ولا هو أيضاً ، أشياء أحياناً تكون بعيدة عن الموضوع الذي تحاوره فيه ، لكنها تمشي في الطريق إليه ، مثل الماء كما قلنا ، يعبّئ الناقص في الأسفل ثم يرتفع لذاك الذي تريد بإذن الله .

لكنه قانون في الطبيعة : أي احتكاك سيولّد تأثّر وتأثير ، حتى لو كان عقله معبّأ وعقلك فارغ ، تأكد من أن عقلك سيأخذ منه معلومات ، كذلك الذوات ، فالممتلئ سيعبئ الفارغ ، يعمل من دون أن تنتبه له ، وتعبئة الشعورات ولا يستطيع العقل أن يسيطر على هذه العملية ، ولا يعرف كيف تجري ، لا يدري إلا إذا كبرت وارتفع منسوب الماء ، وبدأ يؤثر فإنه في تلك اللحظة يستطيع أن يراه العقل ، في تلك اللحظة سيقول : آها . أنا فعلاً تأثرت من فلان ، وأنا كذا وكذا ، لكنه انتبه بعد أن تغيّر من الداخل .

فطول المدة ينفع أكثر في التعليم ، والتعليم المتقطع أفضل من التعليم المتواصل ، فالاتصال بين فترة وفترة أفضل من أنّه يكون يومياً من البداية ، فهو يعطي فرصة للذات لكي ترى وتقارن ، وتتشرّب ما أخذت رويداً رويداً ، لا يأتي كل شيء دفعة واحدة .

الشعورات دائماً في كل شيء تسبق العقول ، وهذا شيء معروف ، حتى في توقعاتك تجدك تسبق بالشعور كثيراً ، والعقل لا يستطيع أن يسبق هذا السبق ، ثم تقول : لقد توقعت أن يكون هذا ، فدائماً هو يسبق ، هناك أشياء كثيرة لا تستطيع أن تصرّح بها بـعقلك ، لكن شعورك ليس لديه مشكلة في ذلك ، فهو في عالم حر ، فليس عليه رقابة ولا احد يستطيع رده ، فالآخرون لا يدرون ما الذي يدور في داخلك ، فهو يبحث ويغزو ويستفيد ويأخذ وصاحبه نفسه لا يدري عنه ، يستفيد من كل ما تقدّم له الحواس ، وأنت تقنعه بفكرة مثلاً ، قد تجد أنه أخذ جو نفسي معيّن وهو الذي أعجبه ، وأنت تقنعه بجمال القصيدة قد تجده اقتنع بجمال صوتك وأنت تلقي القصيدة ، فيذهب لشيء آخر أنت لم تقصده ، لأنه اتجه إلى الشيء الذي هو يحتاجه أوذهب إليه .

التأثّر الذي يأخذه الشعور يلتصق مباشرة ولا يمّحى أبداً ، فقد أصبح جزءاً من الشخصية . لا أحد ميؤوس منه ، فكلٌّ له دورته وتأثره ، فتجد الشعور أخذ شيئاً ويحتاج أن يذهب ، كما تقول أنه شرب وارتوى ، فيتصوّر صاحبه أنه وجد ما يريد وانتهى ، فسكّت الظمأ أو الجوع ، فيذهب الآن إلى حياته العادية التي يقول له عقله أنك تحتاجها ، فيملّ منها الشعور ، بعد ذلك العقل و الشعور يتفاعلان بما أخذ الشعور ، فيأتيك وقد تغيّر عقله قليلاً ، فتجد أنّه مطعّم من الشعور ، مترطّب ، فعندما يأتي فهو يأخذ بالرغم من أنه لم يقصد أن يأخذ ، هو أتى فقط ليغيّر جو ولأنه ملّ من الجو الآخر ليس إلا ، لكن يدخل عليه رغماً عنه ، ثم يحتاج إلى دورة أخرى كي يهضم ما اخذ ، وكأنه مطعم روحي .

بدرجة قوية من الصحة : كل تحليلات العقل عن الشعور دائماً ناقصة ، مهما كانت من الدقّة فهي ناقصة . إذا أردت للشعور أن يعمل ويؤثر ، كن كما أنت ، أي ابتعد عن الصناعي ولا تتكلّف أبداً ، وعلى قدر صراحتك ووضوحك حتى بالأشياء التي تخجل منها ، كن كما أنت ، وأخرج شعورك كما هو ، يكون إرسالك قوياً .

الذي يساعد على تطور الإنسان هو نعمة أودعها الله ، وهي أنها كلما أخذت من الشعور فإنها تزداد الحاجة إليه ، وحاجته لا تنتهي أبداً . أما الذين يعطون العقل فإنهم سيصلون إلى حد التشبّع ، فقد عبأته معلومات بما فيه الكفاية ، وبدأت تعيد نفسها ، فتتوقف على أبواب مغلقة ، لكن عالم الشعور ليس فيه أبواب مغلقة . فتستمر في ظمأ وتستمر تأخذ .

الشخص لا يدري عن نفسه بأنه تغير لأنه قد وضع مقاييس للتغيّر ، لم يصل لها ، إذاً لا يتغيّر، ولكن الآخرين يقولون له أنه تغيّر . تغيّر في نواحي أخرى لم يحسبها ولم يرصدها عقله . على مدى حدة ذكاء الشخص ورهافة شعوره على قدر ما سيأخذ أكثر ، لذلك الغبي لا يأخذ إلا قليلاً ، ويتأخر في ذلك .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق