ياسين :
أنا لم أقرا عن النظريات التي ذكرتها لكني أعرف عن فكرة الأكوان المتعددة, و لا اعتقد انه يوجد طفل أو شخص بالغ يمكن ان يبتكر هكذا فرضية, لأنها بحاجة إلى مخيلة عالية جداً و معرفة قوية بالرياضيات, و ليست معرفة محدودة كالتي لدي و أنا المتخصص جامعياً بالرياضيات, بل إلى أمر أعمق و فهم أكبر للفيزياء, و هوكينز يستحق المقعد الذي جلس عليه, فهذا الجلوس لم يكن بسبب واسطة أو رشوة بل بسبب ما يمتلكه من علم.
بالحديث عن الماركسية و ما فشل هي الدولة الماركسية مثلما فشلت الدولة الاسلامية مثلما فشلت الدولة الديمقراطية قديماً و من المحتمل أن تفشل لاحقاً, فكما لا يمكن أن نقول أن الاسلام هو دين فاشل لأن المجتمعات المسلمة بمعظمها تقع ضمن دول فاشلة أو على حافة الفشل. لا يمكن ان ننظر للماركسية على أنها طروحات فاشلة, بل على العكس الفكر الماركسي كان مؤثر جداً على مناحي العلوم السياسية و الاقتصادية و حتى التاريخية و الاجتماعية. و من الغريب أن معظم من ينتقد الماركسية لم يقرأ لها أي كتاب, فكيف يمكن ان نحكم على أمر لا نعرف عنه شيء.
الرد :
هل الماركسية فكر باطني ولا يعرفه إلا الخواص؟ أو تجلي رباني لا يستطيع أن يصل إليه أحد إلا المصطفين الأخيار ؟ ، كل الناس قرأت عن الماركسية ! أليست مادية إلحادية لا تؤمن إلا بالحواس؟ وتفسر كل شيء من خلال المادة ؟ وتتصارع مع الفكر الرأسمالي (شريكها في نفس الرحم المادي) من خلال سيطرة البروليتاريا العمالية على أساس أنهم منتجون؟ وأن تتولى الدولة الملكية خصوصاً أدوات الإنتاج، وأنها تفسر التاريخ من خلال صراع الطبقات؟ .. ماذا بقي أيضاً من تجليات ماركس العظيمة؟!
كل هذا الكلام خاطئ فكرياً ومنطقياً ولا نتكلم عن الفشل الواقعي ، لأنها تعتمد على الجزئية والنظرة المادية الوحيدة الجامدة للحياة والإنسان..
من أين خرجت المادية ؟ خرجت من صندوق باندورا المادي اليهودي الغربي الذي خرجت منه بقية الشرور ذات النزعة المادية.. والمادية لم تخرج أي فكر راق واحد ..
ياسين :الأديان : أنت مقتنع أن هناك أقوام تعبد آلهة الحكمة و الجمال و الكثير من هذه الآلهة, و هنا سأسأل : هل من المعقول أن تكون الحكمة أو الجمال هي صناعة هذه الآلهة, أم أن الانسان هو الذي صنع هذه الآلهة. بالتأكيد الانسان هو من صنع هذه الآلهة و فصل لها صفاتها و نسج لها قصص. و السؤال الثاني لماذا يتكبد الانسان كل هذا العناء؟ الجواب بسيط لأنه بحاجة لجواب حول الأسئلة التي يطرحها على نفسه. مثل كيف اتيت كيف نبتت هذه الشجرة و لما هي جميلة و كل هذه الأسئلة التي تخطر على بالك. و من هذه الأجوبة التي ابتكرها الانسان لأنه لم يكن لديه جواب هي (الروح) فحتى الاسلام لم يستطع أن يجيب عن ماهية الروح, إذا نحن نعرف بالوراثة أن الروح موجودة و الدليل الوحيد هو الفرق بين الميت و الحي, و عدا ذلك لا نعرف عنها أي شيء و لا تتمثل الروح بأي شكل آخر, فما هو الدليل على ان هذه الروح موجودة أصلاً, ثم في المقابل ماالذي سأخسره إن أنكرت وجود الروح و كل ما نحتاجه لا يعتمد على هذا المكون الغامض جداً
الرد :
من هنا المشكلة فمبوجب الفذلكة السابقة الإلحادية لتكون الأديان فعلى الأقل أدرك القدماء الحاجة لوجود الروح وأنتم لم تدركوا ذلك ، وبما أنكم لا تجيبون على أسئلتهم وترفضون الحل القديم ، فأنتم ترفضون العقل الذي يطرح الأسئلة ، فكأنكم تقولون للإنسان عش بلا عقل ، بالمنطق للإنسان الحق أن يرفض موجوداً إذا قدم بديلاً أفضل وأدق ، وأنتم رفضتم ولم تقدموا بديلاً معتبرين الدين عناء يجب التخلص منه ، وهذا كل ما في الأمر! ولا داعي لطرح الأسئلة ، وهذا تراجع في التقدم البشري وليس تقدماً .
تخيل أن جاري في الغابة أشغله موضوع القمر وموضوع الوجود والنفس والحب والجمال ونهاية الكون ...الخ وحاول أن يجعل لها تفسيرات حتى لو كانت خاطئة، بينما أنا لم أكترث بها أصلاً وهمي أن آكل وأشرب وأنام، فأينا الأرقى في سلم الإنسانية ؟ أنا أم جاري؟ فأنا هنا أشبه الحيوان ، وهو موغل في الإنسانية ، لن الإنسان تشغل باله التساؤلات أما الحيوان فلا تساؤلات له ، بدليل أنه لا يغير حياته ، إذاً المادية تدعونا للتبلد الحيواني وقتل الأسئلة في مهدها ، على مبدأ : "أنت مادي فعش يومك .. واحرص على مصلحتك .. ودع ما لا يعنيك" ، أي كما يفعل الحيوان تماماً ، فهو يعيش يومه ويحرص عى مصلحته المادية!
المادية تفسر وجود الدين على أنه محاولة إجابة على أسئلة مادية مجهولة ثم يختلق هذا المتسائل الذي يريد الحقيقة إلها وهميا يجعله يجيب عن أسئلته !! وهكذا يخدع نفسه بنفسه، هذه مسرحية مضحكة وليست تحليلاً علمياً ، مع أن الإنسان هو من سأل وهو الذي أجاب!
الماديون يعتبرون المشكلة مشكلة علمية ، ويعتقدون الدين قدم إجابات على تلك الأسئلة المادية ، وإذا نظرنا إلى الإسلام مثلاً لا نجده يقدم إجابات على أسئلة مادية التي ظن الملحدون أنها سـبب وجود الدين خوفاً منها ، فبماذا فسر الإسلام الزلالزل أو البراكين أو الأوبئة أو الفياضانات أو العاهات؟ وأين إجاباته الجغرافية والطبية والتاريخية والفيزيائية والكيمائية والرياضية ...الخ؟؟!
الكتب السماوية ليست كتباً للقسم الطبيعي في إحدى الثانويات او الجامعات ، ألم أقل لك أن كل تحليلات الماديين عن الإنسان لا تثير الدهشة قدر ما تثير الضحك ، لأنها بعيدة تماما عن واقعه ، إنها تفسر عاشقاً مثل مجنون ليلى بشبق جنسي يريد أن يشبع غريزة مادية! ويموت لأنه لم يستطع أن يحقق بقاء النوع، وكأنه هو وإياها آدم وحواء على ظهر الأرض منفردين، ولا تستطيع المادية أن تفسر بأكثر من هذا التفسير مهما لفت ودارت.
إذا أردت أن تكشف أي نظرية فاجعلها تفسر لك ظواهر الإنسان ، لأنك أنت إنسان وتستطيع أن تقيم ذلك التفسير لأنه يخصك، كثير من الناس مروا بالحالتين ، حالة العشق السامي وحالة الشبق الجنسي ، ويعرفون الفروق بينهما ، لكن المادية لا تعرف إلا سبباً واحداً ، فعينها الوحيدة على الجزء المادي للإنسان .. اقرأ تفسيرات فرويد لأحلام مرضاه ، فلن تجد إلا التفسير المادي الشهواني حتى أبعد الأحلام عن الجنس كأحلام في سوق الخضار مثلاً ، فالطماطم والخيار والبطاطا تعني أشياء كثيرة عن فرويد !
ياسين :
بمعنى آخر لماذا لا تكون الروح مثلها مثل آلهة الحكمة و الجمال من صنع الانسان كي يجيب عل السؤال لماذا يموت الحي.
الرد :
عليك أن تنحي هذا التفسير الباهر العبقري قليلا ولا تسرع إليه مباشرة ، وبإمكانك العودة إليه بعد أن تتم بحثك ، كـ : الدين من صنع الإنسان والأخلاق من صنع الإنسان وغيرها ، فلماذا هذه النتيجة المسبقة غير العلمية؟ ودليلهم على أنها من صنع الإنسان : ان الإنسان هو من قالها ، وما يقوله الإنسان هو من صنع الإنسان!
هذا التفكير المادي بسيط جداً ، وصاحب العقل النير لا يكترث بالأحكام المسبقة ويستريح إليها وكأنه وجد وليجة يحاج بها، انظر ما الذي يشغل بال الإنسان ؟ ولماذا يشغله إلى هذه الحد؟ وهل المادة هي من تشغله أم أنه ما وراءها ؟ فإذا كان مادي فلماذا لا ينشغل بها ويترك ما وراءها ؟ لماذا نفس الإنسان في قلق دائم ولا تعرف الإستقرار ؟ أليست مادية ؟ والمادة مستقرة وجامدة؟ ، لماذا فقط هو الإنسان يعاني من مشكلة الوجود؟ .. إذاً له وجود ضيعه وهو الآن يبحث عنه ، فالحاجة إلى الماء تدل على وجود الماء، والحاجة إلى النوم تدل على وجود النوم .
فلو تخلصت من الإجابات المسبقة لدخلت في عوالم عجيبة تستحق التأمل والتفكير ، فهم يقدمون إجابات هي ليست إجابات بل سددات للعقل كي لا ينطلق، هل تأملت في الدين كفكرة عامة ؟ ووضعت تفسيرات الملاحدة جانباً ريثما تنتهي ؟ حينها ستكون هو انت ومن يفكر وليسوا هم؟ أرجو أن تجري هذه التجربة ولو لمرة واحدة ، أن تفكر بدون آراء أحد ، فسوف يعجبك ما ستصل إليه ، حينها ستكون أنت وصلت ولم يوصلك أحد ، ودائما العمل الذي نعمله نحن أجمل عندنا من العمل الذي يعمله غيرنا لنا ، هذه هي الطريقة التي أعجبتني أكثر من التلقي والاستماع للأوامر والنواهي دون أن أحس بها أو تنبع من ذاتي .
في الحقيقة أنا وأنت لن نتصارع ، لأننا في النهاية لن يلزم كل واحد منا الآخر بشيء ، أنا أدعوك للتأمل ، أي الاعتماد على النفس ، وأرحب بهذا إذا دعوتني إليه ، لا أزيدك علما إذا قلت أن ثقافتنا وتعليمنا تقفان في طريق تعليمنا وتفكيرنا لأنها تقدم حلولاً جاهزة لا تدعونا للتأمل، وما قلته عن الدين ينطبق على المادية فهي أيديولوجية تقدم إجابات جاهزة ، ألم تقل أن الدين محاولة معرفة ، هذا تعريف للدين وإجابة جاهزة وسدادة للعقل ، ناقشتها مع نفسي سابقاً ووجدت انها أضيق من أن تتسع للفكرة ، خصوصاً ونحن في عصر العلم ومع ذلك لا يزال أكثر البشر متمسكون بالإيمان رغم الإجابات العلمية الكثيرة ، فهل كانت قضية البشر المعرفة بالظواهر الطبيعية ؟ وهل فعلاً الظواهر المادية هو الهم الأول للبشر كما يتصور الماديون؟ لا تنسى أن البشر يعيشون في شقة مفروشة ومجهزة هي الأرض ، فلم يكن الداعي قوياً لمعرفة بلورات المطر ، لأنهم سواء عرفوا أو لم يعرفوا سيبقى المطر مهماً في حياتهم وسينتظرون قدومه ، وسواء عرفوا ان القمر قطعة من الفضة أو انه كوكب ترابي ، فجماله وفائدته ومعرفة الشهر من خلاله تعنيهم أكثر، وهي باقية في الحالين ..
يموت راعي الضأن في جهله .. ميتة جالينوس في طبه
لسبب بسيط أن الإنسان لم يعرف نفسه حتى يعرف تفاصيل المادة من حوله ، إذاً ليست مشكلة الإنسان علمية وجاء العلم الحديث ليحلها كما يتمنى الماديون ، كي يقولوا لا داعي للدين الآن فقد حلتم مشكلتكم التي تعانون منها والتي لأجلها اخترعتم الدين كإله فراغات.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق