الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

ردود على موضوع اراء في اشهر الآراء - فريدريك نيتشه ، على الشبكة الليبرالية العربية ..



سعد صايل :

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الورّاق مشاهدة المشاركة


لا توجد علاقة بين الحقيقة والجرأة مستمرة على طول الخط كما يقرر نيتشه ، هو يتكلم بروح الشاب المغامر الأوروبي التي تعجبه كثيرا ، كنتيجة لشعوره بالنقص وفشله عسكريا وضعف بصره من وقت مبكر في حياته . وهذا يفسر اعجابه بالاخلاق الاسبارطية اليونانية ذات الصرامة التي تختلف عن اثينا المتحضرة اكثر منها .

أظنني فهمت ما يقصده نيتشه ، وأعتقد أن كارل ماركس هنا يدخل على الخط لو تذكرنا أطروحاته عن مفهوم الإغتراب (alienation) المتضامنة مع الزعم بأن مشروع معرفة الحقيقة ليس عملاً فكرياً فحسب بل يتمادى إلى المستوى الميداني، وإلى العوائق المانعة من وصول الحقيقة وعلى رأس تلك العوائق الصراع الطبقي في نظر ماركس وصراع القوة في نظر نيتشه. وبالتالي فمعرفة الحقيقة ، في نظر نيتشه وماركس ، ليست ترفاً بقدر ما هي عمل شاق ومكلف ويحتاج للجهد والشجاعة أو الجرأة ويشبه عملية التفكير كعمل موصل إلى الحقيقة المنشودة سواء بشكلها المثالي أو ما دون المثالي.

يكفينا إذاً أن نعرف مدى الجرأة المنشودة في التفكير لنعرف مدى الجرأة المنشودة في الحقيقة كغاية للتفكير. ولذا سأتطرق لعملية التفكير هنا كبديل عن الحقيقة .... لكي أستطيع الموائمة بين نيتشه وماركس لا سيما وأن الإثنين لا يؤمنان كثيراً بشيء إسمه الحقيقة أو على الأقل ليست الحقيقة نقطة مركزية يمكن المرء استهدافها بعينها.


فالتفكير وخاصة في عصرنا الحديث ، عصر التويتر والفيس بوك وقنوات الفضاء ، أصبح أصعب بل أصبح 'دونه خرط القتاد'، كما تقول العرب.

فدونه مفكر أو فيلسوف يريدك أن تسلم الأمر له وأن يتفلسف هو نيابة عنك، ولذا يبدأ بتسفيهك بعبارة ( أنت لا تدري، أنا أدري ، أنتم رجعيون ، أين تعيشون ؟ أنظروا لفشلكم في الجوانب الفلانية ، وهذا وحده يعطيني حق الوصاية العقلية عليكم ، ...الخ) من شعارات إقصائية تشبه فيما تشبه شعارات التكفير التي كان التراثيون يستخدمونها لمنع الفرد من التأثير في المجتمع.

ودون التفكير ( والوصول إلى الحقيقة ) يقف فقيه ديني يريد أن يصمم لك القالب الأخلاقي والروحي لتدخل فيه دون عناء أوجدال...فقيه يبحث فيك عن صمت الحملان.

ودون ذلك أيضاً يقف نوع من الساسة يقول لك : اطمئن أيها المحكوم فمستقبل أبنائك ومصيرك أنت واقتصادك وثروات بلادك في أيد أمينة فلا تقلق، ثم يسن بعد ذلك قانوناً يمنعك من التساؤل عن هذا المصير. ويصبح كل تعاطيه معك كمتلق معني بالتفكير مجرد تمويه على عقلك وحيلولة دون الحقيقة.

ودون الوصول للحقيقة كما أسلفت إعلام الإثارة والتزوير وقلب الحقائق رأساً على عقب لصالح من يدفع أكثر ومن يمول تزوير الحقيقة.

ودون الوصول للحقائق يقف أهم العوائق قاطبة ، ألا وهو عائق لقمة العيش والسعي لتوفيرها....ذلك إن التفكير في أصله فعل وليس مجرد أحلام يقظة أو سيالات عصبية كيميائية تظهر على شكل طاقة تجيء وتروح حسب كيميائية الجسد وظروفه ،،،بل هو إلتزام أخلاقي واهتمام نفسي وعمل ميداني دؤوب في سبيل تحقيق نتائج العمل العقلي المتوصل إليه ، ولذا فإن كل فعل يعتبر مكلفاً وقد يصل التكليف فيه إلى حياة الإنسان نفسه. لهذا تعمد النظم الشمولية الستالينية الطابع إلى تركيع العقل عبر تركيع الجسد، وإشغال الإنسان بالسعي وراء لقمة العيش ليسهل عليها قياده عقلياً وأيديولوجياً. كان الهالك محمد أنور السادات يقول لجلسائه ذات تحشيشة : ( هو لما الموظف المصري يبقى عندو دوامين في الصبح وبعد الظهر ، مش حايبقى عندو وقت للسياسه والكلام الفارغ، مش كدا وبس ، دا حاييجي المساء للبيت وهوه مهدود حيلوه وينام ، وبكدا اضمن انو مش حايخلف عيال كتير يعملوا لنا مشاكل في الصحه والتعليم )....



ومن هنا فإن مهمة التفكير ( شأنها شأن الحقيقة ) لا تنحصر فحسب في مسألة أن تختار بأن تفكر أو لا تفكر بل هي أيضاً رهينة بإمكانية التفكير وإلى أي مدى مسموح لك بأن تفكر ضمن البنيوية الإجتماعية-السياسية-الإقتصادية المعقدة التراكيب التي تنتمي كفرد إليها مكرهاً لا مختاراً.

وهذا العوائق ليست تحتاج جرأة فحسب ( كما يؤسس نيتشه ) بل تحتاج إلى شجاعة فائقة وفعل دؤوب وإرادة لا يفل حدها شيء . إن مهمة التفكير ( كأنموذج للوصول إلى أحد أوجه الحقيقة ) مهمة شاقة ويمكنك اعتبارها أسمى معاني الجهاد الذي ليس له من ثواب إلا الجنة. ويكفي التفكير فضلاً ومكرمة أنه وسيلة الإنسان إلى الوصول إلى الحقيقة.

الرد: أشكرك شكر خاص على هذا التوضيح الجيد لموضوع التفكير ، وإن كان في سياق التبرير لكلام نيتشه ، وهذا ما أخالفك عليه ، لأن الواضح من كلام نيتشه انه يريد الوصول الى الرذيلة وليس الى الحقيقة ، وبينهما فرق ، واعلن هو ذلك صراحة . وقدم الفضيلة على انها خدعة ، وما دامت الفضيلة خدعة ، فالحقيقة هي الرذيلة عنده . النية غير الطيبة واضحة من كلام نيتشه ، والذي يحمل نية غير طيبة لا يمكن ان يحمل كلاما طيبا ..

هذا ما بدا لي وشكرا .
------------------------------------------------
سعد صايل :
يقول دارسون لفكر نيتشه ومنهم والتر كوفمان أن اللاأخلاقية التي كان ينادي بها هي تلك الصورة المضادة لـ ( الأخلاقية المسيحية ) تحديداً. إنه يهرب من فضاء مسيحي أخلاقي إلى فضاء أخلاقي فطري واسع يشمل إنساناً فطرياً متحرراً من قيود القسيس والكاهن.

كذلك قال آخرون بأن نيتشه بفكرة السوبرمان إنما يحاول تحطيم إطار أخلاقي معطى سلفاً لا أن يخرج على كل فكرة للأخلاق...

قال سعد صايل : وإذا صدق دارسو نيتشه في ما ذهبوا إليه من مركزية الفكر المسيحي في طرحه فإن نزوعه للفطرية ليس بالضرورة رذيلة مطلقة كما يزعم المتدينيون النصارى الذين ما إن يخالف أحد معتقدهم حتى يكون ضالاً بالمطلق....وبالتالي فليس كل شذوذ عن المسيحية شذوذاً بالضرورة عن سواها .... لا تنس على سبيل المثال أن القرآن دين الفطرة ....( كلا أن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) ، ( إنه كان ظلوماً جهولاً )... الخ من مدلولات على نزوع شرير في فطرة الإنسان قد لا يقاوم ( إن النفس لأمارة بالسوء ) ....ملاحظة : لا أريد أن أزعم بأن نيتشه يوافق الإسلام ولكن خلافه مع الإسلام ليس بالضرورة هو خلافه مع المسيحية.

وعليه فإن وصف نيتشه بأنه anti-Christ أو عدو المسيح هو وصف يتحرى الدقة وقد استخدمه كثير من الفلاسفة على الأقل لأنه كان يدور في فلك المسيحية وبالتالي فالحديث عن نيتشه في فضاء المطلق هو حديث يتناسى النسبية الموجودة في فلسفته. مشكلة كثير من النصارى اليوم ( حتى الذين لديهم نزوع علماني ) هو أنهم مركزيون حتى النخاع لدرجة أن الأخلاق عندهم ليست أي شيء سوى الأخلاق المسيحية وهذا خطأ فادح فهناك أخلاق بوذية وأخلاق وثنية وأخرى عربية أشار إليه النبي محمد ص بقوله ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) مما يجعل نيتشه سجيناً بحق للفكر المسيحي حتى وإن لم يكن يقصد ذلك.

تلك ملاحظة هامة وضرورية الإيراد، واسمح لي بأن أشاطر فيها الزملاء المتداخلين ، فالرأي مشاع كما تعلم.

الرد: وإن كان البعض في سياق دفاعه عن نيتشه وكمحاولة يائسة لرفعه من المنزلق الاخلاقي الخطير الذي وقع فيه ، يحتج بما قاله الاخرون عن نيتشه من تبريرات ، ويترك كلام نيتشه الصريح الموجود في كتبه ! فمرة يطالبون الناقد بأن لا يخرج من كلام المنقود ، وإذا فعل هذا ، خرجوا هم عن كلامه الى كلام الاخرين عنه !! وهذا شيء عجيب !! يحاولون ان يجعلوا خلاف نيتشه مع المسيحية واخلاقها فقط ، بينما هو تناول الموضوع بشكل عام وبالنص الصريح .

كان يستطيع ان يخصص نفسه بانه يحارب المسيحية ولا يحارب الاخلاق بشكل عام ، ولكن قطعت جهيزة صوت كل خطيب . وهو لم يهاجم الاخلاق فقط ، بل دعا الى رذائل كالانانية المفرطة والصراع بل و قتل الضعفاء علنا ، معتبرا ضعفهم هو ذنبهم ، فماذا بعد هذا من وضوح ؟ هل المسيحية فقط التي تحرم قتل الضعفاء بلا ذنب ؟ ام انها كل الاخلاق البشرية ؟ محاولة ادخال نيتشه الى عالم الاخلاق هي محاولة يائسة ، مثل من يريد ان يـُلبس شخصا ثوبا لا يريده .

نيتشه ثائر على القيم الانسانية ككل ، وهذا صريح من كلامه هو ، واذا حضر الماء بطل التيمم .  فمن قـَبـِل ان يكون نيتشويا فعليه ان يرفع عقيرته ولا يخجل بمثل ما قال نيتشه و بصراحته . اما فكرة انه لا يجوز تناول شخصية والرد عليها من خلال كلامها ، فهذا امر عجيب اخر ! هناك من يطالب بان لا ترد على نيتشه حتى تقرأ التراث الاغريقي والالماني كله ، وتتناولها بالدراسة ثم تخرج لتقول كلمة في حق نيتشه !

إذا عممنا هذا المبدا ، فعلى الجميع الا يرد على اي احد ، حتى يقرأ كل ما يتعلق بتاريخه وافكاره ومعتقداته وحياته ونفسيته !! نعم اذا كان هناك شيء غامض ، فسوف تحتاج الى مثل هذه الخلفيات ، لكن اذا كان النص واضح وصريح امامك ، فهذا يعني عدم ثقة بالنفس .

من فهم شيئا فله الحق في نقده ، حتى ولو كان جملة واحدة ، ومن عرف مسألة فهو عالم بها . والمحاكم تنظر في تصريحات الناس و وقائعهم واعترافاتهم ، ولا تنبـّش في تاريخهم وخلفيتهم الثقافية وتصدر احكاما بناء على تلك التصريحات .. اذا فكرة الاّ يجوز لاحد ان ينقد شخصية بارزة في الفكر او الفلسفة حتى يفرغ من قراءة كل التاريخ المتعلق بها وكل ما قيل عنها ولو من بعيد حتى الى العصر الحجري ، هي فكرة ساقطة ومحاولة دفاع عن ضعف موقف تلك الشخصية ليس الا .

لو قال شخص ان الشمس تطلع من الغرب ، فإنه ينبغي لإبداء اي راي او نقد حول هذه الجملة ان يدرس الناقد قبل كل شيء الجهات الاربعة ، وليس فقط الجهات الاربعة ، بل ان يدرس علم الجغرافيا ، ومن ثم ينتقل الى العلوم الكونية وتاريخ تلك العلوم (من اليونان تحديدا ، وخصوصا ما قبل سقراط !)  والمجموعة الشمسية ، لكي يعرف كل معلومة عن الشمس ، وبعد هذا ينتقل الى سيرة وحياة الشخص الذي قال هذه الكلمة ، وما هي الظروف والوقائع النفسية والاجتماعية التي ادت الى قوله لمثل هذه المقولة ، وحينها لعله يكون قد استوفى شروط ابداء الراي أوالنقد ، حتى يقول له : لقد أخطأت أو اصبت ، بعد عدة اشهر او اعوام من الدراسة الغير مجدية ..!    

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق