يقول آرثر شوبنهاور:
"اهتمام الإنسان بالفن والعلم بسبب كآبة الحياة اليومية ورتابتها وهروبا من
الملل والسأم"
شوبنهاور افترض
أن الكآبة هي أساس الحياة فهو كأنه ينطق عن نفسه الكئيبة بسبب ظروفه وأفكاره.
الكآبة صفة نقص أصلا لايمكن أن تكون الحياة مبنية على صفة نقص وإلا لقضت عليها تلك
الصفة, هذا خطأ فلسفي أصلا, كلامه هذا يشبه أن يكون الانهيار جزء من المبنى مع أن
المبنى قائم! لو كان فيه أي انهيار لما بقي! إذن كل رذيلة أو صفة نقص كالفوضى وكالتطور
والتغير العشوائي لا يمكن أن تكون أساسات لبناء متكامل, فالسيارة التي تحمل عيبا
مصنعيا لن يجعلها هذا تستمر كسيارة, إذن الحياة تكونت دفعة واحدة وبلا نقص وإلا لم
تكن تكونت فضلا أن تستمر! شوبنهاور يتكلم عن نفسه إنسان كئيب ويفلسف من خلال وضعه
النفسي ناسيا أن الكآبة طارئة عليه فهو لم يكن كئيبا عندما كان طفلا! فكيف يكون
شوبنهاور فيلسوف وهو لا يعرف حتى هذه البديهية العقلية؟!
القرآن يقول:
{ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} والقرآن يصف الخلق المتوازن المتناسب في وقت
واحد, وهذا كلام منطقي عن أًصل الحياة و الكون والإنسان, مادام أن الكون يعمل إذن
هو لم يتطور, لأن كلمة تطور تعني وجود نقص في السابق, إلا إذا كان لا يعمل في
السابق, وإذا كان لم يعمل لم يصل إلينا ولم نصل إليه! السيارة لا تكون سيارة وهي
تفتقر إلى المحرك وإلى العجلات, سميت سيارة لأنها تسير ولا تسير حتى تكون متكاملة,
كذلك الكون والحياة مثل هذه السيارة. ولو كان كلام شوبنهاور صحيحا لم يهتم أحد
بالفن والعلم إلا ويقول لك أنه كئيب وهذا غير واقعي ولا دائم, قد تجد فنانا يقول
لك الجو جميل هذا اليوم ونفسي منشرحة لأن أرسم منظرا أو أكتب قصيدة في هذا الجو
الشاعري, وهذا هو الأغلب أصلا. الشعور لا يتجه للفن وهو في حالة انسحاب وانغلاق,
أي أن الصحيح هو عكس كلام شوبنهاور تماما! بدليل نفور النفس من الفن الكئيب
المتشائم. حتى العاشق إذا أصيب بصدمة قوية في حبه لن يتجه في هذا الوضع إلى إبداع
قصيدة لأنه لا يطيق ذلك, والمشغول لا يُشغَل, يحتاج لأن تخف معاناته وحينها ربما
يفعل ذلك. فالإبداع يحتاج إلى انفتاح نفس وإيجابية وشيء من السعادة, لأنه يحتاج
إلى تركيز, والتركيز يحتاج إلى قدر من الراحة, وأي قصيدة كئيبة كآبتها هي أكبر من
كآبة صاحبها عندما كتبها ولو كان العكس لم يكتبها! فهو لما تحسنت حاله كتب وبالغ
ليصف ذلك الألم الذي مر به! بل حتى مطالع
كثير من القصائد تشير إلى ذلك, عندما يتكلم الشاعر عن ما عاناه ليلة البارحة مثلا,
لماذا لم يكتب في تلك الليلة؟ أو وقوفه على الأطلال في زمن ماضي وإن كان قريبا,
كقول الشاعر "وقفت بها من بعد عشرين حجة *** فلأيا عرفت الدار بعد توهم".
كذلك الفرحة, ألا
يعلم شوبنهاور أن شعور السعادة الغامر والفرحة كالنصر والعيد والزواج تنتج فنا
كثيرا؟
شعور الإنسان مرتبط
بالنظام ويبحث عنه في العلم وينتجه في الفن, تماما على عكس تفكير الماديين الذين
يجعلون الفوضى هي الأٍساس وبالتالي فهم يبحثون عنها في العلم من خلال إثبات أخطاء
مايرون أنه أخطاء في الطبيعة, كالزائدة الدودية عند الداروينيين وضرس العقل, و كما
يفعل داوكنز وهو يتفحص رقبة الزرافة ليجد عصبا لا فائدة منه! طبعا لا فائدة منه
حسب علم زمنه! وفي الفن كما تفعل المدارس العبثية كاللامنتمي واللامعقول
والتكعيبية والتجريدية وموسيقى الروك وشعر الحداثة الذي يقول أنه يريد أن يفجر
اللغة وأن يربط بين كلمات لم ترتبط من قبل...إلخ.
في العصر الحديث
أصبح المجهود العقلي والفني متجه في اتجاهين متضادين, اتجاه يبحث عن النظام واتجاه
يبحث عن الفوضى, الأول ينتج الجمال والمعرفة والسعادة والإيمان, والثاني ينتج
الجهل والقبح والفوضى والكآبة والإلحاد والعدمية, وهذا الانقسام جاء بسبب القضية
الجوهرية الكبرى وهي إيمان بوجود إله أو إلحاد بوجود إله, وأساس هذه القضية هو
الاختيار بين الحق لذاته وبين الحق أو الباطل للذات.
إذا كان الإنسان
يختلف عن الحيوان بقدرته على الخروج عن ذاته وغرائزه من خلال التمييز, فيصير
الأناني هو الأقرب للحيوان لأنه الأٌقرب للغرائز المادية الجسمية, لأن غير الأناني
تجرد من سيطرة الذات. أي على عكس ما قالوا أن الفلسفة المادية طورت الإنسان, هي في
الحقيقة قربته من الحيوان! إذا التفتنا إلى قضية القدرة على التجرد التي ميزت
الإنسان عن الحيوان واعتبارها معيار للتفوق الإنساني.
لا ألوم آرثر شوبنهاور على الحاده فقد عاش حياة تعيسه حتى مات على كرسيه في حجرته الصغيره ثم يحييه الله ليعذبه ماهذا الظلم
ردحذفلا تُخرِج معاناتك من خلال شوبنهاور ، قلها صريحة أنك تعاني من الخوف من الله الذي تكفر بوجوده. نحن لا نحكم على احد بعينه بدخول النار او الجنة، قد يكون له اعمال او نيات او توبات، الله اعلم ..
حذف