الأحد، 9 سبتمبر 2012

لماذا اختلاف الناس في الأفكار والأذواق رغم أن الشعور الإنساني مشترك وموحَّد؟




ليس الذوق فقط هو الذي يختلف بين الناس , فالأفكار والاختيارات تختلف والذكاء يختلف والثقة بالنفس تختلف مع أن كل هذه أساسها من الشعور، وليس الذوق فقط , والشعور واحد مثلما الماء واحد , بينما تنبت به ثمار متنوعة ونباتات وأحياء مختلفة , لهذا ننادي بالاقتراب أكثر إلى الشعور الخالص حتى يتقارب الناس ويتفاهموا أكثر .

وبالنسبة للذوق واختلافه بين الناس مع أن الشعور واحد , نجد أن العوامل الخارجية والظروف والأفكار تتحكم في الذوق إلى حد كبير وتنتج اختلافاً فيه, انظر إلى الأكلات الشعبية عند شعوب العالم سوف تجد أن للبيئة أكبر الأثر في نوعها وكيفيتها , ففي بيئة المراعي مثلاً تكثر عندهم الأطباق التي تعتمد على اللحوم والمشويات والحليب ومشتقاته, ونجد كذلك أن للبيئة الساحلية أطباقها وللمناطق الباردة أطباقها ...الخ .

أما بالنسبة لملاحقة الموضة فهي تعتمد على فكرة أن ذوق الآخرين (أصحاب الثقافة الأخرى) أفضل من ذوقنا، وما هذا إلا إلغاء للذوق الشخصي .

هناك من يمتنع عن مكان أو أشخاص أو وسائل حياة بسبب فكرة أو عقدة جعلته مثلاً يكره اللون الأحمر , وبالتالي صار يكره الورد الأحمر، فنقول أن ذوقه مختلف عن ذوق الناس، بينما هو بالأساس كان مثلهم ولكن طرأ طارئ جعله ينحرف، بدليل أننا إذا رجعنا إلى الوراء وجدنا أنه يحب الزهور مثل بقية البشر .

 هناك من يتأثر بأفكار غيره ويصدق تحذيراتهم دون أن يسأل إحساسه؛ فينفر ويكره أشياء جميلة , هذا مثل فكرة مشابهة الكفار ورفضها بشكل عام على كل شيء مع أنها أحيانا كثيرة تكون أشياء حسنة ومفيدة , مع أن الأصل في تحريم مشابهة الكفار هو تحريم مشابهتهم فيما جعلهم كفاراً وليس فيما جعلهم بشراً!! فمشابهتهم بعقائدهم أو ما أدى إليها هو المحظور , لكن هناك أناس يتشددون في هذا الموضوع بحيث أن أي شيء استعمله كفار أو أنتجه كفار يعتبره كذلك ..

وهناك من يتشدد أيضا ويعمم في قضية تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل , وعليه حينئذ أن يرفض حتى تناول الشوكولاته مثلاً لأن أكثر من يستهلكها في العالم هن النساءظن فيكون أكل الشوكولاته محرم على الرجل!! وهكذا . وكذلك إن أكثر الرجال من سلوك أو عادة سيكون محرماً على النساء والعكس  , وهذا غير موضوع العادات والتقاليد والتأثير الثقافي والفكري .


وهناك من هم على العكس تجدهم معجبين بما عند أمم أخرى ويعتبرون كل شيء يأتي منهم جميل مع أنه قد لا يكون متناسباً معهم ..

 وهكذا رأينا كيف تتحكم الأفكار في الأذواق خصوصا إذا كانت على غير أساس شعوري , إذاً لا يمكن أن يصفو الذوق لوحده دون أن تصفوا بقية ترجمات الشعور , فلن تصلح أذواقنا حتى تصلح أفكارنا (قانون) , وتكون أفكاراً مبنية على الشعور ويكون الذوق مبنيا على أساس الجمال الشعوري مثلما الأفكار مبينة على أساس الجمال العقلي .
    
وبداية الصلاح في الذوق والأفكار والأخلاق والأهداف يبدأ من اختيار الحقيقة على الباطل والجمال على القبح والخير على الشر , دون أن تتصادم الأخريين (الخير والجمال) مع الأولى وهي الأهم (الحق) فلا نتبع جمالا يؤدي إلى باطل ولا خيرا مبنيا على باطل , فكل ما يبنى على باطل فهو باطل حتى لو بدى أنه خير أو جمال ..

 الصلاح من وجهة نظري كلي أو شمولي , إما أن يكون أو لا يكون فالمرء يصلح أو لا يصلح , كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) .
 وهذا هو الطريق الموصل إلى الفضائل وإلى رب الفضائل , وطريق الرجوع إلى الشعور ليس على تلك الصعوبة , كل ما في الأمر أن نسأل إحساسنا قبل أن نُقْدِم على أي فكرة نعتنقها أو نطبقها أو قرار نتخذه وبشكل يومي (عادة سؤال الإحساس) , دائما اسأل إحساسك ستجد عنده رأي آخر (قانون) .

ورغم الاختلافات بالأذواق عند الناس إلا أنها متشابهة في الأساسات والمنطلقات , كل الناس تعجبهم النظافة في المأكل والمشرب والملبس حتى لو لم يطبِّق ذلك الجميع ولو نفَرَ أحد منها فيسكون بسبب ردة فعل على غير الأساس , كل الناس يعجبهم جمال الطبيعة حتى لو دمروا الطبيعة بأنفسهم لأجل أطماع مادية (فكرة) , كل الناس ترى جمال الشمس وهي تغرب وراء البحر أو خلف كثيب من الرمال الذهبية , كل الناس تعجبهم لحظات الشروق واستيقاظ الطبيعة ليوم جديد , كل الناس يحبون الجمال في كل شيء وإن اختلفوا في تفصيلاته , كل الناس تعجبهم الأخلاق وإن لم يطبقوها أو طبقوا عكسها ..

إذاً كل الأشياء الخيِّرة في الناس أساسها من الشعور المشترك لأن كل خيّر مشترك في قيمته , لا أحد يكره الصدق حتى الكذابين! لا أحد يكره البيئة حتى ملوثوها! لا أحد يكره النزاهة والإخلاص حتى الخونة! إذاً كل خير مشترك والشعور مشترك , إذاً كل خير منطلق من الشعور وكذلك الجمال والحق .


لهذا علينا دائماً أن نقف لحظات ونستلهم إحساسنا ماذا يقول حتى قبل أن نشتري لباساً نلبسه أو بناءً نرصفه أو طعاماً نصنعه أو قراراً مصيريا نتخذه أو لا نتخذه . الإحساس هو الدليل الفطري من الله على الله وما يقرب إلى الله لأن الشعور هدفه الوصول إلى الله من خلال الحق والخير والجمال .

إذاً تتفاوت الأذواق إما بسبب البيئة أو الأفكار الصناعية (غير المبنية على أساس الشعور وأساسها من الشيطان) , الاختلافات بسبب البيئة يمكن توحيدها وبسهولة، لكن الاختلافات بسبب الشيطان هي المشكلة , فلو لم يكن الشيطان موجوداً لأصبحت الحياة جنة جميلة ولما تصادم الناس واختلفوا كل هذا الاختلاف والتناقض , لأن التناقض مؤلم والاختلاف مزعج والانسجام جمال , وليست المشكلة في الشيطان قدر ما هي في طاعة الشيطان بالاختيار الحر .


هناك تعليقان (2) :

  1. لقد اعجبني المقال و اجاب على عديد من تساؤلاتي ولكني ارى ان وجود الاختلاف ضرورة حتمية لاستمرار بقاء الجنس البشري فاختلاف الافكار يولد نقاشا والنقاش ينتج عنه فكرة جديدة وهكذا تستمر الحياة ومن
    دون هذا الاختلاف والذي اسميه انا الحافز لما كان هناك معنى لوجود الانسان و لاعطائه عقلا يفكر به وتنتج عنه مخالفات وانا هنا لا اتحدث عن تلك الاختلافات التي تنجم عنها مصادمات يكون فيها الربح للاقوى والهزيمة للاضعف بل تلك التي يستفيد منها كلا الطرفين وان لم يقتنعا بافكار بعضهما فعلى الاقل يتقبلان فكرة الاختلاف الفطري

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا على تعليقك اللطيف، ولكن الفطرة لا تنتج اختلافا، لا يوجد اختلاف فطري، لا يختلف الناس في مدح فضيلة الكرم او الشجاعة او التضحية، الاختلاف فكري، والفكري إما تابعٌ للحق أو تابع للهوى، قال تعالى : (وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم). الاختلاف المبني على التنوع اختلاف مفيد، لكن الاختلاف اذا كان أساسيا وجذريا، فهذا يعني افتراق، وهكذا تفسّر الصراعات والحروب الدامية. اختلاف التنوع والتجارب والاستنباطات يمثله قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) و (وشاورهم في الأمر) أي الأمر المتفق على أهميته عند الجميع، لماذا إذن هذا الأمر؟ لأنه ترى عين ما لا ترى الأخرى، وقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر. والرسول استمع لآراء المسلمين، قال الشاعر :

      ولا تجعل الشورى عليك غضاضة .. فريشُ الخوافي قوة للقوادم ..

      الاختلاف على المُتَّفق عليه ينتج صراعا اذا كان الهوى والعناد والتكبر داخلون في الموضوع، أما اختلاف التنوع فهذا افضل وسيلة لتبادل الافكار والخبرات وحل المشكلات. فمثلا انا وانت نتفق على أهمية التدفئة، لكن نختلف في ما هو الانسب لكل وضع، هذا اختلاف تنوع ولا ينتج صراعا.

      الاختلاف الذي ينتج صراعا هو الاختلاف المضاد للثابت عند الجميع، هو الاختلاف المضاد للشعور والمضاد للاخلاق المتعارف عليها، وهكذا تكون الصراعات على هذا الاساس، صراع بين عالم الخير وعالم الشر. أما اختلاف التنوع فهو لا يأتي إلا بخير، لأنه ليس هناك عناد ولا اصرار، والكل يبحث عن الافضل، مع الاتفاق على الاصل. مثل اختلاف اخوة يوسف، هو اختلاف متنوع لكن على أساس شر، فبعضهم قالوا اقتلوه واطرحوه ارضا، وبعضهم قالوا ارموه في البئر، اختلاف التنوع هذا انتج تلطيفا، لكن اختلافهم مع يوسف أنتج شرا وعداوة، لأنه اختلاف على اخلاق.

      الفضيلة مشتركة عند الجميع، الكل يعرف ان الفضيلة أفضل من الرذيلة، وان الحق افضل من الباطل، والعدل احسن من الظلم، لكن الهوى والمصلحة تجعل بعض الناس ينحرفون عن الفطرة، فبالتالي يخالفون القيم المشتركة والعقل المشترك، ويجهدون عقولهم لكي يثبّتونها عقليا، ولكن تثبيتها يكون ضعيف جدا، فلذلك يحتاجون للقوة والظلم لكي تثبت. مثل الانسان اذا غُلب بالمنطق والحق، هناك من يتراجع وبعضهم من يصرّ ويستخدم رفع الصوت او التهجم أوالشخصنة إلى ما يستطيعه من وسائل لكي يثبّت ما يرى أنه حق.. هذه قصة قديمة تجدد، هذه قصة الحياة.

      ما كان يضر سادات قريش أن يتركوا محمدا وأصحابه يعبدون ربهم، و لكم دينكم و لي دين، لكن التكبر واتباع الهوى هو الذي اوصلهم إلى الصدام والصراع.

      شاكر لك مرورك وتعليقك..

      حذف