هناك سلاح
يستخدمه الأشرار (الصناعيون) اسمه قوة الافتراء أو قوة الادعاء, فحين تكون حرامي وتبادر
باتهام غيرك بأنه حرامي سينشغل بالدفاع عن نفسه ولن يوجه الاتهام لك, و استعمل هذه
الخدعة الصحابي حذيفة بن اليمان حين ذهب يتجسس على معسكر المشركين وقال لهم ابو
سفيان ليسأل كل منكم من بجانبه عن اسمه, خوفا من أن يكون هنالك جاسوس, فبادر حذيفة
وسأل من بجانبه عن اسمه بصوت عالي فقال له اسمه ولم يرد عيه السؤال فنجا من
المأزق! وهذا ما يجعل كل الصناعيين عندهم مبادرة بالتهمة, وعلى قدر ما يزود
الصناعي (الشر) على قدر ما تزود المبادرة بالتهمة, وهذا يكوّن منطقة حماية للذات.
الاتهام يقدم
إيحاء بأنك أبعد ما تكون هذه الصفة وأنك غير خائف أن تُتهم بها وأنك تكرهها
وترفضها و ليست من شيمك. قال صلى الله عليه و سلم: (إن
أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه), وصدق رسول الله, فلاحظ أنه قال أبغض خلق الله أي الأكثر صناعي. وعند الحوار
مع مثل هؤلاء دائما يخرجون بك خارج الموضوع ويتجهون لاتهامك شخصيا, وما يدفعهم لهذا
هو إما أن تثبت عليك التهمة أو إذا لم تثبت عليك سيسامحك فتفرح بسكوته عنك! فهو إن
لم يكسب لن يخسر شيئا, وهذا يصنع حولهم هالة من الذعر, وإذا لم تثبت عليك التهمة
لن يعتذر منك على ظلمه لك, فهم لا يعتبرون كيل التهم ظلم بل يعتبرونه من زيادة التحرز
والتثبت! مع أن الاتهام ظلم بحد ذاته وعلى المتهم الاعتذار, فلو كان حريصا على الفضيلة
لحرص على الاعتذار وإصلاح ما أفسد من سمعة ونحوه, لاحظ الاتهام بالزنا عليه حد وهو
مجرد اتهام, مما يعني أن الاتهام ظلم, قال تعالى: {إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}
فسمى المتهم بلا تثبت فاسق.
الاتهام سلاح
يلجأ له الصناعيون ليبرئوا أنفسهم ما يتهمون غيرهم به, وهذا ما يسمى على مستوى
المرأة بسلاطة اللسان, في هذه الحالة لا تدافع عن نفسك بل هاجم ولكن بنفس الصفة
التي اتهمك بها.
الشخص الصناعي
(المخالف لشعوره الفطري) هو من يستعمل كيل التهم ويستعجل بها حتى لا يُلتفت له, مع
أن التهم التي يقذف بها غيره يعرفها ولم يعرفها إلا لأنها فيه. هذا الفعل هو رأس
الحربة للصناعي بهجومه على الطبيعي .
والرد على مثل
هؤلاء يكون بالإيمان بأنه فيه ما يتهمك به ويبرئ نفسه منه, اي بإيمانك بنظرية أن
عكس ما يدعيه الصناعي هو الصحيح, فلم يقلها في غيره إلا وهذا العيب فيه, مثل أن
يأتي شخص صناعي ويتهمك بأنك قاطع رحم, وبهذا هو يظهر نفسه بأنه واصل لرحمه, لكن لو
كنت تؤمن بأن ما يدعيه الصناعي ويحاول أن بصوره عن نفسه عكسه هو الصحيح لاستطعت أن
تقلبها عليه وتحضر أدلة لتثبت تهمته عليه هو, وحتى لو لم تستطع أن تحضر أدلة توقف
عند التهمة وفكر فيها وستجد أدلة أنها فيه, وحينها لن يستطيع مواجهتك وسيهرب إلى
تهمة أخرى. التهام يدافع عن نفسه بكيل التهم والمفرقعات حوله ليشغل الناس بأنفسهم
عن نفسه. قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (إنَّ اللهَ تعالَى لم يبعثْني طعَّانًا ولا
لعَّانًا) والطعان هو التهام, قال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة}.
الطيبون يستطيعون
أن يتهمون لكنهم لا يحبون المجال هذا كله ولا يحبون الاستعجال فيه, لأنهم ليسوا
بحاجة إلى خطوط حماية, قال الشاعر الشعبي: (يا حسين ما يشتك غير الرديين *** أما
الطيب وسيع بطانه) وقال المتنبي: (لكل امرئ من دهره ما تعودا). وقال أيضا: (إذا
ساء فعل المرء ساءت ظنونه *** وصدق ما يعتاده من توهم).
قال تعالى : {لَا يُحِبُّ اللَّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن
ظُلِمَ}, هؤلاء يجهرون بالسوء
وهم لم يُظلموا بعد بحجة أنهم يخافون أن يظلموا, قال تعالى: {وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} والتهَم إثم وتجر للعدوان, والعدوان يبدأ بتُهم.
وهذه من علامات المنافقين, فهم يحبون أن يكون الناس سيئين و يحبون أن تشيع
الفاحشة.
الاتهام شيء ثقيل
على الإنسان الطيب وخفيف على الأنذال, مع أن الطيب قد يرى الكثير مما لو رآه
الصناعيون لقفزوا للاتهام وطاروا به, بينما الصناعي يفترض الشر أصلا حتى لو لم
يره, ولا يواجهك ويتهمك مباشرة بل يؤلب غيرك عليك ويطعنك من الخلف.
حينما يلجأ الشخص للإتهام فأعلم أن هناك خلل في روحه ..
ردحذف