الأحد، 7 سبتمبر 2014

نظرية الاختيار (1)


ملاحظة: يتردد في هذا المقال وغيره من مقالات المدونة ذكر كلمة "الصناعي" وهي: كلمة تشمل كل الأفكار الباطلة سواء مقصودة أو غير مقصودة, والباطل لا أساس له في الطبيعة, لهذا نسمي الحق بالطبيعي, وعليه فالشخص الصناعي هو من يتبنى الأفكار الصناعية سواء بقصد أو بغير قصد, وهي في أساسها أفكار من صنع الشيطان مقحمة على الطبيعة. 


في الحقيقة ليس هناك صراع في الطبيعة كما يقول الماديون, بل الصراع الحقيقي هو صراع فكري بين الخير والشر عند البشر, والقرآن هو الوحيد الذي أشار إلى هذا بأن الناس على اختيارين, فكل الديانات والمذاهب والفلسفات ترى الناس على أنهم نوع واحد ويتأثرون بالبيئة والتربية والنصيحة, فيرون الناس كأنهم مزرعة حسب ما تزرع فيها تنتج. فالقرآن فعلا قول فصل, هو الوحيد الذي يقول أن هناك باطل مقصود وحق مقصود, {وألهمها فجورها وتقواها}, علم النفس و الفهم البشري للدين وكل الفهم البشري يقول بأن الناس واحد وشرهم وخيرهم من الظروف والتربية. القرآن لم يتكلم عن التربية. وهذا أمر عجيب, فالفلاسفة كلهم عبر التاريخ لم يقولوا هذا.

ومن هنا نفهم لماذا الجنة والنار ولماذا هي أبدية, فالاختيار أبدي فلو عاش الشخص ألف سنة لظل شريرا ولو عاش للأبد لظل شريرا بغض النظر عن الظروف, وحتى لو عاش الإنسان الطيب في بيئة صناعية لصار أطيبهم, ولو عاش مختار الصناعي بين أناس طيبين لصار أشينهم, وقصة نوح مثال على أن مختار الصناعي مهما عاش من مدة لن يتغير. الماديون يقولون انه من الظلم أن يكون العقاب أبدي لأنه لم يعش إلا فترة محدودة, ولكن الاختيار أبدي, فحتى بعد أن رأوا النار لو عادوا إلى الدنيا وأخذوا فرصة ثانية لعادوا إلى الصناعي, قال تعالى: {لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}.

مختار الصناعي لا يتغير, قد تتغير ملامحه لكن هو لا يتغير, فلاحظ أنه إذا صار الوضع منفلت ظهر بوضوح, لكن إذا سيطر القانون ظهر على شكل نصب واحتيال, وإذا اشتدت سيطرة القانون ظهر على شكل تصيد ثغرات قانونية وتلاعب محامين, لهذا علينا ألا ننخدع بالصناعي وبفكرة أن كل الناس طيبين أو كل الناس سيئين. فالظروف تُخرِج الاختيار وليست تغيره, {و نبلوكم بالشر والخير فتنة}, فالبلاء بالخير والشر يُظهِر معدنهم وليس يغير اختيارهم. الظروف تجعل الناس أمامك يبدون كنوع واحد فعند إشارة المرور الجميع يتوقف وإذا صار حادث مروري الكل تقريبا يريد أن يقف و يساعد, ولهذا يقول الملحد أن الناس كلهم طيبين , ولكن الملحد نفسه يقول أنه لو صارت مجاعة لأكل الناس بعضهم!

من علامات وجود من هو مختار للصناعي أن هناك أناس لا يرضون ولن يرضوا عن مختار الطبيعي مهما فعل, حتى لو كان ذلك الشخص الطبيعي يخدم مصالحهم, فلن يرضوا عنه إلا إذا تبين أنه قد اختار الصناعي.

من علامات مختار الصناعي أنه أي عيب يراه في الشخص الطبيعي يضخمه ويكبره, بينما لو يفعل صناعي آخر خطأ أكبر مما فعل الطبيعي سيتغاضى عنه.


  

هناك تعليق واحد :

  1. موضوع رائع جدا استاذي ، ونظرية مبتكرة لم يتكلم عنها أحد من قبل فعلا ، سوى القرآن ..

    وهذه العبارة تبيّن الكثير وتختصر الكثير من مواقف الناس :

    "الظروف تُخرِج الاختيار وليست تغيره"

    كما أن الموضوع فيه رد على من يحتج ويقول أن الله يظلم الكفار لأنهم عصوا الله في زمن محدد فيعاقبهم بعقاب أبدي، تبيّن لي أن المسألة مسألة اختيار لخطّ ومنهج حياة وليست فقط مجرد مواقف واعمال معينة كعلامات في طريق الشخص يُحاسب عليها وحدها ..

    الأعمال تكون بهذا الشكل مصداقاً للاختيار الذي اختاره الشخص، ولهذا قال تعالى أنه سيحاسب الجميع على اعمالهم، انطلاقا من أن اعمالهم لن تصدر إلا من اختيارهم ..

    بارك الله فيك ..

    ردحذف