الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

نظرية الأعضاء المعنوية للإنسان, ومداخل الشيطان

رد على تساؤل الأخت "ترف" في تويتر :

"لماذا تستهدف الوساوس القلب وليس العقل؟"


لمعرفة ماهو الجزء في الإنسان الذي تدخل وسوسة الشيطان من خلاله لا بد من معرفة أجزاء أو أعضاء الإنسان المعنوية, وهي :
  • القلب (الوعي).
  • العقل (أ).
  • الشعور (العقل ب).
  • العقل الوسيط (النفس).

و كل هذه الأعضاء المعنوية للإنسان هي تجليات للروح, والروح من أمر الله لا يعلمها أحد إلا الله.

الوسوسة تكون من الناس ومن الجن, قال تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس, من الجنة والناس}. وسوسة الناس في وعينا تكون من خلال حواسنا كذلك الشيطان يوسوس في القلوب بنفس الطريقة, فكأننا نسمع كلاما ونحن لا نسمع بآذاننا أو نرى صورا ونحن لا نبصرها حقيقة , فوسوسة الشيطان تستخدم اللغة لتوصل بها الأفكار الصناعية وتستخدم الصور وغيرها من الحواس وتصل هذه إلى القلب في لحظات عدم تركيزه, أو لحظات انتقال القلب من تركيز إلى تركيز, فلحظات عدم التركيز هي لحظات حساسة و لحظات تدفق سواء من الداخل أو من الخارج. والوسوسة أو الصناعي لها ثلاثة مصادر: (الشيطان مباشرة , والنفس بما تجمع فيها سواء من الشيطان أو من الناس, والناس مباشرة) وجميعها مصدرها الأساسي من الشيطان لأنه هو الذي أدخل الصناعي على الطبيعي, والشيطان يأتي منه الصناعي على شكل سائل مثل الوسوسات الآنية وعلى شكل مجمد في العقل الوسيط (النفس) وهي الوساوس القديمة المقبولة في النفس.

العقل الوسيط (النفس أو الأنا) يجمع بين الشعور (العقل ب) والعالم الخارجي عن طريق العقل (أ) وهو(الحواس والمنطق ووسائل الاتصال).

عندما يقول الشيطان لشخص اقتل من أجل الحصول على المال كفكرة جديدة فإن هذه الوسوسة أتت مباشرة من الشيطان, فتجد أن الكلام الذي يأتيك في لحظات غياب التركيز ليس منك بل من مصدر خارجي, وكأنه شخص خارجك يتصيد اللحظات التي يفقد فيها القلب التركيز. أما الوسوسة من خلال الناس فهي مثل الإغراء والتشجيع على أعمال سيئة أو الإيحاء والتأثير بكل صوره والتعويد.. إلخ. أما الوسوسة من القادمة من النفس (أمر النفس بالسوء) فهي مثل العادات السيئة التي يكتسبها الإنسان من الصغر, أو تكون مرتبطة بغرائز. وهكذا تكون النفس تأمر بالسوء, وتأمر من؟ تأمر القلب (الوعي).

وكل الوسوسة التي من الناس أو من الشيطان هي عن طريق العقل إلى القلب, والقلب يستعرض كل ما يعيه على المناطق المعنوية: الشعور - العقل الوسيط (النفس) - العقل (أ), يُقدِم لها ويأخذ منها, فقد يأخذ من العقل (أ) ويعرضه على الشعور أو يأخذ من الشعور ويقدمه للعقل (أ) أو العقل الوسيط و هكذا, أي عندما يعي القلب وجود وسوسة فإنها يعرضها على العقل الوسيط (النفس) فإذا كان العقل الوسيط لا يريد أي صناعي فإنه ينفر, أو قد يتقبلها العقل الوسيط لكن الشعور يرفضها أو العقل (أ) وهذا يسمى بمجاهدة شهوات النفس, وغالبا يكون بسبب عدم اهتمام في اعدادات العقل الوسيط والتي لو تحسنت لحصل نفور أصلا بدلا من الرغبة, قال تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}, وقال عن الأول : {من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى}. و نفور النفس من الشر هبة من الله لمن حاول تزكية نفسه, قال تعالى: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}, النفس عادة هي أهم شيء عند الإنسان لأننا نأخذ من الحياة ما يهمها.

القلب هو الذي يفهم من خلال التقلبات بين العقل (أ) و(ب) والعقل الوسيط, لذلك هو الوعي. أحيانا تجد نفسك لم تفهم فتتأمل في داخلك ثم تفهم, هذا الدوران يقوم به القلب و من خلاله يأخذ تقييمات العقل (أ) و(ب) والعقل الوسيط ويعرضها مرة أخرى على قوانين المنطق وعلى النفس والشعور (ونسميها الدورة القلبية), ويحاول التوفيق بين الجميع. الشخص عندما يخاطبه شخص آخر مثلا أول شيء يحصل هو أنه يعي من الذي يخاطبه ويتحدث معه وينتبه له, أي يتوجه القلب له, ثم يقوم بعرض كلامه على الذاكرة والعقل ليحلل الموضوع منطقيا, ثم يعرض على الشعور , والحكم النهائي يكون للاختيار. وقد تُعرَض الفكرة أو التصور على العقل (أ) والشعور فيرفضان لكن النفس تقبل فيختار الشخص الصناعي ما قبلته النفس ويتوجه العمل للتبرير, فالحكم النهائي للاختيار, قال تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} واتباع الظن يدل على أنه بلا حقائق ألفية (عقلية), وقال تعالى:{وطائفة قد أهمتهم أنفسهم}.
  
النية محلها القلب, و القلب منه الاختيار لأن القلب يُعرض عليه كل شيء وكونه يعرف يجعله مسؤول, قال تعالى: {لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}, وهذا يدل على أن القلب هو الذي يختار, فمختار الصناعي سيبحث مثلا عن نقاط ضعف الآخرين ونقاط قوتهم ليحاول استغلالهم وقلب الأمور لصالحه والتخلص عندما يجد الآخرون عليه نقاط ضعف, فكل ينظر بعين اختياره. والقلب ليس هو الشعور, ولو كان القلب هو الشعور لكان الناس كلهم مهتدون, لذلك قال تعالى : {ربنا لا تزغ قلوبنا ...} والزيغ هو الانحراف من الاختيار الحسن إلى الاختيار السيء.

الفرق بين الشعور والعقل الوسيط أن العقل والوسيط جاهز للتصرف أما الشعور فنحتاج وقت كي نفهمه.

الشعور سريع ولماح ولكي نعي ما يقول الشعور فلا بد أن يمر عليه القلب لنعي ما يقول الشعور, لذلك من يحترم شعوره فإن تركيزه سيكون على الشعور بعكس مختار الصناعي الذي قلبه (وعيه) لن يكون منصبا على الشعور بل على الصناعي, وينغمس بالماديات كي لا يسمع صوت الشعور {لاهية قلوبهم}, فيصبح القلب في هذه الحالة غير حساس لما يريد الشعور.

العقل (أ) أساسه من العالم الخارجي, فلولا الحواس لما تكون العقل (أ), و الحواس تشمل الحواس الخارجية والحواس الداخلية والتي من خلالها نشعر بالبرد مثلا ونميز بين أنواع الآلام الجسمية وأنواع المتع الحسية, الطفل الرضيع لم يتكون عنده العقل (أ) بعد, و العقل (أ) هو الورقة البيضاء التي قصدها جون لوك حين قال أن الإنسان يولد ورقة بيضاء, لكن خطأه أنه عمم هذه الورقة البيضاء على كل شيء داخل الطفل, فالشعور يولد به الإنسان لا يتغير ولا يكبر ولا يصغر وليس له علاقة بالزمن.
 
العقل الوسيط متعلق بالرغبات و المخاوف, فيأخذ من المعلومات الكثيرة القادمة من العالم الخارجي عن طريق العقل (أ) ما يشاء, مثلا في ذهنك معلومة عن جزيرة اسمها مدغشقر لكن ليس لك بها علاقة قوية, لكن لو كنت ستسافر إليها مع أصدقائك فستعني لك شيئا أكبر أي لا بد أنها خرجت من منطقة إلى منطقة, (أي خرجت من العقل (أ) إلى العقل الوسيط). الشعور روابط, فإذا صارت المعلومة لها روابط متعددة من الشعور تكون قريبة ولا تنسى وتخرن في العقل الوسيط, أما إذا صارت روابطها قليلة وضعيفة فتخزن في العقل (أ).

كل أعضاء الإنسان المعنوية تعطي إشعاعها على كل ما يمر بالإنسان, فالشعور يعطي إشعاعه والعقل الوسيط يبدي رغبته ونفوره والعقل (أ) يبدي منطقية الشيء من عدمها و الذاكرة تبين هل له رصيد أو ليس له رصيد, وهكذا, وصاحب القلب الحي هو ما ينتبه لكل هذه الإشعاعات ويربط بينها, أما القلب المغلف فهو لا ينتبه ولا يعتبر ولا يتأثر إلا بما يريد, قال تعالى: {بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} وقال: {لهم قلوب لا يفقهون بها}, فقلوبهم مغلفة بسبب أن اختيارهم الصناعي جعلهم لا ينتبهون إلا لما يريده اختيارهم.

الذاكرة يمكن تقسيمها لقسمين: ذاكرة مرتبطة بالشعور بقوة وذاكرة مرتبطة ارتباط ضعيف بالشعور, مثلا دعاية منتج لا يهمك ومع ذلك تراه كل يوم في الشارع هي ستبقى في ذاكرتك ولكن ليست الذاكرة التي في العقل الوسيط بل في العقل (أ). فالذاكرة الحية النشطة هي القريبة من الشعور, لهذا كبار السن مثلا تتراجع معلوماتهم المرتبطة بالعالم الخارجي لكن معلوماتهم المرتبطة بالشعور أكثر تبقى, فينظر إلى الشخص يحس أنه يعرفه ويعرف هل هو يحبه أو يكره وهل هو ودود أو جافي معه, لكن قد لا يذكر اسمه أو اسم أبيه أو أين يعمل إلخ, والسبب أن قيمة تلك المعلومات الشعورية أهم من المعلومات الألفية كاسمه, لذلك روابطها أقل.

في حالة مختار الصناعي يكون القلب أقرب للنفس وعلاقتها بالعالم الخارجي وأبعد عن الشعور, لكن مختار الطبيعي أخف ارتباطا بالنفس فلديه قدرة على إنكار الذات (النفس) والتضحية. 

علاقتنا بالخارجي هي علاقة استقبال وعلاقة طلب أيضا, ما يأتي بطلب سيبقى ولن يُنسى, لهذا طالب العلم الحقيقي ذاكرته قوية أكثر, لأن العلم سيكون أقرب إلى عقله الوسيط المبني على ما يهم الشعور, فهو من طلبه وليس مفروضا عليه من الخارج.

العقل (أ) هو ما يتعامل مع العالم الخارجي سواء بالطلب أو الاستقبال أو التخرين .

في الإنسان مستودعان كبيران: مستودع الشعور الفطري ولغته الإحساس, ومستودع العالم الخارجي و أساسه الحواس, ومستودع العالم الخارجي فيه مستودعان: مستودع العقل الوسيط الذي يحوي المعلومات والعادات المهمة للنفس والمرتبطة بالشعور ارتباط قوي, ومستودع العقل (أ) الذي يحوي المعلومات الأبعد عن الشعور أو المفروضة من العالم الخارجي.

اللغة هي موجودة في العقل الوسيط, لكنها في الأساس أتت من العقل (أ), ومع التكرار تحولت إلى عادة في العقل الوسيط, وبالتالي هي محسوبة على (أ) أكثر من أشياء أخرى موجودة في العقل الوسيط كالفن, فعازف الآلة الموسيقية يعتمد في مهارته على الشعور بشكل أكبر من اعتماده عليه في اللغة, وكلاهما في العقل الوسيط: اللغة والفن. الشاعر لغته وكلماته محسوبة على الشعور أكثر لأنه يبدع فيها ويتفنن ومن الصعب نقل كيفية ما فعل لغيره, فلا يستطيع أن يصنع من غيره شاعرا, لهذا نقول أن الإبداع من الشعور.

العقل الوسيط الوجود الألفي فيه أقل والشعوري فيه أكثر, لهذا ترجمة ما في العقل الوسيط صعبة فلو تطلب من أحد يشرح لك كيف يعزف على آلة موسيقية لواجه صعوبة كبيرة, لأن العقل الوسيط هو ألفيات مغطسة في الشعور, أما عملية النقل في عالم (أ) سهلة جدا, فكل ما في العقل (أ) ممكن نقله للآخرين إذا أمكن تذكر المعلومات, مثل كيفية طلاء الجدران من السهل نقلها, لكن العقل الوسيط على العكس لأن مادته أكثرها من الشعور, مثل الفنون, لهذا الفن لا يمكن شرحه ولا يخضع لخطوات واضحة لأن أكثره مبني على شعور, فالراقص مثلا يستحيل أن يستطيع أن يشرح لك بالضبط ما فعل, لكن ما في (أ) فهو خاضع للمنطق والعالم الخارجي أكثر, فالبنّاء من السهل عليه أن يشرح لك خطوات البناء. إذن الفن من منطقة العقل الوسيط أما البناء فهو من منطقة العقل (أ), ومع ذلك لو يشرح لك بنّاء كيف يبني لن تبني مثله بالضبط, لأن بناءه فيه جزء فني لم يستطع شرحه لك.

التركيز ليس خاصا بالعقل (أ), فالتركيز تابع للقلب, ويمكن أن يركز الإنسان على شيء غير ألفي وهو الشعور, كأن يركز على ألمه أو اشتياقه أو عقده النفسية, وهذا ما نسميه الشخصية البائية, أما الشخصية الألفية فهي الشخصية الذي يكون قلبها مرتبط مع العقل (أ) أي مع العالم الخارجي أكثر من عالمها الداخلي, وتكون الحواس في حالة نشطة أكثر. وعلى هذا فالذكاء نوعان: ذكاء بائي وذكاء ألفي.

من يتأمل منظر جميل كمشهد طبيعي أو لوحة هو يُسقط الشعور على العقل(أ) و العقل(أ) على الشعور, وهو التأمل الذي هو الربط بين العالم الخارجي والعالم الداخلي وهو التفكر الذي أمر الله به, لكن ممكن أن ينظر شخص لنفس المشهد من حيث كيف يستفيد منه أو كم تقدر ثمن هذه الأخشاب في الغابة, وهذه نظرة ألفية.

وهذه التقسيمات هي للتوضيح, وإلا في الواقع فكل أجزاء الإنسان المعنوية تعمل لكن بسرعة عالية, مثلما نقسم أعضاء الجسم للتوضيح و إلا فهي تعمل مع بعضها دفعة واحدة.
 


هناك تعليق واحد :

  1. شكرا لك أستاذي الورّاق ..

    لقد ذكّرني هذا الموضوع بموضوع سابق تكلمت فيه عن خارطة الإنسان الداخلية ..

    وهذا رابطه لمن يريد الإطلاع عليه في البداية، ليستطيع أن يأخذ صورة مسبقة قبل قراءة هذا الموضوع، وهذا اقتراح فقط للقراء الكرام ..

    http://alwarraq0.blogspot.com/2014/02/blog-post_6323.html

    شكرا لك استاذي العزيز ..

    ردحذف