الأحد، 7 سبتمبر 2014

نظرية الاختيار (4)


ملاحظة: يتردد في هذا المقال وغيره من مقالات المدونة ذكر كلمة "الصناعي" وهي: كلمة تشمل كل الأفكار الباطلة سواء مقصودة أو غير مقصودة, والباطل لا أساس له في الطبيعة, لهذا نسمي الحق بالطبيعي, وعليه فالشخص الصناعي هو من يتبنى الأفكار الصناعية سواء بقصد أو بغير قصد, وهي في أساسها أفكار من صنع الشيطان مقحمة على الطبيعة



من علامات الاختيار الصناعي:
أن يكون الشخص وقحا إذا اقتضت المصلحة - بليد الإحساس (غبي), فالصناعي ينتج أغبياء - رداءة الذوق – المادية - حتى العلاقة بالجنس الآخر والحب ينظر لها كعلاقة جنسية, فمن علامات الاختيار الصناعي تكبير موضوع الجنس, مثلما نرى في كتابات الماديين حيث يأخذ الجنس مساحة أكبر من الحب في إعلامهم وكتبهم و أدبهم, بل يسمون الجنس حب - الاستقرار الألفي (أي مرتبط بالحواس أكثر من الإحساس) أي أن يستمر الشخص ألفيا دائما و يستطيع أن يتحول إلى نمطي.

هذه مفاتيح لمعرفة الاختيار وليست كافية للحكم باختيار الشخص ويوجد غيرها, لكنها مثل الاستعداد فتبدأ بملاحظتها حين تتعرف على الشخص, فأولا ترى كمية الأفكار الصناعية التي عنده - أي الصناعي الظاهر المباشر- , وبعدها تلاحظ اختيار الصناعي نفسه حسب المواقف, لأن وجود الأفكار الصناعية ليس دليل كافي على اختياره لها, لأن الصناعي هو السائد في العالم كما قال تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}. فترى قضية فيها حق وخير انتصر ولا يفرح لها و قضية فيها ظلم لا يتألم منها, و لا يكون عنده فارق بين الخير والشر سوى المصلحة وما تقتضيه وهذه علامة الشر فلا أحد يبحث عن الشر لذاته لكن ليس عنده فارق بينهما, ويكون سريع للشر بطيء على الخير, يعرف دروب الشر ولا يعرف دروب الخير, والخير عنده نمطي بينما الشر فن, ولا إبداع عنده, والمجتمع إله والمصلحة كبير آلهة, كل الآشياء يراها متساوية وكل القيم متساوية حتى يقترب الشيء من ذاته و مصلحته, إذا الخير اقترب من ذاته وصار يخدمها بدأ يتكلم عنه ويحث عليه, وإذا الطرق الملتوية صارت تخدمه بدأ يستخدمها. و كلما ترى انتقائية أكثر كلما تعرف أنه صناعي, ويتأكد حينما يتجاوز حقا واضحا بيّناً لأجل المصلحة. وعنده قدرة على قلب الأمور, فيجعل من الحسن قبيح ومن القبيح حسن, ومن الحق باطل ومن الباطل حق, مع أنها واضحة بتلقائيتها, فمرة يستخدم تلقائية الأمور إذا هي تخدم مصلحته, ومرة يخرج عن التلقائية و يتمحل إذا كانت ضد هواه فيأتي بتقييمات غريبة, قد يستطيع أن يقفل عليك الرد لكنه لن يقنعك.

مواقف الشخص البعيدة عن ظروفه و مصالحه هي التي تكشف اختياره بشكل أوضح, فقد يتخذ شخص موقفا معارضا لصناعي مخالف لمصالحه, وبنفس الوقت يؤيد صناعي بعيد عن مصالحه, هذا يدلك أن معارضته للصناعي الأول بسبب أنه يعارض مصالحه وليس بسبب أنه مختار للطبيعي في معارضته.

وأيضا أحد معايير معرفة اختيار الصناعي العناد والإصرار على الصناعي رغم سماع الرأي الأفضل.

و من علامات اختيار الصناعي كثرة الكلام عن حقوقه والتفكير فيها, بينما الإنسان الطبيعي معطاء و يفكر بتقصيره ويشعر بنقصه, والصناعي دائما يذكر ما فعل من طبيعي ويمن به ولا ينساه, لأنه غريب على منظومته الفكرية لهذا لا ينساه.

و أيضا من علامات اختيار الصناعي الحسد والإعجاب بالقوة, ونظرته للماضي والتاريخ محكومة بالقوة, فالأقوياء عند الصناعي هم المثاليون بغض النظر عن الصح والخطأ.

و من علامات اختيار الصناعي البداهة, فالبداهات الطبيعية يحتاجون من ينبههم عليها وإلا فلن يعرفوها, فلا يعرفون أن هذا موقف رحمة أو موقف تعاطف, فالضمير عندهم بارد و لا بد من أن يحركه أحد لهم حتى يخجلون ويتحركون, مع أن مختار الصناعي غير خجول وإن كان فيه خجل فهو مصطنع, فهم مشغولون بالقوة و المصلحة ولا يحتاجون من ينبههم لها بينما يحتاجون من ينبههم للفضيلة, أما مختار الطبيعي مشغول بالفضيلة ويحتاج من ينبهه على مصالحه.
                     
و من علامات الصناعي برود الإحساس, لكنه قوي الإحساس حين يتعلق الأمر بمصلحته. من علامات الصناعي أيضا الصناعي الذي يخرج عليك فجأة, فتتفاجأ ببخل شديد أو حسد شديد مثلا لم تكن تتوقعه.

و من علامات الصناعي ضعف الحس الفني عنده, لهذا يحتاج إلى الاهتمام بالسائد والموضة ويعتمد على تقييم الغير لإخفاء ضعف التذوق عنده.

أي حدث أو موضوع تجد الشخص الصناعي يدور حول المصلحة منه, بينما مختار الطبيعي يدور حول الموقف الأخلاقي منه.

من أوضح علامات اختيار الصناعي ضعف الحماس للمواقف الأخلاقية, لأن ترك الخير هو الشر وإن لم يُقصَد بذاته, والأساس أنك لا تحاسِب أحداً على فعله للشر قدر ما تحاسبه على تركه للخير لأن ترك الخير هو الشر حتى لو لم يُفعل الشر بذاته. لهذا من علامات مختار الصناعي ضعف التأُثر بمعاناة الآخرين ولا تهز مشاعره المواقف الإنسانية والأخلاقية, فمشكلة حياتية من باب الترف أهم عنده من مصائب كبيرة على غيره.

و من علامات اختيار الصناعي صعوبة التأقلم والميل للنمطية, وقلة تغير العاطفة والمزاج.  

من علامات مختار الخير والصلاح أنه يفكر بالأصلح أحيانا وينسى إمكاناته, فتكون اقتراحاته صعبة, مثل أن يرحم حيوانات ويريد أن يدخلها كلها في منزله ويرعاها مع أنه لا يستطيع. وهذا يقودنا للأمنيات فالأمنيات تشير إلى الاختيار أيضا, فأمنيات الطبيعي أكثرها حول الخير والعدل والعطاء والرحمة على عكس أمنيات مختار الصناعي التي تدور حول نفسه ورغباتها المضاعفة أكثر من أي شيء آخر.

ومن علامات مختار الخير أيضا عدم الانسجام الكامل مع المجتمع, لأن الصناعي هو السائد فيه.

الحكم على شخص ما أن اختياره صناعي يجب التريث فيه كثيرا حتى لا نظلم, فهنالك صناعي أخذه الشخص بالتلقي وليس بالاختيار, مع أن الحكم بوجود الصناعي سهل لكن الحكم باختيار الشخص له هو الذي يتطلب تثبت.

الصناعي نوعان: صناعي مكشوف وصناعي منافق. المكشوف نسميه الدرجة الثانية من الصناعيين مثل الوقح وبارد الإحساس والجاهل والغبي, ويكون الصناعي يظهر من خلال أحكام الشخص ومن خلال أفعاله, وهذا هو الصناعي الفج. لكن هنالك صناعي منافق خبيث, وهذا يخفي مرارة صناعيه بنكهات  طبيعية, وهذا أكثر شيء يكشفه هذه الألوان الطبيعية التي يتخفى وراءها, وتكميله الشديد لنفسه يشكك الناس فيه, فلا يعقل أن يكون بلا عيوب لهذه الدرجة, و حين تقارنه بالأصباغ التي يصبغها نفسه ينكشف, فيدعي مثلا الأخلاق فنطبق عليه الأخلاق. وهذا النوع البارع في نفاقه يكشفه أيضا ما لم يقل وليس ما قال وما لم يفعل وليس ما فعل, فكون الإنسان لا يفعل ولا يقول لا يعني أنه سيسلم من الحساب, لأن بداية الشر هي ترك الخير. هذا النوع المنافق إذا أخذ راحته يظهر بحقيقته أنه من النوع الفج, فهما من نفس النوع, فلا صناعي أرقى من صناعي, الصناعي واحد. إذا شعر الصناعي المنافق بالأمان تجده يتكلم مثل الصناعي الفج, ولا فرق فيه بين المثقف وبين العامي, فتجد مثقفا وله مكانة مرموقة في المجتمع يتكلم بلغة شوارع حين يجلس مع من يأمنهم, فالصناعي شيء واحد.

كل رذيلة يمكن أن تمارسها بفجاجة أو بنفاق, فهناك مثلا بخيل فج وبخيل منافق. الصناعي الفج غالبا يفتخر بصراحته و وضوحه, وعموما هو أفضل من المنافق من ناحية صراحته فقط, فالأسوأ هو المنافق.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق