الخميس، 5 أبريل 2012

آراء في أشهر الآراء : سيجموند فرويد (تفسير الأحلام) -7- ..

الحلقة السابعة : 





قبل ان نخوض في هذا : لماذا لم تظهر الامراض في حينها ؟ انه يتكلم عن مرحلة بعيدة ، و هي ما بعد البلوغ ، اليست لتلك المرحلة ظروفها الصعبة و التي سمي المراهق لاجلها مراهقا ، من الرهق والصعوبة ؟ هل الامراض تختفي ثم تظهر ؟ حتى الفيروسات لا تفعل هذا .. الامراض اذا وُجـِدت ظهرت ، و اذا لم توجد لا تظهر .. اذا كل هذه الفكرة خاطئة اكلينيكيا . العاقل لا يصدق مثل هذا الكلام ، ان هذا يشبه ان يضربك احد ، ثم لا تتألم و لا تحس بالالم من تلك الضربة ولا تصرخ الا بعد خمس سنوات ! اما في حينها فلم تكن تشعر بشيء !

الالم موجود اصلا لكي ينبه على الخطر والضرر في حينه ، و ليس لكي يظهر بعد عشرات السنين . ما الفائدة من ظهور ذلك الألم متأخرا ؟ فرويد بنى كل تحليلاته النفسية لمرضاه على هذا الاساس الخاطئ والغير منطقي ولا العلمي ولا الواقعي . كل ضرر يتعرض له الشخص جسديا او نفسيا يكون اشد ايلامه في وقته . ثم يبدا الالم بالتلاشي تدريجيا .

فرويد يزعم ان مواقف طفولية بريئة و ساذجة ومنسية ، ظهرت بعد عشرات السنين لتكوّن مرضا عصبيا خطيرا ، و هذا كلام غير منطقي اطلاقا . انه يهمش كل مشاكل الحياة عندما يكبر الاطفال ، و يقطع دورها وتاثيرها الذي لا يخفى على احد . ثم يذهب لينبـّش عن اثار منسية في بواكير الطفولة و من خلال الاحلام – فما اضعف هذه الخيوط وابعدها عن العلمية : ذكريات طفولة منسية و يعرفها من خلال الاحلام ! يا للعلمية ويا لقوة المنهج العلمي !! - ليجعلها مسؤولة عن كل ما يحدث للشخص من مشاكل عصبية ونفسية ! كيف تثق بتشخيص طبي يعتمد على هذه الخيوط المتهالكة ؟

الجميع يلاحظ سرعة نسيان الطفل ، فتجده يبكي مثلا وينقلب الى الضحك عند ادنى مثير ، وبقايا دموع البكاء على خده وهو يضحك ، فكيف نصدق كلام فرويد و نحن نرى سرعة نسيان الطفل ؟ ما بالك ان يحتضن هذه الهنات الصغيرة لتظهر بعد عشرات السنين على شكل امراض عصبية وعقلية لا فكاك منها الا بالتفسخ الاخلاقي وتعويض ما فات جنسيا في الطفولة المبكرة ؟ هذا كلام يصلح لغير العقلاء . 

ان هذا المنهج الخاطئ في التحليل يشبه شجرة كبرت و اثمرت ثم مرضت ، فياتي فرويد لينبش في جذعها عن اثار ضربات فاس قديمة ! ليجعلها هي المسؤولة عن ما اصاب الشجرة رغم انها عاشت سنينا و هي متعافية !

ان حجة فرويد واحالته على الماضي المنسي ، تشبه احالة الملاحدة المؤمنين بالصدفة المستمرة على ملايين السنين كمخرج آمن لتبرير عدم معقولية الفكرة . و كيف تؤثر فينا و تغير حياتنا النفسية والعصبية أحداثٌ لا نذكرها لضآلتها و نسيناها لتفاهتها ؟ بل لم تحدث اصلا ، و لكنه يحاول ان يحمّلنا اياها من خلال تفسيره للأحلام بعد ان فشل في التنويم المغناطيسي كما يعترف هو ، لكي يجعل المريض يتحدث عن ذكرياته المنسية من تلقاء نفسه .. و قفزه للاحلام ليس الا تعويضا عن فشله في التنويم المغناطيسي .

أيعقل ان تؤثر فينا احداث تافهة ومنسية في حين نذكر الاحداث الجسيمة حتى و نحن اطفال ؟ وهكذا غير العلمي يسير في المنطقة المظلمة دائما وفي ظل الحقيقة و ليس مع الحقيقة . بل و يختلقها اذا لم يجدها لكي يحيل على مجهول ، و مع هذا يتبجح بالعلمية وهو يسير في الظلام الذي لا يدركه حتى صاحب الشأن والقضية .

الامراض النفسية والعصبية تحتاج الى مشاكل بحجمها حتى تكون سببا معقولا لها ، و ليست مشاكل اطفال طواها النسيان . هذا الاحتجاج الغير منطقي يشبه ان تقول لشخص : ان كل مشاكلك النفسية والاجتماعية والعصبية كانت بسبب وقوعك من الدراجة عندما كنت طفلا ! فهل تستطيع ان تنفي كلامي ؟! هذا النوع من التفكير يسمى : الصيد في الماء العكر . لأن تلك الحالات المرضية غير معروفة السبب مباشرة ، فوجدها فرويد فرصة ليربطها بما يريد ، و يجعلها دليلا على تأصل الخبث في النفس البشرية . مما يعني ان فرويد لم يرد الشفاء لمرضاه والعافية بقدر ما ارادها لنظريته المريضة التي تهدف الى افساد المجتمع وابعاده عن الفضيلة والعفاف نتيجة حقد ماسوني نوراني على شعوب الجوييم . و لو انه بحث مع مرضاه في مشاكلهم الحاضرة فكريا و نفسيا واجتماعيا و اخلاقيا ، لكان اقرب لكي ينفعهم ويساعدهم كما يدعي .

شروط السفور :

متى ظهرت الرغبة السافرة في الاحلام بموت احد الوالدين ؟ و من هو الذي يحلم بهذا الشكل ؟ فرويد يتكلم عن رؤية عزيز علينا يموت ، ثم يسميها رغبة ! بدون ان يقول الحلم ذلك ! هي رغبة على مزاج فرويد ! مع انهم يقولون له أنهم يبكون و هم يرون الاعزة عليهم يموتون ، فيقول : بكاؤكم هذا هو من الفرح بموتهم ! و في اسوأ الأحوال يقولون انهم لم يكترثوا بموتهم ، و عدم الاكتراث لا يساوي الرغبة . فكيف يسد الفراغات بكلام من عنده ؟

لا اظن احدا من القراء ظهرت له تلك الرغبة السافرة بأن يموت شخص عزيز عليه ويفرح لذلك . و لا حتى المجنون ربما . و هذه الشروط متحققة مع الجميع ، و صولون لم يكن مجنونا عندما لم يضع عقوبة لقاتل ابيه ، فصولون يتفق معنا و ليس مع فرويد . بعد فرويد وتحليلاته يجب ان يوضع قانون لمن يقتل اباه ! و ليس الرومان فقط ، بل كل البشر يعرفون ذلك الا فرويد ومن يصفق له من المنتفعين بشذوذ افكاره المغرضة . ولو لم تتضح الغائية في افكار فرويد ، لجاز وصفه بالجنون ، و لكنه ليس مجنونا ما دامت غايته واضحة ، سيكون شيئا اخر .

الشرط الثاني :

شخص لا يخطر بباله ان يتمنى موت ذلك العزيز ، بل و يقلق حذاري ان يموت ذلك العزيز ! ثم تقول عنه انه يريد موته ؟!! اذا ما قيمة المشاعر ؟ وما قيمة معرفتنا وتأكدنا منها ؟ هذا يعني ان فرويد يفهمنا اكثر مما نفهم انفسنا . و بموجب هذا الاختراق السافر للنفس البشرية و مشاعرها و لعقول الناس ، يجوز لفرويد ان يقول لشخص يحب الموسيقى : انت لا تحب الموسيقي ! ولكنك تحب تكسير الحجارة او الشاي بالحليب ! يقول ذلك الشخص : انا اشعر بهذا الحب واتعامل مع الموسيقى كل يوم ! يقول له : انها حيلة من العقل الباطن للالتفاف على العقل الظاهر و مراقبته ليس الا !

وهكذا يستطيع ان يمر على كل شيء نقول راينا فيه و بنفس الطريقة ! ما قيمة علم يهمل العقل ؟ فرويد يقدم علم نفس لا يهتم بالنفس و لا باحاسيسها ولا بقلقها ، فاي علم نفس هذا ؟ 

 
نماذج الاحلام : 

الاحلام ليس لها نماذج ، و كل حلم هو كيان مستقل بحد ذاته ، ولا يعيد الشعور نفسه . ولا تكرر الاحلام نفسها الا في حالات خاصة ونادرة ، وهو ما يمكن تسميته بالرؤيا الالهية ، اذا ثبت التكرر بنفس الوضع . و ما يسميه فرويد احلاما نموذجية ، هناك اشخاص لم تمر عليهم اطلاقا ، و ليس كل شخص حلم بالرسوب في الامتحان . و لا كل شخص حلم بموت عزيز ، هذا عدا ان طريقة الحلم بموت عزيز تختلف من شخص الى شخص ، وتختلف في تكررها مع الشخص نفسه . الاحلام صدى الشعور ، والشعور لا يتكرر بنفس الصيغة ابدا . اذا عنده خطأ منهجي وهو تصنيف الاحلام الى نماذج متكررة عند كل الناس .

ليس لنا شعور واحد تجاه اي شيء ، حتى لو كان ذلك الشيء يتكرر في حياتنا . فحبك لصديقك قبل اسبوع ليس هو نفسه حبك له اليوم ولا غد ، مع ان كلها يقال عنها محبة . حتى استماعك لنفس الاغنية ، في كل مرة تسمعها ، تسمعها بشعور مختلف . فالشعور لا يكرر نفسه والا لصارت الحياة عبثية . نحن في كل يوم و كل ساعة غيرنا في الساعات الماضية و غيرنا في الايام الماضية . لا يوجد في الحياة شيء ثابت ولا متكرر طبقا للاصل . اذا لا يوجد نماذج لمشاعرنا ولا لاحلامنا ولا توجد احلام نموذجية تتكرر عند كل البشر .

 تحليل الحلم بالامتحان :

عبقرية و تحليل لا يستطيع المرء الا ان يضحك امامها !! انها صدمة الفكاهة ! و امتحان للقدرة على الضحك لاطول وقت ! هذا بالضبط هو الشعور الذي انتابني عندما قرأت هذا التحليل العجيب وليس تهجما مني .. امتحان مادة الكيمياء في حقيقته امتحان في القدرات الجنسية و استمرارها !

هذه الاحلام تزور اطفالا في الابتدائية لم يعرفوا الممارسة الجنسية حتى يخافوا من فقدان استمرارها وتفوقها !

اتيان الطفل لافعال جنسية :

وهنا فكاهة اخرى ..

الشعور لا يبدد طاقاته ، فرسوبه في مادة معينة ، اخذ حقه من الانتباه و اللوم . بقي ان ينبهنا الشعور للامور التي نأمن منها . و هنا يكون للحلم فائدة . لأن من مأمنه يؤتى الحذِر ، و كم مرة تتضرر درجاتنا او نرسب في مواد كنا واثقين من تفوقنا فيها . فما فائدة الحلم في ان يجعلك ترسب في الطب الشرعي وانت قد رسبت فيه ؟ و صرت تخاف من تكرر الرسوب فيه في اليقظة ؟ و هذا يؤيد كلامي بأن الأحلام من اهم وظائفها التنبيه والتحذير ، اي منطلقة من خوف وليس من رغبة . ما الفائدة من أن يخوفك الحلم من مادة خفت الرسوب فيها ، لانك قد رسبت فعلا ؟

و ما دخل الجنس في هذه الامور ؟ و هل انتهت مشاكل الانسان بحيث لا يهتم شعوره الا بالفزع من ضعف جنسي قد ياتي في اخر العمر ؟ بينما هو يخوض معارك الحياة والامتحانات الدراسية الصعبة وهو في اوج تأجج طاقاته الجنسية التي تزعجه حتى عن الدراسة ؟ كأن شعور الانسان لا يعنيه شيء الا الجنس ! مع ان الجنس له غاية محددة و هي بقاء النسل من خلال نطفة واحدة تكفي لتقوم بالغرض من بين مئات الملايين من النطف التي ينتجها جسمه في القذفة الواحدة ، فما بالك باعدادها طول الحياة ؟ فلماذا يخاف الشعور وهو يمتلك كل هذه الامكانات الجنسية ؟

ثم ان فرويد فسر هذا الحلم بالخوف ، مع انه قرر منذ بداية الكتاب ان كل الاحلام تنطلق من رغبة !! فهل نسي ما وعد به نفسه ؟ ام انه مضطر هذه المرة ليكسر القاعدة التي بنى عليها كتابه و فسر من خلالها الاحلام السابقة بالرغبة ، بما في ذلك موت عزيز نبكي عليه في الاحلام بأنها رغبة بموته !!؟؟ فلماذا فسر هذا الحلم بالخوف هذه المرة على قدراتنا الجنسية ؟ و لهذا نفزع من الامتحانات المدرسية في الاحلام ؟

كل ما في الامر انه بنى على قاعدة ليست صحيحة ، فنسيها و عاد الى الاصل ، أي ان اصل الاحلام خوف . فأثبت بنفسه هذا الاصل من دون ان يدري .

كلما ذاق الشعور الامن والرضا عن الذات ، كلما كان هناك فسحة لظهور الاحلام السعيدة ، ولا يعني هذا انها ستدوم ، فلا بد ان تاتي احلام تحمل الخوف ، لكن ذلك الخوف غالبا يكون لاسباب خارجية . أما من يحلم باحلام الخوف الذاتي الداخلي و ضياع الهدف من الحياة ستكون الاحلام السعيدة بعيدة عنه . الاحلام السعيدة هي معيار الصحة الداخلية ، حتى الاحلام التي تحمل خوفا من الاخرين و ظلمهم واخطاؤهم لم تخرج عن احلام الصحة النفسية . كما انه لا توجد احلام سعيدة بكاملها ، وهذا طبيعي ومنطقي؛ لان مشاعر الخوف هي اقوى المشاعر واخطرها ، وبالتالي تتسرب حتى الى الاحلام السعيدة . الانسان و هو مستيقظ اقوى مشاعره واكثرها حضورا هو الخوف بصور متعددة و مختلفة الدرجة ، والامر كذلك نفسه و هو يحلم في المنام .

بعبارة اخرى : اذا كانت احلامك تؤيد منهجك في الحياة ، فهذا دليل على الرضا الشعوري ، حتى لو كان فيها بعض التخويفات فهي تخوفات منطقية . لكنها تشير الى السلام الداخلي . إن مقياس الصحة النفسية والنفس المطمئنة هو ان تنطبق مشاعرك وافكارك وأنت تحلم على افكارك واخلاقياتك و أنت مستيقظ , بحيث لو ان هذا الحلم وقع في الواقع لكان تفكيرك و شعورك هو نفسه. حتى لو كان في الحلم مشاعر خطر او خوف ، سيكون الوضع نفسه لو حدث هذا في اليقظة .
كل شخص يسير في طريق خاطئ تجد أحلامه ضده وليست تؤيده.
التجارب الشعورية والاخلاقية التي نمر فيها في الاحلام بصور قد لا تقع في واقعنا ، هو تدريب واعداد لنا حتى نفكر بتلك الطريقة لو وقع ما يشبهها ، و تطابق الاحلام مع واقع الشخص النفسي و الفكري ، دليل على صدقه مع نفسه و وضوح منهجه ، و له ان يطمئن ويعتبر نفسه صحيحا نفسيا . كل الاحلام التي تحمل الضياع و عدم وضوح الرؤية وعدم القدرة على الحل لا تدل على ان الشخص يحمل افكارا ترضي شعوره و يثق بها . اما الاحلام التي تظهر ردود افعالنا على انها سليمة حتى لو كان الجو مليء بالمخاطر ، فانها تدل على الثقة الشعورية بافكارنا ، ولكنها تحذرنا من مخاطر قد تقع من الاخرين او من الظروف ، او تعدنا لامتحانات اصعب يجب ان نتجهز لها قبل وقوعها .

احلام الضياع واحلام السقوط في الهاوية و التي تنتهي بدخول منطقة مظلمة ، تدل على عدم وضوح الرؤية في الداخل . وهذه المنبهات على عدم الانسجام بين المشاعر والافكار تظهر عادة في اول النوم كومضة سريعة . تختلف هذه المنبهات من شخص الى اخر لكنها تتفق في الروح الواحدة حيث تحمل رسالة مفادها ان طريقك في الحياة غير واضح المعالم ، بمعنى آخر : ابحث عن طريق افضل . حتى تكون انت هو انت . في اليقظة او في الاحلام ، و بنفس ردود الافعال الواضحة و المجدية . و هذه الحالة لا تكون ابدا الا لمن عرف الله واسلم حياته كلها له ، حينها تكون احلامه مدرسة له و مؤيدة لافكاره . بل تحثه على التمسك بها .

وحينها يستطيع الانسان ان يعرف حتى نواقصه من خلال الاحلام . فالحلم مثل الرائد ، والرائد لا يكذب اهله . احلامنا لا تغشنا بل هي خير ناصح لنا . انها على عكس ما تخيل فرويد تماما ، انها تستغل رقابة العقل الواعي الذي صنعته اختياراتنا مما يقدم مجتمع المصلحة ، فتخرج لكي تبصّرنا بما نحن محتاجون له فعلا ، لماذا شخص ناجح في حياته المادية والعملية و يحلم احلاما تدل على الضياع والرعب ؟ مع انه في الواقع يقال عنه انه ناجح و ذو بصيرة ؟ اذا الحلم لا يغش صاحبه و يخبره بالحقيقة بدون نفاق وليس كما يفعل المجتمع في نفاقه للنجاحين ماديا واجتماعيا .

على قدر ما يظهرك الحلم بانك سيد الموقف و تعلم الطريق الصحيح ، على قدر ما هو يشجعك على طريقة تفكيرك . و يعرف الشخص حينها انه غير منافق و انه لم يلزم نفسه بشيء لم يقتنع به . حينها لن تقول عن نفسك انك لم تفهم نفسك و انك تتبنى افكارا ليست لك ، لان شعورك من خلال الاحلام ايدها و لم يعارضها ، وهذا يعني الانسجام بين الاختيار والشعور . وهذا من علامات النفس المطمئنة . فاطمئنانها معها حتى وهي في المنام (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية) .

الشخص المؤمن والمتبني للفضيلة يجد نفسه في الاحلام يمر بفتن واخطار ويخرج منها ناجيا هذا هو الحلم السعيد . لأن الدنيا ليست جنة ، و جنتها هي الافكار السليمة والصحيحة . احلامنا تتأثر بتغير افكارنا وتتغير معها ، و ليست وليدة ذكريات منسية كما يتخيل فرويد ، فالشخص الذي عرف منهجا سليما و مقنعا لحياته ، تصبح احلامه افضل فيما بعد ، اذا الاحلام من بنات الشعور و ليست من بنات الذكريات المنسية ، لانها تتغير مع تغير افكار الشخص و تغير مناهجه في الحياة . فالشخص الذي كان ماجنا ثم اصبح عفيفا ، ستكون العفة معه في الاحلام مع انها لم تكن معه من قبل ، ولا يستطيع ان يمارس الجنس المحرم في احلامه . اذا اين هي الرغبات ؟ بل اين هي الرقابة ؟ 

في هذه الحالة تكون مشكلة الشخص المستقيم في حياته هي مع الخارج و ليست مع داخله . فالاستبصار في اليقظة في الامور المعنوية و الاخلاق يعني استبصارا في الاحلام ايضا . ولو قال فرويد : هذا تدخل من العقل الواعي ، فسنقول له : اذا لماذا الشعور بالنفور والكراهة ؟ والناس لا يعطوننا شعورا بل افكارا .  ولو كانت الرقابة تتدخل كما يقول فرويد ، لدخلت الرقابة و ناقضت الشعور القائم فجأة ، كأن يكون الشخص يحلم انه يقتل احدا ظلما و فجأة يصحو ضميره ، و كل هذا اثناء الحلم ، فمثل هذا لا يكون ، ما يثبت خطا فكرة تدخل العقل الواعي التي يعتمد عليها فرويد ، لان التدخل سيعني تناقضا في الحلم بين المشاعر والافكار مع نفسها ، وهذا لا يكون . اذا فكرة تدخل العقل الواعي افتراضية وليست واقعية ولا تشهد عليها الاحلام . اما ان يكون رفض هذا الشيء في البداية ، فكيف تكون الرقابة التي تدخلت ؟ الا ان كانت هي التي انتجت الحلم كله ؟ و مثال آخر : لا يمكن ان يحلم احد بأنه يسرق وهو يعرف انه يسرق ، ثم فجأة يندم على فعلته في حلم واحد ، و الا لكان تدخل الرقابة حقيقي . لان الشخص لا يستطيع ان يحوي نيتين في وقت واحد .

الاخطاء التي نخاف من وقوعها في الاحلام هي من سوء فهم الاخرين لقصدنا ، لا يمكن ان تكون لك شخصيتين او نيتين في الحلم ، فأول الحلم ترى انك مجرم ، و في اخر الحلم تكون ملاكا ! هذا لا يقع . ما يجري في الاحلام يجري تماما في الواقع ، لا يمكن ان تكون الدكتور جيكل والمستر هايد في الوقت نفسه ، فأحدهما خير و الثاني شرير في شخص رجل واحد . لو سلمنا بما يقول فرويد بتدخل الرقابة ، لكان علينا ان نصدق بان كل البشر عبارة عن دكتور جيكل و مستر هايد : شخصيتان متناقضتان في شخص واحد ، ومثل هذا لا يكون . 

افكارك التي تتبناها وانت مستيقظ هي نفس افكارك وانت تحلم ، رغم اختلاف المكان والزمان . الشخص الذي يختار افكارا غير طبيعية كاسلوب في حياته و قائمة على الانانية والمصلحة (شر فقط) ، لا تصاحبه في احلامه . بل ستكون احلامه من النوع المزعج ، مما يدل على ان الاحلام تاتي من الشعور الرافض للافكار السيئة و ليس من الاختيار ، والشعور حقيقة مستقل عنا ، و لا يقبل الا ما هو حقيقي من افكارك و يتعامل معها . ومن اختار الحقيقة طريقا لحياته ، سيجد ان افكاره تلك مؤيـَّدَة من طرف احلامه.
من الملاحظ أن أحلامنا دائما تركز على نقاط الضعف عندنا لكي نحصنها أكثر. بعبارة اخرى: الأحلام معنية بالفضيلة وتركز على نقاط ضعفنا فيها أو بعدنا عنها, وهي تركز على المخاوف ، حتى الشخص الذي يشعر بالبرد لا يحلم بمكان دافئ ، بل يحلم أنه في العراء أو على ثلج , ثم يحدث في الحلم تخويف أو خطر بعدها يستيقظ الشخص, و لو كانت الأحلام مبنية على الرغبة لحلم بالدفء, فالحلم لا يضيع الوقت , إنه يؤدي هدفين في وقت واحد : يريد أن يوقظك من البرد وبنفس الوقت يريد أن ينبهك لخطر محتمل ليس له علاقة بالبرد . حتى النائم الجائع إذا حلم بالأكل ، لا نستطيع أن نقول أن الدافع هو الرغبة , يصلح أن نقول هو الخوف والاستحثاث الذي دفعه لكي يحلم بالطعام خوفا من عواقب الجوع حتى يستيقظ , و كثيرا ما يحلم الإنسان بالطعام وهو ليس جائع , فيكون مجيئه ليس لذات الطعام بل لهدف آخر.

الحلم خير دليل على واقعنا النفسي, وعلينا ان نحترم هذه الدلالة. الأحلام ليست لعبا, فالحلم هو أفضل مخرج افلام في العالم.

انتهت الحلقة السابعة 

و تتبعها الحلقة الثامنة باذن الله .. 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق