الحلقة السابعة :
الحلم خير دليل على واقعنا النفسي, وعلينا ان نحترم هذه الدلالة. الأحلام ليست لعبا, فالحلم هو أفضل مخرج افلام في العالم.
انتهت الحلقة السابعة
و تتبعها الحلقة الثامنة باذن الله ..
قبل ان نخوض في هذا : لماذا لم تظهر الامراض في حينها ؟ انه يتكلم عن مرحلة بعيدة ، و هي ما بعد البلوغ ، اليست لتلك المرحلة ظروفها الصعبة و التي سمي المراهق لاجلها مراهقا ، من الرهق والصعوبة ؟ هل الامراض تختفي ثم تظهر ؟ حتى الفيروسات لا تفعل هذا .. الامراض اذا وُجـِدت ظهرت ، و اذا لم توجد لا تظهر .. اذا كل هذه الفكرة خاطئة اكلينيكيا . العاقل لا يصدق مثل هذا الكلام ، ان هذا يشبه ان يضربك احد ، ثم لا تتألم و لا تحس بالالم من تلك الضربة ولا تصرخ الا بعد خمس سنوات ! اما في حينها فلم تكن تشعر بشيء !
الالم موجود اصلا لكي ينبه على الخطر والضرر في حينه ، و ليس لكي يظهر بعد عشرات السنين . ما الفائدة من ظهور ذلك الألم متأخرا ؟ فرويد بنى كل تحليلاته النفسية لمرضاه على هذا الاساس الخاطئ والغير منطقي ولا العلمي ولا الواقعي . كل ضرر يتعرض له الشخص جسديا او نفسيا يكون اشد ايلامه في وقته . ثم يبدا الالم بالتلاشي تدريجيا .
فرويد يزعم ان مواقف طفولية بريئة و ساذجة ومنسية ، ظهرت بعد عشرات السنين لتكوّن مرضا عصبيا خطيرا ، و هذا كلام غير منطقي اطلاقا . انه يهمش كل مشاكل الحياة عندما يكبر الاطفال ، و يقطع دورها وتاثيرها الذي لا يخفى على احد . ثم يذهب لينبـّش عن اثار منسية في بواكير الطفولة و من خلال الاحلام – فما اضعف هذه الخيوط وابعدها عن العلمية : ذكريات طفولة منسية و يعرفها من خلال الاحلام ! يا للعلمية ويا لقوة المنهج العلمي !! - ليجعلها مسؤولة عن كل ما يحدث للشخص من مشاكل عصبية ونفسية ! كيف تثق بتشخيص طبي يعتمد على هذه الخيوط المتهالكة ؟
الجميع يلاحظ سرعة نسيان الطفل ، فتجده يبكي مثلا وينقلب الى الضحك عند ادنى مثير ، وبقايا دموع البكاء على خده وهو يضحك ، فكيف نصدق كلام فرويد و نحن نرى سرعة نسيان الطفل ؟ ما بالك ان يحتضن هذه الهنات الصغيرة لتظهر بعد عشرات السنين على شكل امراض عصبية وعقلية لا فكاك منها الا بالتفسخ الاخلاقي وتعويض ما فات جنسيا في الطفولة المبكرة ؟ هذا كلام يصلح لغير العقلاء .
ان هذا المنهج الخاطئ في التحليل يشبه شجرة كبرت و اثمرت ثم مرضت ، فياتي فرويد لينبش في جذعها عن اثار ضربات فاس قديمة ! ليجعلها هي المسؤولة عن ما اصاب الشجرة رغم انها عاشت سنينا و هي متعافية !
ان حجة فرويد واحالته على الماضي المنسي ، تشبه احالة الملاحدة المؤمنين بالصدفة المستمرة على ملايين السنين كمخرج آمن لتبرير عدم معقولية الفكرة . و كيف تؤثر فينا و تغير حياتنا النفسية والعصبية أحداثٌ لا نذكرها لضآلتها و نسيناها لتفاهتها ؟ بل لم تحدث اصلا ، و لكنه يحاول ان يحمّلنا اياها من خلال تفسيره للأحلام بعد ان فشل في التنويم المغناطيسي كما يعترف هو ، لكي يجعل المريض يتحدث عن ذكرياته المنسية من تلقاء نفسه .. و قفزه للاحلام ليس الا تعويضا عن فشله في التنويم المغناطيسي .
أيعقل ان تؤثر فينا احداث تافهة ومنسية في حين نذكر الاحداث الجسيمة حتى و نحن اطفال ؟ وهكذا غير العلمي يسير في المنطقة المظلمة دائما وفي ظل الحقيقة و ليس مع الحقيقة . بل و يختلقها اذا لم يجدها لكي يحيل على مجهول ، و مع هذا يتبجح بالعلمية وهو يسير في الظلام الذي لا يدركه حتى صاحب الشأن والقضية .
الامراض النفسية والعصبية تحتاج الى مشاكل بحجمها حتى تكون سببا معقولا لها ، و ليست مشاكل اطفال طواها النسيان . هذا الاحتجاج الغير منطقي يشبه ان تقول لشخص : ان كل مشاكلك النفسية والاجتماعية والعصبية كانت بسبب وقوعك من الدراجة عندما كنت طفلا ! فهل تستطيع ان تنفي كلامي ؟! هذا النوع من التفكير يسمى : الصيد في الماء العكر . لأن تلك الحالات المرضية غير معروفة السبب مباشرة ، فوجدها فرويد فرصة ليربطها بما يريد ، و يجعلها دليلا على تأصل الخبث في النفس البشرية . مما يعني ان فرويد لم يرد الشفاء لمرضاه والعافية بقدر ما ارادها لنظريته المريضة التي تهدف الى افساد المجتمع وابعاده عن الفضيلة والعفاف نتيجة حقد ماسوني نوراني على شعوب الجوييم . و لو انه بحث مع مرضاه في مشاكلهم الحاضرة فكريا و نفسيا واجتماعيا و اخلاقيا ، لكان اقرب لكي ينفعهم ويساعدهم كما يدعي .
شروط السفور :
متى ظهرت الرغبة السافرة في الاحلام بموت احد الوالدين ؟ و من هو الذي يحلم بهذا الشكل ؟ فرويد يتكلم عن رؤية عزيز علينا يموت ، ثم يسميها رغبة ! بدون ان يقول الحلم ذلك ! هي رغبة على مزاج فرويد ! مع انهم يقولون له أنهم يبكون و هم يرون الاعزة عليهم يموتون ، فيقول : بكاؤكم هذا هو من الفرح بموتهم ! و في اسوأ الأحوال يقولون انهم لم يكترثوا بموتهم ، و عدم الاكتراث لا يساوي الرغبة . فكيف يسد الفراغات بكلام من عنده ؟
لا اظن احدا من القراء ظهرت له تلك الرغبة السافرة بأن يموت شخص عزيز عليه ويفرح لذلك . و لا حتى المجنون ربما . و هذه الشروط متحققة مع الجميع ، و صولون لم يكن مجنونا عندما لم يضع عقوبة لقاتل ابيه ، فصولون يتفق معنا و ليس مع فرويد . بعد فرويد وتحليلاته يجب ان يوضع قانون لمن يقتل اباه ! و ليس الرومان فقط ، بل كل البشر يعرفون ذلك الا فرويد ومن يصفق له من المنتفعين بشذوذ افكاره المغرضة . ولو لم تتضح الغائية في افكار فرويد ، لجاز وصفه بالجنون ، و لكنه ليس مجنونا ما دامت غايته واضحة ، سيكون شيئا اخر .
الشرط الثاني :
شخص لا يخطر بباله ان يتمنى موت ذلك العزيز ، بل و يقلق حذاري ان يموت ذلك العزيز ! ثم تقول عنه انه يريد موته ؟!! اذا ما قيمة المشاعر ؟ وما قيمة معرفتنا وتأكدنا منها ؟ هذا يعني ان فرويد يفهمنا اكثر مما نفهم انفسنا . و بموجب هذا الاختراق السافر للنفس البشرية و مشاعرها و لعقول الناس ، يجوز لفرويد ان يقول لشخص يحب الموسيقى : انت لا تحب الموسيقي ! ولكنك تحب تكسير الحجارة او الشاي بالحليب ! يقول ذلك الشخص : انا اشعر بهذا الحب واتعامل مع الموسيقى كل يوم ! يقول له : انها حيلة من العقل الباطن للالتفاف على العقل الظاهر و مراقبته ليس الا !
وهكذا يستطيع ان يمر على كل شيء نقول راينا فيه و بنفس الطريقة ! ما قيمة علم يهمل العقل ؟ فرويد يقدم علم نفس لا يهتم بالنفس و لا باحاسيسها ولا بقلقها ، فاي علم نفس هذا ؟
نماذج الاحلام :
الاحلام ليس لها نماذج ، و كل حلم هو كيان مستقل بحد ذاته ، ولا يعيد الشعور نفسه . ولا تكرر الاحلام نفسها الا في حالات خاصة ونادرة ، وهو ما يمكن تسميته بالرؤيا الالهية ، اذا ثبت التكرر بنفس الوضع . و ما يسميه فرويد احلاما نموذجية ، هناك اشخاص لم تمر عليهم اطلاقا ، و ليس كل شخص حلم بالرسوب في الامتحان . و لا كل شخص حلم بموت عزيز ، هذا عدا ان طريقة الحلم بموت عزيز تختلف من شخص الى شخص ، وتختلف في تكررها مع الشخص نفسه . الاحلام صدى الشعور ، والشعور لا يتكرر بنفس الصيغة ابدا . اذا عنده خطأ منهجي وهو تصنيف الاحلام الى نماذج متكررة عند كل الناس .
ليس لنا شعور واحد تجاه اي شيء ، حتى لو كان ذلك الشيء يتكرر في حياتنا . فحبك لصديقك قبل اسبوع ليس هو نفسه حبك له اليوم ولا غد ، مع ان كلها يقال عنها محبة . حتى استماعك لنفس الاغنية ، في كل مرة تسمعها ، تسمعها بشعور مختلف . فالشعور لا يكرر نفسه والا لصارت الحياة عبثية . نحن في كل يوم و كل ساعة غيرنا في الساعات الماضية و غيرنا في الايام الماضية . لا يوجد في الحياة شيء ثابت ولا متكرر طبقا للاصل . اذا لا يوجد نماذج لمشاعرنا ولا لاحلامنا ولا توجد احلام نموذجية تتكرر عند كل البشر .
تحليل الحلم بالامتحان :
عبقرية و تحليل لا يستطيع المرء الا ان يضحك امامها !! انها صدمة الفكاهة ! و امتحان للقدرة على الضحك لاطول وقت ! هذا بالضبط هو الشعور الذي انتابني عندما قرأت هذا التحليل العجيب وليس تهجما مني .. امتحان مادة الكيمياء في حقيقته امتحان في القدرات الجنسية و استمرارها !
هذه الاحلام تزور اطفالا في الابتدائية لم يعرفوا الممارسة الجنسية حتى يخافوا من فقدان استمرارها وتفوقها !
اتيان الطفل لافعال جنسية :
وهنا فكاهة اخرى ..
الشعور لا يبدد طاقاته ، فرسوبه في مادة معينة ، اخذ حقه من الانتباه و اللوم . بقي ان ينبهنا الشعور للامور التي نأمن منها . و هنا يكون للحلم فائدة . لأن من مأمنه يؤتى الحذِر ، و كم مرة تتضرر درجاتنا او نرسب في مواد كنا واثقين من تفوقنا فيها . فما فائدة الحلم في ان يجعلك ترسب في الطب الشرعي وانت قد رسبت فيه ؟ و صرت تخاف من تكرر الرسوب فيه في اليقظة ؟ و هذا يؤيد كلامي بأن الأحلام من اهم وظائفها التنبيه والتحذير ، اي منطلقة من خوف وليس من رغبة . ما الفائدة من أن يخوفك الحلم من مادة خفت الرسوب فيها ، لانك قد رسبت فعلا ؟
و ما دخل الجنس في هذه الامور ؟ و هل انتهت مشاكل الانسان بحيث لا يهتم شعوره الا بالفزع من ضعف جنسي قد ياتي في اخر العمر ؟ بينما هو يخوض معارك الحياة والامتحانات الدراسية الصعبة وهو في اوج تأجج طاقاته الجنسية التي تزعجه حتى عن الدراسة ؟ كأن شعور الانسان لا يعنيه شيء الا الجنس ! مع ان الجنس له غاية محددة و هي بقاء النسل من خلال نطفة واحدة تكفي لتقوم بالغرض من بين مئات الملايين من النطف التي ينتجها جسمه في القذفة الواحدة ، فما بالك باعدادها طول الحياة ؟ فلماذا يخاف الشعور وهو يمتلك كل هذه الامكانات الجنسية ؟
ثم ان فرويد فسر هذا الحلم بالخوف ، مع انه قرر منذ بداية الكتاب ان كل الاحلام تنطلق من رغبة !! فهل نسي ما وعد به نفسه ؟ ام انه مضطر هذه المرة ليكسر القاعدة التي بنى عليها كتابه و فسر من خلالها الاحلام السابقة بالرغبة ، بما في ذلك موت عزيز نبكي عليه في الاحلام بأنها رغبة بموته !!؟؟ فلماذا فسر هذا الحلم بالخوف هذه المرة على قدراتنا الجنسية ؟ و لهذا نفزع من الامتحانات المدرسية في الاحلام ؟
كل ما في الامر انه بنى على قاعدة ليست صحيحة ، فنسيها و عاد الى الاصل ، أي ان اصل الاحلام خوف . فأثبت بنفسه هذا الاصل من دون ان يدري .
كلما ذاق الشعور الامن والرضا عن الذات ، كلما كان هناك فسحة لظهور الاحلام السعيدة ، ولا يعني هذا انها ستدوم ، فلا بد ان تاتي احلام تحمل الخوف ، لكن ذلك الخوف غالبا يكون لاسباب خارجية . أما من يحلم باحلام الخوف الذاتي الداخلي و ضياع الهدف من الحياة ستكون الاحلام السعيدة بعيدة عنه . الاحلام السعيدة هي معيار الصحة الداخلية ، حتى الاحلام التي تحمل خوفا من الاخرين و ظلمهم واخطاؤهم لم تخرج عن احلام الصحة النفسية . كما انه لا توجد احلام سعيدة بكاملها ، وهذا طبيعي ومنطقي؛ لان مشاعر الخوف هي اقوى المشاعر واخطرها ، وبالتالي تتسرب حتى الى الاحلام السعيدة . الانسان و هو مستيقظ اقوى مشاعره واكثرها حضورا هو الخوف بصور متعددة و مختلفة الدرجة ، والامر كذلك نفسه و هو يحلم في المنام .
بعبارة اخرى : اذا كانت احلامك تؤيد منهجك في الحياة ، فهذا دليل على الرضا الشعوري ، حتى لو كان فيها بعض التخويفات فهي تخوفات منطقية . لكنها تشير الى السلام الداخلي . إن مقياس الصحة النفسية والنفس المطمئنة هو ان تنطبق مشاعرك وافكارك وأنت تحلم على افكارك واخلاقياتك و أنت مستيقظ , بحيث لو ان هذا الحلم وقع في الواقع لكان تفكيرك و شعورك هو نفسه. حتى لو كان في الحلم مشاعر خطر او خوف ، سيكون الوضع نفسه لو حدث هذا في اليقظة .
كل شخص يسير في طريق خاطئ تجد أحلامه ضده وليست تؤيده.
التجارب الشعورية والاخلاقية التي نمر فيها في الاحلام بصور قد لا تقع في واقعنا ، هو تدريب واعداد لنا حتى نفكر بتلك الطريقة لو وقع ما يشبهها ، و تطابق الاحلام مع واقع الشخص النفسي و الفكري ، دليل على صدقه مع نفسه و وضوح منهجه ، و له ان يطمئن ويعتبر نفسه صحيحا نفسيا . كل الاحلام التي تحمل الضياع و عدم وضوح الرؤية وعدم القدرة على الحل لا تدل على ان الشخص يحمل افكارا ترضي شعوره و يثق بها . اما الاحلام التي تظهر ردود افعالنا على انها سليمة حتى لو كان الجو مليء بالمخاطر ، فانها تدل على الثقة الشعورية بافكارنا ، ولكنها تحذرنا من مخاطر قد تقع من الاخرين او من الظروف ، او تعدنا لامتحانات اصعب يجب ان نتجهز لها قبل وقوعها .
احلام الضياع واحلام السقوط في الهاوية و التي تنتهي بدخول منطقة مظلمة ، تدل على عدم وضوح الرؤية في الداخل . وهذه المنبهات على عدم الانسجام بين المشاعر والافكار تظهر عادة في اول النوم كومضة سريعة . تختلف هذه المنبهات من شخص الى اخر لكنها تتفق في الروح الواحدة حيث تحمل رسالة مفادها ان طريقك في الحياة غير واضح المعالم ، بمعنى آخر : ابحث عن طريق افضل . حتى تكون انت هو انت . في اليقظة او في الاحلام ، و بنفس ردود الافعال الواضحة و المجدية . و هذه الحالة لا تكون ابدا الا لمن عرف الله واسلم حياته كلها له ، حينها تكون احلامه مدرسة له و مؤيدة لافكاره . بل تحثه على التمسك بها .
وحينها يستطيع الانسان ان يعرف حتى نواقصه من خلال الاحلام . فالحلم مثل الرائد ، والرائد لا يكذب اهله . احلامنا لا تغشنا بل هي خير ناصح لنا . انها على عكس ما تخيل فرويد تماما ، انها تستغل رقابة العقل الواعي الذي صنعته اختياراتنا مما يقدم مجتمع المصلحة ، فتخرج لكي تبصّرنا بما نحن محتاجون له فعلا ، لماذا شخص ناجح في حياته المادية والعملية و يحلم احلاما تدل على الضياع والرعب ؟ مع انه في الواقع يقال عنه انه ناجح و ذو بصيرة ؟ اذا الحلم لا يغش صاحبه و يخبره بالحقيقة بدون نفاق وليس كما يفعل المجتمع في نفاقه للنجاحين ماديا واجتماعيا .
على قدر ما يظهرك الحلم بانك سيد الموقف و تعلم الطريق الصحيح ، على قدر ما هو يشجعك على طريقة تفكيرك . و يعرف الشخص حينها انه غير منافق و انه لم يلزم نفسه بشيء لم يقتنع به . حينها لن تقول عن نفسك انك لم تفهم نفسك و انك تتبنى افكارا ليست لك ، لان شعورك من خلال الاحلام ايدها و لم يعارضها ، وهذا يعني الانسجام بين الاختيار والشعور . وهذا من علامات النفس المطمئنة . فاطمئنانها معها حتى وهي في المنام (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية) .
الشخص المؤمن والمتبني للفضيلة يجد نفسه في الاحلام يمر بفتن واخطار ويخرج منها ناجيا هذا هو الحلم السعيد . لأن الدنيا ليست جنة ، و جنتها هي الافكار السليمة والصحيحة . احلامنا تتأثر بتغير افكارنا وتتغير معها ، و ليست وليدة ذكريات منسية كما يتخيل فرويد ، فالشخص الذي عرف منهجا سليما و مقنعا لحياته ، تصبح احلامه افضل فيما بعد ، اذا الاحلام من بنات الشعور و ليست من بنات الذكريات المنسية ، لانها تتغير مع تغير افكار الشخص و تغير مناهجه في الحياة . فالشخص الذي كان ماجنا ثم اصبح عفيفا ، ستكون العفة معه في الاحلام مع انها لم تكن معه من قبل ، ولا يستطيع ان يمارس الجنس المحرم في احلامه . اذا اين هي الرغبات ؟ بل اين هي الرقابة ؟
في هذه الحالة تكون مشكلة الشخص المستقيم في حياته هي مع الخارج و ليست مع داخله . فالاستبصار في اليقظة في الامور المعنوية و الاخلاق يعني استبصارا في الاحلام ايضا . ولو قال فرويد : هذا تدخل من العقل الواعي ، فسنقول له : اذا لماذا الشعور بالنفور والكراهة ؟ والناس لا يعطوننا شعورا بل افكارا . ولو كانت الرقابة تتدخل كما يقول فرويد ، لدخلت الرقابة و ناقضت الشعور القائم فجأة ، كأن يكون الشخص يحلم انه يقتل احدا ظلما و فجأة يصحو ضميره ، و كل هذا اثناء الحلم ، فمثل هذا لا يكون ، ما يثبت خطا فكرة تدخل العقل الواعي التي يعتمد عليها فرويد ، لان التدخل سيعني تناقضا في الحلم بين المشاعر والافكار مع نفسها ، وهذا لا يكون . اذا فكرة تدخل العقل الواعي افتراضية وليست واقعية ولا تشهد عليها الاحلام . اما ان يكون رفض هذا الشيء في البداية ، فكيف تكون الرقابة التي تدخلت ؟ الا ان كانت هي التي انتجت الحلم كله ؟ و مثال آخر : لا يمكن ان يحلم احد بأنه يسرق وهو يعرف انه يسرق ، ثم فجأة يندم على فعلته في حلم واحد ، و الا لكان تدخل الرقابة حقيقي . لان الشخص لا يستطيع ان يحوي نيتين في وقت واحد .
الاخطاء التي نخاف من وقوعها في الاحلام هي من سوء فهم الاخرين لقصدنا ، لا يمكن ان تكون لك شخصيتين او نيتين في الحلم ، فأول الحلم ترى انك مجرم ، و في اخر الحلم تكون ملاكا ! هذا لا يقع . ما يجري في الاحلام يجري تماما في الواقع ، لا يمكن ان تكون الدكتور جيكل والمستر هايد في الوقت نفسه ، فأحدهما خير و الثاني شرير في شخص رجل واحد . لو سلمنا بما يقول فرويد بتدخل الرقابة ، لكان علينا ان نصدق بان كل البشر عبارة عن دكتور جيكل و مستر هايد : شخصيتان متناقضتان في شخص واحد ، ومثل هذا لا يكون .
افكارك التي تتبناها وانت مستيقظ هي نفس افكارك وانت تحلم ، رغم اختلاف المكان والزمان . الشخص الذي يختار افكارا غير طبيعية كاسلوب في حياته و قائمة على الانانية والمصلحة (شر فقط) ، لا تصاحبه في احلامه . بل ستكون احلامه من النوع المزعج ، مما يدل على ان الاحلام تاتي من الشعور الرافض للافكار السيئة و ليس من الاختيار ، والشعور حقيقة مستقل عنا ، و لا يقبل الا ما هو حقيقي من افكارك و يتعامل معها . ومن اختار الحقيقة طريقا لحياته ، سيجد ان افكاره تلك مؤيـَّدَة من طرف احلامه.
من الملاحظ أن أحلامنا دائما تركز على نقاط الضعف عندنا لكي نحصنها أكثر. بعبارة اخرى: الأحلام معنية بالفضيلة وتركز على نقاط ضعفنا فيها أو بعدنا عنها, وهي تركز على المخاوف ، حتى الشخص الذي يشعر بالبرد لا يحلم بمكان دافئ ، بل يحلم أنه في العراء أو على ثلج , ثم يحدث في الحلم تخويف أو خطر بعدها يستيقظ الشخص, و لو كانت الأحلام مبنية على الرغبة لحلم بالدفء, فالحلم لا يضيع الوقت , إنه يؤدي هدفين في وقت واحد : يريد أن يوقظك من البرد وبنفس الوقت يريد أن ينبهك لخطر محتمل ليس له علاقة بالبرد . حتى النائم الجائع إذا حلم بالأكل ، لا نستطيع أن نقول أن الدافع هو الرغبة , يصلح أن نقول هو الخوف والاستحثاث الذي دفعه لكي يحلم بالطعام خوفا من عواقب الجوع حتى يستيقظ , و كثيرا ما يحلم الإنسان بالطعام وهو ليس جائع , فيكون مجيئه ليس لذات الطعام بل لهدف آخر.
انتهت الحلقة السابعة
و تتبعها الحلقة الثامنة باذن الله ..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق