الحلقة التاسعة :
الشارع يشير الى العشيقة السابقة !! انظروا الى دقة الربط و وضوح العلاقة !! ما اسهل تفسير الاحلام بهذا الشكل ! فرويد لا تقف الشوارع ولا البنايات عثرة في طريق وصوله الى ما يريد . ما الذي يمنع الحلم ان ياتي بتلك العشيقة ؟ مع انك عندما كلمته عنها ، تكلم عن علاقته بها بدون تحفظ ، فهل عقله الظاهر يمنعه من ذكرها و هو نائم ولا يمنعه وهو مستيقظ و يشرح لك قصة حبه ؟ و لماذا الحلم عبر عنها بشارع فقط لانها مرت فيه او تسكن فيه ؟ هناك اشياء كثيرة تتعلق بها وليس فقط شارعها .. لماذا لم ياتي بها الحلم مباشرة مثلما اخبرك بها مباشرة ؟ ليته عبر عنها بمزهرية على الاقل ، او على الاقل رمزاً لها بشيء يشبه المرأة أو يتعلق بتلك المرأة كحقيبتها مثلا ! الشوارع لا تشبه النساء باي حال من الاحوال !
اذا على هذا الاساس ، البنايات هم الرجال او السيارات ، ما دامت النساء هي الشوارع ! و ماذا عساها ان تكون الانفاق والجسور ؟ اي تفسير علمي هذا ؟
و لماذا ملك ايطاليا بالذات ؟ هذا الحلم قلب للواقع و بطريقة واقعية ! هل من القراء احد حلم بهذه الطريقة ولو لمرة واحدة ؟ هذا فيلم و ليس حلم ، و اتحدى ان يكون احدا حصل له مثل هذا الحلم الذي يقلب الواقع بتفاصيله . مما يدل على فذلكة فرويد لهذه الاحلام التي يسوقها . و السبب ان هذا الحلم مرتبط بالواقع ، فيسير عليه و يقلبه . و عالم الاحلام اصلا عالم مفتعل وغير عالم الواقع ولا يتقيد به ولا يتقيد بمنطقه المادي الواقعي . والا لاختلط مع الذكريات ، و هذا الشخص كيف عرف ان ما رآه حلماً ، مع ان الشارع هو الشارع والاحداث كلها عادية ويحصل مثلها في الواقع ولكنها بالمقلوب؟
الم يتكلم فرويد عن سفينة تقع في سطح دار ، و عن شخص بلا راس ومع ذلك يمشي !؟ فلماذا في هذا الحلم نجده مرتبطا بالواقع ؟ انا اجزم ان هذا ليس حلما حقيقيا او ان المعلومات التي يسوقها باسم التحليل ليست حقيقية ولا اتوقع ان يكون احد قد حلم بهذه الطريقة . طبعا احلام اليقظة تصنع مثل هذا ، لكن احلام المنام لا تصنع مثل هذا ابدا . والا فلن تكون احلاما ، لان الاحلام لا تكون منطقية بالكامل ، وهو جعلها مرتبطة بالواقع و ان كانت تقلبه . هذا يعني ان الحالم يعي الواقع ويمشي على تفاصيله و يقلبها ، و هذا غير واقع في عالم الاحلام ، والا فما الفرق بين العالمين ؟ مع ملاحظة ان الحلم لا يعي الواقع ، والا لتعامل معه كما هو دون ان يقلبه او يعيد تركيبه ..
من نعمة الله ان منطق الوعي في اليقظة مختلف عن منطق الوعي في الحلم، والا لاختلطت الذاكرة و فسدت ، وهذا ما لم ينتبه اليه فرويد ، مما ادى الى اكتشاف تلاعبه في احلامه التي يسوقها ، وعندما يقول انه احد مرضاي او يسوق اسما ، فهو يعرف ان لن يحقق وراءه احد . المهم عنده ان تنتشر فكرته المحورية ، وهي الاصل الفاسد للانسان .
حلم المسنة :
ها هو يفضح نفسه : اخبرها بالنتيجة قبل ان يسمع الحلم كما يقول هو !
انتهت العقدة وبدأ الحل كالعادة عندما وجد مخرجا ليأول به الجنس ! و هو لا يفرق بين الغرام والجنس على كل حال .. انه ينبش وراء مرضاه عن اية علاقة غرامية ، لكي يبني عليها كل تفسيراته ، و لا يخلو احد ان يكون مر بشيء من هذا طيلة حياته ،. انها الانتقائية المفرطة . اي شخص تستطيع ان تنبش وراءه و انت تركز على شيء واحد ، سوف يقول لك : هذا صحيح . ومن هنا صدقه الكثيرون مع الاسف .
افضل مفسر للحلم هو صاحبه وليس شخص اخر ينبش وراء شيء معين يريد ان يصل اليه .
العلاقة بين الخنفساء والعشق :
ما اوضح هذه العلاقة بين الخنفساء والعشق ! لأول مرة توجد علاقة بين هذين الشيئين ، وهذا ابتكار يحسب لفرويد .
و ما شأن المسرحيات بالاحلام ؟ وهل كل الحالمين شاهدوا نفس المسرحيات التي شاهدها ؟ مجرد نص في رواية او مسرحية يكفي لتفسير الاحلام !!
والمرأة غاضبة على زوجها و تقول له اشنق نفسك ، و فرويد يفسر ذلك بانها راغبة جنسيا في هذا الزوج حتى لو كان مشنوقا ، لاجل نتيجة هذا الشنق ! لا يستطيع العقل ان يمشي اكثر من هذا مع هذه التاويلات الشاطحة والغير جميلة في خيالها .
فرويد الان خرج عن تفسير الاحلام و بدأ يفسر الواقع ، اي يفسر كلام الناس وهم مستيقظون تفسيرات جنسية ، و عسى ان يقول اي احد كلمة ، الا ويبحث عنها في القاموس و اصلها اللغوي ، و ان لم يجد بحث في مسرحية او رواية ، حتى يصل الى التفسير الذي يريده !! كم من شخص قالت له هذه المرأة اشنق نفسك ؟ و ماذا نفعل بالنساء التي قالت لهن نفس العبارة ؟ انها عبارة ملازمة في لسانها وقت الغضب . ثم لماذا تعترف ؟ لماذا لم تقل له انها قصدت هذا الشيء ، و لهذا قالت له اشنق نفسك لانها قرأت معناها قبل مدة ؟ اما ان تتصفح كل ما قرا الناس و كل ما فعلوا في حياتهم ، ستجد الكثير مما يناسب تأويلاتك .
كل هذه التأويلات من مجرد خنفساء سحقتها النافذة ؟ و خرجنا الى زوجها وعلاقاتها الجنسية من مجرد خنفساء ؟ اذا لو كان الحلم عن سرب من الطيور أو ديناصورات ، فماذا ستكون التفسيرات ؟ المراة في حالة صراع بين مشاعر الرحمة و التقزز ، هي رأت وهي مستيقظة خنفساء وقعت في اناء الماء ولم تستطع ان تنقذها ، اي ماتت رغما عنها ، فجاء الحلم لكي يحذرها انها قد تقع في القسوة من غير قصد ، فهي ارادت ان تطلق ذلك الزوج من الخنافس ، و فعلا انقذتها ، و لكن لما ارادت ان تغلق النافذة حتى لا تعودان ، قتلت احداهما خطأ ، فآلمها هذا الوضع . خصوصا و هي تشير الى مشاعر الرحمة بالحيوانات والحشرات ، ولم يكن يعجبها تقطيع اجنحة الحشرات و تعذيبها من قبل ابنتها ، ما دخل الشؤون الجنسية والمشاعر الانسانية في حلم ليس فيه الا حشرتان ؟
و الحلم اصلا لكي يفهمه صاحبه ، اذا كل شخص يجب ان يمشي معه احد الفرويديين ليترجم له احلامه و رسائلها !! لانه لا احد يستطيع ان يصل الى هذا التفسير الملتف والعجيب من تلقاء نفسه ! اذا لا فائدة للاحلام بدون وجود فرويد ، فرويد ليس مع الجميع في كل صباح لكي يفسر لهم ما رأوا في مناماتهم ، اذا هي عبث من الطبيعة قبل ان يوجد فرويد و بعد ان مات !
المضمون السري :
طالما جعل الجنس اساسا مشتركا في كل الاحلام ، و يقول عنه انه مضمون سري ، و السر شيء والعلم شيء آخر ، فالعلم لا يبنى على اسرار . اذا نحن امام "إصرار" من فرويد وليس اسرار غير علمية ، فالعلم لا يبنى على اسرار ولا إصرار . بل يبنى على الوضوح ، وفرويد يقدم اسرارا لا يعرفها الا هو ولا يقدم وضوحا ، حتى اصحاب الاحلام لا يعرفون هذه الاسرار ولا يحسون بها كدوافع ، بل هو وحده الذي يعرفها . وتتجلى الاسرار له وحده ، ويقدم لها روابطا سخيفة متعسفة ويسميها الادلة العلمية !! بامكان غيره ان يقدم روابطا اقرب منها واكثر معقولية .
الاهتمام الخفي للنفس :
كيف عرف هذا ؟ كيف عرف ان النفس تقوم بالابدال ؟ ام انه مخرج لكي تقبل فكرته التي يعارضها المنطق والاحساس بوقت واحد ؟ مثل هذه الفكرة لا توجد . عليه اذا تبنى فكرة ان يثبت وجودها ولو في شيء آخر ، ما هي الاحوال التي يقوم بها الانسان بالابدال و هو مع نفسه ؟ ينسى المهم ويهتم بغير المهم ؟ طبعا لا توجد ، المهم يفرض نفسه دائما ولا يـُنسى ، بل نحاول ان ننساه ولا نستطيع .. فرويد يتكلم عن بشر غير موجودين في الواقع الا في خياله .
من اخطاء الثقافة الغربية و ولعها بالجديد ، انها تستطيع ان تقبل الفكرة التي لا وجود مشابه لها . وهذا بحد ذاته دليل على ان الفكرة مصطنعة و ليست من ضمن تركيبة النفس البشرية . لا بد حتى تكون الفكرة صحيحة ان يوجد ما يشابهها ، فحتى نقبل فكرة التطور مثلا ، علينا ان نرى اشياء اخرى غير الاحياء تتطور ، وهذا غير موجود ! اذا كل فكرة تفسيرية لا مشابه لها هي فكرة لا علمية ولا منطقية . يجب ان يوضع هذا الشرط لقبول اي فكرة او نظرية تفسيرية ، في حالة عدم توفر التجريب .. فالتجربة المطردة للشيء نفسه هي اقوى ادلة العلم و اعلى درجات توثيقه (التوثيق العلمي) ، فاذا لم يمكن ، فعلى الاقل ان يوجد حالات مشابهة يظهر فيها تطبيق نفس الفكرة التفسيرية ، وهذه الدرجة الثانية .. اما الدرجة الثالثة فهي منطقية الفكرة من حيث قابلية الارتباط بالحقائق الاخرى و وضوح الغاية والمنطلق فيها .
يجب ان يوضع هذا الشرط لقبول اي فكرة او نظرية تفسيرية والا فكلٌ سوف يقترح ما يشاء عندما تصطدم نظريته باي حاجز ، وهذا ما يفعله فرويد تماما : كلما اصطدم بحاجز ، قفز بنفسه من خلال فكرة مصطنعة لا توجد لها مثائل في النفس البشرية ولا في الواقع ، و هذا بحد ذاته خطأ فلسفي كبير . تماما مثل فكرة العقل الباطن الذي تتحكم به الذكريات القديمة ، فهي فكرة مخالفة للواقع و للمنطق ، فالانسان لا يعيش في الماضي ، بل يعيش في الحاضر والمستقبل ، والذكريات المهمة هي الاولى بأن لا تنسى ، بينما فرويد يصر على ان الذكريات المهمة و الفعالة في حياتنا هي المنسية !! وهذا غير موجود في النفس ولا الذاكرة البشرية, ان تنسى المهم وتبقي على غير المهم . وتزداد الفكرة غرابة إذا عرفنا ان تلك الذكريات جنسية قبل البلوغ !! إذا ما فائدة البلوغ؟! فالأطفال عند فرويد يولدون وهم بالغين! ويبقون طول عمرهم يتعذبون من الكبت الجنسي قبل البلوغ الجنسي ! ومن لا يقف عند الثوابت يستطيع أن يقول ما يشاء, إلا أن ثبت أنها غير ثوابت, وفرويد قال ما يشاء دون أن ينفي الثوابت.
اذا فكرة العقل الباطن هي عبارة عن قفزة للهروب من مأزق . هذه الافكار نسميها الافكار القافزة : ليس لها اساس ولا تشابهُ شيئا ، و لكن تقدّم مخرجا لرؤية يريدها الانسان . هذا يشبه تماما ان تضيّع شيئا أنت مسؤول عن حفظه ، فتقول : ربما جاءت اجسام فضائية و خطفته !! و تتحدى من يثبت عدم امكانية حدوث هذا الشيء (فكرة قافزة) ..
ونظرية فرويد تتصادم مع نظرية الميمات ، التي تجعل الانسان ضحية لافكار جديدة كالفيروسات التي تنتشر ، بينما فرويد يرى انه ضحية لذكريات جنسية قديمة قدم الطفولة و منسية رغم اهميتها ، ولا يهتم بالافكار الجديدة ، فايهما نصدق وكلاهما من معطيات العقل الغربي ؟
الفيضان :
ما الذي يضره لو فسر الحلم على واقعه ؟ المراة تكره كسل الخادمات الذي الفته في امها ، و كثير من المشاكل تحدث بين ربات المنازل و الخادمات بسبب الكسل ، وهذا امر شائع ، و يسبب قلقا لربة المنزل بلا شك ، والاحلام تدور دائما حول القلق و توضحه ، مثل احلام الرسوب في الامتحان أو احلام السقوط من هاوية او احلام المرض الخ ..
هي تخشى ان تكون شخصيتها ضعيفة في ادارتهما ، هذا حلم يعبر عن قلق ، و لا شأن له بالحلم الآخر الذي يعبر عن قلق آخر ، و هو القلق من الفيضان ، لان بيتها قرب النهر ، وهاجس الفيضان موجود عند كل من يسكنون على ضفاف الانهار وشواطئ البحار . وهكذا تكون المراة فهمت قلقها وعليها الاحتياط .
اما ان تكون قلقة من والدها المتوفى على خادمتيها الكسولتين ! و ياتي شبق الوالد على شكل فيضان نهر جارف ! فهذا امر مضحك و مزعج بنفس الوقت .. ولو كان قلقها من تحرش والدها الميت بالخادمتين ، فلماذا تبدوان كسولتان ؟ ما علاقة الكسل بموضوع الجنس ؟ بينما للكسل علاقة قوية بكونهما خادمتين ؟ و كل رئيس يخشى من كسل مرؤوسيه وعدم القدرة على جعلهم نشيطين في عملهم .. هذا يثبت ما ذهبت انا اليه من ان الاحلام في اغلبها تعبر عن القلق والخوف ، لان تاثير الخوف اكبر من تاثير الرغبة في حياتنا ، حتى ان القلق هو الذي يسير حياتنا ، و كل شيء نريد ان نفعله ، يكون مسبوقا بوخزة قلق ، احيانا كثيرة نحس بها على شكل تقلصات في المعدة ، تقوى او تضعف على مدى قوة القلق .. وهذا يحدث بشكل يومي .. بينما فرويد يفسر الاحلام بالرغبة ، معاكسا واقع الطبيعة البشرية التي تهتم بالخوف اكثر من الرغبة . ولو اتجه علم النفس للاهتمام بدافع الخوف بدلا من وجهة الرغبة التي وجهها اليه فرويد لاقترب كثيرا من فهم الانسان ولعرف كيف تتكون الامراض النفسية والعقد ، و هذا ما سيكون عليه علم النفس الجديد كما أتنبأ والله اعلم ، وهو الذي سيساعد على فهم الامراض الجسدية الباطنة ذات البعد النفسي ، كالقولون العصبي و ضيق التنفس والقرحة إلخ .. و احسن تعريف للانسان هو المخلوق الخائف ..
وعلى قدر اهتمامنا بمخاوفنا يكون النجاح ، فالتلميذ الذي يخشى من الرسوب ينجح ، و الشخص الذي يخاف من الكارثة قبل وقوعها و يحتاط يسلم ، حتى الذين يهتمون بجمع المال ، لا نستطيع ان نقول ان الرغبة هي الدافع ، بل الخوف من الفقر او تفوق الاخرين ، والأذكى هو الأكثر مخاوفا وليس الاقوى مخاوفا .. والذي يحترم مخاوفه ان يكون على طريق خطأ ، فسوف يبحث عن الطريق الصحيح .. و الذي يحترم مخاوفه من ان يعاقبه خالق هذا الكون على اخطائه وظلمه ، فسوف يبحث عن الدين القويم .. لهذا القرآن يشير دائما الى موضوع الخشية والتقوى ، قبل و أكثر من موضوع الرغبة ( اما من جاءك يسعى وهو يخشى) ، ولم يقل : وهو يرغب الجنة .. و كلمة التقوى (واتقوا الله) تعني الخوف وليس الرغبة .. وهكذا القرآن هو السراج الذي يضيء لنا الظلمة حول النفس البشرية ..
و عودا الى الحلم السابق : يا ترى اين الرغبة في هذا الحلم ؟ هذا اذا كانت هذه الاحلام حقيقية .
الاصل العالي :
هذا تفسير بعيد و مصطنع ، وليس فيه ما يلامس الحالة ، فهل كل من نزل من فوق يدل على انه من اصل عالي ؟ واين هو الاصل العالي وهي تشتكي من والدها الذي يتصرف بسلوك منحط ؟ والوالد هو اهم ما في الاصل ، و هل كل محل يبيع ادوات رخيصة يكون العار و الشنار على من يسكن فوقه ؟ و ما شأننا بالباعة ؟ كل يبيع على حسب استطاعته ! و اذا كانت هذه هي العراقيل ، فهي لم تتجاوزها ، فأمها لا تزال كسولة ، و بائع الادوات الرخيصة لا زال في مكانه ! والاب قد مات ولكن شبقه بقي مترسبا في الاحلام !! كل هذه النظرات غير معقولة ، ويمجها العقل السليم والذوق السليم .. بقي ان يذكرنا انها فرحت بموت والدها ، ولكن يبدو انه نسي هذه المرة ! فالنهر الجاري بقوة يدل على قوة اندفاع الحياة الجنسية بعد موت والدها ، والذي ربما هو احد العثرات التي تجاوزتها عندما نزلت من فوق ! اي تخلت عن اصلها العالي !
اما ان يكون ابوها مات وقت فيضان النهر ، فهذا رابط بعيد و سخيف ، لا بد انه مات في وقت حدوث اشياء أخرى ، مثل تغير حكومة ، و مثل تساقط الثلج ، ومثل موسم او مناسبة اجتماعية ، فكيف يترك الاصل و ياتي للفرع ؟ لماذا لا ترى والدها في المنزل مع الخادمات ، بدلا من ان ياتي النهر الذي صادف ان فاض في الوقت الذي مات فيه والدها ؟
ولماذا صار النهر هو الرمز مع ان المرض هو من قتل والدها وليس النهر ؟ هذا رمز متعسف ليس الا ، هناك لوازم تشير بطريقة اوضح الى الوالد اكثر من نهر فاض في الوقت الذي مات فيه . و ما دام فرويد يفسر بهذه الطريقة المتوسعة اذا يستطيع ان يفسر اي حلم كما يشاء ، وقد فعل ، ومع الاسف ان هناك من يصدقه . مع ان هذا المصدق يستطيع ان يفسر احلام فرويد كما يشاء هو ايضا . لأن المسالة تبدو واسعة جدا وقابلة للاجتهاد كما يحلو للمفسر .
"وأما علاقة التنافي والتناقض... بقصد التمويه على الرقيب الشعوري":
لماذا لم يقل ان هذه التناقضات مع منطق اليقظة بقصد حماية الذاكرة ؟ سيكون التبرير أوجه من أن يتحايل إنسان على نفسه و هو نائم أيضا ! هو لم يفعلها وهو مستيقظ ، فلماذا يفعلها وهو نائم؟ و ليس من عادة الإنسان أن يتحايل على نفسه ، فهو مكشوف مع نفسه في اليقظة , فما بالك لو كان نائما ؟ سيكون مكشوفا أكثر .. إذا هي فكرة قافزة لا توجد مثيلات لها في الواقع النفسي للانسان .
لا يستطيع الإنسان أن يكذب ويخفي عن نفسه أنه يكذب, ولا يستطيع أن يسرق و يخفي عن نفسه أنه يسرق , لكنه يخفي عن غيره . إذا لماذا يخفي عن نفسه و هو نائم و منفصل عن عالم اليقظة أصلا الذي يحتاج للاحترازات ؟ الآخرون الذين نخفي عنهم هم في عالم اليقظة و ليسوا في عالم الأحلام . و الإنسان حر مع نفسه وهو مستيقظ ، ولا شك أن حريته تزداد أكثر و هو يحلم و ليس العكس , وإلا لماذا احتاج فرويد للتنويم المغناطيسي ؟ من اجل أن يفصل الشخص عن الواقع ليكون حرا مع نفسه . إذا النوم من باب أولى.
ولاحظ أنه يسمى تنويما لكي يفصح عما بداخله دون خوف من رقابة الآخرين , و كذلك الواقع تحت تأثير السُّـكر يكون صريحا لأنه مع نفسه أكثر من كونه تحت تاثير الآخرين , إذا ما بال الإنسان و هو نائم فقط يمارس الرقابة مع نفسه مع أن كل هذه الحالات و ما يشابهها تقرّب الإنسان من حالة الأحلام ؟ فالمنوَّم مغناطيسيا و من في حالة سكر شديد يعرف فيما بعد أنه كان منفصلا عن الواقع , أي قريب من حالة الحالم . إذا فرويد يناقض نفسه, لأنه يقربهم إلى حالة الاحلام حتى يكونوا صرحاء مع أنفسهم ، و لما رأى أن الأحلام توجد فيها اشياء بعيدة عن تفسيراته ادعى وجود الرقابة في عالم الأحلام مدعيا أنها هي التي أفسدت عليه طبخته غير الراقية .
المفترض منطقيا أن تكون الأحلام أكثر إفصاحا لا أن تكون هي الأكثر رقابة و سرية ! و هنا عاكس فرويد منهجه و ناقض نفسه . تُرى لو كانت الأحلام صريحة بما يريد فرويد أن تكون ، هل كان سيحتاج إلى فكرة الرقابة والذكريات المدفونة والعقل الباطن ؟ إذا هي ليست إلا حيل و مخارج لأزمة واجهها مع الأحلام ، وهي وجود الفضيلة ساطعة في الاحلام . إذا فرويد يسير بالاتجاه المعاكس دائما لواقع النفس البشرية. وكل ما قدمه كعلم نفس مجهود ليس له فائدة حقيقية ولا اساس حقيقي ، ومضلل للدراسات الحقيقية .. ولا اجد اي قيمة حقيقية لهذا المجهود ، إلا إن شئنا ان نجامله بسبب شهرته التي لا يستطيع احد ان ينكرها ، فهو مشهور و منظـّر ، لكنه غير مصيب بالكامل لأي حقيقة .. وإستبعاده هو اهم شرط لأي دراسة جادة و حقيقية للنفس البشرية ..
------------------------------
انتهت الحلقة التاسعة ..
وتليها الحلقة العاشرة بإذن الله ..
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق